18‏/02‏/2015

العقد الإجتماعي 9

العقد الإجتماعي 9

                             تابع الشعب

           هناك حدود للدولة إذا تجاوزتها لا تستطيع الحصول على أفضل دستور لها , بحيث لا تكون فى حجمها أكبر مما يتفق وحسن الإدارة , أو أصغر مما ينبغى حتى تدبر أمورها بنفسها . 

فهناك فى كل جسد سياسى حد أعلى من القوة يجب ألا يتجاوزه , ولكنه يتجاوزه فى سبيل التوسع . بيد أنه كلما اتسعت الرابطة الاجتماعية كانت أقل متانة , وبصفة عامة تكون الدولة الصغيرة أقوى نسبيا من الكبيرة .

           الدستور السليم القوى هو أول ما يجب العمل على تحقيقه والحيوية النابعة من حكم صالح أفضل من أية موارد يكفلها التوسع الإقليمى .

           إن الناس هى التى تصنع الدولة , و الأرض هى التى تمدهم بغذائهم ؛ والوضع الأمثل إذن أن تكفى الأرض سكانها , وأن يكون عدد السكان كافيا لاستهلاك إنتاج الأرض .

وفى هذه النسبه يكمن الحد الأعلى من القوة الذى يصل إليه أى عدد معين من الناس ؛ لأنه إذا كان هناك ارض اكثر مما يجب , صار الدفاع عنها شاقا والزراعة غير كافية , ويؤدى ذلك وشيكا الى الحرب الدفاعية ؛ وإذا لم يكن هناك ما يكفى من الأرض , تصير الدولة تحت رحمة جيرانها الذين تستمد منهم ما ينقصها , ويؤدى ذلك وشيكا الى الحرب الهجومية .

 وأى شعب ليس أمامه , بمقتضى وضعه إلا أيختار بين التجارة والحرب , يكون ضعيفا فى ذاته فهو يعتمد على جيرانه , كما يعتمد على الأحداث , ويظل كيانه غير مستقر وقصير .

فإما أن يخضع غيره فيتبدل وضعه و إما أن يخضعه غيره فينتهى كيانه . ولا يستطيع أن يبقى حرا إلا إذا كان صغيرا بدرجة كافية أو كبيرا بدرجة كافية .

         يجب أن يتوفر فترة من السلام وقدر من الوفرة ؛ لان مرحلة تنظيم الدولة , مثل مرحلة تكوين كتيبة , هى الفترة التى يكون فيها الجسد فى أضعف حالاته و أكثرها تعرضا للهلاك بسهولة .
 فالمقاومة تكون فى الفوضى الشاملة أسهل منها فى فترات التكوين , حيث يكون كل إنسان مشغولا بوضعه لا بالخطر المحدق . فإذا وقعت فى هذه الأوقات الحرجة حرب أو مجاعة أو فتنة انهارت الدولة حتما .

          المغتصبون يعملون على إيجاد الاضطرابات , أو ينتهزون فرصة وجودهما , ليمرروا فى غمرة الذعر العام قوانين ما كان الناس ليقبلوها أبدا فى حالة هدوئهم .

 إن اختيار لحظة العمل هو أحد السمات المؤكدة التى يستطيع المرء بوساطتها أن يميز بين عمل المشرع وعمل الطاغية .

           أى الشعوب إذن هو أصلح مادة للتشريع ؟

إنه الشعب الذى يرتبط أصلا برابطة من المصلحة أو الأصل أو العلاقة القديمة , والذى لم يخضع بعد لوطأة القوانين الحقيقية , وليست لديه عادات وخرافات متأصلة ؛ والذى لا يخشى غزوا مفاجئا .

            الشعب الذى يستطيع فيه كل واحد أن يعرف الجميع , وحيث لا يلزم فيه أحد بتحمل ما فوق طاقته ؛ وهو الشعب الذى يستطيع ألا يعتمد على أى شعب اخر كما لا يعتمد عليه شعب اخر ؛ الشعب الذى لا هو بالغنى ولا بالفقير ولكنه يتمتع باكتفاء ذاته .


     إن ما يجعل عمل المشرع مرهقا هو ما يجب عليه أن يهدمه أكثر مما يجب عليه أن ينشئه .

0 التعليقات: