22‏/07‏/2019

القانون الخمسون 26

القانون الخمسون 26

الفصل السابع :
اعرف بيئتك من الداخل والخارج (الاتصال)


يفكر معظم الناس أولا بما يريدون قوله أو فعله ، ثم إيجاد جمھور لفكرتھم . عليك أن تعمل من الزاوية المعاكسة، التفكير بالعامة أولا . يجب أن تركز
انتباھك على حاجاتھم المتغيرة ، والاتجاھات التي تتخللھم ، حيث إن البدء بمتطلباتھم يجعلك تصنع اللوازم المناسبة.
لا تخش انتقادات الناس ، فبدون رد الفعل ھذا سيكون عملك وھميا و شخصيا جدا . يجب أن تحتفظ بأقرب علاقة ببيئتك قدر الإمكان وتكتسب إحساسا داخليا بما يحدث حولك . لا تفقد الاتصال بقاعدتك ابدا.

اقتصاديات الجوار

اعرف أن أھل الحي يعلمون بأن روحي لم تغادر المكان أبدا ، ولن أغادره جسديا أبدا بعد اليوم أكثر مما كان علي تركه. كما اتمتع بغريزة الحي حيث أستطيع على سبيل المثال معرفة التوتر الكامن وراء الوضع الطبيعي للناس ، ويمكنني التحدث بلغة الحي وفھمھا.
مالكوم اكس
من خلال بدايته كتاجر مخدرات في عمر الثانية عشر ، واجه كرتس جاكسون عالما متوحشا يحتوي كل أنواع المخاطر. كان الجانب التجاري للاحتيال سھل المعرفة نسبيا ، من حيث الاشخاص ، الممثلين المتعددين في اللعبة ، المحتالين المنافسين ، تجار الوقت الحرج ، و رجال الشرطة الذين قد يكونوا مخادعين . ولكن الأغرب والأقسى من ھذا كله ھو عالم متعاطي المخدرات أنفسھم ، وھم الزبائن الذين تتوقف عليھم تجارته . سلوكھم كان غريبا وحتى مخيفا بعض الشيء.
مع وجود المحتالين الخصوم و الشرطة ، تمكن كرتس من إدراك طريقتھم في التفكير ، لأنھم كانوا جميعا يتصرفون بدرجة من العقلانية ، ما عدا مدمني المخدرات المحكومين بحاجاتھم والذين قد ينقلبون إلى غير ودودين أو عنيفين في أية لحظة .
نشأ لدى العديد من المتعاملين نوع من الخوف من المدمنين ، إذ يرون فيھم الضعف والتبعية التي تصيب أي شخص استسلم للإدمان .
يعتمد المحتال على ذھنه الحاد كشفرة الحلاقة ، لدرجة أن مجرد الرغبة في استخدام المخدرات تدمر ھذه القوة وتقوده للاسفل في منحدر زلق نحو التبعية . لذلك فإن بقاءه كثيرا بجوار المدمنين قد يجعله متعاطيا ھو الآخر.
فھم كرتس ھذا وحافظ على ابتعاده عنھم ، إلا أن ھذا الجانب من الاحتيال أزعجه.
في إحدى المناسبات ، أخذ المدمنون يتجنبون كرتس فجأة ولم يستطع معرفة السبب . كل ما عرفه ھو أنه لا يستطيع بيع دفعة خاصة به من المخدرات لأحد . في ظل ھذا الوضع ، فإن مصدرا او علاقة أعلى ستمنحه المخدرات مجانا ، حينما يبيع الكمية بأكملھا سيرجع مبلغا محددا من الحصيلة إلى المصدر ويحتفظ بالباقي كربح . ولكن يبدو ھنا أنه لن يكسب
ما يكفي للدفع إلى المصدر ، مما قد يسبب أضرارا لسمعته ويقوده إلى كافة أنواع المشكلات ، و ربما يضطر للسرقة من أجل الحصول على المال.
 و مع شعوره باليأس نوعا ما ، إلا أنه دخل في وضعية الاحتيال الكامل : أخذ يعمل ليلا ونھارا ، عارضا جميع انواع التخفيضات وكل ما يتطلبه الأمر لتفريغ شحنة المخدرا ت.
قرر أن يكسب ما يكفي فقط لإرجاع المبلغ ، ولكن تبين له بعدئذ أن الصفقة خاسرة . ربما كانت الدفعة التي يبيعھا ذات جودة سيئة ، ولكن كيف سيخبر الشخص الأعلى منه في عملية البيع ؟ وكيف يمكنه منع حدوث ذلك مرة أخرى ؟.
في أحد الايام ، طلب نصيحة رجل يدعى ( دري ) وھو محتال قديم استمر في تجارة المخدرات في الشوارع لمدة طويلة غير اعتيادية . يعتبر الأخير أيضا رجل أعمال بارع ( درس الاقتصاد في السجن بنفسه ) ، وبدا أنه يتمتع بعلاقة جيدة بشكل خاص مع المدمنين . فسر دري لكرتس ذلك وفقا لخبرته بأنه يوجد نوعين من المحتالين في ھذا العالم ، ھولاء الذين يبقون
في الخارج وآخرون يتحركون نحو الداخل . لا يزعج النوع الخارجي نفسه بتعلم أي شيء حول زبائنھم فكل ما يھمھم ھو المال والأرقام ، وليست لديھم اية معرفة بعلم النفس أو الفروق الدقيقة المتعلقة باحتياجات الناس ومتطلباتھم . فھم يخشون الاقتراب كثيرا من الزبائن ، الأمر الذي قد يرغمھم على إعادة النظر في أفكارھم و وسائلھم . أما المحتال المتفوق
فيتحرك نحو الداخل ولا يخشى المدمنين ، اذ يرغب في اكتشاف ما يدور في رؤوسھم .
 لا يختلف متعاطي المخدرات عن أي أحد آخر ، فلديھم مخاوف وتصيبھم نوبات الملل و يمتلكون حياة خاصة كاملة .
لأنك تبقى في الخارج ، قال لكرتس ، فلا ترى كل ھذا واحتيالك لا يعدو أن يكون آليا بحتا وميتا.
لترفع مستوى لعبتك ، أوضح له دري ، عليك أولا ان تطبق واحدة من أقدم خدع المحتالين المعروفة - وھي الاختبار ، ويقصد به التالي : عندما تحصل على دفعة مخدرات وزع جزءا منھا مجانا لمدمنين معينين ، وعليھم أن يخبروك في الموقع نفسه اذا ما كانت البضاعة جيدة أم رديئة . اذا كان رد فعلھم إيجابيا سينشروا الأمر من خلال شبكاتھم ، و ستكون
ھذه التقارير أشد مصداقية بكثير فھي آتية من متعاط زميل ، أكثر من تلك الصادرة من محتال يروج لبضاعته . أما في حالة رد الفعل السلبي ، فعليك أن تقوم بالتعديل وإيجاد طريقة لقطع الصفقة وعرض ما يسمى
 ب " الأوھام " ) وھي عبارة عن مظھر لصفقتان ھما في حقيقتھما صفقة واحدة ، وتكون الكبسولات ببساطة محشوة بالتراب  ، وأي شيء آخر من
شأنه تفريغ البضاعة . ولكن يجب أن يكون عملك دائما على ضوء ردود الفعل على منتجك ، وإلا فلن تستطيع العيش في ھذه الشوار ع.
بمجرد أن تؤسس ھذا النظام ، استخدمه لترسيخ علاقاتك مع اشد المدمنين ثقة . حيث يزودونك بمعلومات ثمينة حول أي نوع من التغيير يحدث في الأذواق ، و تحصل من خلال الحديث معھم على كافة أنواع الأفكار لأنماط التسويق والجوانب الجديدة للاحتيال ، حيث تكتسب إحساسا بكيفية تفكيرھم  انطلاقا من ھذا المركز الداخلي ، ستنفجر اللعبة بكاملھا إلى شيء مبتكر وحي ذو احتمالا ت.
اعتمد كرتس سريعا ھذا النظام ، واكتشف بعد فترة قصيرة بأن مدمني المخدرات لم يكونوا كما تخيلھم ابدا . فھم يكونوا غائبين عن الوعي فقط عندما لا تكون منتظما في التعامل معھم .اذ يقدرون السھولة والصفقات السريعة ، ويرغبون بشيء جديد بين الحين والآخر واحبوا فكرة أي نوع من الصفقات. مع ھذا الكم المتنامي من المعرفة ، استطاع أن يلعب على
أوتار حاجاتھم ويتلاعب بمتطلباتھم . كما اكتشف شيئا آخر ، وھو أن قضاءھم الكثير من الوقت في الشوارع جعلھم مصدرا عظيما للمعلومات حول ما يجري مع الشرطة أو مواطن الضعف لدى المحتالين المنافسين . إن معرفة الكثير عن الجوار منحه شعورا بقوة عظيمة . وقد طبق لاحقا
الاستراتيجية ذاتھا على الموسيقى والحملة الخاصة بألبومه المنوع في شوارع نيويورك . ومن خلال الاحتفاظ بعلاقة قريبة من أذواق معجبيه ، يمكنه تكييف موسيقاه بما يناسب استجابتھم وتكوين صوت ذو جاذبية عميقة ، شيء لم يسبق لھم أبدا ان سمعوه.
بعد النجاح المميز لأول البومين تجاريين له ، وقف كرتس( أصبح يعرف الآن ب 50 سنت ) على قمة عالم الموسيقى ، ولكن إحساسه بالاتصال الذي كان حيويا في الشوارع أخذ يتلاشى في ھذه البيئة الجديدة التي استوطنھا . كان محاطا بالمتملقين الذين أرادوا أن يكونوا ضمن حاشيته ، المدراء ، و رجال الصناعة الذين لم يروا فيه إلا علامات الدولار . حيث
اقتصرت معاملاته الرئيسية مع الاشخاص في عالم الشركات أو النجوم الآخرين ، ولم يعد بمقدوره بعد الآن التسكع في الشوارع أو الاطلاع فورا على الاتجاھات التي تبدأ في الظھور . كل ھذا يعني أنه يطير أعمى بموسيقاه ، غير متأكد فعلا من أنھا ستتصل بجمھوره ، الذين ھم في الحقيقة مصدر طاقته و روحه ، إلا ان المسافة اللي تفصلھم عنه كانت تزداد .
بدا له أن النجوم الآخرين لا يكترثون بھذا ، بل إنھم مستمتعين بالحياة داخل ھذا النوع من فقاعة الشھرة ، وخائفين من الھبوط مجددا على الأرض . أما فيفتي فقد أحس بعكس ذلك ، ولكن يبدو أنه لا مخرج من الأمر.
ثم في مطلع عام 2007 ، قرر أن ينشأ موقعه الالكتروني الخاص . حيث اعتبره وسيلة لترويج موسيقاه وتسويقھا مباشرة للعامة ، و من دون واجھة علامته الموسيقية التي تبين له أنھا متخلفة نوعا ما عن التوافق مع عصر الانترنت.
سرعان ما حول ھذا الموقع الإلكتروني نفسه إلى موقع تواصل اجتماعي ، كالفيس بوك بالنسبة لمعجبيه . وكلما نقب فيه أكثر ، يشتد إحساسه بأنه يمثل أكثر من مجرد حيلة تسويقية ، فھو قد يكون الأداة القصوى لإعادة الاتصال بجمھوره. ، قرر أن يبدأ بالتجربة أولا . عند تجھيزه لإطلاق البوم ل( جي يونيت ) في صيف عام 2008 سرب إحدى الأغنيات على الموقع في ليلة جمعة ، وفي اليوم التالي أخذ يحدث صفحة التعليقات كل بضع دقائق متتبعا ردود الأعضاء عليھا . بعد عدة مئات من التعليقات أصبح واضحا أن التقييم سلبي : حكموا بأن الأغنية ناعمة جدا ، وأنھم أرادوا وتوقعوا شيئا أكثر قوة من تسجيلات جي يونيت . انطلاقا من الأخذ بانتقاداتھم ،
استبعد تلك الأغنية وأطلق أخرى ، صانعا فيھا الصوت القوي الذي طلبوه . وكانت ردود الافعال ھذه المرة إيجابية للغاية.
استتبعت التجربة السابقة المزيد من التجارب ، حيث قام بوضع أحدث أغنية لخصمه الرئيسي في المجال ، متمنيا قراءة التعليقات السلبية من معجبيه . ولكنه فوجئ بأن الكثير منھم أعجبتھم الأغنية . دخل في نقاش الكتروني معھم ، فاتحا عينيه على التغيرات في أذواق الناس ولماذا أصبحوا مبتعدين عن موسيقاه ، الأمر الذي أجبره على إعادة النظر في اتجاھه.
لجذب المزيد من الناس إلى موقعه ، قرر أن يكسر المسافة في كلا الاتجاھين . قام بنشر مدونة شخصية عنه ثم أجاب على تعليقات معجبيه ، فاحسوا بوجود جسر كامل يربطھم به . و باستخدام أحدث التطورات في تكنولوجيا الھاتف المحمول ، أخذ الأمر إلى أبعد من ذلك . حيث أخذ فريقه بتصويره في كل مكان يذھب إليه ، وكان يتم بث ھذه الصور بشكل حي
ومباشر على الموقع ، مما أدى إلى ازدحام شديد عليه وثرثرة الكترونية ، اذ لم يكن المعجبون يعرفون متى تحدث ھذه اللحظات ، لذلك كانوا مجبرين على التأكد خلال فترات منتظمة ، محاولين التقاط تلك اللحظات العفوية . وھم يتمسكون بتفاھاتھم احيانا ويفتعلون دراما في أوقات أخرى بسبب ميل
فيفتي للمواجھة . أي ان العضوية في الموقع تطورت على قدم وساق.
بتطور الموقع ، اصبح مشابھا بشكل غريب لعالم الاحتيال الذي صنعه لنفسه في شوارع ساوث سايد كوينز . أصبح بإمكانه إنتاج عينات اختبارية ( اغاني للتجربة ) لمعجبيه الذين كانوا كمدمني المخدرات ، متلھفين دوما لكل إصدار جديد لفيفتي ، مع حصوله باستمرار على تعليقات بشأن جودتها.
استطاع تطوير الإحساس بما كانوا يريدونه وكيف يتلاعب بمتطلباتھم . لقد تحرك من الخارج إلى الداخل وصارت لعبة الاحتيال ذات حيوية أكبر ، وعلى نطاق عالمي ھذه المرة.

0 التعليقات: