العقد الإجتماعي 8
إن الحكماء الذين يتحدثون الى العامة
بلغتهم لن يفهمهم العامة .
فهناك الالاف الكثيرة من الافكار التى لا يمكن ترجمتها
الى لغة الشعب .
كما أن التطرف فى التعميم ووجهات النظر البعيدة تسمو أيضا على
إدراك الناس : إذ لا يتذوق كل فرد غير نظام الحكم الذى يتفق مع مصلحته الخاصة ,
ولا يقدر إلا بصعوبة المزايا التى تعود عليه من الحرمان المستمر الذى تفرضه
القوانين الطيبه .
ولكى يتذوق شعب ناشئ المبادىء السليمة فى السياسة ويتبع القواعد
الأساسية لمصلحة الدولة , يجب أن ينقلب الأمر فيصير المعلول علة , أى أن يسبق
النظام تلك الروح الاجتماعية التى يجب أن تكون من صنع هذا النظام ؛ وأن يفعل الناس
قبل وجود القوانين ما ستدفعهم هذه القوانين الى فعله .
ومن هنا كان المشرع لا
يستطيع أن يستعمل القوة ولا الإقناع , وعليه بالضرورة أن يلجأ الى سلطة من نوع أخر
, سلطة تقود بلا عنف وتقنع بلا حجة .
الشعب
كما أن المهندس المعمارى يفحص الأرض التى
سيقيم عليها بناءه ويختبرها قبل ان يشيد بناء كبيرا حتى يرى إذا كانت ستحمل ثقله ,
كذلك يجب على المشرع الحكيم ألا يبدأ بوضع القوانين الصالحة فى ذاتها , ولكنه يبحث
أولا ما إذا كان الشعب الذى يضعها من أجله يستطيع أن يتحملها .
إن الاف الشعوب العظيمة ظهرت على وجه
البسيطة ولكنها لم تستطع أن تتحمل قوانين صالحة ؛ وحتى تلك الشعوب التى استطاعت
ذلك لم تداوم عليه سوى فترة قصيرة جدا من تاريخها الطويل .
فمعظم الشعوب , مثل
الأفراد , لا تكون مرنة إلا فى شبابها ؛ ولكنها عندما تتقدم فى السن يتعذر تقويمها
.
والعادات متى استقرت وألوان التحيز متى تأصلت , تكون محاولة إصلاحها مهمة خطرة
ولا طائل من ورائها ؛ والشعب لا يقبل حتى أن تمس مواطن ضعفه للقضاء عليها , مثل
أولئك المرضى الأغبياء والجبناء الذين يرتجفون لرؤية الطبيب .
فالشعب عندما يكون بدائيا قد يستطيع أن
يجد سبيله الى الحرية , ولكنه لا يستطيع ذلك عندما تكون الأجهزة المدنية بليت .
ومن ثم فإن الاضطرابات قد تقضى على الشعب دون أن تستطيع الثورات ان تعيده الى
الحياة ؛ و بمجرد أن تتمزق روابطه يتفرق شذرا ولا يعود له وجود : وما يحتاج اليه
عندئذ هو سيد وليس محررا .
أيتها الشعوب الحرة , تذكرى هذه الحكمة ( الحرية قد
تكتسب , ولكنها لا تسترد ابدا ) .
0 التعليقات:
إرسال تعليق