قصف العقول 5
لا يستحق جيش
اسمه دون انضباط ...
والانضباط لا يمكن صنعه
ولا تثبيته في يوم واحد. إنه مؤسسة وتقليد من التراث .
لم يكن ثمة مكان لذوي القلوب الواهنة في الفيلق الروماني , حيث كانت قوات الخط الأمامي
تدعم باستمرار خلال مسار المعركة. وفضلا عن ذلك فقد كانت المعارك الإغريقية تحسم
عادة في اشتباك واحد ,
بينما كانت المعارك الرومانية تتطلب عملية تعبئة (استراتيجية) أكثر تعقيدا وأطول
أمدا تعتمد على تحرك القوات وقدرتها على المناورة .
أن يقوم بكل شيء في لحظة واحدة: أن يأمر برفع الراية إشارة إلى النداء
العام لحمل السلاح , وبأن تدق الطبول , وبدعوة القوات من الخنادق , وبإرسال رجال لإعادة من كانوا قد
ابتعدوا بحثا عن مواد الإعاشة... وبأن
يتشكل الصف ,
وبالقوات أن تهتف بصرخاتها الحماسية ,
وبإشارة القتال أن تعلن...
ولم تكن الهتافات الحماسية سوى شحنة تذكر الجنود
ببسالتهم المعهودة , وبأن يتحرروا من الخوف , وبأن يواجهوا هجوم العدو بشجاعة...
وتحول
القائد إلى الناحية الأخرى لكي يبدأ من
فوره الهتاف لكي يضرب لهم القثال فوجدهم
وقد انغمسوا بالفعل في القتال .
وقد كان قيصر مؤمنا متشددا بالانضباط ,
فعاقب بقسوة الهارب من
الخدمة والمتمردين ,
ولم ينس أبدا الدور الذي تلعبه الأموال والغنائم فيدفع جنوده إلى القتال. وكان
واحدا من أوائل القادة و المسؤولين
الرومان الذين طبعوا صورهم على قطع النقود أثناء حياتهم , بدلا من طبعها بعد الموت , كما كان يحدث قبلا طبقا لمرسوم
ﻟﻤﺠلس الشيوخ صدر العام ٤٤ ق.م ,
فكان دفع الرواتب بمثل تلك النقود لقواته كافيا لتذكرتهم باتجاه وموقع مصالحهم.
ولم يكتف قيصر بتوزيع الأراضي والأموال على قدامى الجنود , وإنما قام
أيضا بتوزيع الأطعمة على الفقراء وتحبب إلى الجماهير بإقامة الولائم وحفلات الاستقبال التي تكتمل
بأنواع الترفيه. وتب أيضا حب الشعب للاستعراضات , فأقيمت مواكب الانتصارات
المتقنة لا لشيء إلا لرفع معنويات الشعب الذي وضع تأييده في اعتباره , وأقام
معارك بحرية »مسرحية « في بحيرات صناعية أقيمت خصيصا لهذا الغرض , ومباريات تضم
مجالدين من مدرسته الخاصة للتدريب في مدينة كابوا بل كان هو من جاء بأول »فرس نهر
« من أفريقيا إلى روما ,
فقط لكي يكسب رضا الجمهور ويحافظ عليه.
أما بالنسبة لأعدائه
فقد عرف قيمة الصفح والحلم والتساهل والملاينة في كسب الأصدقاء الجدد وا لموالين
له. وجاء منح حق المواطنة الرومانية لغير الرومان وسيلة لكسب تأييدهم .
ومع ذلك , فقد كانت هذه الخصائص ذاتها هي سبب ما حل
بقيصر وعجل بنهايته. فبسبب تملقه للجماهير , وكثيرا ما كان ذلك هاجمته لبعض النبلاء , وصل إلى إبعاد الأرستقراطية من
المشاعر العامة وجعلها غريبة عنه ,
و أصبحت دعايته صارخة صاخبة تؤدي إلى عكس المستهدف منها. وكتب سوتونيوس المفعم
قلبه بالعداء يقول : إنه لم يكتف بقبول مظاهر التكريم المسرفة... مثل ثمثال ينصب بين
ثماثيل الملوك وعرش يوضع أمام مقاعد المتفرجين
في المسرح ,
بل لقد سمح أيضا بإصدار مراسيم تضفي على ذاته أنواعا من التكريم تفوق ما يضفى على البشر
, مثل
وضع مقعد ذهبي له خصيصا في استراحة الشيوخ وعلى منصة التريبيون , وتخصيص عربة مبهرجة له في
الاحتفالات ومحفة في مواكب السيرك ,
ومعابد ومذابح وصور إلى جوار صور الآلهة , وسرير متكأ مزخرف .. وإطلاق
اسمه على أحد الشهور.
ويعترف ديو الأكثر تعاطفا مع قيصر قائلا: »لقد اقترف قيصر بالفعل الخطأ أحيانا
بقبوله بعض أنواع التكريم التي طلبت له , وبتصديقه أنه قد استحقها بالفعل. ولكن
الأكثر منه خطأ فهم أولئك الذين بدأوا بتكريمه بمثل ما استحق ثم انقلبوا عليه ووجهوا إليه اللوم لقبوله ما
طلبوه له .
وعلى طول عصر الإمبراطورية
الرومانية حافظ الأباطرة الرومان المتعاقبون على ادعاء مظهري متقن : الادعاء بأن
روما ما يزال يحكمها شعبها ومجلس الشيوخ , بينما كانت تحكم في الحقيقة
بأسلوب الملوك الذين أسسوا روما ,
أي بوصفها إمارة فحسب .
إن الجنود الذين يدفعهم الربح لا الوطنية يتخذون في أتون المعركة قرارات من
نوع مختلف ,
ربما بشكل غير واع.
ذلك أن عليهم أن يقرروا إن كان الأمر يستأهل اﻟﻤﺨاطرة بالموت .
الكثيرون من المؤرخ
العسكريين يعتبرون أدريانوبل نقطة تحول , النقطة التي أصبحت عندها قوات
الخيالة الخفيفة أكثر أهمية من المشاة .
أصبح من الممكن تحويل السرعة إلى صدمة , ولم
تعد هناك حاجة إلى قذف الحراب ,
وإنما أصبح من الممكن أن يقبض عليها كالرمح فتدفع حتى تنغرس في هدفها .
في ميدان المعركة ,
يعد عارا على رئيس القبيلة أن يتفوق عليه زملاؤه في البسالة , وعارا على زملائه ألا يبلغوا ما
بلغه الرئيس.
أما إذا غادرت المعركة حيا بعد أن يكون الرئيس قد سقط فلا معنى لذلك
إلا العار والخزي مدى الحياة. والمعنى الحقيقي للإخلاص هو الدفاع عن رئيس القبيلة
وحمايته وإرجاع كل عمل بطولي يقوم به المرء إليه فالرؤساء يحاربون في سبيل النصر , والزملاء يحاربون في سبيل
رؤسائهم .
»الدين « و »الحرب « و »الفروسية « كلمات ثلاث لا يمكن فهم عقل العصور
الوسطى المتأخرة من دونها.
الأزياء الموحدة (إلى درجة ما)
تساعد كلها في غرس إحساس بهوية مشتركة .
إن الحرب , بتعبير فيليب كونتا ظاهرة ثقافية .
القوة المكتسبة بالتدريب لا تقدر بمال .
القراءة عن الحرب , وخوض الحرب
بالقتال فعلا هما أمران مختلفان كل الاختلاف .