إمبراطورية الثروة ج2-18
وارتفعت البطالة فى اواخر عام 1931 الى 15.9
فى المائة . وبدأت شوارع البلاد تكتظ برجال مهلهلى الثياب يبحثون عبثا عن عمل , أى
عمل . ولم يكن مستغربا فى المناطق الريفية أن يقرع أبواب البيوت أشخاص يبحثون عن
عمل لقاء وجبة طعام أو قضاء ليلة فى الحظيرة .
واصطفت فى المدن طوابير الخبز على
امتداد مجمعات الأبنية , وانتشرت الكتل متداعية من الأكواخ ومنحدرات السطوح –
وكانت تكنى بهوفرفيلز – فى المرائب والخلاء , حيث فزع اليها أولئك الذين فقدوا
منازلهم وشققهم السكنية .
لقد بدأ النظام الاقتصادى كله يتداعى وينهار . وفسدت المحاصيل
الكاسدة (غير المبيعة ) فى أنحاء البلاد , وكان البعض فى المدن يقصد حاويات
القمامة بحثا عما يأكله فى بلد كان يعتبر أغنى بلدان العالم .
اقترح هوفر فكرة افضل كثيرا من الزيادة
الضريبية , على الرغم من تصاعد وضع الكساد , تمثلت هذه الفكرة فى قانون مصارف
الإسكان الذى يقضى بإنشاء عدد من مصارف الإسكان المفوضة بتقديم القروض بضمانة
محافظ الرهون العقارية لدى المصارف التجارية .
لقد حظر قانون الاحتياطى الفدرالى
الصادر فى عام 1913 على مصرف الاحتياطى الفدرالى تقديم القروض من خلال نافذة الخصم
على مثل هذه الضمانات . وكان أثر هذا المنع تجميد مئات الملايين من الدولارات فى
أصول مصرفية كان يمكن استخدامها فى ضخ السيولة الى النظام المصرفى .
فى اواخر مايو تظاهر نحو الف رجل شاركوا
فى الحرب العالمية الاولى فى واشنطن للمطالبة بالحصول انذاك على منحة لهم تستحق فى
عام 1945 , وصدر عن الكونغرس مشروع قانون بطبع 2.4 مليار دولار من النقد القانونى
(من دون تغطية ذهبية) لسداد تلك المنحة , لكن مجلس الشيوخ رفض المشروع . وفى غضون
ذلك زاد عديد (قوة المطالبة بالمنحة) حملة المنحة ليبلغ سبعة عشر الفا فى منتصف
يونيو , اكثرهم كان فى مخيمات اناكوسشيا
فلاتس فى ضواحى ولاية العاصمة .
و اقام البعض اكواخا فى اراضى حكومية قرب
الكابيتول واحتلوا عددا من المبانى الحكومية فى شارع بنسلفانيا .
و اجاز الكونغرس أن يدفع للمحاربين
القدماء المال اللازم لإعادتها الى مناطقهم , واندلعت اعمال العنف عندما حاولت
شرطة العاصمة طردهم بالقوة .
وقتل فى الحادث اثنان من المحاربين القدماء وشرطيان .
و استدعى هوفر الجيش بقيادة رئيس الأركان دوغلاس ماك ارثر لإجلائهم عن اراضى
الحكومة وحصر تجمعهم فى أناكوسشيا فلاتس .
وفى 28 يوليو قاد ماك ارثر بنفسه –
كديك مختال – فرقة من الخيالة و المدفعية بكامل عتادها و استعدادها تتبعها ست
دبابات لإخلاء المبانى الحكومية .
لكنه حينها – و فى انتهاك واضح لأوامر الرئيس –
أجلى ايضا المساكن و أحرق الأكواخ التى نصبت هناك , مبددا بقايا جيش المنحة . كان
على هوفر أن يقيل ماك ارثر على الفور للمخالفة الصارخة , للأوامر .
لكنه اثر بدلا
من ذلك أن يتحمل كامل المسؤولية , وتكبد ثمنا سياسيا باهظا من جراء ذلك بعد أن هزت
الأمريكيين صور خيالية على صهوات الجياد وقد مشقت سيوفها فى أثر العاطلين عن العمل
فى شوارع عاصمة البلاد .
إن أذونات الخزانة – التى تقل أجال
استحقاقها عن سنة واحدة – تباع بخصم على قيمتها الاسمية , وترد فى تاريخ استحقاقها
بكامل قيمتها الاسمية .
قال روزفلت : إن الشئ الوحيد الذى يجب
أن نخشاه هو الخوف نفسه .
لو كان ثمة شك فى مكانة العامل النفسى
البشرى كقوة محركة فى عالم الاقتصاد , فما على المرء إلا أن يتمعن فى الأيام
القلائل الأولى من إدارة فرانكلين روزفلت , ليجد الدليل الدامغ على هذه المكانة ,
ففى يوم السبت 4 مارس , وبينما كانت الملايين مصيغة الى المذياع , القى روزفلت
واحدة من قلائل خطب التنصيب التى لم تبرح ذاكرة الناس .
لقد قدمت لنا فقرتها
الاولى عبارة عن باتت على الفور جزءا من النسيج السياسى الأمريكى .
وإذن بادئ ذى
بدء , اسمحوا لى بأن أؤكد ايمانى الراسخ بأن الشئ الوحيد الذى يجب ان نخشاه هو
الخوف نفسه , الهلع الذى لا يعرف اسما ولا منطقا ولا مبررا والذى يعرقل الجهود
اللازمة لقلب الانكفاء الى تقدم . وخلفت الخطبة أثرا كالسحر فى الشعب الامريكى .
وفى أول اسبوع من الخطبة تسلم البيت الابيض 450 الف خطابا وبطاقة .
ولم يكن هوفر
يحتاج الى اكثر من موظف واحد للإشراف على بريد البيت الأبيض . أما روزفلت فكان فى
حاجة الى سبعين موظفا .
وفى اليوم التالى دعا الكونغرس الى
الانعقاد فى جلسة خاصة يوم الخميس التالى , وأصدر أمرا إداريا – بموجب نص القانون
(التجارة مع العدو) الذى يدعو الى الريبة , والذى أقر زمن الحرب العالمية الأولى –
بإغلاق كل مصارف البلاد الى حين يفرغ الكونغرس من جلسته , وعقد اجتماعات طارئة
للمصارف الكبرى .
وعملت وزارة الخزانة – التى كان لا يزال معظم موظفيها من فريق
إدارة الرئيس هوفر – مع المصارف بجد وحماس فى الأيام القليلة التالية لإعداد قانون
الإعانة الطارئة للمصارف .
وفى يوم الأربعاء 8 مارس عقد روزفلت أول
مؤتمر صحافى له , حي احتشد 125 صحافيا فى المكتب البيضاوى . وعندما فرغ من عرض
ملاحظاته التى اعدها مسبقا , طفق الصحافيون – ولمره واحده ربما فى التاريخ –
بالتصفيق الجماعى . لقد أراد الشعب الأمريكى – ومنه الصحافيون – النجاح لروزفلت ,
ولهذا بالتحديد نجح روزفلت فى مساعيه .
فى يوم الأحد 12 مارس القى روزفلت اول
خطبه إذاعية له من داخل البيت الأبيض . وفى نبرة أرستقراطية أبوية , واعظة و
مواسية , أبلغ الجمهور أنه عندما تعيد المصارف فتح أبوابها غدا سيكون ( إيداع
أموالكم فى مصرف أعاد فتح أبوابه أكثر أمانا من تركها تحت الحشية ) .
أدرك الرومان أن هذا النظام لا يؤدى
الغاية منه فى أوقات الطوارئ و الأزمات . لذلك أجاز الدستور – إذا دعت الضرورة –
أن يتقلد الحاكم سلطة مطلقة لستة أشهر . كان يطلق على هذا الحاكم الوقتى اسم
الديكتاتور (الحاكم المطلق) .
لقد كان فرانكلين روزفلت فى الأشهر
الثلاثة الأولى من رئاسته , أو الأيام المائة كما أطلق عليها , الديكتاتور
الأمريكى بأشد ما تنطوى عليه هذه التسمية .
قرارات روزفلت لحل
الأزمة :
ـ 9 مارس : وقع الرئيس روزفلت قانون الإعانة
الطارئة للمصارف.
ـ 20
مارس : وقع الرئيس روزفلت قانون الاقتصاد الذى يقضى بإعادة تنظيم الحكومة وخفض
الرواتب ومعاشات تقاعد المحاربين القدماء – كان هؤلاء ربما أعظم قوة ضغط فى واشنطن
العاصمة انذاك – لتقليص النفقات الحكومية بمبلغ 500 مليون دولار .
ـ 21 مارس : وقع روزفلت قانون المعونة
المالية لأعمال التحريج والفرق المدنية لحماية البيئة , لتوفير العمل لنحو 250 الف
شاب فى مشاريع الإعمار وحماية البيئة .
ـ 22 مارس : وقع روزفلت قانون إيرادات
البيرة والخمور , الذى أجاز تجارة البيرة والخمور التى تقل فيها نسبة الكحول عن 4
فى المائة , وفرض عليها ضرائب ثقيلة لزيادة إيرادات الحكومة .
ـ 19 إبريل : أبطل روزفلت التعامل بمعيار
الذهب , وأخرج الذهب من التداول النقدى , وذلك بحظر استخدام المسكوكات الذهبية
كعملة قانونية و إعادتها الى الخزانة , وحظر على المواطنين حيازة السبائك الذهبية
. وفى العام التالى خفض قيمة الدولار 20.66 دولار لأوقية الذهب الواحدة الى 35
دولار للأوقية .
ـ 12 مايو : وقع روزفلت قانون المعونة
المالية الفدرالية الطارئة لتقديم منح تصل قيمتها الى 500 مليون دولار الى
الحكومات لتمويل المساعدات المالية للعاطلين عن العمل .
ـ 27 مايو : وقع روزفلت قانون الأوراق
المالية الفدرالى الذى فرض على الشركات الإفصاح الكامل عن المعلومات المالية
اللازمة للمستثمرين . وكان هذا أول الضوابط الفدرالية التى تنظم تداول الأوراق
المالية .
0 التعليقات:
إرسال تعليق