02‏/02‏/2015

إمبراطورية الثروة ج2-19

إمبراطورية الثروة ج2-19

           حصرت صلاحيات عمليات السوق المفتوحة – وهى أداة أساسية لتنظيم عمل النظام المصرفى و أسعار الفائدة – بيد لجنة السوق المفتوحة الفدرالية فى واشنطن بدلا من ترك تصريفها للمصارف .

       فى 7 مارس 1938 أوقفت بورصة نيويورك التداول لتعلن تعليق عمل شركة ريتشارد ويتنى وشركاه بسبب تصرفات غير قانونية و منافية لمبادئ التداول النزيه .

       وعمت الصدمة الكبرى مؤسسة وول ستريت فكتبت صحيفة الأمة (نايشن) – وهى صحيفة سياسية يسارية – بنبرة يغلبها الابتهاج إن وول ستريت فى موقف محرج جدا .. وما كانت لتشعر بحرج كهذا لو أن جى بى مورغان وجد يتسول على باب كاتدرائية القديس يوحنا .

        وأحتشد ستة الاف شخص فى محطة قطار جراند سنترال فى 12 ابريل لمشاهدة ريتشارد ويتنى – مصفدا فى الأغلال – يستقل قطارا سينقله الى سجن سنج سانج . وفى غضون ذلك , تحرك ويليام أو دوغلاس سريعا لاغتنام حال الأرتباك العام التى ألمت بحرس وول ستريت القديم . 

وقبل نهاية العام , اعتمدت البورصة نظاما داخليا جديدا , يضع مسؤولياتها العامة العامة قيد المساءلة . وصار الرئيس موظفا مأجورا وليس عضوا . كما صار لزاما على الشركات الخضوع لمزيد من عمليات تدقيق الحسابات الخارجى , ولم يعد يسمح لأعضاء بشراء الأسهم بتمويل جزئى (الشراء بالهامش) إذا كانوا يقدمون خدماتهم للعملاء . وخفضت النسبة القانونية للدين الى راس المال , مما جعل شركات السمسرة أكثر استقرارا وقدرة على مواجهة فترات تراجع أداء السوق .

        صحيح أن الاقتصاد كان يمر – بلغة الاقتصاد – بفترة انتعاش لسنوات أربع فإن كلمة كساد فى التعبير الشائع كانت تطلق على عقد الثلاثينات برمته . لذلك فقد أطلق الاقتصاديون على هذا الكساد الجديد الذى وقع فى فترة كساد سابقة اسم (الركود) . ومنذ ذلك الحين باتت هذه الكلمة تستخدم فى وصف تراجع الأداء الاقتصادى . وصارت كلمة كساد تكتب باللغة الإنجليزية بحرف كبير Depression لتعنى حصرا فترة عقد الثلاثينيات .
       حاولت المانيا ان تكره بريطانيا على الاستسلام بهجوم خاطف وقطع خطوطها التجارية عبر الأطلسى . و أوشك ذلك أن يحقق الغاية المنشودة .

وقد لخص هذا الوضع رديارد كيبلينغ قبل عقود خلت بقوله :
           إن الخبز الذى تأكل والبسكويت والحلويات التى تقضم                   
           , واللحم الذى تلوك .
           نأتيك جميعا بها كل يوم , نحن البواخر العظيمة .
           وإن سد علينا أحد طريقنا ..
           فأنكم جميعا ستتضورون جوعا !
                             

      تحدث  وينستون تشرشل بصراحة تعوزها اللياقة الديبلوماسية عن متطلبات بريطانيا من الولايات المتحدة إذا ما اريد لبريطانياالا تخسر الحرب , ودون المتطلبات العاجلة وهى (( اولا : إعارتنا أربعين أو خمسين من مدمراتكم القديمة . ثانيا : نحتاج الى عدة مئات من احدث الطائرات . 
ثالثا : أجهزة وذخيرة مضادة للطائرات . رابعا : نحتاج الى شراء الفولاذ من الولايات المتحدة . 
ويسرى ذلك على الأعتدة الأخرى . وسندفع مالا بقدر استطاعتنا , لكن يجب أن تعطونى ضمانات كافية بأنكم ستزودوننا بما نحتاج إليه وبالشروط نفسها حتى إن عجزنا عن دفع المال إليكم )) .

         لقد ثبت عدم نجاعة التخطيط المركزى على الإطلاق فى إنتاج السلع والخدمات الاستهلاكية ( وذلك فى المقام الأول لأنه ليس للمستهلكين من اعتبار فى تحديد ماهية المنتج وشكله ) , لكن التخطيط المركزى أعطى نتائج أفضل فى إنتاج العتاد الحربى .

       فى الواقع كانت الغاية السياسية من هذا القانون إبطاء عودة المحاربين القدماء إلى سوق العمل . لقد قدم قانون حقوق المحاربين القدماء معونات سخية لكل المحاربين القدماء الذين سرحوا من الخدمة بشرف , وكانت هذه المساعدات تشتمل على التعليم وتوفير المسكن فى مرحلة الدراسة والمساعدة على شراء منزل , وافتتاح مشروع تجارى خاص بعد انتهاء الدراسة والتعليم .

       ويحضرنا هنا ناموس العواقب غير المقصودة لتفسير النتائج الكارثية التى ترتبت على عمل تشريعى , مثل قانون حظر المشروبات الكحولية الذى اتخذ بحسن نية . لكن مشروع قانون المحاربين القدماء , وربما كان ذا أثر لا بأس به فى التخفيف من تدفق المحاربين الى قطاعات الاقتصاد الأمريكى , لم يفض فى الواقع إلا إلى (عواقب غير مقصودة) وكان كل منها – إذا جاز القول – ذا أثر جد إيجابى فى البلاد .


        لقد سمح مشروع القانون لما لا يقل عن ثمانية ملايين من المحاربين القدماء بالحصول على المزيد من فرص التعليم فى الكليات والمدارس الفنية , وما كانوا لولا ذلك ليحصلوا عليها . فقد زاد كثيرا من نسبة السكان الحاصلين على شهادات جامعية , وفى عام 1950 منحت 496 الف شهادة جامعية , أى أكثر من ضعف عدد الشهادات الممنوحة قبل عقد من الزمان .

0 التعليقات: