24‏/02‏/2015

العقد الإجتماعي 15

العقد الإجتماعي 15


                                     فى التصويت

          عندما لا تعود للشعب – وقد سقط فى وهدة العبودية- حرية ولا إدارة .
فعندئذ يحول الخوف والملق التصويت الى هتافات , فلا تفكير هناك , بل تسبيح أو لعنة .

وقد كانت هذه الطريقة الحقيرة التى كان مجلس الشيوخ يبدى بها رأيه تحت حكم الأباطرة .


     ليس هناك سوى قانون واحد يتطلب بطبيعته موافقة اجتماعية ,
وهو العقد الاجتماعى : لأن الاتحاد المدنى أكثر عقود الدنيا اختيارا ؛ إذ لما كان الإنسان يولد حرا وسيد نفسه : لا يستطيع شئ إخضاعه بأية حجة كانت , فالقول بأن العبد يولد عبدا هو بمثابة القول بأنه لا يولد إنسانا .

        وفيما عدا هذا العقد الأولى يكون صوت العدد الأكبر ملزما للجميع وهذه نتيجة تترتب على العقد نفسه .

           هناك مبداّن عامان يمكن الإفادة منهما فى تنظيم هذه العلاقات : أولهما هو أنه كلما كان موضوع المداولة خطيرا وهاما , كان من الواجب أن يكون العدد الذى يبت فيه على أساسه قريبا من الإجماع , والثانى هو أنه كلما كان موضوع المداولة مما يتطلب سرعة أكبر وجب تضيق الفرق المقرر فى الأصوات , بحيث يجب أن تكفى زيادة صوت واحد فى المداولات التى يجب إتمامها فورا .

                                          فى الانتخابات

           فيما يتعلق بانتخابات الأمير و الحكام , توجد طريقتين هما الاختيار و القرعة .

      إذا تنبهنا إلى انتخاب الرؤساء وظيفة من وظائف الحكم وليست من وظائف السيادة , سنرى لماذا تعتبر طريقة القرعة من طبيعة الديمقراطية أكثر , حيث تكون الإدارة أفضل بقدر ما تكون الأعمال المتصلة بها أقل .

     إن الوظائف فى جميع الديمقراطيات الحقيقية ليست ميزة , ولكنها تكليف شاق لا يمكن فرضه عدلا على فرد أكثر من أى فرد أخر .

         عندما يمزج الاختيار بالقرعة يجب استعمال الأول فى ملء المناصب التى تتطلب موهبة , مثل المناصب العسكرية : وتلائم الثانية تلك المناصب التى يكفى فيها الإدراك السليم والعدالة و النزاهة مثل المهام القضائية , لأن هذه الصفات تكون مشتركة بين جميع المواطنين فى الدولة حسنة التكوين .
                   
                                   فى المجالس الشعبية الرومانية

        بعد إنشاء روما كانت الجمهورية الوليدة , أى جيش المؤسس , تتكون من البين و سابينين و أجانب , وقسمت الى ثلاث طبقات أخذت بهذا التقسيم اسم قبائل .

وقسم كل من هذه القبائل الى عشر عشائر , وكل عشيرة الى فصائل ونصب عليها رؤساء أطلق عليها اسم كيوريون و ديكوريون .

       وإلى جانب ذلك أخذت من كل قبيلة مجموعة من مائة فارس أطلق عليها كوكبة ؛ ومن هذا يتبين أن هذه التقسيمات , التى لم تكن لها فائدة كبيرة فى مدينة , لم تكن فى أول الأمر سوى تقسيمات عسكرية .

ولكن يبدو أن غريزة العظمة حملت مدينة روما الصغيرة على أن تتبنى مقدما نظاما يلائم عاصمة العالم .

        وسرعان ما نجم عن هذا التقسيم ضرر ؛ هو أن قبائل الألبينيين و السابينيين ظلت على حالها دائما بينما جعلت قبيلة الغرباء تتزايد بسبب وفود الأجانب إلى روما , ولم تلبث أن فاقت القبيلتين الثانيتين عددا . وكان العلاج الذى وجده سرفيوس لهذا الوضع الخطر هو تغيير الأساس الذى يقوم عليه التقسيم , واستبدل المعيار العنصرى (الذى ألغاه) بمعيار أخر مختلف تماما يقوم على المكان الذى تشغله كل من هذه القبائل فى المدينة . وجعل القبائل أربعا , كلا منها تشغل أحد تلال روما وتحمل اسمه . وهكذا لم يجد علاجا لعدم المساواة القائم فحسب بل عمل على تلافيه فى المستقبل أيضا ؛ حرم عليهم أن ينتقلوا من حى إلى حى , وبذلك منع اختلاط الأجناس المختلفة .

        وكذلك ضاعف كوكبات الفرسان الثلاث وأضاف إليها اثنتى عشرة كوكبة أخرى , وإن احتفظت بالأسماء القديمة .

وبهذا الإجراء البسيط الحكيم ميز بين الفرسان والشعب دون أن يؤدى ذلك إلى تذمر الشعب .

         وأضاف سرفيوس الى هذه القبائل الأربع من سكان المدن الحضريين خمس عشرة قبيلة أخرى سميت قبائل الريف , لأنها كانت تتكون من اولئك الذين يعيشون فى الريف . وقسمت هذه إلى نفس العدد من المقاطعات .

ثم أضاف إليها خمس عشرة قبيلة ثانية فيما بعد , وهكذا أصبح الشعب الرومانى مقسما إلى ثلاث وخمسين قبيلة وظل هذا مجموع القبائل حتى نهاية الجمهورية .


         وهذه تفرقة جديرة بالملاحظة بين قبائل المدينة وقبائل الريف لأنه لا يوجد فى التاريخ مثال أخر لهذا الشكل من التنظيم , ولأن روما مدينة له بحفظ عاداتها ونمو إمبراطوريتها .

 وقد يظن المرء أن قبائل المدينة سرعان ما تحتكر كل السلطة والامتيازات , وتوضع القبائل الريفية فى مرتبة خاضعة . والواقع أن ما حدث كان العكس تماما . فنحن نعرف ميل الرومانيين الأول لحياة الريف . وقد ولد فيهم هذا الميل مؤسسهم الحكيم الذى جعل العمل فى الريف والخدمة العسكرية جزءا من الحرية , وترك لأهل المدينة , بمعنى ما , الفنون والحرف والدسائس وجمع المال ونظام الرق .

0 التعليقات: