02‏/02‏/2015

إمبراطورية الثروة ج2-18

إمبراطورية الثروة ج2-18


         وارتفعت البطالة فى اواخر عام 1931 الى 15.9 فى المائة . وبدأت شوارع البلاد تكتظ برجال مهلهلى الثياب يبحثون عبثا عن عمل , أى عمل . ولم يكن مستغربا فى المناطق الريفية أن يقرع أبواب البيوت أشخاص يبحثون عن عمل لقاء وجبة طعام أو قضاء ليلة فى الحظيرة . 

واصطفت فى المدن طوابير الخبز على امتداد مجمعات الأبنية , وانتشرت الكتل متداعية من الأكواخ ومنحدرات السطوح – وكانت تكنى بهوفرفيلز – فى المرائب والخلاء , حيث فزع اليها أولئك الذين فقدوا منازلهم وشققهم السكنية .

 لقد بدأ النظام الاقتصادى كله يتداعى وينهار . وفسدت المحاصيل الكاسدة (غير المبيعة ) فى أنحاء البلاد , وكان البعض فى المدن يقصد حاويات القمامة بحثا عما يأكله فى بلد كان يعتبر أغنى بلدان العالم .

         اقترح هوفر فكرة افضل كثيرا من الزيادة الضريبية , على الرغم من تصاعد وضع الكساد , تمثلت هذه الفكرة فى قانون مصارف الإسكان الذى يقضى بإنشاء عدد من مصارف الإسكان المفوضة بتقديم القروض بضمانة محافظ الرهون العقارية لدى المصارف التجارية .

 لقد حظر قانون الاحتياطى الفدرالى الصادر فى عام 1913 على مصرف الاحتياطى الفدرالى تقديم القروض من خلال نافذة الخصم على مثل هذه الضمانات . وكان أثر هذا المنع تجميد مئات الملايين من الدولارات فى أصول مصرفية كان يمكن استخدامها فى ضخ السيولة الى النظام المصرفى .

         فى اواخر مايو تظاهر نحو الف رجل شاركوا فى الحرب العالمية الاولى فى واشنطن للمطالبة بالحصول انذاك على منحة لهم تستحق فى عام 1945 , وصدر عن الكونغرس مشروع قانون بطبع 2.4 مليار دولار من النقد القانونى (من دون تغطية ذهبية) لسداد تلك المنحة , لكن مجلس الشيوخ رفض المشروع . وفى غضون ذلك زاد عديد (قوة المطالبة بالمنحة) حملة المنحة ليبلغ سبعة عشر الفا فى منتصف يونيو , اكثرهم كان فى مخيمات اناكوسشيا  فلاتس فى ضواحى ولاية العاصمة .


 و اقام البعض اكواخا فى اراضى حكومية قرب الكابيتول واحتلوا عددا من المبانى الحكومية فى شارع بنسلفانيا .

          و اجاز الكونغرس أن يدفع للمحاربين القدماء المال اللازم لإعادتها الى مناطقهم , واندلعت اعمال العنف عندما حاولت شرطة العاصمة طردهم بالقوة .

وقتل فى الحادث اثنان من المحاربين القدماء وشرطيان . و استدعى هوفر الجيش بقيادة رئيس الأركان دوغلاس ماك ارثر لإجلائهم عن اراضى الحكومة وحصر تجمعهم فى أناكوسشيا فلاتس .

           وفى 28 يوليو قاد ماك ارثر بنفسه – كديك مختال – فرقة من الخيالة و المدفعية بكامل عتادها و استعدادها تتبعها ست دبابات لإخلاء المبانى الحكومية .

 لكنه حينها – و فى انتهاك واضح لأوامر الرئيس – أجلى ايضا المساكن و أحرق الأكواخ التى نصبت هناك , مبددا بقايا جيش المنحة . كان على هوفر أن يقيل ماك ارثر على الفور للمخالفة الصارخة , للأوامر .

لكنه اثر بدلا من ذلك أن يتحمل كامل المسؤولية , وتكبد ثمنا سياسيا باهظا من جراء ذلك بعد أن هزت الأمريكيين صور خيالية على صهوات الجياد وقد مشقت سيوفها فى أثر العاطلين عن العمل فى شوارع عاصمة البلاد .
          إن أذونات الخزانة – التى تقل أجال استحقاقها عن سنة واحدة – تباع بخصم على قيمتها الاسمية , وترد فى تاريخ استحقاقها بكامل قيمتها الاسمية .

          قال روزفلت : إن الشئ الوحيد الذى يجب أن نخشاه هو الخوف نفسه .

          لو كان ثمة شك فى مكانة العامل النفسى البشرى كقوة محركة فى عالم الاقتصاد , فما على المرء إلا أن يتمعن فى الأيام القلائل الأولى من إدارة فرانكلين روزفلت , ليجد الدليل الدامغ على هذه المكانة , ففى يوم السبت 4 مارس , وبينما كانت الملايين مصيغة الى المذياع , القى روزفلت واحدة من قلائل خطب التنصيب التى لم تبرح ذاكرة الناس .

 لقد قدمت لنا فقرتها الاولى عبارة عن باتت على الفور جزءا من النسيج السياسى الأمريكى .

وإذن بادئ ذى بدء , اسمحوا لى بأن أؤكد ايمانى الراسخ بأن الشئ الوحيد الذى يجب ان نخشاه هو الخوف نفسه , الهلع الذى لا يعرف اسما ولا منطقا ولا مبررا والذى يعرقل الجهود اللازمة لقلب الانكفاء الى تقدم . وخلفت الخطبة أثرا كالسحر فى الشعب الامريكى .

وفى أول اسبوع من الخطبة تسلم البيت الابيض 450 الف خطابا وبطاقة .

ولم يكن هوفر يحتاج الى اكثر من موظف واحد للإشراف على بريد البيت الأبيض . أما روزفلت فكان فى حاجة الى سبعين موظفا .

        وفى اليوم التالى دعا الكونغرس الى الانعقاد فى جلسة خاصة يوم الخميس التالى , وأصدر أمرا إداريا – بموجب نص القانون (التجارة مع العدو) الذى يدعو الى الريبة , والذى أقر زمن الحرب العالمية الأولى – بإغلاق كل مصارف البلاد الى حين يفرغ الكونغرس من جلسته , وعقد اجتماعات طارئة للمصارف الكبرى .

وعملت وزارة الخزانة – التى كان لا يزال معظم موظفيها من فريق إدارة الرئيس هوفر – مع المصارف بجد وحماس فى الأيام القليلة التالية لإعداد قانون الإعانة الطارئة للمصارف .

        وفى يوم الأربعاء 8 مارس عقد روزفلت أول مؤتمر صحافى له , حي احتشد 125 صحافيا فى المكتب البيضاوى . وعندما فرغ من عرض ملاحظاته التى اعدها مسبقا , طفق الصحافيون – ولمره واحده ربما فى التاريخ – بالتصفيق الجماعى . لقد أراد الشعب الأمريكى – ومنه الصحافيون – النجاح لروزفلت , ولهذا بالتحديد نجح روزفلت فى مساعيه .

         فى يوم الأحد 12 مارس القى روزفلت اول خطبه إذاعية له من داخل البيت الأبيض . وفى نبرة أرستقراطية أبوية , واعظة و مواسية , أبلغ الجمهور أنه عندما تعيد المصارف فتح أبوابها غدا سيكون ( إيداع أموالكم فى مصرف أعاد فتح أبوابه أكثر أمانا من تركها تحت الحشية ) .

      أدرك الرومان أن هذا النظام لا يؤدى الغاية منه فى أوقات الطوارئ و الأزمات . لذلك أجاز الدستور – إذا دعت الضرورة – أن يتقلد الحاكم سلطة مطلقة لستة أشهر . كان يطلق على هذا الحاكم الوقتى اسم الديكتاتور (الحاكم المطلق) .

         لقد كان فرانكلين روزفلت فى الأشهر الثلاثة الأولى من رئاسته , أو الأيام المائة كما أطلق عليها , الديكتاتور الأمريكى بأشد ما تنطوى عليه هذه التسمية .

قرارات روزفلت لحل الأزمة :
    ـ 9 مارس : وقع الرئيس روزفلت قانون الإعانة الطارئة للمصارف.

     ـ 20 مارس : وقع الرئيس روزفلت قانون الاقتصاد الذى يقضى بإعادة تنظيم الحكومة وخفض الرواتب ومعاشات تقاعد المحاربين القدماء – كان هؤلاء ربما أعظم قوة ضغط فى واشنطن العاصمة انذاك – لتقليص النفقات الحكومية بمبلغ 500 مليون دولار .

      ـ 21 مارس : وقع روزفلت قانون المعونة المالية لأعمال التحريج والفرق المدنية لحماية البيئة , لتوفير العمل لنحو 250 الف شاب فى مشاريع الإعمار وحماية البيئة .

      ـ 22 مارس : وقع روزفلت قانون إيرادات البيرة والخمور , الذى أجاز تجارة البيرة والخمور التى تقل فيها نسبة الكحول عن 4 فى المائة , وفرض عليها ضرائب ثقيلة لزيادة إيرادات الحكومة .

      ـ 19 إبريل : أبطل روزفلت التعامل بمعيار الذهب , وأخرج الذهب من التداول النقدى , وذلك بحظر استخدام المسكوكات الذهبية كعملة قانونية و إعادتها الى الخزانة , وحظر على المواطنين حيازة السبائك الذهبية . وفى العام التالى خفض قيمة الدولار 20.66 دولار لأوقية الذهب الواحدة الى 35 دولار  للأوقية .

       ـ 12 مايو : وقع روزفلت قانون المعونة المالية الفدرالية الطارئة لتقديم منح تصل قيمتها الى 500 مليون دولار الى الحكومات لتمويل المساعدات المالية للعاطلين عن العمل .

       ـ 27 مايو : وقع روزفلت قانون الأوراق المالية الفدرالى الذى فرض على الشركات الإفصاح الكامل عن المعلومات المالية اللازمة للمستثمرين . وكان هذا أول الضوابط الفدرالية التى تنظم تداول الأوراق المالية .

      

0 التعليقات: