09‏/03‏/2015

ما الأدب ؟ 3

ما الأدب ؟ 3




       ماذا يحدث لو قرأ كل العالم ما أكتب ؟

        الكاتب قد اختار لنفسه رسالة الكشف عن سر الإنسان , لكى يتحمل الناس بعد ذلك كل تبعة تنجم عما يتخذون من مواقف حيال ما يجلو لهم من موضوعات جلاء لا مجال فيه لأدنى غموض , لا يفترض أن إنسانا يجهل القانون ما دامت له مواد مدونة مكتوبة , ولك إن شئت بعد ذلك أن تتعدى حدوده , ولكنك على علم بالأخطار التى تستهدف لها .
 

          دع الكلمات تنتظم حرة فى سلك الجمل , فستحوى كل كلمة اللغة كلها .
 
 يتحدد الصمت نفسه بالإضافة للكلمات , كما تأخذ السكتة فى الموسيقى معناها من أصناف ما يجاورها من ألحان .
 فهذا الصمت لحظة من لحظات الكلام .
فليس السكوت بكما ولكنه رفض للتكلم . إذن فهو نوع من الكلام .

          الكلمات شفافة يخترقها النظر إلى المعانى .

          كلنا على يقين من أن الفن الخالص والفن الفارغ شئ واحد , وأن الدعوة الى الفن للفن لم تكن سوى حيلة بارعة تذرع بها نكرات القرن الأخير .
 إذ فضلوا أن يتهموا بضيق الأفق والتقليد على أن يسلكوا طريق الكشف والتجديد .

النقاد:         
 لا يصح أن يغيب عن الأذهان أن أكثر النقاد هم من بين الكتاب الذين لم يواتهم الحظ , والذين وجدوا لأنفسهم , على شفا اليأس عملا هادئا هو حراسة المقابر .
 
         حياة الناقد غير راضية , فامرأته لا تقدره حق قدره , وأولاده ناكرو الجميل , ونهاية الشهور لديه قاسية .
ولكن يبقى فى مكنته دائما أن يدخل مكتبته ويأخذ من بين صفوفها كتابا , ويفتحه .
 وحينذاك تهب رائحة عتيقة كأنها منبعثة من سرداب .
وتبدأ عملية غريبة يسميها هو عن قصد : القراءة .
 
 وهى عملية ذات شقين : فهى من جهة نوع من الاستيلاء , إذ أنه يعير جسمه للموتى لكى يعودوا إلى الحياة ؛ وهى من جهة أخرى نوع من صلات يعقدها ذلك الناقد مع العالم الأخر .
         لا يريدون مباشرة أى عمل يربطهم بالعالم الحقيقى ما عدا الأكل والشرب .
 
 وبما أن من المحتوم الذى لا مفر منه أن نعيش على صلة بأشباهنا , فقد أثروا صلتهم بأشباههم فى العالم الأخر .
 
وإن أشد ما يثير حماستهم لهى المسائل المدروسة , والمعارك المفروغ منها , والقصص المعروفة خواتمها .
 
وهم لا يقامرون قط على ما لا يوقنون بنتيجته .
 
وبما أن التاريخ قد رسم لهم نهجهم , ومادامت قد انتهت تلك الموضوعات التى كانت تثير الرهبة أو السخط لدى من يقرءون لهم من المؤلفين , وحيث قد تجلى بعد قرنين من الزمان وجه الغرور فى المعارك الدامية التى سادت القديم , فحسبهم إذن سحر الإيقاع فى الجمل المسجوعة .
 
وهكذا تجرى الأمور فى نظرهم كأنما الأدب كله ليس سوى أنواع من الثرثرة والترادف , وكأنما على كل ناثر جديد أن يخترع طريقة جديدة ليتحدث فى غير غاية .
 
 

 

0 التعليقات: