القانون الخمسون 23
الاتجاه الجريء :
عندما بلغت
القمة في الاعمال ، تأقلمت مع وضعي الجديد وأصبحت أكثر جرأة وجنونا عما قبل . حتى
اني استمع أقل للأشخاص الذين حاولوا ابطاءي .
50 سنت
شھدنا عبر
التاريخ الأنماط التالية : اشخاص معينين يبرزون خارج الحشد بسبب تمتعھم بمھارة أو
موھبة ما ، ربما ھم أساتذة في اللعبة السياسية ويمكنھم اجتذاب وكسب الحلفاء
المناسبين ، أو حائزين لمعرفة تقنية عليا في تخصصھم ، أو قد يكونوا ممن أنشئوا
مشروعات جريئة لاقت نجاحا . في أية مناسبة ، تجد ھذه الشخصيات نفسھا فجأة في وضعية
القيادة ،
وھو شيء لم
تھيئھم له خبرتھم وتعليمھم في الماضي.
ھم الآن وحيدون
وعلى القمة ، وجميع قراراتھم وتصرفاتھم أصبحت تحت المجھر من قبل جماعتھم وكذلك
العامة . إلا أن الضغط يمكن أن يكون أشد أحيانا ، وما يحدث لا محالة ھو خضوع
الكثير منھم لكل انواع المخاوف بشكل لا واع . وبينما قد يكونوا من قبل جريئون
ومبدعون ، فإنھم الآن يغدون حذرين ومتحفظين و واعين للمعايير العالية . خائفين سرا
من
تحميلھم مسؤولية
نجاح الجماعة ، يفرطون في التفويض ، يستطلعون آراء الجميع ، أو يمتنعون عن اتخاذ
القرارات الصعبة . أو يصبحوا مفرطين في التسلط ، محاولين السيطرة على كل شيء - وھي
علامة أخرى للضعف وانعدام الثقة بالنفس .
إنھا قصة أعضاء
مجلس الشيوخ الذين يصنعون رؤوساء منحطين ، والملازمين الشجعان الذين ينقلبون إلى
جنرالات عاديين ، أو أعلى المدراء الذين يصبحون تنفيذين غير أكفاء.
و لا بد أن يكون
ھناك في المجموعة قلة ممن يتبنون اتجاھا معاكسا ، ويصلون إلى المنصب مظھرين مھارات
قيادية غير عادية لا يمكن أن يشك بھا أحد . نجد ضمن ھذه النوعية اشخاصا مثل :
نابليون بونابرت ، المھاتما غاندي ، و وينستون تشرشل . ما يربط ھؤلاء معا ليست
مھارة متقنة أو القليل من المعرفة ، بل صفة شخصية و طبع يكشف عن جوھر الفن.
أنھم
جريئون ، لا يتخوفون
من اتخاذ القرارات الصعبة بأنفسھم ، وبدلا من ذلك يبدون مستمتعين بھذه المسؤولية .
كما أنھم لا يصبحون متحفظين فجأة ، بل في الحقيقة يظھرون ميلا للسلوك الجريء ،
وكأنھم يكشفون عن حكمة ھائلة تحت النار .
أدرك ھؤلاء بطرق
مختلفة أن القائد يتمتع بقوة فريدة وغير مستغلة عموما حيث تميل كل جماعة إلى افتراض الروح والطاقة في
الشخص المتربع على القمة ، اذا كان ھذا الشخص ضعيفا وسلبيا ستؤول المجموعة إلى
الانشقاق في فرق ، أما لو كان يفتقر إلى الثقة بالنفس فستعترض مواطن عدم الأمان
لديھم طريقھم جاعلة إياھم ينحدرون إلى القاع : اذ يضع مزاجھم المتوتر الكئيب
الجميع على الحافة . إلا أن الاحتمال المقابل موجود دائما : القائد الجريء الذي
يكون في الأمام باستمرار ، واضعا النسق والاجندة للجماعة ، و يشع بمستوى عال من
الطاقة والثقة . إن ھذا الشخص على القمة لا يحتاج إلى الصراخ أو دفع الناس جانبا :
ھولاء الأدنى منه يريدون اتباع قيادته أو قيادتھا لأنه قوي وملھم.
في الحرب ،
عندما تكون مھارات القيادة أكثر وضوحا وضرورة لكون حياة الناس على المحك ، يمكن
التمييز بين نوعين من القيادة : من الخلف أو من الأمام . يفضل النوع الأول من
الجنرالات البقاء في خيمته أو مقره وإصدار الأوامر من ھناك ، مع الإحساس بأن وجود
ھذه المسافة يسھل عملية اتخاذ القرارات . قد يتضمن ھذا النمط أيضا الملازمين
والجنرالات الآخرين في مواقع صنع القرارات الھامة والذين يختارون القيادة بواسطة
لجنة . حيث يحاول القائد ھنا إخفاء نفسه عن التدقيق والمساءلة والخطر . إلا أن
أعظم الجنرالات في التاريخ لا محالة ھم الذين يقودون من الأمام وبأنفسھم. حيث يمكن
لجنودھم رؤيتھم وھم على رأس الجيش ، معرضين أنفسھم لذات المصير الذي قد يتعرض له أصغر
جندي .
قال دوق
ولينجتون أن مجرد ظھور نابليون بونابرت على رأس جيشه يعادل قوة إضافية مقدارھا
أربعين الف رجل ، كنوع من الطاقة الكھربائية التي تسري في الجنود - فھو يشاركھم
تضحياتھم ويقودھم كقدوة . وھو أمر يتمتع غالبا بدلالات دينية.
نلاحظ كذلك وجود
النمطين ذاتھما في التجارة والسياسة.
يحاول
التنفيذيون الذين يقودون من الخلف تمويه الامر لسبب أخلاقي : الحاجة للسرية أو
رغبتھم في أن يكونوا أكثر عدلا و
ديمقراطية . ولكنه ينبع في الحقيقة من الخوف ويقود لا محالة إلى قلة احترامھم من
قبل مرؤوسيھم . بينما النمط المقابل ، القيادة من الأمام ، تتمتع بذات القوة في
العمل كما ھي في ساحة المعركة . القادة الذين يعملون أكثر من أي
شخص آخر ، و
يطبقون ما ينصحون به، غير خائفين من المساءلة عن اتخاذ القرارات الصعبة أو تحمل
المخاطر ، سيجدون أنھم صنعوا وافرا من الاحترام يعود عليھم بالنفع بين العامة .
حيث يستطيعون طلب تضحيات أو عقاب مثيري المشاكل وارتكاب أخطاء من وقت لآخر دون
مواجھة الاستياء والشك المعتادين ، فھم ليسوا بحاجة إلى الصياح أو الشكوى أو دفع
الرجال والنساء لاتباعھم ، فالناس يفعلون ذلك عن طيب خاطر.
يعتبر الاحترام
في البيئات الريفية مثل ساوث سايد كوينز قضية بالغة الأھمية ، بينما في أماكن أخرى
قد تمنحك خلفيتك ، او تعليمك ، او سيرتك الذاتية بعض السلطة والزخم ولكن ليس في
منطقة الجوار . فھناك يبدأ الجميع من الصفر ، ولكسب احترام أقرانك عليك أن تثبت
نفسك مرارا وتكرارا.
يحاول الناس
بصفة مستمرة التشكيك في قدراتك وقوتك ، وعليك أن تريھم مرة بعد أخرى بأنك تمتلك ما
ھو مطلوب للنماء والاستمرار . بالإضافة إلى ذلك فإن الكلمات والوعود الكبيرة لا
تعني شيئا ، فقط الأفعال ھي من تحمل ثقلا . إذا كنت صادقا كما يبدو عليك ، فستجني
الاحترام الذي يجعل الآخرين يتراجعون مما يجعل حياتك أكثر سھولة.
يجب أن يكون ھذا
مبدئك أيضا . أنت تبدأ دون شيء في ھذا العالم ، و أية ألقاب أو مال أو ميزة ترثھا
ھي في حقيقتھا عائق ،إذ توھمك بالاعتقاد أنك تستحق الاحترام . وإذا استمررت في فرض
إرادتك بسبب ھذه الامتيازات ، سيزدريك الناس ويحتقرونك . بدلا من ذلك ، يمكن
لأفعالك فقط أن تثبت كفاءتك ، إذ أنھا تخبر الناس من أنت . تخيل بأنه يتم تحديك
باستمرار لإظھار بأنك تستحق المركز الذي تحتله . في ثقافة مليئة بالتزييف والضجيج
، ستبرز كشخص صادق جدير بالإحترا م.
تعلم القادة
العظماء في التاريخ عن طريق التجربة لا محالة
الدرس التالي :
أن تكون مھابا ومحترما أفضل بكثير من أن تكون محبوبا . كمثال أولي ، انظر الى مخرج
الافلام ( جون فورد ) ، الرجل الذي يقف وراء عدد من أعظم الافلام في تاريخ ھوليود
. مھمة المخرج قد تكون بشكل خاص صعبة ، فعليه أن يتعامل مع حشود كثيرة : الممثلين
بكبرياءھم الحساس ، المنتجين المتسلطين الراغبين في التدخل في كل خطوة على الطريق
بالإضافة إلى الوقوع دائما تحت ضغط الحدود القصوى للوقت مع مبالغ كبيرة من المال
بالكاد تكفي . يذھب اتجاه المخرجين في ھذا الشأن إلى إعطاء مساحة لكل تلك المعارك
المختلفة ، عن طريق تملق واسترضاء الممثلين ، ترك المنتجين يتدخلون ھنا وھناك ،
والحصول على بعض التعاون عن طريق كونھم مرحين ومحبوبين.
كان فورد بطبيعته
إنسانا حساسا ومتعاطفا ، ولكنه تعلم أن كشفه لھذا الجانب من شخصيته سيفقده سريعا
السيطرة على المنتج النھائي ، حيث سيبدأ الممثلين والمنتجين في إثبات أنفسھم مما
يفقد الفيلم أي حس بالتماسك كما لاحظ أن
المخرجين اللطفاء بشكل واضح لا يستمرون في الحقيقة طويلا ابدا ، إذ يتم دفعھم
جانبا وتكون افلامھم سيئة . لذلك قرر في بداية مھنته أن يشكل نوعا من القناع لنفسه
كرجل عنيد بل و مرعب قليلا.
جعل الأمر واضحا
لھم في وقت العمل انه ليس من نوعية المخرجين اللطفاء المعتادين . سيعمل لساعات
أطول من أي أحد آخر ، وإذا قاموا بتصوير فيلم في بيئة ذات ظروف قاسية فسينام في
خيمة كالجميع ويشاركھم طعامھم الرديء . في الحالات التي يتطلب فيھا الدخول في عراك
عنيف بالأيدي عند التصوير ، غالبا مع ممثليه الرئيسيين كجون واين ، فإن ھذه
المعارك ليست للعرض فقط ، بل يتبادلون اللكمات بالفعل
ويدخل ھو معھم
بكامل قوته جاعلا الممثلين يدافعون بقوة مماثلة . الأمر الذي يشكل نسقا مميزا وذلك
بسبب ميل الممثل عادة إلى الشعور بالإحراج عند الانغماس في سلوكه المعتاد المكبوت
ومزاجه الغاضب . كان يعامل الجميع بذات الطريقة ، حتى ارشي دوق النمسا نفسه عند محاولته
تأسيس مھنته كمخرج في ھوليود ، تم الصراخ عليه و دفعه إلى حفرة من قبل فورد بنفسه.
كانت لديه طريقة
مميزة في إدارة الممثلين : والتي تقتصر على ان يقول لھم كلمات قليلة منتقاة بعناية
حول ما يريده منھم ، و من ثم إذا ارتكبوا الشيء الخاطىء في التصوير فإنه يھينھم
بقسوة أمام الجميع . لذلك فقد تعلموا سريعا انه يجب عليھم الانتباه للكلمات
القليلة التي يتفوه بھا ولغة جسده في التصوير والتي غالبا تخبرھم بما ھو أكثر من
الكلام . و يفترض بھم ان يرفعوا مستويات تركيزھم واظھار من أنفسھم في العمل.
حينما زار
المنتج المشھور( صموئيل جولدن وأي ) موقع التصوير ، أخبر فورد أنه يريد فقط مشاھدته
وھو يعمل( وسيلة المنتج المعتادة للتجسس والضغط ) لم ينطق فورد بكلمة ، وفي اليوم
التالي زار جولدن وأي في مكتبه وجلس فقط صامتا في المقعد المقابل لطاولة واي محدقا
فيه . أستاء
جولدن واي بعد
فترة وسأله عما يفعله ، اجابه بأنه أراد فقط أن يشاھده وھو يعمل . ولم يزره جولدن
وأي مرة أخرى إطلاقا في موقع العمل وتعلم سريعا أن يمنحه مساحته.
كان لكل ما سبق
أثر غريب ومتناقض على طاقم العمل والممثلين . أصبحوا يحبون العمل مع جون فورد
ويستقتلون للحصول على مكان ضمن طاقمه الحصري من موظفيه المعتادين . إذ أن معاييره
العالية جدا أجبرتھم على العمل بجد أكبر ، وقد صنع منھم ممثلين مبدعين ومحترفين .
إن لمحة
اطراء عرضية من
جانبه تحمل ثقلا مضاعفا وتبقى في الذاكرة مدى الحياة . وكانت النتيجة النھائية
لطريقته القاسية والغير متسامحة ، أنه تمكن من الحفاظ على مستوى أعلى من السيطرة
على المنتج النھائي أكثر من غالبية المخرجين الآخرين ، وكانت أفلامه دائما على
أعلى درجة من الجودة.
لم يجازف أحد
بتحدي سلطته واستمر في ھوليود كملك لأفلام الاكشن الغربية بما يتجاوز الأربعين عام
، وھو إنجاز غير مسبوق في المجال.
افھم
ھذا : لتكون قائدا
، يتطلب الأمر اتخاذ خيارات قاسية ودفع الناس لعمل أشياء مخالفة لرغباتھم . إذا
اخترت نمط القيادة اللين والمسترضي والمتوافق مع الآخرين انطلاقا من الخوف من أن
تكون غير محبوب ، ستجد أن قدرتك على دفع الناس للعمل بجدية أكبر أو تقديم تضحيات
تتناقص أقل فأقل.
وإذا حاولت أن
تكون قاسيا فجأة ، سيشعرون غالبا بالجرح والاستياء
الشخصي . إذ من الممكن أن يتحولوا من الحب إلى الكراھية ، فالاتجاه المعاكس يولد
نتيجة معاكسة . عند بناءك سمعة من القسوة و ارادة الحصول على نتائج ، قد يستاء منك
الناس ولكنك ستضع اللبنة الأساسية للاحترام . فأنت تظھر الصفات الحقيقية للقيادة
والتي تخاطب الجميع.
بعد ذلك ، و مع
وجود الوقت و ترسخ سلطتك ، لديك مجال الآن لتتراجع وتكافأ الناس ، حتى من أجل
يصبحوا لطفاء. حينما تفعل ذلك سيبدو الأمر كلفتة حقيقية وليس محاولة لدفعھم لمحبتك
، وسيأتي ھذا بأثر مضاعف.
0 التعليقات:
إرسال تعليق