العقد الإجتماعي 7
فى المشرع
يتطلب اكتشاف أفضل قواعد المجتمع ,
التى تتلاءم مع طبيعة الأمم , عقلا ممتازا يرى كل أهواء الناس على الا يتعرض هو
نفسه لأى منها ؛ عقل لا صلة له بطبيعتنا البشرية ولكنه يدرك جذورها ؛ وأن تكون
سعادته مستقلة عن سعادتنا ولكنه مع ذلك يهتم بسعادتنا ؛ وأخيرا يتطلب الأمر أن
يرنو هذا العقل ببصره إلى المستقبل البعيد وينتظر يوم مجده فى عهد لم يأت بعد , أى
أن يزرع فى قرن ويحصد الثمار فى قرن أخر . بعبارة أخرى , إن الامر يتطلب الهة تمنح
البشر قوانينها .
بيد أنه إذا كان صحيحا أن الأمير العظيم
لا يوجد ألا نادرا , فكيف الحال بالنسبة لواضع القوانين العظيم ؟
فليس على الأول
إلا أن يسير على النمط الذى يجب على الثانى أن يضعه . فالثانى هو المهندس الذى
يبتكر الالة , بينما الأول ليس سوى العامل الذى يمتطيها ويديرها .
إن مونتيسكو
يقول : عندما تولد المجتمعات يضع زعماء الجمهوريات الأنظمة ؛ وبعد ذللك تصنع
الأنظمة زعماء الجمهوريات .
كل من يجرؤ على أن يأخذ على عاتقه أن
يضع لشعب ما نظما يجب أن يدرك أنه انما يغير , بذلك الطبيعة البشرية ؛ إذ يحول كل
فرد , هو فى ذاته كلا قائما بذاته منعزلا , إلى جزء من كل أكبر يتلقى منه هذا ,
بمعنى ما ؛ حياته وكيانه ؛ ويبدل من تكوين الانسان ليكفل له قوة أكبر ؛ ويستبدل
بالكيان المادى المستقل الذى تمنحنا إياه الطبيعة , كيانا جزئيا ومعنويا .
وبالاختصار , إنه ينتزع من الإنسان قواه الخاصة به ليمنحه قوى غريبة عنه , وهى قوى
لا يستطيع استعمالها دون معونة الاخرين .
وكلما قضى على هذه القوى الطبيعية وتلاشت
كانت القوى التى يكتسبها أشد وأدوم وكان النظام أيضا أمتن وأكمل : بحيث إن كل
مواطن لا يكون شيئا ولا يستطيع شيئا الا مع الاخرين , وإن القوة التى يكتسبها
الجميع تكون إما مساوية لمجموع القوى الطبيعية لجميع الافراد وإما أكثر منها ؛
وعندئذ يمكننا القول بان الشرع قد بلغ منتهى ما يستطيع أن يصل اليه من الكمال .
فالشرع من أية ناحية نظرت إلية , شخص
ممتاز فى الدولة . وإذا كان كذلك بعبقريته فهو أكثر من ذلك بوظيفته . فهى ليست
وظيفة حكم ولا سيادة .
ورغم أن عمله هو تأسيس الدولة , فهو
ليس جزءا منها .
بل يقوم بوظيفة خاصة وسامية لا شئ مشترك بينها وبين حكم الناس ,
إذ انه إذا كان من يحكم الناس يجب ألا يحكم القوانين , فذلك من يحكم القوانين يجب
ألا يحكم الناس : والا كانت قوانينه خادمه لأهواءئه ولا تؤدى فى كثير من الأحيان
إلا الى دوام مظالمة ؛ فهو لن يستطيع تجنب أن تؤدى وجهات نظره الخاصة الى انحراف
فى عمله المقدس .
وقد بدأ (ليكورجوس) بالتخلى عن العرش
عندما وضع القوانين لوطنه .
وكان العرف السائد بين معظم المدن الإغريقية أن تعهد
الى اجانب بوضع قوانينها .
كما أن الجمهوريات الحديثه فى ايطاليا كثيرا ما اتبعت
هذا التقليد .
وكذلك جنيف لجأت الى نفس الطريقة واستفادت منها .
وقد شهدت روما فى
عصرها الذهبى جميع جرائم الطغيان تعود بين ظهرانيها وكادت تهلك لا لشئ سوى أنها
وحدت السلطة التشريعية والسلطة السيادية فى يد واحدة .
كما أنه حتى (الحكام العشرة) أنفسهم لم
يدعوا حق سن أى قانون بمحض سلطتهم . فقد قالوا للشعب ( ما من شئ نقترحه عليكم يمكن
أن يصير قانونا دون موافقتكم . أيها الرومانيون ضعوا بأنفسكم تلك القوانين التى
تكفل لكم السعادة ) .
ومن ثم فإن من يصنف القوانين ليس له أى
حق تشريعى , أو يجب ألا يكون له مثل هذا الحق الذى لا ينتقل حتى لو أراد ذلك ,
لانه بمقتضى الميثاق الأساسى ليس هناك ما يرتب التزاما على الأفراد إلا الإرادة
العامة , كما لا يمكن التأكد أبدا أن إرادة خاصة تتطابق مع الإرادة العامة إلا بعد
أن يدلى فيها الشعب بصوته بحرية .
0 التعليقات:
إرسال تعليق