ما الأدب ؟ 8
الكاتب لا يخترع تأويلات لشرح أنواع ما
يعانى من ضيق إلا حين يكون موزع النفس ساخطا , ولا يتوافر ذلك إلا فى المجتمعات
غير المستقرة .
يظل القرن الثامن عشر الفرصة الفريدة فى
التاريخ , والجنة التى ما لبثت أن فقدها الكتاب الفرنسيون .
كانت البرجوازية تتطلع إلى نور , وتشعر
شعورا غامضا بأن فكرتها قد استلبت .
ولهذا تود أن تكون على وعى بنفسها .
الشاب يختار الكتابة ليهرب بها من اضطهاد
يعانيه , ومن تضامن مع نظام يسبب له الخزى , ويعتقد – منذ أن يخط كلماته الأولى –
أنه هرب من بيئته ومن طبقته , ومن كل البيئات وكل الطبقات , وأنه سبب انفجارا فى
موقفه من التاريخ , لمجرد أنه غدا على وعى فكرى ونقدى لهذا الموقف .
موجز القول كان هو الإنسان العالمى .
وكان الأدب الذى تحرر به عملا تجريديا وقوة من قوى الطبيعة الإنسانية المقررة ,
والحركة التى يتحرر المرء بها فى كل لحظة من التاريخ : وعلى سبيل الإيجاز كان ذلك
الأدب بمثابة الدربة على ممارسة الحرية .
حين كان العمل الأدبى عملا من ناحيتين :
لأنه كان ينتج أفكارا تظل مصدرا للانقلابات الاجتماعية , ولأنه كان يعرض مؤلفه
للخطر .
كان على الكتاب أن يستجيبوا لمطالب
جمهور موحد .
كان جمهور هذا الفن لا يرهب شيئا بقدر
ما يرهب موهبة الفنان , لأنها جنون متوعد , يغوص فى الأشياء فيثير الاضطراب بكلمات
غير متوقعة , وبنداءات يرددها متوجها إلى حرية القارئ , فيهز من الناس أعماقا أكثر
استجابة الى البلبلة .
وكانت الأشياء السهلة هى الأكثر رواجا , لأن القريحة فيها
رهينة القيد , تدور على نفسها , وفيها تسكين للخواطر فى خطب منمقة متوقعة ذات طابع
من الوفاق والمسألة , تبرهن على أن الإنسان والعالم من الأشياء الهينة القيمة
الشفافة عن أسرارها , لا مفاجأة فيها ولا ترعد , ثم لا أهمية لها .
0 التعليقات:
إرسال تعليق