22‏/07‏/2019

القانون الخمسون 23

القانون الخمسون 23

الاتجاه الجريء :

عندما بلغت القمة في الاعمال ، تأقلمت مع وضعي الجديد وأصبحت أكثر جرأة وجنونا عما قبل . حتى اني استمع أقل للأشخاص الذين حاولوا ابطاءي .                            50 سنت

شھدنا عبر التاريخ الأنماط التالية : اشخاص معينين يبرزون خارج الحشد بسبب تمتعھم بمھارة أو موھبة ما ، ربما ھم أساتذة في اللعبة السياسية ويمكنھم اجتذاب وكسب الحلفاء المناسبين ، أو حائزين لمعرفة تقنية عليا في تخصصھم ، أو قد يكونوا ممن أنشئوا مشروعات جريئة لاقت نجاحا . في أية مناسبة ، تجد ھذه الشخصيات نفسھا فجأة في وضعية القيادة ،
وھو شيء لم تھيئھم له خبرتھم وتعليمھم في الماضي.
ھم الآن وحيدون وعلى القمة ، وجميع قراراتھم وتصرفاتھم أصبحت تحت المجھر من قبل جماعتھم وكذلك العامة . إلا أن الضغط يمكن أن يكون أشد أحيانا ، وما يحدث لا محالة ھو خضوع الكثير منھم لكل انواع المخاوف بشكل لا واع . وبينما قد يكونوا من قبل جريئون ومبدعون ، فإنھم الآن يغدون حذرين ومتحفظين و واعين للمعايير العالية . خائفين سرا من
تحميلھم مسؤولية نجاح الجماعة ، يفرطون في التفويض ، يستطلعون آراء الجميع ، أو يمتنعون عن اتخاذ القرارات الصعبة . أو يصبحوا مفرطين في التسلط ، محاولين السيطرة على كل شيء - وھي علامة أخرى للضعف وانعدام الثقة بالنفس .
إنھا قصة أعضاء مجلس الشيوخ الذين يصنعون رؤوساء منحطين ، والملازمين الشجعان الذين ينقلبون إلى جنرالات عاديين ، أو أعلى المدراء الذين يصبحون تنفيذين غير أكفاء.
و لا بد أن يكون ھناك في المجموعة قلة ممن يتبنون اتجاھا معاكسا ، ويصلون إلى المنصب مظھرين مھارات قيادية غير عادية لا يمكن أن يشك بھا أحد . نجد ضمن ھذه النوعية اشخاصا مثل : نابليون بونابرت ، المھاتما غاندي ، و وينستون تشرشل . ما يربط ھؤلاء معا ليست مھارة متقنة أو القليل من المعرفة ، بل صفة شخصية و طبع يكشف عن جوھر الفن.
أنھم جريئون ، لا يتخوفون من اتخاذ القرارات الصعبة بأنفسھم ، وبدلا من ذلك يبدون مستمتعين بھذه المسؤولية . كما أنھم لا يصبحون متحفظين فجأة ، بل في الحقيقة يظھرون ميلا للسلوك الجريء ، وكأنھم يكشفون عن حكمة ھائلة تحت النار .
أدرك ھؤلاء بطرق مختلفة أن القائد يتمتع بقوة فريدة وغير مستغلة عموما  حيث تميل كل جماعة إلى افتراض الروح والطاقة في الشخص المتربع على القمة ، اذا كان ھذا الشخص ضعيفا وسلبيا ستؤول المجموعة إلى الانشقاق في فرق ، أما لو كان يفتقر إلى الثقة بالنفس فستعترض مواطن عدم الأمان لديھم طريقھم جاعلة إياھم ينحدرون إلى القاع : اذ يضع مزاجھم المتوتر الكئيب الجميع على الحافة . إلا أن الاحتمال المقابل موجود دائما : القائد الجريء الذي يكون في الأمام باستمرار ، واضعا النسق والاجندة للجماعة ، و يشع بمستوى عال من الطاقة والثقة . إن ھذا الشخص على القمة لا يحتاج إلى الصراخ أو دفع الناس جانبا : ھولاء الأدنى منه يريدون اتباع قيادته أو قيادتھا لأنه قوي وملھم.
في الحرب ، عندما تكون مھارات القيادة أكثر وضوحا وضرورة لكون حياة الناس على المحك ، يمكن التمييز بين نوعين من القيادة : من الخلف أو من الأمام . يفضل النوع الأول من الجنرالات البقاء في خيمته أو مقره وإصدار الأوامر من ھناك ، مع الإحساس بأن وجود ھذه المسافة يسھل عملية اتخاذ القرارات . قد يتضمن ھذا النمط أيضا الملازمين والجنرالات الآخرين في مواقع صنع القرارات الھامة والذين يختارون القيادة بواسطة لجنة . حيث يحاول القائد ھنا إخفاء نفسه عن التدقيق والمساءلة والخطر . إلا أن أعظم الجنرالات في التاريخ لا محالة ھم الذين يقودون من الأمام وبأنفسھم. حيث يمكن لجنودھم رؤيتھم وھم على رأس الجيش ، معرضين أنفسھم لذات المصير الذي قد يتعرض له أصغر جندي .
قال دوق ولينجتون أن مجرد ظھور نابليون بونابرت على رأس جيشه يعادل قوة إضافية مقدارھا أربعين الف رجل ، كنوع من الطاقة الكھربائية التي تسري في الجنود - فھو يشاركھم تضحياتھم ويقودھم كقدوة . وھو أمر يتمتع غالبا بدلالات دينية.
نلاحظ كذلك وجود النمطين ذاتھما في التجارة والسياسة.
يحاول التنفيذيون الذين يقودون من الخلف تمويه الامر لسبب أخلاقي : الحاجة للسرية أو رغبتھم في أن يكونوا أكثر عدلا  و ديمقراطية . ولكنه ينبع في الحقيقة من الخوف ويقود لا محالة إلى قلة احترامھم من قبل مرؤوسيھم . بينما النمط المقابل ، القيادة من الأمام ، تتمتع بذات القوة في العمل كما ھي في ساحة المعركة . القادة الذين يعملون أكثر من أي
شخص آخر ، و يطبقون ما ينصحون به، غير خائفين من المساءلة عن اتخاذ القرارات الصعبة أو تحمل المخاطر ، سيجدون أنھم صنعوا وافرا من الاحترام يعود عليھم بالنفع بين العامة . حيث يستطيعون طلب تضحيات أو عقاب مثيري المشاكل وارتكاب أخطاء من وقت لآخر دون مواجھة الاستياء والشك المعتادين ، فھم ليسوا بحاجة إلى الصياح أو الشكوى أو دفع الرجال والنساء لاتباعھم ، فالناس يفعلون ذلك عن طيب خاطر.
يعتبر الاحترام في البيئات الريفية مثل ساوث سايد كوينز قضية بالغة الأھمية ، بينما في أماكن أخرى قد تمنحك خلفيتك ، او تعليمك ، او سيرتك الذاتية بعض السلطة والزخم ولكن ليس في منطقة الجوار . فھناك يبدأ الجميع من الصفر ، ولكسب احترام أقرانك عليك أن تثبت نفسك مرارا وتكرارا.
يحاول الناس بصفة مستمرة التشكيك في قدراتك وقوتك ، وعليك أن تريھم مرة بعد أخرى بأنك تمتلك ما ھو مطلوب للنماء والاستمرار . بالإضافة إلى ذلك فإن الكلمات والوعود الكبيرة لا تعني شيئا ، فقط الأفعال ھي من تحمل ثقلا . إذا كنت صادقا كما يبدو عليك ، فستجني الاحترام الذي يجعل الآخرين يتراجعون مما يجعل حياتك أكثر سھولة.
يجب أن يكون ھذا مبدئك أيضا . أنت تبدأ دون شيء في ھذا العالم ، و أية ألقاب أو مال أو ميزة ترثھا ھي في حقيقتھا عائق ،إذ توھمك بالاعتقاد أنك تستحق الاحترام . وإذا استمررت في فرض إرادتك بسبب ھذه الامتيازات ، سيزدريك الناس ويحتقرونك . بدلا من ذلك ، يمكن لأفعالك فقط أن تثبت كفاءتك ، إذ أنھا تخبر الناس من أنت . تخيل بأنه يتم تحديك باستمرار لإظھار بأنك تستحق المركز الذي تحتله . في ثقافة مليئة بالتزييف والضجيج ، ستبرز كشخص صادق جدير بالإحترا م.
تعلم القادة العظماء في التاريخ عن طريق التجربة لا محالة
الدرس التالي : أن تكون مھابا ومحترما أفضل بكثير من أن تكون محبوبا . كمثال أولي ، انظر الى مخرج الافلام ( جون فورد ) ، الرجل الذي يقف وراء عدد من أعظم الافلام في تاريخ ھوليود . مھمة المخرج قد تكون بشكل خاص صعبة ، فعليه أن يتعامل مع حشود كثيرة : الممثلين بكبرياءھم الحساس ، المنتجين المتسلطين الراغبين في التدخل في كل خطوة على الطريق بالإضافة إلى الوقوع دائما تحت ضغط الحدود القصوى للوقت مع مبالغ كبيرة من المال بالكاد تكفي . يذھب اتجاه المخرجين في ھذا الشأن إلى إعطاء مساحة لكل تلك المعارك المختلفة ، عن طريق تملق واسترضاء الممثلين ، ترك المنتجين يتدخلون ھنا وھناك ، والحصول على بعض التعاون عن طريق كونھم مرحين ومحبوبين.
كان فورد بطبيعته إنسانا حساسا ومتعاطفا ، ولكنه تعلم أن كشفه لھذا الجانب من شخصيته سيفقده سريعا السيطرة على المنتج النھائي ، حيث سيبدأ الممثلين والمنتجين في إثبات أنفسھم مما يفقد الفيلم أي حس بالتماسك  كما لاحظ أن المخرجين اللطفاء بشكل واضح لا يستمرون في الحقيقة طويلا ابدا ، إذ يتم دفعھم جانبا وتكون افلامھم سيئة . لذلك قرر في بداية مھنته أن يشكل نوعا من القناع لنفسه كرجل عنيد بل و مرعب قليلا.
جعل الأمر واضحا لھم في وقت العمل انه ليس من نوعية المخرجين اللطفاء المعتادين . سيعمل لساعات أطول من أي أحد آخر ، وإذا قاموا بتصوير فيلم في بيئة ذات ظروف قاسية فسينام في خيمة كالجميع ويشاركھم طعامھم الرديء . في الحالات التي يتطلب فيھا الدخول في عراك عنيف بالأيدي عند التصوير ، غالبا مع ممثليه الرئيسيين كجون واين ، فإن ھذه المعارك ليست للعرض فقط ، بل يتبادلون اللكمات بالفعل
ويدخل ھو معھم بكامل قوته جاعلا الممثلين يدافعون بقوة مماثلة . الأمر الذي يشكل نسقا مميزا وذلك بسبب ميل الممثل عادة إلى الشعور بالإحراج عند الانغماس في سلوكه المعتاد المكبوت ومزاجه الغاضب . كان يعامل الجميع بذات الطريقة ، حتى ارشي دوق النمسا نفسه عند محاولته تأسيس مھنته كمخرج في ھوليود ، تم الصراخ عليه و دفعه إلى حفرة من قبل فورد بنفسه.
كانت لديه طريقة مميزة في إدارة الممثلين : والتي تقتصر على ان يقول لھم كلمات قليلة منتقاة بعناية حول ما يريده منھم ، و من ثم إذا ارتكبوا الشيء الخاطىء في التصوير فإنه يھينھم بقسوة أمام الجميع . لذلك فقد تعلموا سريعا انه يجب عليھم الانتباه للكلمات القليلة التي يتفوه بھا ولغة جسده في التصوير والتي غالبا تخبرھم بما ھو أكثر من الكلام . و يفترض بھم ان يرفعوا مستويات تركيزھم واظھار من أنفسھم في العمل.
حينما زار المنتج المشھور( صموئيل جولدن وأي ) موقع التصوير ، أخبر فورد أنه يريد فقط مشاھدته وھو يعمل( وسيلة المنتج المعتادة للتجسس والضغط ) لم ينطق فورد بكلمة ، وفي اليوم التالي زار جولدن وأي في مكتبه وجلس فقط صامتا في المقعد المقابل لطاولة واي محدقا فيه . أستاء
جولدن واي بعد فترة وسأله عما يفعله ، اجابه بأنه أراد فقط أن يشاھده وھو يعمل . ولم يزره جولدن وأي مرة أخرى إطلاقا في موقع العمل وتعلم سريعا أن يمنحه مساحته.
كان لكل ما سبق أثر غريب ومتناقض على طاقم العمل والممثلين . أصبحوا يحبون العمل مع جون فورد ويستقتلون للحصول على مكان ضمن طاقمه الحصري من موظفيه المعتادين . إذ أن معاييره العالية جدا أجبرتھم على العمل بجد أكبر ، وقد صنع منھم ممثلين مبدعين ومحترفين . إن لمحة
اطراء عرضية من جانبه تحمل ثقلا مضاعفا وتبقى في الذاكرة مدى الحياة . وكانت النتيجة النھائية لطريقته القاسية والغير متسامحة ، أنه تمكن من الحفاظ على مستوى أعلى من السيطرة على المنتج النھائي أكثر من غالبية المخرجين الآخرين ، وكانت أفلامه دائما على أعلى درجة من الجودة.
لم يجازف أحد بتحدي سلطته واستمر في ھوليود كملك لأفلام الاكشن الغربية بما يتجاوز الأربعين عام ، وھو إنجاز غير مسبوق في المجال.
افھم ھذا : لتكون قائدا ، يتطلب الأمر اتخاذ خيارات قاسية ودفع الناس لعمل أشياء مخالفة لرغباتھم . إذا اخترت نمط القيادة اللين والمسترضي والمتوافق مع الآخرين انطلاقا من الخوف من أن تكون غير محبوب ، ستجد أن قدرتك على دفع الناس للعمل بجدية أكبر أو تقديم تضحيات تتناقص أقل فأقل.
وإذا حاولت أن تكون قاسيا فجأة ، سيشعرون غالبا بالجرح  والاستياء الشخصي . إذ من الممكن أن يتحولوا من الحب إلى الكراھية ، فالاتجاه المعاكس يولد نتيجة معاكسة . عند بناءك سمعة من القسوة و ارادة الحصول على نتائج ، قد يستاء منك الناس ولكنك ستضع اللبنة الأساسية للاحترام . فأنت تظھر الصفات الحقيقية للقيادة والتي تخاطب الجميع.
بعد ذلك ، و مع وجود الوقت و ترسخ سلطتك ، لديك مجال الآن لتتراجع وتكافأ الناس ، حتى من أجل يصبحوا لطفاء. حينما تفعل ذلك سيبدو الأمر كلفتة حقيقية وليس محاولة لدفعھم لمحبتك ، وسيأتي ھذا بأثر مضاعف.

0 التعليقات: