22‏/07‏/2019

القانون الخمسون 19

القانون الخمسون 19
الاتجاه الجريء:

الطريقة التي تعلمتھا ھي أن الطفل الذي لا يرغب في العرا ك في ساحة المدرسة يغادر دائما بعين سوداء . إذا أشرت بأنك ستفعل أي شيء لتجنب المشكلات فھذا ھو الوقت الذي ستقع به فيھم.
50 سنت
تتضمن الحياة معارك ومواجھات مستمرة ، وھذا يأتي على مستويين : في المستوى الأول نحن لدينا رغبات وحاجات ، وھي مصالحنا الشخصية التي نرغب في انماؤھا . ھذا يعني في عالم متنافس بشدة انه يجب علينا إثبات ذواتنا و حتى دفع الناس من أماكنھم من حين لآخر لأجل إيجاد طريقنا . على المستوى الآخر ھناك دائما أشخاص أكثر عدوانية منا وھم يعترضون طريقنا في مرحلة ما ، محاولين منعنا أو إيذاءنا.
على كلا المستويين نلعب في اتجاھي الھجوم والدفاع ، حيث علينا أن ندير مقاومة الناس وعدوانيتھم . تلك ھي الدراما البشرية منذ فجر التاريخ ولا يمكن لأي مقدار من التطور أن يغير ھذه الديناميكية . الشيء الوحيد الذي تغير ھو كيفية إدارتنا لتلك اللحظات من الصراع التي لا محالة من وقوعھا
في حياتنا.
تمتع الناس في الماضي بتذوق اعظم للمعارك . نستطيع قراءة ھذا في كل أنواع السلوك الاجتماعي . في المسرح على سبيل المثال كان تصرفا شائعا في القرن التاسع عشر لدى الجماھير في اوروبا وامريكا التعبير لفظيا عن احتجاجھم على الممثلين أو العرض بالصراخ والصياح أو قذف الأشياء على المنصة .تنفجر الشجارات غالبا على المسرح بسبب اختلاف الآراء ،
ولم يكن ذلك سببا للقلق بل جزءا من الطبيعة . وفي الحملات السياسية كان مقبولا كتصرف عادي أن يقوم أنصار مختلف الأطراف بمواجھة بعضھم في الشوارع بسبب تباين مصالحھم .كانت الديمقراطية تعد نابضة بالحياة بسبب السماح بمثل ھذه الخلافات العلنية كنوع من الصمام الآمن لتفريغ عدوانية الإنسا ن.
نحن الآن في وضع مناقض ، حيث نكون عموما أشد اضطرابا عندما يتعلق الموضوع بالمواجھة . إذ غالبا ما نحمل الأمر على نحو شخصي اذا عارضنا أحد علنا أو عبر عن رأي يتعارض مع رأينا . كما نخاف من قول شيء قد يسئ ببساطة إلى من حولنا ، كما لو أن نفوسھم ھشة جدا . تميل الثقافة إلى تشجيع قيمة روح التعاون : أن تكون ديمقراطيا وعادلا يعني
أن تقف جنبا إلى جنب مع الآخرين ، تتأقلم معھم ، وعدم نفش ريشك عليھم.  الصراع والاحتكاك ھما شر تقريبا : يتم تشجيعنا لنصبح مراعين ومقبولين . ومع ذلك فإن الجانب الحيواني في الإنسان يبقى محتفظا بطاقته العدوانية وكل ما يحدث ھو أن الكثير من الأشخاص يوجھون ھذه الطاقة إلى سلوك عدواني سلبي و الذي يجعل كل شيء أكثر تعقيدا.
في جو كھذا جميعنا ندفع ثمنا . فبالنسبة للجانب الھجومي من القوة والذي يتطلب منا اتخاذ أفعال قوية وضرورية لتعزيز مصالحنا ، نصبح مترددين وغير واثقين . وعند التعامل مع العدوانيين والعدوانيين السلبيين من حولنا قد نكون سذج قليلا :نريد أن نصدق بأن ھولاء الناس ھم مسالمون في حقيقتھم ويرغبون في ذات الأشياء التي نرغبھا . غالبا ما نتعلم في وقت متأخر جدا بأن القضية لا تتعلق بذلك . ھذا العجز عن التعامل مع لحظات لا محالة من وقوعھا في الحياة ھو سبب للكثير جدا من المشكلات . حيث نعمل على تأجيل أو تجنب الاشتباكات وعندما تصل الأخيرة إلى مرحلة لا نستطيع بعدھا أن نلعب تلك اللعبة السلبية ، نجد أننا نفتقد للخبرة ومھارة
لقاءھم وجھا لوجه.
الخطوة الأولى في تجاوز ما سبق ذكره ھي إدراك أن القدرة على التعامل مع النزاع ھي وظيفة للقوة الداخلية في مواجھة الخوف ، ولا علاقة لھا بالصلاح أو الفساد . عندما تشعر بالضعف والخوف سينتابك إحساس بعدم القدرة على إمساك زمام أي نوع من المواجھات ، فقد تنھار أو تفقد السيطرة أو تجرح . من الأفضل إذن ابقاء كل شيء سلسا ، وحتى ھدفك
الرئيسي يصبح عندئذ أن تكون محبوبا و الذي يصبح نوع من الدرع الدفاعي .
أغلب ما يتم تمريره على أنه سلوك جيد ولطيف ھو في حقيقته انعكاس لمخاوف عميقة.
ما تريده بدلا من ذلك ھو أن تشعر بالثقة والقوة من الداخل.
أنت لديك استعداد لتثير استياء الناس من وقت لآخر وتجد الراحة في مھاجمة ھؤلاء الذين يقفون ضد مصالحك . انطلاقا من وضعية القوة ھذه ، انت قادر على إدارة النزاع بطريقة فعالة وذلك بأن تصبح سيئا عندما يكون ھذا ملائما.
لا تأتي ھذه القوة الداخلية على أية حال بشكل فطري ، المطلوب ھو بعض الخبرة . ھذا يعني بأنه يجب عليك ان تثبت ذاتك في حياتك اليومية أكثر من المعتاد : حيث تھاجم المعتدي بدلا من تجنبه ، وأن تخطط و تقاتل للحصول على شيء تريده بدلا من انتظار أحد ما ليعطيك اياه . ستلاحظ عموما أن
مخاوفك قد ضخمت لك تبعات ھذا النوع من السلوك . أنت ترسل اشارات إلى الآخرين بأن لديك حدودا لا يمكن تخطيھا ومصالحا لديك الاستعداد للدفاع عنھا أو تعزيزھا . ستجد نفسك و قد تخلصت من ھذا القلق الدائم من مواجھة الناس ولم تعد مقيدا بذلك اللطف المزيف المغروس في اعصابك . المعركة القادمة ستصبح أسھل ، إذ تزداد ثقتك في إدارة لحظات النزاع
مع كل مواجھة.
في الحي الفقير لا يملك الناس رفاھية القلق حول ما إذا كان الآخرين يحبونھم . الموارد محدودة والجميع يتصيد السلطة ومحاولة الحصول على ما يستطيعونهھ ، إنھا لعبة قاسية وليس ھناك محل ليكونوا سذج أو انتظار الأشياء الجيدة لتحدث لھم .حيث تتعلم أن تأخذ ما تحتاجھه دون الإحساس بالذنب بشأنه .
إذا كانت لديك أحلام وطموحات فأنت تعلم بأنه لأجل تحقيقھا يجب عليك ان تكون نشيطا ، واحداث بعض الضجيج و إيذاء القليل من الأشخاص في طريقك . كما تتوقع أن يفعل الآخرون لك مثل ھذا ، إنھا طبيعة الإنسان ، وبدلا من التذمر عليك ببساطة أن تصبح أفضل في حماية ذاتك.
نواجه جميعنا ذات الديناميكية التنافسية - الناس من حولنا يصارعون للارتقاء بمصالحھم - ولكن لأن معاركنا نحن أكثر رقة وخفاءا نفقد رؤية الجوانب القاسية من اللعبة . غالبا ما نكون واثقين جدا في الآخرين ، على أن ذلك سيجلب أشياءا جيدة في المستقبل . و قد نلجأ الى استخدام بعض القسوة والواقعية التي يتمتع بھا الأشخاص الناشئين في بيئات مضغوطة . من الممكن ھنا رسم خط فاصل بسيط : كلنا لدينا طموح و أھداف كبيرة لأنفسنا ، نحن إما في حالة انتظار للحظة مناسبة معينة لتحقيقھا أو نقوم بأفعال لھذا الغرض في الوقت الحاضر . و ھذه الأفعال تتطلب بعض الطاقة العدوانية الموجھة بطريقة ذكية والاستعداد لإثارة استياء شخص أو
اثنين ممن يعترضون طريقنا . إذا كنا ننتظر مكتفين بما لدينا فھذا ليس بسبب كوننا لطفاء وصالحون و إنما لأننا جبناء.
علينا أن نتخلص من الخوف والذنب الذي قد نشعر به عند إثبات ذواتنا فھو لا يخدم أي غرض عدا ابقاءنا في القاع.
اضطرت الشخصيات الجريئة في التاريخ إلى مواجھة الكثير من العداوات في حياتھا ، وأثناء فعل ھذا اكتشفوا بقوة الدور الھام الذي يلعبه اتجاه الفرد في إحباط عدوانية الآخرين . إنظر إلى ريتشارد رايت ،(أول كاتب أفريقي - أمريكي ) يحقق أعلى مبيعات في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية . كان والده قد ھجر والدته بعد مولده بفترة قصيرة في عام 1908 ولم يعرف في طفولته سوى الفقر والجوع . أما عمه الذي كانوا يعيشون معه فقد سحل بواسطة حشد من البيض ، ثم اجبرت عائلته على المغادرة جوا من اركنساس والعبور إلى الجنوب . عندما سقطت أمه مريضة وأصبحت
معاقة ، تنقل من عائلة إلى أخرى لدرجة أنه كان يمضي بعض الوقت في دار للأيتام . كما ان افراد الأسرة التي احتضنته كانوا ھم أنفسھم فقراء ومحبطون ويضربونه باستمرار . استشعر زملائه في المدرسة اختلافه عنھم ( كان خجولا ويحب قراءة الكتب ) ، لذا فقد سخروا منه ونبذوه.
وفي العمل ، اخضعه رؤسائه البيض لإھانات لا نھاية لھا كالضرب والفصل من العمل دون سبب واضح. خلقت ھذه التجارب بداخله عوامل معقدة للخوف . ولكن بقراءته للمزيد من الكتب عن العالم الأكبر وتفكيره بعمق أكثر ، برزت روح مختلفة بداخلھه - الحاجة للتمرد وعدم قبول
الوضع الحالي - . حينما ھدده رئيس له بالضرب لسبب تافه ، قرر بأنه اكتفى و طفح به الكيل . وعلى الرغم من كونه مجرد طفل إلا انه حمل شفرتي حلاقة في يديه وأخبر الرئيس بأنه مستعد للنزول من أجل العراك ، ولم يعد يتعرض للإزعاج من ھذا الشخص مرة أخرى أبدا . عند رؤيته للقوة الناتجة من ھذا الاتجاه ، قام بتحويلھه الآن الى شيء أكثر تنظيما وتحت السيطرة : في الوقت الذي تصبح فيه شروط العمل مستحيلة سيترك الوظيفة - وھي إشارة وقحة لرؤسائھه البيض - الذين اذاعوا الأمر في أنحاء المدينة . لم يكترث باعتقاد الناس بأنه مختلف بل كان فخورا بھذا . ولإحساسه انه سيحاصر في جاكسون مسيسيبي لما بقي من حياته مع استمرار حنينه للھروب إلى الشمال ، أصبح مجرما للمرة الأولى والأخيرة
في حياته : حيث سرق ما يكفي ليدفع ثمن رحلة خروجه من المدينة و شعر بالإنصاف بل واكثر عند فعله ذلك.
تغللت ھذه الروح فيه طوال ما تبقى من حياته . باعتباره كاتبا ناجحا يعيش الآن في شيكاغو ، استشعر بأن رواياته يساء فھمھا من قبل الجمھور الأبيض الذي يجد بعناد طريقة ما للتقليل من شأن رسالته حول العنصرية العرقية ، وذلك من أجل رؤية ما يريدون رؤيته فقط في أعماله . ثم أدرك بأنه كان يتراجع ، فقد طرز كلماته ليجذبھم . عليه أن يقضي مجددا على ھذا الخوف المرتبط بإرضاء الآخرين ويؤلف كتابا لا يمكن إساءة فھمه ، وسيكون كئيبا كالحياة التي عرفھا من قبل ھذا الكتاب ھو ( الإبن الأصلي ) ، روايته الأكثر نجاحا وشھرة.
ما اكتشفه رايت كان بسيطا : عندما تتقدم بطيبة إلى أفراد عدوانيين أو وضعية غير عادلة أو مستحيلة فإنك لا تشتري لنفسك أي سلام حقيقي ، بل تشجع الناس على المضي أبعد من ذلك : ليأخذوا منك أكثر و يستغلوك لأھدافھم الخاصة.
فھم يشعرون بقلة احترامك لذاتك ويرون العدل في إساءة معاملتك . إذا كنت متواضعا فستحصد نتائجا من الإھانة عليك أن تنمي العكس - موقف قتالي نابع من العمق ولا يمكن ھزه - ، وذلك بأن تفرض بعض الإحترا م.
ھذا ھو الحال في الحياة مع الجميع : سيأخذ منك الناس ما يستطيعون أخذه . إذا رأوا بأنك من نوعية الاشخاص الذين يقبلوه ويخضعون ، سيستمرون في ذلك أكثر فأكثر إلى أن يقيموا معك علاقة استنزافية . البعض يفعل ذلك علنا بينما يكون آخرون أكثر خفية وعدوانية سلبية . عليك أن تظھر لھم
بأن ھناك خطوطا لا يمكن تجاوزھا ، حيث سيدفعون ثمنا عند محاولتھم دفعك جانبا . ينتج ھذا من اتجاھك الجريء والمستعد للقتال دائما ، وھو يشع خارجا منك ومن الممكن استقراءه في سلوكك دون حاجة لأن تنطق بكلمة . بحسب قانون متناقض للطبيعة البشرية : ان التقليل من محاولة إرضاء الناس ستؤدي بھم تقريبا على المدى الطويل إلى احترامك ومعاملتك بشكل أفضل.

0 التعليقات: