القانون الخمسون 27
الاتجاه الجريء:
الجمھور لا
يخطىء أبدا . عندما لا يستجيب الناس لما تفعله ، فإنھم يخبرونك شيء ما بصوت عال و
واضح . أنت فقط لا تستمع.
50 سنت
تعتمد جميع
الكائنات الحية في معيشتھا على علاقتھا ببيئتھا. وإذا كانوا حساسين على وجه الخصوص
لأي نوع من التغيير ، كخطر أو فرصة ما ، فإنھم يتمتعون بقوة أكبر للسيطرة على
محيطھم . الصقر ببساطة لا يرى أبعد من أي مخلوق ، ولكنه يستطيع رؤية التفاصيل
الدقيقة و رصد أقل تغيير في الطبيعة .حيث تزوده عيناه بحساسية ھائلة و مھارة عالية
في الصيد.
نحن نعيش ضمن
بيئة بشرية في أغلبھا ، تتألف من أشخاص نتفاعل معھم يوما بعد يوم . ينحدر ھؤلاء
الناس من خلفيات وثقافات متنوعة ، فھم متفردين بخبراتھم الخاصة المميزة . إن معرفة
الناس جيدا : باختلافاتھم ، فوارقھم الفردية وحياتھم العاطفية ، يمنحنا حسا عظيما
بالاتصال والقوة . سنتمكن من معرفة كيفية الوصول إليھم ، والتواصل معھم بفاعلية أكبر
،
والتأثير على
أفعالھم ، ولكننا غالبا ما نبقى في الخارج ونفقد القوة . الاتصال بالبيئة بھذه
الطريقة يعني الخروج من ذواتنا وتدريب أعيننا على ملاحظة الناس . ولكننا غالبا ما
نفضل الحياة داخل رؤوسنا ، وسط أفكارنا وأحلامنا . اذ نسعى لجعل كل شيء في العالم
مألوفا وبسيطا ، و نغدو غير حساسين لاختلافات الناس وللتفاصيل التي تجعل منھم
أفرادا.
يكمن في عمق ھذا
الانكفاء نحو الداخل و انعدام الاتصال خوف عظيم وھو أحد أكثر المخاوف البدائية
المعروفة للإنسان و ربما أصعبھا فھما .
انتظم أسلافنا
البدائيين في القدم في مجموعات من أجل الحماية . ولخلق نوع من حس التماسك أنشأوا
جميع انواع قواعد السلوك ، و المحرمات ، والطقوس المشتركة . كما اخترعوا أساطير
تتضمن تفضيل الآلھة
لقبيلتھم وأنھا
مختارة لھدف عظيم . أولئك المنتمين إلى مجموعات أخرى لديھم طقوس وأنظمة عقائدية
غير مألوفة ، بالإضافة إلى آلھتھم الخاصة وأساطيرھم الأصلية . أي أنھم غير نظيفون
، فھم يمثلون الآخر، كشيء مظلم ومخيف ويتحدى إحساس القبيلة بالأفضلية.
كان ذلك جزءا من
درعنا النفسي لآلاف السنين ، وقد تحول الآن إلى خوف عظيم من الثقافات وطرق التفكير
الأخرى.
بالنسبة
للمسيحيين ، يتجسد ذلك المفھوم في كل الوثنيين. وعلى الرغم من تطور الحضارة على
مدى آلاف السنوات ، لازال الأمر موجودا بداخلنا لھذا اليوم في صورة عملية ذھنية
نقسم بموجبھا العالم بين ما ھو مألوف و غير مألوف ، نظيف و غير نظيف . كما طورنا
أفكارا وقيما معينة نتآلف بموجبھا مع ھولاء الذين يتشاركون معنا تلك القيم ،
مشكلين جزءا من
دائرتنا
الداخلية و زمرتنا . لقد شكلنا مجموعات من المعتقدات الجامدة ، يمين أو يسار ، ھذا
أو ذاك . وعليه أصبحنا نعيش بداخل رؤوسنا ، مع الأفكار ذاتھا مرارا وتكرارا ،
ومحميين عن العالم الخارجي.
و حينما نواجه
الناس أو الأفراد ممن يحملون قيما ومعتقدات مختلفة ، نشعر بالتھديد ، فتكون خطوتنا
الأولى ليست فھمھم بل معاداتھم - ذلك الآخر الغامض . حيث نختار بدلا من ھذا أن
نفھمھم من خلال واجھة مكونة من قيمنا الخاصة ونفترض أنھم يشاركوننا إياھا ، إذ
نقوم ذھنيا بتحويل الشخص الآخر إلى شيء مألوف . ومع انھم قد يأتون من ثقافات
مختلفة كليا ، إلا أنه بعد ھذا كله يجب أن يرغبوا بذات الأشياء التي نرغبھا
، الأمر الذي
يعد فشلا من عقولنا في التحرك وفھم ما ھو خارج عنھا ، عجزھا في أن تكون حساسة للاختلافات الدقيقة يجب أن
يكون كل شيء إما ابيض أو اسود ، نظيف أو غير نظيف.
افھم
ھذا : الاتجاه
المعاكس ھو الطريق إلى القوة في ھذا العالم .
وھو يبدأ بجرأة
أساسية حيث لا تشعر بالخوف أو الإھانة من
الناس الذين لديھم طرق مختلفة في التفكير أو التصرف ، وكذلك لا تحس بأنك أفضل من
أولئك الموجودين في الخارج ، بل يجب في الواقع أن تستمتع بھذا التنوع . خطوتك
الأولى ھي أن تفتح روحك لھذه الإختلافات ، أن تتفھم ما يجعل الآخر مميزا ، وأن
تكتسب إحساسا بحياة الناس الخاصة وكيف يرون
العالم . وفقا
لھذا الطريق ، عليك أن تعرض نفسك لدوائر أوسع فأوسع من الأشخاص وبناء علاقات مع
تلك الشبكات المتعددة . إذ أن مصدر قوتك ھو الحساسية والقرب من ھذه البيئة
الاجتماعية ، و ذلك عن طريق رصدك الجيد للاتجاھات والتغيرات في أذواق الناس قبل أي
أحد آخر.
تزدحم مختلف
الظروف في منطقة الجوار أكثر من أي مكان آخر ، حيث يواجھك باستمرار أشخاص بكل أنواع
النفسيات المختلفة . وأي سلطة تحوزھا تعتمد على قدرتك على معرفة كل ما يدور حولك .
أي أن تكون حساسا للتغيرات ، و واعيا لتنظيمات القوة التي تفرض من الخارج والداخل.
لا يوجد وقت أو مجال للھروب إلى جزيرة أحلام
داخلية ، عليك أن
تتمتع بحس طارئ
للبقاء متصلا بالبيئة والناس المحيطين بك ، فحياتك تعتمد على ذلك.
نعيش الآن في
ظروف مماثلة ، حيث يتم إلقاء جميع أنواع الناس على اختلاف ثقافاتھم وأمزجتھم معا .
ولكن لكوننا نحيا في مجتمع يتميز بالرخاء الواضح والسھولة ، فإننا نفتقد الحس
الطارئ للاتصال بالآخرين ، الأمر الذي يعد خطرا . ففي بوتقة الانصھار ھذه في
العالم الحديث ومع تغير أذواق الناس بسرعة أكبر من أي وقت آخر ، يتوقف نجاحنا على
قدرتنا
على التحرك خارج
ذواتنا والتواصل مع الشبكات الاجتماعية الأخرى . عليك دائما أن تدفع نفسك نحو
الخارج بأي ثمن ، وأن تصل إلى نقطة يكون عندھا أي إحساس بفقدان ھذه الصلة ببيئتك
يترجم إلى شعور بالضعف والخطر. يتحول ھذا الخوف البدائي بداخلنا في النھاية إلى
مرض ذھني
إنغلاق العقل عن
أية أفكار جديدة وغير مألوفة . وقد تعلمت الشخصيات الجريئة عبر التاريخ على تنمية
الاتجاه المعاكس ، روح منفتحة ، وعقل يتعلم باستمرار من التجربة .
كمثال على ذلك ، انظر الى العالمة البريطانية
العظيمة المتخصصة
في أنواع القردة
العليا ( جين جودال ) ، والتي أدت أبحاثھا الميدانية إلى إحداث ثورة في أفكارنا
حول الشمبانزي والقرود الأخرى.
أسس العلماء قبل
عمل جودال أفكارا معينة متعارف عليھا حول كيفية عمل الأبحاث على الحيوانات من
أمثال الشمبانزي .حيث تتم دراستھا غالبا في أقفاص تحت ظروف متحكم فيھا بشدة ، وفي
حالات عرضية يقوم علماء القرود بإجراء الأبحاث عليھم في الطبيعة ، إذ يأتوا بحيل
كثيرة لأغراء
الشمبانزي
للاقتراب منھم بينما يبقوا مختبئين خلف نوع من الشاشات الواقية . مما يعني أنھم
يجرون التجارب بواسطة خداع الحيوانات وتدوين رد فعلھا . و كان الھدف ھو الإتيان
بحقائق عامة حول سلوك الشمبانزي . أي أن العلماء لا يمكنھم دراسة الحيوانات إلا من
خلال البقاء على مسافة منھم.
لم تكن جودال قد
تلقت تدريبا رسميا في العلوم ، عندما وصلت إلى ما يعرف الآن ب( تنزانيا ) من أجل
دراسة الشمبانزي في الطبيعة . انطلاقا من العمل بنفسھا ، ابتكرت طرقا للبحث مختلفة
كليا . إذ تعيش الشمبانزي في أبعد مناطق البلاد وھي خجولة بشكل ملحوظ . تتبعتھم من
مسافة معينة ، وعملت بصبر لاكتساب ثقتھم . كما لبست بما يجعلھا غير ظاھرة لھم
مع حذرھا من
النظر في أعينھم . و حينما تلاحظ عدم ارتياحھم من تواجدھا في المكان ، تتحرك بعيدا
أو تتصرف كأنھا قرد موجود ھناك لمجرد البحث عن حشرا ت. تدريجيا وعلى مدى عدة أشھر
، استطاعت الاقتراب أكثر فأكثر . أصبح بإمكانھا الآن تمييز أفراد الشمبانزي التي
كانت تراقبھم ، أعطتھم أسماء ، وھو أمر لم يحدث علميا من قبل ، حيث يتم تعريفھم
دائما بالأرقام . مع ھذه الأسماء ، بدأت في اكتشاف فروقات دقيقة في سلوكھم الفردي
، فھم يتمتعون بشخصيات مختلفة كالبشر . بعد ما يقارب السنة من ھذا الإغراء البطيء
، بدأت القرود ترتاح لوجودھا وسمحت لھا بالتفاعل معھم ، وھو أمر لم يحققه أحد من
قبل في تاريخ
دراسة القرود في
الطبيعة.
يتطلب ما سبق
درجة عالية من الشجاعة ، وذلك بسبب كون الشمبانزي ھو النوع الأشد مزاجية من بين
أنواع القردة العليا ، وأكثر خطورة وعنفا من الغوريلا . بتفاعلھا معھم أكثر فأكثر،
لاحظت تغيرا في شخصيتھا ھي الأخرى ، حيث كتبت إلى صديقة لھا ، أظن أن عقلي أصبح
يعمل كالشمبانزي بشكل لا واع . وقد شعرت بھذا لأنھا طورت قدرة خارقة على البحث
عنھم و إيجادھم في الغابة.
الآن وبعد
حصولھا على مدخل إليھم ، أخذت في ملاحظة العديد من الظواھر الكامنة خلف المعلومات
المتعارف عليھا في سلوك الشمبانزي . كان العلماء قد صنفوه كنباتي ، ولكنھا لاحظت
قيامھم بصيد وأكل القرود . وعلى الرغم من اعتبار الإنسان الكائن الوحيد القادر على
صناعة واستخدام الأدوات ، إلا أنھا رأتھم
ينحتون أدوات مسننة لالتقاط الحشرات لأكلھا كما شاھدتھم يؤدون طقوس رقص غريبة
أثناء عاصفة مطرية . و رأت بعد ذلك حربا مروعة استمرت أربع سنوات بين مجموعات
متنافسة . بالإضافة إلى ما سبق ، وثقت جودال سلوكا ميكافيليا غريبا وقاسيا بين
الذكور المتصارعين على السيادة . وعلى كل ، فقد كشفت عن درجة من التنوع في
حياتھم العاطفية
والذھنية والتي غيرت المفھوم ليس فقط بالنسبة للشمبانزي ولكن لجميع القردة
والثدييات. كان لذلك تطبيقات ھامة فيما وراء مجالات العلم .
عندما تدرس
موضوعا معينا ، فإنك وبشكل طبيعي تلقائي تبدأ بمفاھيم مسبقة عنه حيث أعتقد العلماء أن الشمبانزي لديه نطاق
محدود من السلوك ، لأن كل ما رأوه يفتقد الكثير جدا من الحقيقة المعقدة و بالتالي
يبدأ عقلك في العمل ضمن منطقة مغلقة غير حساسة فعلا للاختلافات والفوارق ، مع
خشيتك من تحدي افتراضاتك المسبقة . بدلا من ذلك عليك ان تكون مثل جودال
، أي أن تتحرر من ھذه الحاجة إلى التحكم وتضييق مجال رؤيتك . عند دراستك لفرد أو
مجموعة ما يجب أن يكون ھدفك ھو الدخول في عقولھم ، خبراتھم ، وطريقتھم في النظر
إلى الأشياء . لتفعل ھذا ، يجب أن تتفاعل معھم على قدم المساواة . وبھذه الروح
المنفتحة الجريئة ستكتشف أشياء لم تشك حتى بوجودھا من قبل ، كما ستشعر بتقدير أعمق
للأھداف من وراء تصرفاتك أنت أو الجمھور الذي تحاول الوصول إليه . و سيكون ھذا
الفھم ھو القوة المحركة لھم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق