العقد الإجتماعي 15
فى التصويت
عندما لا تعود للشعب – وقد سقط فى وهدة
العبودية- حرية ولا إدارة .
فعندئذ يحول الخوف والملق التصويت الى هتافات , فلا
تفكير هناك , بل تسبيح أو لعنة .
وقد كانت هذه الطريقة الحقيرة التى كان مجلس
الشيوخ يبدى بها رأيه تحت حكم الأباطرة .
ليس هناك سوى قانون واحد يتطلب
بطبيعته موافقة اجتماعية ,
وهو العقد الاجتماعى : لأن الاتحاد المدنى أكثر عقود
الدنيا اختيارا ؛ إذ لما كان الإنسان يولد حرا وسيد نفسه : لا يستطيع شئ إخضاعه
بأية حجة كانت , فالقول بأن العبد يولد عبدا هو بمثابة القول بأنه لا يولد إنسانا
.
وفيما عدا هذا العقد الأولى يكون صوت
العدد الأكبر ملزما للجميع وهذه نتيجة تترتب على العقد نفسه .
هناك مبداّن عامان يمكن الإفادة منهما
فى تنظيم هذه العلاقات : أولهما هو أنه كلما كان موضوع المداولة خطيرا وهاما , كان
من الواجب أن يكون العدد الذى يبت فيه على أساسه قريبا من الإجماع , والثانى هو
أنه كلما كان موضوع المداولة مما يتطلب سرعة أكبر وجب تضيق الفرق المقرر فى
الأصوات , بحيث يجب أن تكفى زيادة صوت واحد فى المداولات التى يجب إتمامها فورا .
فى الانتخابات
فيما يتعلق بانتخابات الأمير و الحكام
, توجد طريقتين هما الاختيار و القرعة .
إذا تنبهنا إلى انتخاب الرؤساء وظيفة
من وظائف الحكم وليست من وظائف السيادة , سنرى لماذا تعتبر طريقة القرعة من طبيعة
الديمقراطية أكثر , حيث تكون الإدارة أفضل بقدر ما تكون الأعمال المتصلة بها أقل .
إن الوظائف فى جميع الديمقراطيات
الحقيقية ليست ميزة , ولكنها تكليف شاق لا يمكن فرضه عدلا على فرد أكثر من أى فرد
أخر .
عندما يمزج الاختيار بالقرعة يجب
استعمال الأول فى ملء المناصب التى تتطلب موهبة , مثل المناصب العسكرية : وتلائم
الثانية تلك المناصب التى يكفى فيها الإدراك السليم والعدالة و النزاهة مثل المهام
القضائية , لأن هذه الصفات تكون مشتركة بين جميع المواطنين فى الدولة حسنة التكوين
.
فى المجالس الشعبية
الرومانية
بعد إنشاء روما كانت الجمهورية الوليدة ,
أى جيش المؤسس , تتكون من البين و سابينين و أجانب , وقسمت الى ثلاث طبقات أخذت
بهذا التقسيم اسم قبائل .
وقسم كل من هذه القبائل الى عشر عشائر , وكل عشيرة الى
فصائل ونصب عليها رؤساء أطلق عليها اسم كيوريون و ديكوريون .
وإلى جانب ذلك أخذت من كل قبيلة مجموعة من
مائة فارس أطلق عليها كوكبة ؛ ومن هذا يتبين أن هذه التقسيمات , التى لم تكن لها
فائدة كبيرة فى مدينة , لم تكن فى أول الأمر سوى تقسيمات عسكرية .
ولكن يبدو أن
غريزة العظمة حملت مدينة روما الصغيرة على أن تتبنى مقدما نظاما يلائم عاصمة
العالم .
وسرعان ما نجم عن هذا التقسيم ضرر ؛ هو
أن قبائل الألبينيين و السابينيين ظلت على حالها دائما بينما جعلت قبيلة الغرباء
تتزايد بسبب وفود الأجانب إلى روما , ولم تلبث أن فاقت القبيلتين الثانيتين عددا .
وكان العلاج الذى وجده سرفيوس لهذا الوضع الخطر هو تغيير الأساس الذى يقوم عليه
التقسيم , واستبدل المعيار العنصرى (الذى ألغاه) بمعيار أخر مختلف تماما يقوم على
المكان الذى تشغله كل من هذه القبائل فى المدينة . وجعل القبائل أربعا , كلا منها
تشغل أحد تلال روما وتحمل اسمه . وهكذا لم يجد علاجا لعدم المساواة القائم فحسب بل
عمل على تلافيه فى المستقبل أيضا ؛ حرم عليهم أن ينتقلوا من حى إلى حى , وبذلك منع
اختلاط الأجناس المختلفة .
وكذلك ضاعف كوكبات الفرسان الثلاث وأضاف
إليها اثنتى عشرة كوكبة أخرى , وإن احتفظت بالأسماء القديمة .
وبهذا الإجراء
البسيط الحكيم ميز بين الفرسان والشعب دون أن يؤدى ذلك إلى تذمر الشعب .
وأضاف سرفيوس الى هذه القبائل الأربع من
سكان المدن الحضريين خمس عشرة قبيلة أخرى سميت قبائل الريف , لأنها كانت تتكون من
اولئك الذين يعيشون فى الريف . وقسمت هذه إلى نفس العدد من المقاطعات .
ثم أضاف
إليها خمس عشرة قبيلة ثانية فيما بعد , وهكذا أصبح الشعب الرومانى مقسما إلى ثلاث
وخمسين قبيلة وظل هذا مجموع القبائل حتى نهاية الجمهورية .
وهذه تفرقة جديرة بالملاحظة بين قبائل
المدينة وقبائل الريف لأنه لا يوجد فى التاريخ مثال أخر لهذا الشكل من التنظيم ,
ولأن روما مدينة له بحفظ عاداتها ونمو إمبراطوريتها .
وقد يظن المرء أن قبائل
المدينة سرعان ما تحتكر كل السلطة والامتيازات , وتوضع القبائل الريفية فى مرتبة
خاضعة . والواقع أن ما حدث كان العكس تماما . فنحن نعرف ميل الرومانيين الأول
لحياة الريف . وقد ولد فيهم هذا الميل مؤسسهم الحكيم الذى جعل العمل فى الريف
والخدمة العسكرية جزءا من الحرية , وترك لأهل المدينة , بمعنى ما , الفنون والحرف
والدسائس وجمع المال ونظام الرق .
0 التعليقات:
إرسال تعليق