العقد الإجتماعي 9
تابع الشعب
هناك حدود للدولة إذا تجاوزتها لا
تستطيع الحصول على أفضل دستور لها , بحيث لا تكون فى حجمها أكبر مما يتفق وحسن
الإدارة , أو أصغر مما ينبغى حتى تدبر أمورها بنفسها .
فهناك فى كل جسد سياسى حد
أعلى من القوة يجب ألا يتجاوزه , ولكنه يتجاوزه فى سبيل التوسع . بيد أنه كلما
اتسعت الرابطة الاجتماعية كانت أقل متانة , وبصفة عامة تكون الدولة الصغيرة أقوى
نسبيا من الكبيرة .
الدستور السليم القوى هو أول ما يجب
العمل على تحقيقه والحيوية النابعة من حكم صالح أفضل من أية موارد يكفلها التوسع
الإقليمى .
إن الناس هى التى تصنع الدولة , و
الأرض هى التى تمدهم بغذائهم ؛ والوضع الأمثل إذن أن تكفى الأرض سكانها , وأن يكون
عدد السكان كافيا لاستهلاك إنتاج الأرض .
وفى هذه النسبه يكمن الحد الأعلى من
القوة الذى يصل إليه أى عدد معين من الناس ؛ لأنه إذا كان هناك ارض اكثر مما يجب ,
صار الدفاع عنها شاقا والزراعة غير كافية , ويؤدى ذلك وشيكا الى الحرب الدفاعية ؛
وإذا لم يكن هناك ما يكفى من الأرض , تصير الدولة تحت رحمة جيرانها الذين تستمد
منهم ما ينقصها , ويؤدى ذلك وشيكا الى الحرب الهجومية .
وأى شعب ليس أمامه ,
بمقتضى وضعه إلا أيختار بين التجارة والحرب , يكون ضعيفا فى ذاته فهو يعتمد على
جيرانه , كما يعتمد على الأحداث , ويظل كيانه غير مستقر وقصير .
فإما أن يخضع غيره
فيتبدل وضعه و إما أن يخضعه غيره فينتهى كيانه . ولا يستطيع أن يبقى حرا إلا إذا
كان صغيرا بدرجة كافية أو كبيرا بدرجة كافية .
يجب أن يتوفر فترة من السلام وقدر من
الوفرة ؛ لان مرحلة تنظيم الدولة , مثل مرحلة تكوين كتيبة , هى الفترة التى يكون
فيها الجسد فى أضعف حالاته و أكثرها تعرضا للهلاك بسهولة .
فالمقاومة تكون فى الفوضى
الشاملة أسهل منها فى فترات التكوين , حيث يكون كل إنسان مشغولا بوضعه لا بالخطر
المحدق . فإذا وقعت فى هذه الأوقات الحرجة حرب أو مجاعة أو فتنة انهارت الدولة
حتما .
المغتصبون يعملون على إيجاد الاضطرابات
, أو ينتهزون فرصة وجودهما , ليمرروا فى غمرة الذعر العام قوانين ما كان الناس
ليقبلوها أبدا فى حالة هدوئهم .
إن اختيار لحظة العمل هو أحد السمات المؤكدة التى
يستطيع المرء بوساطتها أن يميز بين عمل المشرع وعمل الطاغية .
أى الشعوب إذن هو أصلح مادة للتشريع ؟
إنه الشعب الذى يرتبط أصلا برابطة من المصلحة أو الأصل أو العلاقة القديمة , والذى
لم يخضع بعد لوطأة القوانين الحقيقية , وليست لديه عادات وخرافات متأصلة ؛ والذى
لا يخشى غزوا مفاجئا .
الشعب الذى يستطيع فيه كل واحد أن
يعرف الجميع , وحيث لا يلزم فيه أحد بتحمل ما فوق طاقته ؛ وهو الشعب الذى يستطيع
ألا يعتمد على أى شعب اخر كما لا يعتمد عليه شعب اخر ؛ الشعب الذى لا هو بالغنى
ولا بالفقير ولكنه يتمتع باكتفاء ذاته .
إن ما يجعل عمل المشرع مرهقا هو ما
يجب عليه أن يهدمه أكثر مما يجب عليه أن ينشئه .
0 التعليقات:
إرسال تعليق