القانون الخمسون 32
مفاتيح الجرأة:
تأتي جميع مشاكل
الإنسان من عدم معرفته لكيفية الجلوس وحيدا في غرفة.
بليز باسكال
كما يتعلم
الأطفال اللغة ، نخضع كلنا لذات العملية . حيث نختبر في البداية قدرا من الإحباط ،
فلدينا رغبات وحاجات نتمنى التعبير عنھا ولكننا نفتقر للكلمات . ثم نلتقط العبارات
ونتشرب أنماط الكلام تدريجيا ، و أخيرا نجمع المفردات كلمة بكلمة . بعض ھذه
العملية ممل ، إلا أننا نكون مدفوعين إليھا
بسبب فضولنا
الشديد وجوعنا للمعرفة . في نقطة معينة ، نكتسب مستوى من الطلاقة يمكننا بموجبه
التواصل أسرع مما نعتقد . و بعد ذلك لا نعود بحاجة للتفكير فالكلمات تخرج تلقائيا
، وفي الأوقات التي نشعر فيھا بالإلھام فإنھا تتدفق منا بطرق لا يمكننا حتى
تفسيرھا . إن تعلم اللغة سواء كانت لغتنا أو أخرى أجنبية تتضمن عملية تطور طبيعي
لا يمكننا تفاديھا ، فليست ھناك طرق مختصرة.
يضع تعلم اللغة
نمطا لجميع أنشطة الإنسان ، سواء الذھنية المحضة أو المادية . لنتقن آلة موسيقية
أو لعبة فإننا نبدأ بأدنى مستوى للمھارة ، حيث تبدو اللعبة مملة لاضطرارنا إلى
تعلم القواعد واللعب على مستوى بسيط . وكما في تعلم اللغة ، فإننا نشعر بالإحباط
عند رؤيتنا الآخرين يلعبون جيدا ونتخيل كيف يبدو ھذا الشعور ، ولكننا محبوسون في
تلك المرحلة من
التدريب
والتكرار الممل . في ھذه النقطة إما أن نستسلم لإحباطنا ونوقف العملية ، أو نتقدم
مطلقين القوى المتوارية بالقرب منا . ثم ترتفع قدراتنا ببطء وينخفض الإحباط ، ولا
نكون بحاجة للتفكير كثيرا ، إذ نفاجأ بطلاقتنا والروابط التي انتابتنا في ومضة
سريعة.
في الوقت الذي
نصل فيه لمرحلة معينة من الاتقان ، سنجد بأنه ھناك مراحلا وتحديات أعلى . إذا كنا
منضبطين وصبورين فإننا سنتقدم ، وتنتظرنا في كل مرحلة عليا متعة وتبصر لم نكن حتى
نتوقعه عندما بدأنا . يمكننا المضي في ذلك إلى البعد الذي نرغبه ، ففي أي نشاط
بشري ھناك دائما مستوى أعلى نستطيع الارتقاء إليه.
كان مفھوم
التعلم ھذا جزءا رئيسيا من الحكمة العملية لآلاف السنين ، وھو متضمن في مفھوم
إتقان أية مھنة . تتوقف حياة الإنسان على صناعة المعدات كبناء السفن وغيرھا ،
ولصناعتھم جيدا يجب على المرء أن يتعلم الحرفة ، ممضيا سنوات في تدريب مھني يتقدم
خطوة بخطوة . ومع قدوم
الصحافة
المطبوعة والكتب التي يمكن توزيعھا على نطاق واسع ، تم تطبيق ھذا الانضباط والصبر
على التعليم ، بھدف تحصيل المعرفة رسميا . إن الأشخاص الذين يظھرون أنفسھم
كمتعلمين دون قضاء سنوات في مراكمة المعرفة ، يبدون كدجالين و مشعوذين وجديرين
بالازدرا ء.
ومع ذلك ، فقد
وصلنا اليوم إلى مرحلة خطرة يتعرض فيھا عنصر الحكمة ھذا للنسيان . يرجع السبب في
ھذا الأمر إلى الجانب المدمر للتكنولوجيا . إذ ندرك كلنا منافعھا الھائلة والقوة
التي أمدتنا بھا ، إلا أن ھذه السرعة والسھولة الشديدة في الحصول على ما نريد
تضمنت نوعا جديدا من التفكير. نحن مخلوقات
عجولة بالفطرة ، ويصعب علينا دائما أن نرغب شيئا دون أن تكون لدينا إمكانية اكتسابه
. وقد أبرزت السرعة المتزايدة للتكنولوجيا ھذا الجانب الطفولي من شخصياتنا ، بحيث
يبدو التراكم البطيء للمعرفة مملا بشكل غير ضروري ، إذ يجب أن يكون التعلم ممتعا ،
سريعا وسھلا . يمكننا عبر الانترنت إقامة علاقات قوية ، و التنقل السريع على السطح
من موضوع للذي يليه . كما أصبحنا نقدر سعة المعلومة أكثر
من عمقھا ، أي
أننا نفضل القدرة على التنقل ھنا وھناك بدلا من الحفر عميقا إلى مصدر مشكلة ما
وإيجاد كيفية اختلاف الأشيا ء.
لقد فقدنا حس
التطور الطبيعي . وفي مثل ھذا الجو ينبت المشعوذون كالأعشاب الضارة ، عارضين
الأسطورة القديمة بشأن التغيير السريع ، الطريق السريع نحو السلطة ، الجمال ،
والنجاح ، على ھيئة كتب ، أقراص مدمجة ، وأسرار قديمة تمت إعادتھا إلى الحياة . و
يجدون الكثير من الحمقى كضحايا لھم.
لا يعد النمط
الجديد من التعلم والتفكير تطورا طبيعيا ، بل يخلق ظاھرة يمكن تسميتھا ب( الدائرة
القصيرة ) . يتطلب بلوغ نھاية أي شيء و إتقان عملية التعلم وقتا ، وتركيزا ، و
طاقة . عندما يكون الناس مشتتين جدا تنتقل عقولھم من شيء لآخر باستمرار ، ويصبح من
الصعب عليھم بشكل متزايد الاحتفاظ بالتركيز على شيء واحد لساعات قليلة أو البقاء
وحيدين لأشھر أو سنوات . يميل العقل تحت ھذا التأثير إلى الدائرة القصيرة ، فھو لن
يكون قادرا على المضي في الطريق بأكمله إلى نھاية مھمة ما . حيث سيرغب في الإنتقال
إلى شيء آخر يبدو أكثر جاذبية . تصبح صناعة الأشياء صعبة عندما يكون التركيز
مفقودا ، الأمر الذي يفسر الكم المتزايد من المنتجات الرديئة والمصنوعة بدرجة أقل
فأقل من الانتباه للتفاصيل.
افھم
ھذا : إن السر
الحقيقي والمعادلة الحقيقية للقوة في ھذا العالم تكمن في قبول الحقيقة المؤلمة بأن
التعلم يتطلب تطورا طبيعيا ، الذي يستوجب في المقابل الصبر والقدرة على تحمل العمل
المضني . لا يتعلق الأمر بشيء جنسي أو إغواءي قد يحدث من أول وھلة ، ولكنھا حقيقة
قائمة على شيء واقعي وجوھري ، حكمة قديمة لا يمكن نقضھا . المفتاح ھو مقدار رغبتك
، إذا كنت تريد القوة والإتقان بالفعل فستتشرب ھذه الفكرة بعمق و تطبعھا في ذھنك ،
فليست ھناك طرق مختصرة .و لن تثق بعد ذلك بأي شيء سريع وسھل ، و ستكون قادرا على
تحمل الشھور الأولى من الملل والعمل المكرر لأن لديك ھدفا أعلى . ھذا ما سيحول
بينك وبين الطرق المختصرة أو معرفة الكثير من الأشياء دون إتقان أي منھا . في النھاية
، فإن ما تقوم به حقا ھو تحقيق الإتقان لنفسك ، لقلة صبرك ، خوفك من الملل و وقت
الفراغ ، وحاجتك المستمرة للتسلية والمتعة.
ما يأتي ھي خمس
استراتيجيات أساسية لتنمية ارتباط ملاءم بعملية التطور الطبيعي:
1 -
تعلم من خلال المحاولة والخطأ:
نظرا لقيامه بالملاكمة في الشوارع في مراھقته ،
كان لدى جاك جونسون الإحساس بأنه سيستطيع يوما ما أن يكون ملاكما عظيما . إلا أنه
اسود وفقير جدا لدرجة عدم قدرته على تحمل تكاليف مدرب . لھذا السبب ، بدأ في عام
1896 في عمر الثامنة عشر بعملية تطور قاسية مميزة . كان يبحث أي ملاكمة محتملة
يمكنه دخولھا في الحلبة ، مع أي نوع من
الخصوم . عانى
في البداية من بعض الضرب الفظيع من ملاكمين استخدموه كمادة للضرب ، ولكن بما أن
ذلك كان طريقه الوحيد للتعليم ، فقد تمكن سريعا من أن يصبح مراوغا بقدر الإمكان من
أجل إطالة أمد الملاكمات بما يتيح له التعلم. في الوقت ذاته ، كانت الملاكمات
تستمر أحيانا لعشرين جولة كاملة ، وھدف جونسون دائما ھو استدراجھم إلى الحد الأقصى
.وأثناء ذلك كان يدرس خصومه بعناية ، لاحظ كيف أن بعض
النوعيات تتحول
إلى أنماط أكثر ھدوءا بينما يزيد آخرون في توجيه لكماتھم . كما صنفھم بحسب نظرات
أعينھم ولغة جسدھم ، وتعلم كيف يستدرج البعض منھم إلى حالة ھياج ليستطيع دراسة
ردود أفعالھم ، ويركن إلى الجمود مع البعض الآخر بنمط ساكن ليرى أثر ھذا أيضا.
كان منھج جونسون
مؤلما إلى حد ما ، فھو يعني خوض خمسة عشر إلى عشرين مباراة في السنة ، وعانى من
عدد لا يحصى من الضربات . وعلى الرغم من انتصاره على معظم خصومه ، إلا أنه فضل أن
يكون مراوغا ويتعلم الحرفة ، مما يعني الاستماع الى سخرية لا حد لھا من غالبية
الجماھير البيض بأنھ جبان . إلا أنه وتدريجيا ، بدأ الأمر يعطي نتائجا جيدة. حيث
واجه العديد من الخصوم الذين أصبح ماھرا في إدراك نمطھم الخاص منذ لحظة بدأ الجولة
، كان بمقدوره أن يستشعر مواطن ضعفھم والوقت الذي يتحرك فيه بالتحديد لتوجيه
الضربة القاضية . لقد كيف نفسه عقليا و جسميا مع وتيرة المباريات الطويلة القاسية
، واكتسب حدسا بمساحة حلبة الملاكمة ذاتھا وكيفية مناورة واستنفاذ خصمه على مدار
العشرين جولة .
اعترف الكثير من خصومه لاحقا بأنه بدا قادرا على قراءة أذھانھم ، إذ كان دائما
متقدما عليھم بخطوة باتباعه ھذا المسار ، حول جونسون نفسه في غضون بضع سنوات الى
بطل العالم للوزن الثقيل وأعظم ملاكم في عصره.
إن معظم مفھومنا
عن التعليم ھو تشرب الأفكار من الكتب، وفعل ما يقوله لنا الآخرون لنفعله أو ربما
أداء بعض التمارين الخاضعة للمراقبة . ولكن ذلك يعد مفھوما ناقصا وجبانا للتعلم ،
ومنقطعا عن الخبرة العملية . فنحن مخلوقات نعمل الأشياء ولا نكتفي ببساطة بتصورھا
، ولإتقان أية عملية عليك أن تتعلم بواسطة المحاولة والخطأ . فأنت تجرب ، وتتلقى
بعضا
من الضربات
المؤلمة ، ترى ما يعمل وما لا يعمل في الوقت الحقيقي ، وتعرض نفسك وعملك للمراقبة
العامة . لذلك فان اخطاؤك تنطبع في جھازك العصبي ولن ترغب بتكرارھا ، ويتقيد نجاحك
بالتجربة المباشرة التي تعلمك أكثر وعليه ، ستحترم التطور الطبيعي بصورة عميقة ،
لأنك ترى وتشعر بھذا التطور الذي تستطيع صنعه من خلال التدريب والعمل
المستمر . إذا
مضيت في الأمر بعيدا بما فيه الكفاية ، ستكتسب حاسة طرف الأصبع حول ما تكون الحاجة
لعمله ، لأن معرفتك أصبحت مرتبطة بشيء مادي داخلي . و يعتبر التمتع بھذا الحدس ھو
أقصى نقطة للإتقان.
2 -
أتقن شيئا بسيطا:
غالبا ما يكون
لدينا احساس عام بانعدام الثقة ، لأننا لم نتقن بالفعل أي شيء في الحياة . وبشكل
غير واع نشعر بالضعف ولا نمضي بعيدا في المھمة ، وقبل أن نبدأ بأي شيء نستشعر بأننا
سنفشل . الطريقة الأفضل لتخطي ذلك نھائيا ھي مواجھة ھذا الضعف وجھا لوجه وبناء نوع
من الثقة بأنفسنا . يجب أن يتم ھذا أولا بتجربة شيء بسيط وأساسي ، من أجل اختبار
أنفسنا حول
القوة التي يمكن لنا اكتسابھا.
كان ديموستيس
واحدا من أعظم الشخصيات السياسية في أثينا القديمة ، و من خلال اتباعه ھذا المسار
، قرر أن يتغلب على خوفه الشديد من التحدث أمام العامة . في طفولته كان ضعيفا
وعصبيا ، يتكلم بصوت متلعثم دون التوقف للتنفس ، ولذلك كان يتعرض للسخرية دائما .
عندما أصبح شابا ، توفي والده تاركا له مبلغا جيدا من المال ، إلا أن أوصياءه
سرعان ما
استولوا عليه
بالكامل . قرر أن يصبح محاميا ويأخذ الجناة في نھاية المطاف إلى المحكمة بنفسه ،
إلا أن المحامي يحتاج إلى أن يكون متحدثا بليغا وھو فاشل جدا في ھذا الأمر .ثم قرر
التوقف عن مجال القانون على الرغم من أن ذلك بدا له شديد الصعوبة . ومع المقدار
القليل من المال لديه ، سيعتزل العالم ويحاول بطريقة ما أن يعالج إعاقته الكلامية
، بما يتيح له
على الأقل تقلد
نوع من الوظائف العمومية.
أخذ يدرس بصورة
سرية في مكان يتيح له التدرب بمفرده ، كما قام بحلق نصف رأسه بما يجعله محرجا جدا
من الخروج أمام الناس . ومن أجل تخطي ھذا التلعثم ، كان يمشي على طول الشاطئ مالئا
فمه بحصيات صغيرة ، مرغما نفسه على التحدث عاليا دون توقف وبقوة أكبر من الأمواج .
كان يكتب الخطابات ويقوم بتسميعھا أثناء صعوده على منحدرات حادة ، من أجل تنمية
مھارات أفضل للتنفس . بالإضافة إلى ذلك ، قام بتثبيت زجاج عاكس أثناء دراسته ،
يمكنه بواسطته مراقبة تعبيرات وجھه عن قرب عند خطابته . كما دخل في محادثات مع
زوار منزله ، مع قياس كيفية تأثير كل كلمة أو نغمة عليھم .خلال سنة من ھذا التدريب
المكرس ، تمكن من إزالة لعثمته بالكامل وحول نفسه إلى أكثر من خطيب كاف . و بعد
ھذا كله قرر أن يعود إلى القانون ثانية ، ومع كل قضية جديدة يكسبھا
ترتفع ثقته إلى
آفاق جديدة.
نتيجة لتقديره
أھمية التدريب ، عمل بعدھا على تطوير مھارته في إلقاء الخطابات . و تحول تدريجيا
إلى الخطيب الأعلى في أثينا القديمة . وقد ترجمت ھذه الثقة المكتشفة حديثا إلى كل
شيء فعله ، إذ أصبح شخصية سياسية قيادية وعرف بجرأته في مواجھة أي عدو.
عندما تستغرق
الوقت الكافي لإتقان عملية تعلم بسيطة والتغلب على مواضع عدم الأمان الأساسية ،
فإنك تطور مھارات معينة يمكنك تطبيقھا على أي شيء . كما تلاحظ باستمرار الثمرات
الناتجة عن الصبر ، والتدريب والانضباط ، وتكتسب حسا بأنك تستطيع غالبا خوض أية
مشكلة بذات الطريقة .
أنت في الحقيقة تصنع لنفسك نمطا من الثقة سيستمر
في الارتفا ع.
3 -
استوعب قواعد اللعبة :
لكونه طالب
قانون في جامعة ھاوارد في أوائل عام 1930 م ، تأمل ثورغود مارشال العديد من أنواع
الظلم الذي يتعرض له السود في الولايات المتحدة الأمريكية ، ولكن النوع الذي تأثر
به عميقا ھو الظلم الشديد في التعليم . حيث جال الجنوب في بعثة استطلاع حقائق
تابعة للجمعية الوطنية للنھوض بالملونين ( NAACP ) ، و اطلع مباشرة على الجودة المتردية للمدارس
المخصصة للسود . كان ھو بنفسه قد شعر بھذا الظلم ، إذ كان يريد الالتحاق بجامعة
ماريلاند القريبة من منزله والمتضمنة لكلية حقوق ممتازة ، ولكن الطلبة السود كانوا
ممنوعين من القبول ھناك بغض النظر عن سجلھم الأكاديمي . و يتم تحويلھم إلى جامعات
السود مثل ھاوارد التي
كانت في ذاك
الوقت أقل مستوى من غيرھا . تعھد مارشال بأنه سيساھم في يوم ما وبطريقة ما ، في
استبعاد ھذا النظام الجائر.
عند تخرجه من
ھاوارد في عام 1933 ، واجه قرارا مھما بشأن مستقبله ، حيث عرضت عليه منحة دراسية
في جامعة ھارفارد للحصول على درجة عليا في القانون ، الأمر الذي يمثل فرصة لا تصدق
. إذ يمكنه أن يؤسس لنفسه مركزا جيدا في العالم الأكاديمي و يروج لافكاره في
العديد من الصحف ، خاصة أن ذلك كان في خضم فترة اليأس ، وعدم توفر وظائف
للسود إلا
القليل جدا ولا تقارن بدرجة علمية من ھارفارد ستضمن له مستقبلا مزدھرا . إلا أن شيئا
ما دفعه في الاتجاه المعاكس ، قرر بدلا من ذلك أن يبدأ تدريبا خاصا في بالتيمور
ويتعلم من الأساس كيف يعمل نظام العدالة . في البداية بدا القرار أحمقا ، فھو لم
يكن لديه إلا القليل من العمل وديونه تتزايد ، وكان قد خسر القضايا القليلة عنده
دون أن يعرف لماذا . يبدو أن نظام العدل يتمتع بقواعده وأعرافه الخاصة التي لم يكن
لديه طريق اليھا.
قرر مارشال أن
يطبق استراتيجية مميزة للتغلب على ذلك.
أولا ، حرص على
التأكد من أن مذكراته القانونية كانت أعمالا مميزة من البحث والتفصيل دون أية
أخطاء أو محو ، مع التزامه دائما بأكثر الأساليب المھنية في اللباس والتصرف بأقصى
درجات المجاملة ، دون الظھور بمظهر المنحني الخاضع أو الفظ . بمعنى آخر ، لم يمنح أحدا
أقل ذريعة للحكم ضده . وبھذه الطريقة بدد الشك و بدأ يربح القليل من القضايا
، وحصل على مدخل
لعالم المحامين البيض . الآن وعند دراسته ھذا العالم عن قرب ، اكتشف أھمية علاقات
معينة والصداقات ، وشبكات السلطة التي لم يكن يعرف عنھا في السابق . كما أدرك أن
بعض القضاة يتطلبون معاملة معينة ، لذا فقد تعلم أن يتكلم اللغة ويكيفھا إجتماعيا
بأفضل ما يمكن.
وجد أنه في معظم
القضايا ، من الأفضل أن يتم النقاش حول نقاط تتعلق بإجراءات ضيقة بدلا من المفاھيم
الأساسية.
نظرا لمعرفته
كيفية المناورة ضمن ھذه القواعد والأعراف ، بدأ يربح المزيد والمزيد من القضايا .
في عام 1935 أقام دعوى ضد جامعة ماريلاند لصالح الطلاب السود الذين حرموا من
القبول في كلية الحقوق بھا ، و ربحھا . منذ ذلك الوقت ، استخدم علمه لمحاربة كل
أشكال العنصرية في نظام التعليم ، وبلغ الذروة عام 1945 مع أنتصاره الأعظم على الإطلاق
، حيث جادل المحكمة العليا في أمريكا في القضية المعروفة ب
(براون ضد مجلس
التعليم ) وقد أنھى حكم المحكمة الصادر لصالحه
كان ما تعلمه مارشال ( الذي أصبح لاحقا أول
أمريكي - أفريقي يعين في المحكمة العليا) بواسطة غمس نفسه في نظام العدالة المسيطر
عليه من قبل البيض في عصره ، أن التطور الاجتماعي مھم بقدر التطور القانوني أو
الفني.
لم يكن ھذا شيئا
قد تعلمه في كلية الحقوق ، ومع ذلك فإن تعلمه كان المفتاح لقدرته على العمل ضمن
النظام ، و إبراز القضية التي كان يصارع من أجلھا.
افھم
ھذا : عندما تدخل
جماعة معينة كجزء من مھنة أو وظيفة ، فھناك جميع أنواع القواعد التي تحكم السلوك ،
قيم الخير والشر ، تنظيمات السلطة التي يجب احترامھا ، والأنماط التي يجب اتباعھا
للاجراء الناجح . إذا لم تراقبھا وتتعلمھا بصبر ، سترتكب كل أنواع الأخطاء دون أن
تعلم لماذا أو كيف . اعتبر المھارات السياسية والاجتماعية حرفة عليك اتقانھا كأي
حرفة أخرى . في المرحلة الأولية من التدريب المھني ، يجب أن
تتصرف كما فعل
مارشال وتخفي مميزاتك ، فالھدف ھنا ليس إثارة إعجاب الناس بتألقك بل تعلم تلك
القواعد من الداخل.
إنظر إلى
الأخطاء الصارخة التي ارتكبھا آخرون في الجماعة والسبب الذي جعلھم يدفعون ثمنا لھا
، فذلك سيكشف عن محرمات معينة ضمن الثقافة . ومع المعرفة العميقة بھذه القواعد
يمكنك أن تبدأ بالمناورة بھا لصالحك . في الوقت الذي تجد فيه نفسك في مواجھة نظام
ظالم أو فاسد ، فالطريقة الأكثر فعالية ھي دراسة قواعده من الداخل واكتشاف نقاط
ضعفه ، و من خلال معرفتك كيفية عمله يمكنك استبعادھا لھدف نبيل.
4 -
انسجم مع التفاصيل:
نظرا لكونه طالب
فنون شاب في إيطاليا في أواخر القرن الخامس عشر ، واجه مايكل أنجلو عائقا شخصيا
لديه . كانت لديه مفاھيم أساسية حول الأشياء التي أراد رسمھا ونحتھا ، ولكنھا لا
ترقى إلى درجة المھارة المطلوبة . شاھد الأعمال الفنية لفنانين آخرين و رغب في أن
يتمتع عمله بذات الھالة والأثر ، ولكنه احبط بسبب السطحية والتقليدية لما صنعه .
ثم
قام بإجراء
تجربة : بدأ بنسخ أعماله المفضلة حتى أصغر ضربة فرشاة فيھا ، واكتشف أن التأثير
الذي أبھره كثيرا كان متضمنا في التفاصيل : الوسيلة التي استطاع بھا ھؤلاء
الفنانين صنع الأشكال أو بعث الحياة في مشھد الطبيعة من خلال تركيزھم الشديد على
نقاط الجمال . وعليه ، فقد بدأ بتدريب مھني مميز لحرفته ، سيدوم له لما بقي من
حياته ، ويغير
أسلوب تفكيره
كليا.
عند صناعته
لمنحوتاته ، أصبح مھووسا بالھيكل العظمي إلا أن الكتب والتقنيات المتعلقة بالموضوع
بدت غير كافية على الإطلاق . لذلك فقد بدا بتشريح الجثث البشرية واحدة تلو الأخرى
، الأمر الذي منحه إحساسا عميقا بتكوين الإنسان استطاع أن يعكسه في عمله . كما
تنامى اھتمامه بالاقمشة ، وكيف ينثني كل نوع من الانسجة بطريقته الخاصة ، وعمل
على صقل إنتاجه
من الملابس . بالإضافة إلى ما سبق ، فقد وسع دراساته للتفاصيل إلى الحيوانات وكيف
تتحرك . حينما تم تكليفه بصنع أعماله الكبرى ، تجنب الإغراء القديم بالبدء ببعض
المفاھيم الأساسية ، بدلا من ذلك نظر إلى المادة التي سيعمل عليھا ، المساحة ، والمكونات
الفردية التي تضمھا ، ومن ھنا سيتصور الشكل النھائي والأثر . بواسطة ھذا الاھتمام
الشديد
بالتفاصيل ، بدا أن مايكل انجلو اكتشف السر لجعل أعماله تنبض بالحياة بطريقة فاقت
أي فنان آخر في عصره.
عندما تبدأ
بمشروع من أي نوع ، فإن ذلك يكون غالبا من النھاية الخاطئة . حيث تميل إلى التفكير
أولا بما تريد إنجازه ، متخيلا المجد والمال الذي سيجلبه لك في حال نجاحه ، ثم
تحاول إخراج ھذا المفھوم الى الحياة . ولكن باستمرارك في الأمر ، فإنك في معظم
الحالات تفقد الصبر لأن الخطوات
الصغيرة المؤدية
إليه ليست ممتعة كالرؤى المشوقة الموجودة في ذھنك . عليك بدلا من ذلك أن تجرب
الاتجاه المقابل ، الذي يمكنه أن يؤدي إلى نتائج مختلفة : لديك مشروع تتمنى أن
تخرجه للحياة ، ولكنك بدأت بالانھماك في تفاصيل الموضوع أو الحقل . إذا نظرت إلى
المواد التي ستعمل عليھا ، أذواق جمھورك المستھدف ، وآخر التطورات التقنية في
المجال. وتستمتع بالتعمق أكثر فأكثر في ھذه النقاط الجمالية ، فبحثك مركز ستقوم بتشكيل المشروع نفسه وفقا لھذه المعرفة ،
حيث تؤسسه على واقع بدلا من مفاھيم عائمة في عقلك . إن التصرف بھذه الطريقة يساعدك
على إبطاء وتيرة ذھنك وتنمية الصبر للعمل التفصيلي ، وھو مھارة أساسية لإتقان أية
مھنة.
5 -
أعد اكتشاف اصرارك الطبيعي:
ھناك معضلة نواجھھا جميعا : لننجز أي شيء جدير
بالاھتمام في الحياة ، فإن ھذا عموما يستغرق بعض الوقت ، غالبا عقود ،و نحن
مخلوقات نجد أنه من الصعب كثيرا الاستمرار لمدة طويلة كھذه ، إذ أننا غارقين في تفاصيل
كل يوم بيومه وتتذبذب عواطفنا عند كل مواجھة . وكذلك لدينا رغبات نعمل دائما لإشباعھا
. خلال ھذه الفترة الطويلة من الوقت التي
نحتاجھا لبلوغ
الھدف ، نتعرض للھجوم من آلاف الملھيات والإغراءات التي تبدو ممتعة أكثر ، حيث
نفقد البصيرة بأھدافنا وينتھي بنا الأمر متبعين منعطفا آخر . ھذا ھو مصدر الكثير
من حالات الفشل في حياتنا.
لإرغام نفسك على
تجاوز أية عقبة أو إغراء ، يجب أن تكون مثابرا . لقد أمتلكنا جميعا في طفولتنا تلك
الصفة ، لأننا كنا أحادي الذھن.
عليك ببساطة أن
تعيد اكتشاف وتطوير سمة الشخصية ھذه .
يجب أن تدرك أولا :الدور الذي يلعبه
مستوى طاقتك في إتقان عملية التعلم واكمال الشيء إلى نھايته ، وبالتالي إذا أخذت
أھدافا إضافية أو مھام جديدة سيتشتت
تركيزك ولن
تستطيع الحصول على ما أردته في البداية . إذ لا يمكنك المضي في مسارين أو ثلاثة ،
لذا تجنب ھذا الإغراء .
ثانيا
: حاول تقسيم
الأشياء على وحدات أصغر من الوقت.
فأنت لديك ھدفك
كبير ولكن ھناك خطوات على امتداد الطريق ، وخطوات تقع ضمن خطوات أخرى . تلك
الخطوات تستغرق أشھرا بدلا من سنوات ، ويمنحك بلوغ ھذه الأھداف الصغرى إحساسا
بالمكافأة والتقدم الملموس . سيجعل ما سبق الأمر أسھل بالنسبة لك لمقاومة أية
ملھيات على طول الطريق والتقدم للإمام بجرأة .
تذكر ھذا : أي شيء قد يفسح المجال لھجوم داءم وقوي
عليك.
0 التعليقات:
إرسال تعليق