ما الأدب ؟ 3
ماذا يحدث لو قرأ كل العالم ما أكتب ؟
الكاتب قد اختار لنفسه رسالة الكشف عن سر
الإنسان , لكى يتحمل الناس بعد ذلك كل تبعة تنجم عما يتخذون من مواقف حيال ما يجلو
لهم من موضوعات جلاء لا مجال فيه لأدنى غموض , لا يفترض أن إنسانا يجهل القانون ما
دامت له مواد مدونة مكتوبة , ولك إن شئت بعد ذلك أن تتعدى حدوده , ولكنك على علم
بالأخطار التى تستهدف لها .
دع الكلمات تنتظم حرة فى سلك الجمل ,
فستحوى كل كلمة اللغة كلها .
يتحدد الصمت نفسه بالإضافة للكلمات , كما تأخذ السكتة
فى الموسيقى معناها من أصناف ما يجاورها من ألحان .
فهذا الصمت لحظة من لحظات
الكلام .
فليس السكوت بكما ولكنه رفض للتكلم . إذن فهو نوع من الكلام .
الكلمات شفافة يخترقها النظر إلى
المعانى .
كلنا على يقين من أن الفن الخالص والفن
الفارغ شئ واحد , وأن الدعوة الى الفن للفن لم تكن سوى حيلة بارعة تذرع بها نكرات القرن
الأخير .
إذ فضلوا أن يتهموا بضيق الأفق والتقليد على أن يسلكوا طريق الكشف
والتجديد .
النقاد:
لا يصح أن يغيب عن الأذهان أن أكثر
النقاد هم من بين الكتاب الذين لم يواتهم الحظ , والذين وجدوا لأنفسهم , على شفا
اليأس عملا هادئا هو حراسة المقابر .
حياة الناقد غير راضية , فامرأته لا
تقدره حق قدره , وأولاده ناكرو الجميل , ونهاية الشهور لديه قاسية .
ولكن يبقى فى
مكنته دائما أن يدخل مكتبته ويأخذ من بين صفوفها كتابا , ويفتحه .
وحينذاك تهب
رائحة عتيقة كأنها منبعثة من سرداب .
وتبدأ عملية غريبة يسميها هو عن قصد :
القراءة .
وهى عملية ذات شقين : فهى من جهة نوع من الاستيلاء , إذ أنه يعير جسمه
للموتى لكى يعودوا إلى الحياة ؛ وهى من جهة أخرى نوع من صلات يعقدها ذلك الناقد مع
العالم الأخر .
لا يريدون مباشرة أى عمل يربطهم بالعالم
الحقيقى ما عدا الأكل والشرب .
وبما أن من المحتوم الذى لا مفر منه أن نعيش على
صلة بأشباهنا , فقد أثروا صلتهم بأشباههم فى العالم الأخر .
وإن أشد ما يثير
حماستهم لهى المسائل المدروسة , والمعارك المفروغ منها , والقصص المعروفة خواتمها .
وهم لا يقامرون قط على ما لا يوقنون بنتيجته .
وبما أن التاريخ قد رسم لهم نهجهم ,
ومادامت قد انتهت تلك الموضوعات التى كانت تثير الرهبة أو السخط لدى من يقرءون لهم
من المؤلفين , وحيث قد تجلى بعد قرنين من الزمان وجه الغرور فى المعارك الدامية
التى سادت القديم , فحسبهم إذن سحر الإيقاع فى الجمل المسجوعة .
وهكذا تجرى الأمور
فى نظرهم كأنما الأدب كله ليس سوى أنواع من الثرثرة والترادف , وكأنما على كل ناثر
جديد أن يخترع طريقة جديدة ليتحدث فى غير غاية .
0 التعليقات:
إرسال تعليق