23‏/03‏/2015

المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد بن حنبل 27

المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد بن حنبل 27

المبحث الثاني  : طبقات الأصحاب في الاجتهاد والتقليد
يمر في هذا الفصل المصطلحات الآتية:
الاجتهاد المطلق: وهو الذي يتتبع صاحبه أصول الشرع المطلقة، فيأخذ من حيث أِّخذ الأَئمة.
ويُقال لصاحبه: " المجتهد المطلق ".
الاجتهاد المقيد: وهو الذي يتتبع صاحبه أصول إمامه الذي
ينتسب إليه خاصة.
ويقال لصاحبه: مجتهد المذهب.
- التقليد: وهو الذي يتبع صاحبه التخريج على مذهب إمامه أو " الترجيح في المذهب ".
ودونهما: التقليد بلا تمييز.
ويقال لكل منهم: مقلد، وصاحب " التخريج أعلى منزلة من من صاحب " الترجيح " وأَمَّا المقلد بلا تمييز فلا عبرة به.
وتفريعاً عن هذه الأقسام في الاجتهاد والتقليد، اصطلح فقهاء كل مذهب من المذاهب الأربعة على تصنيف فقهاء المذهب على طبقات - ولامشاحة في الاصطلاح - وهي مبسوطة في كتب أصول الفقه. وأَعلى التقاسيم: بسطهم إلى سبع طبقات كما فعل أحمد بن سليمان الشهير بابن كمال باشا الحنفي، المتوفى سنة (940 هـ) أَفردها في رسالة بثلاث صفحات مطبوعة،
والطبقات هي:
1- طبقة المجتهد المطلق.
2- طبقة المجتهد في المذهب
3- طبقة المجتهد فيما لا رواية فيه عن صاحب المذهب.
4- طبقة المخرجين.
5- طبقة المرجحين من المقلدين.
6- طبقة المقلدين القادرين على التمييز.
7- طبقة المقلدين الذين لا تمييز لهم.
وبعض الشافعية جعلهم خمس طبقات (1) :
1- المجتهد المطلق
2- المجتهد المنتسب.
3- مجتهد المذهب.
4- مجتهد الفتوى والترجيح.
5- الحافظ للمذهب المفتي به.





* القسم الأول:
" المجتهد المطلق " وهو الذي اجتمعت فيه شروط الاجتهاد التي ذكرها المصنف في آخر " كتاب القضاء " - على ما تقدم هناك- إذا استقل بإِدراك الأَحكام الشرعية، من الأدلَّة الشرعية العامة والخاصة، وأَحكام الحوادث منها ولا يتقيد بمذهب أحد.
وقيل: يُشترط أَن يعرف أَكثر الفقه.
قدمه في " آداب المفتي والمستفتي " .
قال أَبو محمد الجوزي: من حَصَّل أصوله وفروعه فمجتهد وتقدم هذا وغيره في آخر " كتاب القضاء ".
قال في آداب المفتي والمستفتي: ومن زمن طويل عدم المجتهد المطلق.
مع أنه الآن أَيسر منه في الزمن الأول؛ لأَن الحديث والفقه قد دُوّنا، وكذا ما يتعلَّق بالاجتهاد من الآيات، والآثار وأصول الفقه، والعربية، وغير ذلك. لكن الهمم قاصرة، والرغبات فاترة، وهو فرض كفاية، قد أَهملوه ومَلُّوه، ولم يعقلوه ليفعلوه . 


قلت: قد ألحق طائفة من الأصحاب المتأخرين بأصحاب هذا القسم: الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمة الله عليه، وتصرفاته في فتاويه وتصانيفه تدل على ذلك.



القسم الثاني:
مجتهد في مذهب إمامه، أو إمام غيره .

وأحواله أربعة:
الحالة الأولى: أن يكون غير مقلد لإمامه في الحكم والدليل، لكن سلك طريقه في الاجتهاد والفتوى، ودعا إلى مذهبه، وقرأ كثيرا منه على أهله فوجده صوابًا وأولى عن غيره، وأشد موافقة فيه وفي طريقه.
قال ابن حمدان في " آداب المفتي " : وقد ادَّعى هذا منا ابن أبي موسى، في شرح الإرشاد الذي له، والقاضي أبو يعلى، وغيرهما من الشافعية خلق كثير.
قلت: وعن أصحاب الإمام أحمد- رضي الله عنه-.
فمن المتأخرين: كالمصنف، والمجد، وغيرهما.
وفتوى المجتهد المذكور كفتوى المجتهد المطلق في العمل بها، والاعتداد بها في الإجماع والخلاف.
الحالة الثانية: أن يكون مجتهدًا في مذهب إمامه، مستقلًا بتقريره بالدليل، لكن لا يتعدَّى أصوله وقواعده، مع إتقانه للفقه وأصوله، وأدلة مسائل الفقه، عالمًا بالقياس ونحوه، تام الرياضة، قادرًا على التخريج والاستنباط، وإلحاق الفروع بالأصول، والقواعد التي لإمامه.
ثم قد يوجد من المجتهد المقيد استقلال بالاجتهاد والفتوى في مسألة خاصة، أو باب خاص، ويجوز له أن يُفتي فيما لم يجده من أحكام الوقائع منصوصًا عليه عن إمامه، لما يخرجه على مذهبه.
وعلى هذا العمل وهو أَصح..
وقد سُئِلَ الإمام أَحمد- رضي الله تعالى عنه- عمن يفتي بالحديث: هل له ذلك، إذا حفظ أَربعمائة أَلف حديث؟ فقال: أَرجو.
فقيل لأَبي إِسحاق بن شاقلا: فأَنت تفتي، ولست تحفظ هذا القدر؟
فقال: لكني أفتي بقول من يحفظ أَلف أَلف حديث.
يعني الإمام أَحمد- رضي الله تعالى عنه-.
ثم إِن المستفتي- فيما يفتي به من تخريجه هذا- مقلد لِإمامه، لا له..
والحال: أن المجتهد في مذهب إمامه: هو الذي يتمكن من التفريع على أقواله، كما يتمكن المجتهد المطلق من التفريع على كل ما انعقد عليه الإجماع، ودل عليه الكتاب والسنة والاستنباط.

وليس من شرط المجتهد: أن يفتي في كل مسألة بل يجب أَن يكون على بصيرة في كل ما يفتي به، بحيث يحكم فيما يدري، ويدري أَنَّهُ يَدْري، بل يجتهد المجتهد في القبلة، ويجتهد العامي فيمن يقلده ويتبعه.
فهذه صفة المجتهدين أَرباب الأَوجه، والتخاريج، والطرق.
وقد تقدم ذِكْرُ صفة تخريج هذا المجتهد - وأَنه: تارة يكون من نصه، وتارة يكون من غيره- قبل أقسام المجتهد محررًا.
الحالة الثالثة: أَن لا يبلغ به رتبة أَئمة المذهب، أصحاب الوجوه والطرق، غير أَنه فقيه النفس، حافظ لمذهب إِمامه، عارف بأدلته، قائم بتقريره، ونصرته، يصور ويحرر ويمهد، ويقوي، ويزيف، ويرجح . لكنه قَصَّر عن درجة أولئك، إِما لكونه لم يبلغ- في حفظ المذهب- مبلغهم، وإما لكونه غير متبحر في أصول الفقه، وغيره.
على أنه لا يخلو مثله - في ضمن ما يحفظه من الفقه ويعرفه من أدلته - عن أطراف من قواعد أصول الفقه، ونحوه.
وإما لكونه مقصرًا في غير ذلك من العلوم التي هي أَدوات الاجتهاد الحاصل لأصحاب الوجوه، والطرق.
وهذه صفة كثير من المتأخرين الذين رتبوا المذاهب ، وحرروها، وصنفوا فيها تصانيف، بها يشتغل الناس اليوم غالبًا، ولم يلحقوا من يخرج الوجوه، ويمهد الطرق في المذاهب .
وَأمَّا فتاويهم: فقد كانوا يستنبطون فيها استنباط أولئك، أو نحوه، ويقيسون غير المنقول والمسطور على المنقول والمسطور ولا تبلغ فتاويهم فتاوى أَصحاب الوجوه.
وربما تطرق بعضهم إلى تخريج قول، واستنباط وجه أو احتمال. وفتاويهم مقبولة.
الحالة الرابعة: أَن يقوم بحفظ المذهب، ونقله، وفهمه، فهذا يعتمد نقله وفتواه به فيما يحكيه من مسطورات مذهبه من منصوصات إمامه، أو تفريعات أَصحابه المجتهدين في مذهبه، وتخريجاتهم.
وأما ما لا يجده منقولًا في مذهبه: فإن وجد في المنقول ما هذا معناه، بحيث يدرك - من غير فَضْل فكر وتأمل- أنه لا فارق بينهما- كما في الأَمَة بالنسبة إلى العبد المنصوص عليه في إعتاق الشريك -: جاز له إلحاقه به والفتوى به، وكذلك ما يعلم اندراجه تحت ضابط، ومنقول ممهد محرر في المذهب.
وما لم يكن كذلك: فعليه الإمساك عن الفتيا فيه.
ومثل هذا يقع نادرًا في حق مثل هذا المذكور.
إذْ يبعد أن تقع واقعة حادثة لم ينص على حكمها في المذهب، ولا هي في معنى بعض المنصوص عليه من غير فرق ، ولا مندرجة تحت شيء من قواعد وضوابط المذهب المحرر فيه.
ثم إِن هذا الفقيه: لايكون إلَّا فقيه النفس؛ لأَن تصوير المسائل على وجهها، ونقل أَحكامها بعده: لا يقوم به إلَّا فقيه النفس، ويكفي استحضاره أَكثر المذهب مع قدرته على مطالعة بقيته قريبا.


* القسم الثالث: " المجتهد في نوع من العلم "
فمن عَرَفَ القياس وشروطه: فله أَن يُفتي في مسائل منه قياسية، لا تتعلق بالحديث.
ومن عَرَفَ الفرائض: فله أَن يُفتي فيها وإن جهل أَحاديث النكاح، وغيره، وعليه الأصحاب.
* القسم الرابع: " المجتهد في مسائل، أو مسألة "
وليس له الفتوى في غيرها.
وأما فيها، فالأظهر: جوازه.
ويحتمل المنع؛ لأنه مظنة القصور والتقصير.
قاله في " آداب المفتي والمستفتي ".
قلت: المذهب الأول.
قال ابن مفلح في أصوله: يتجزأ الاجتهاد عند أصحابنا وغيرهم.
وجزم به الآمدي، خلافًا لبعضهم.
وذكر بعض أَصحابنا مثله.
وذكر أيضا: قولًا لا يتجزأ في باب، لا مسألة . انتهى

فهذه أَقسام المجتهد ذكرها ابن حمدان في " آداب المفتي والمستفتي " انتهى


* فمن طبقة المجتهدين بإطلاق: بعد إِمام المذهب أَحمد بن حنبل، المتوفى سنة (241 هـ) رحمه الله تعالى:
- القاضي أَبو يعلى الكبير، المتوفى سنة (458 هـ) .
- أَبو الوفاء ابن عقيل، المتوفى سنة (513 هـ) .
- الموفق ابن قدامة المقدسي، المتوفى سنة (620 هـ) .
- شيخ الإسلام ابن تيمية أَحمد بن عبد الحليم، المتوفى سنة (728 هـ) .
ـ ابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر المتوفى سنة (751 هـ) .
* ومن طبقة المجتهدين في المذهب:
في المتقدمين: الخلال ت سنة (311 هـ) ، وغلامه ت سنة
(363 هـ) ، والخِرَقي ت سنة- (334 هـ) ، والبربهاري ت (329 هـ) ، وابن المسلم ت سنة (387 هـ) ، وخاتمة المتقدمين الحسن بن حامد ت سنة (403 هـ) . وغيرهم ممن مضى ذكرهم في طبقة المتقدمين.
* وفي طبقة المتوسطين من مجتهدي المذهب: جُلُّ آل أَبي يعلى، وجُلّ البيوتات الآتية: آل قدامة المقادسة، وآل تيمية، وآل مفلح، وغيرهم من البيوتات الحنبلية.
* ومن أَفرادهم:
- البناء ت سنة (471 هـ) ومحقق المذهب في زمانه، ورأس الحنابلة في أوانه ابن المَنِّي: نصر بن فتيان النهرواني ت سنة (583 هـ) وهو شيخ الموفق ابن قدامة.
- الحافظ عبد الغني المقدسي وأخوه العماد. وفخر الدين ابن تيمية، صاحب " البلغة " وغيرها، والشيخ أَبو عمر ابن قدامة ت سنة (607 هـ) ، وابن الزاغوني ت سنة (527 هـ) ، والسامري صاحب المستوعب ت سنة (616 هـ) ، وأَبو الخطاب ت سنة (510 هـ) ، وابن عبد الهادي ت سنة (756 هـ) .
وعبد الله الزريراني ت سنة (729 هـ) ، والشمس ابن مفلح ت سنة (763 هـ) ، والزركشي ت سنة (774 هـ) ، وابن رجب ت سنة (795 هـ) ، وشيخ المذهب ابن نصر الله ت سنة (844 هـ) ، والبرهان ابن مفلح ت سنة (884 هـ)

* ومن مجتهدي المذهب في طبقة المتأخرين:
شيخ المذهب المرداوي ت سنة (885 هـ) ، والحجاوي ت سنة (968 هـ) ، والفتوحي الشهير بابن النجار ت سنة (972 هـ) ، والشيخ مرعي ت سنة (1033 هـ) ، والبهوتي ت سنة (1051 هـ) .

0 التعليقات: