المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد بن حنبل 20
الفصل الثاني : في طرق معرفة المذهب "
اصطلاحاَ " من تصرفات الأصحاب في التخريج على المذهب ولازمه
معرفة المذهب اصطلاحاً من جهة لازم قول الإمام، ويُقال
" لازم المذهب من قول الإمام: هل يكون قولا ومذهباَ له أَم لا؟ " .
ويُقال: " التخريج في المذهب ".
ولفظ: " التخريج " هُنا أطلق بمعناه العام، وإلا فإن لفظ: "
التخريج " يعني أموراً:
1- " تخريج الأصول من الفروع " وهذا من عمل علماء
أصول الفقه.
2- " تخريج الفروع على الأصول " . وهذا من عمل الفقهاء،
وفيه أفردت مؤلفات خاصة، مثل:، "كتاب تخريج الفروع على الأصول "
اللزنجاني الشافعي، وغيره.
3- " تخريج الفروع على الفروع " وهو محل البحث في هذا الفصل، بجميع
طرقه، وتقاسيمه، وأنواعه . ويقال: " التخريج في المذهب " أو "
القياس فى المذهب " .
4- " التخريج " وهو واحد من مفردات لازم المذهب، التي يسلكها الأصحاب
بطريق القياس على أصول المذهب حقيقة.
5- " النقل والتخريج " وهو واحد من مفردات لازم المذهب، التي يسلكها
الأصحاب بطريق القياس على المذهب حقيقة؛ لنقل حكمين مختلفين في مسألتين متشابهتين
من كُلِّ واحدة إلى الأخرى، فيصبح في كل مسألة: حكم رواية، وحكم آخر نقلاً
وتخريجاً
والثلاثة الأَخيرة هي محل البحث هنا، وهي الطريق لِمَدِّ كتب المذهب، وكثرتها،
وشَحْنِها بالفروع وأحكامها أمَامَ الواقعات، والنوازل، والمستجدات.
ومن أبرز ما في تخريج الفروع على الفروع: " مفهوم كلام المجتهد: هل يكون
مذهباً له كمنطوقه أم لا؟ " .
ويُقال: " توابع المنصوص في المذهب " .
وهذه من فقه الأصحاب في إِطار أصول المذهب، وقواعده، والتنظير بمسائله فيما لا نص
فيه، ولا رواية عن الإمام حينما تعوزهم الرواية عن الإمام، ويفقدون النص عنه، فإن
الفقيه المتمذهب يفزع إلى نصوص إمامه فيجيل نظره في ذلك النص: في منطوقه، ومفهومه،
وعامه، وخاصه، ومطلقه، ومقيده، مستظهرا علته، مبيناً مدركه، حتى يتم له بيان الحكم
التكليفي فيما لم يتكلم فيه الإمام في إطار مذهب على وجه الترجيج، أو الوجه، أو
الاحتمال، أو قياس المذهب، فيحصل للفقيه المتمذهب أمران:
أولهما: بيان حكم الواقعة، أو الفرع المقرر المفترض.
وثانيهما: أَن يكون ذلك الحكم في دائرة المذهب بواحد من المسالك الممنوحة لمجتهد
المذهب من الأصحاب:
الوجه . الاحتمال . التخريج. النقل والتخريج . قيانس المذهب . القول .
قال أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون . ت سنة (808 هـ) (1) :
" ولما صار مذهب كل إمام عِلما مخصوصاً عند أهل مذهبه، ولم يكن لهم سبيل إلى
الاجتهاد، والقياس، احتاجوا إلى تنظير المسائل في الِإلحاق، وتفريقها عند الاشتباه
بعد الاستناد إلى الأصول المقررة من مذهب إمامهم، وصار ذلك كله يحتاج إلى ملكه
راسخة، يقتدر بها على ذلك النوع من التنظير، أو التفرقة، واتباع مذهب إمامهم فيهما
ما استطاعوا، وهذه الملكة هي علم الفقه لهذا العهد " انتهى.
وعليه: فإِن معرفة المذهب اصطلاحًا من عمل الأصحاب تنقسم إلى ثلاثة طرق:
- الطريق الأول: مفهوم كلامه . ويُقال: الاستدلال
- الطريق الثاني: تخريج الفروع على الفروع.
وفيه قسمان:
القسم الأول لازم المذهب بالتخريج عليه . ويقال:
القياس على المذهب بالتخريج عليه . ويقال: " التخريج "
ويشمل أَنواعا ستة هي:
1- قياس المذهب
2- الوجه
3- الاحتمال
4- التخريج.
5- النقل والتخريج
6- الاتجاه، ويقال: التوجيه
القسم الثاني: لازم المذهب. ويُقال: أَثر الخلاف في تكييف الأَحكام الفقهية.
- الطريق الثالث: توقفات الأصحاب في المذهب. والمراد من الطرق في هذا الفصل: بعد
بيان حقائقها، بيان حكم تخريج رأي في المذهب في مسألة ما بواحد من هذين الطريقين:
هل يكون مذهبا لِإمإم المذهب فينسب إليه اصطلاحًا، أَم لا تجوز نسبته إليه وإنما
هو من تخاريج المنتسب إِليه؟ فتكون أقوالا في المذهب، ولا تنسب إلى إمام المذهب
وثمرة الخلاف في هذه الطرق. هي أَنه على رواية الجواز.
يكون مَا خَرَّجَهُ الأصحاب: رواية مخرجة كرواية الإمام المنصوصة، وعلى المنع:
يكون مَا خَرَّجَهُ الأصحاب: وَجْهاً، أو قولاً، أو احتمالاً، ونحو ذلك من
الأَنواع، هو لمن خَرَّجَه ، ولا تجوز نسبته إلى إمام ذلك المذهب، بل لا ينسب إلى
المذهب
والآن إلى بيان هذه الطرق:
الطريق الأول (1) : مفهوم كلام إِمام المذهب،
وهو المسمى: " الاستدلال " :
معرفة مذهب المجتهد من مفهوم كلامه من جهة دلالة كلامه، ومعناه، فيكون مَا دَلَّ
عليه مذهباً له إِن لم يعارضه ما هو أَقوى منه، وهذا هو المذهب وعليه أكثر متقدمي
الأصحاب.
ويترجم هذا الطريق بقولهم:
" معرفة مذهب المجتهد بطريق الاستدلال " .
وبنحوه تَرْجَمَ ابن حامد في: " التهذيب " وهو على نوعين:
- الأول: ما له حكم المنطوق.
مثاله: ما في مسائل ابنه عبد الله، أَنه قال: ووقت العصر إذا خرج وقت الظهر، إذا
صار ظِلُّ كُل شيء مثله، من هُنا يُستدل على أَن مذهب أَحمد، أن آخر وقت الظهر هو
أَول وقت العصر من غير زمن بينهما.
وهذا استدلال صريح له حكم ما نَصَّ عليه بقوله.
- الثاني: ما يكون استنباطاً من جوابه.
مثاله: صلاة العُرَاة، هل يصلون قياماً أَم قعوداً؟
نَصَّ الإمام أحمد في رواية ابن هانئ: يصلون جلوسا وإمامهم في وسطهم.
وفي رواية المروذي: سئِلَ عن العُراة؟ قال: فيه اختلاف، إلَّا أَن إِمامهم يقوم
وسطهم، وعاب على من قال: يقعد الإمام.
فلو لم تكن رواية ابن هانئ المذكورة؛ لاستدل المستدل من قول أَحمد: " إِمامهم
يقوم وسطهم " : على صلاتهم قياماً، لكن هذا استدلال ضعيف؛ للنص عنه في رواية
أخرى: " يصلون جلوساً ".
- الطريق الثاني: تخريج الفروع على الفروع:
وَيَشْمَلُ استخراج مذهب المجتهد، بواحد من قسمين:
القسم الأول: لازم المذهب بالتخريج عليه:
وفيه ستة أَنواع هي:
1- قياس المذهب
2- الوجه.
3- الاحتمال.
4- التخريج
5- النقل والتخريج.
6- الاتجاه.
النوع الأول: تخريج الفروع على الفروع بطريق القياس:
ويُعبر عنه بلفظ: " القياس على المذهب " .
وبلفظ: " التخريج بطريق القياس " .
والقياس في المذهب: هو إِثبات حكم شرعي لمسألة لا نص فيها للإمام على مسألة له
فيها نص؛ لاشتراكهما في العلة عند القائس، وحكم نسبته إلى ذلك الإمام، سَوَاء
قُطِعَ فيه بنفي الفارق، وهو ما يسمى عندهم باسم: " القياس بنفي الفارق
" أَو: " القياس في معنى الأَصل " .
أَو نُصَّ على علته، وهو " قياس العلة ويقال له مع سابقه: " القياس
الجلي "
وهما أيضا من تحقيق المناط، لإثبات علة حكم الأصل في الفرع.
أَو عُرِفَتْ عِلَّتُهُ عن طريق الاستنباط، كعلة الربا، ويقال له: " القياس
الخفي " وهو من باب تخريج المناط.
وحاصله أن: قياس المذهب هو : تخريج فرع غير منصوص عن الإمام على فرع منصوص عنه؛
لعلة جامعة. وهو بخلاف: " التخريج " فهو قياس فرع غير منصوص عن الإمام
على أصل أو قاعدة للِإمام لا على فرع له . ويأتي.
واعلم أَن قول الإمام أَحمد- رحمه الله تعالى:
" يجتنب المتكلم في الفقه هذين الأَصلين: المجمل، والقياس " : محمول منه
على إِنكار قياس خالف نصًّا، وإلاَّ فمن أصول مذهبه: " حجية القياس "
كما تقدم في: " المدخل الخامس: في أصول المذهب "
ومعلوم أَن " القياس " بمعناه الأصولي العام هو: " حمل فرع على
أَصل في حكم بجامع بينهما "
وقيل:
" إِثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم عند المثبت
"
أَما حقيقة: " القياس في المذهب " أي مذهبِ ما، فهو كذلك، لكن يقتصر
حكمه على المنتسب لذلك المذهب، سواء اعتبرنا
المقيس قولاً لإمام المذهب كمنصوصه، أَم اعتبرنا الفرع
المقيس وجهاً لمن خرجه في ذلك المذهب.
إِذا تقرر ذلك فاعلم أَن هذا طريق بدأ الأخذ به مبكراً في حياة الإمام، وكان الآخذ
به من أَصحابه: " الأثرم " : أَبو بكر أَحمد ابن محمد بن هانئ الطائي
الحافظ الفقيه، المتوفَّى سنة (273 هـ) ؛ إذ كان صاحبه محمد بن أَبي عتاب طريف
البغدادي المشهور بأَبي بكر الأَعين، المتوفَى سنة (240 هـ) ، أَخذ بعض المسائل
التي كان يدونها الأثرم عن أَبي عبد الله أَحمد بن حنبل، فدفعها إلى ابنه صالح
فعرضها على- والده- أَبي عبد الله، وكان فيها مسائل في الحيض، فقال: إِيْ هذا من
كلامي، وهذا ليس من كلامي، فقيل للأَثرم، فقال: إنَّما أَقيسه على قوله ".
وكذلك صنع الخرقي في: " المختصر " ، فإِنَه قاس على قول الإمام أحمد .
وقرر هذا ابن حامد، ثم قال: " والمأخوذ به أن نُفَصِّل، فما كان من جواب له
في أَصل يحتوي مسائل خُرِّج جوابه على بعضها؛ فإنَّه جائز أن يُنسب إليه
بقية مسائل ذلك الأَصل من حيث القياس ".
قال النووي الشافعي- رحمه الله تعالى -: " وله - أي مجتهد المذهب - أن يفتي
فيما لا نص فيه لِإمامه، بما يخرجه على أصوله، وهذا الصحيح الذي عليه العمل، وإليه
مفزع المفتين من مدد طويلة " انتهى.
فالخلاف الحاصل إذا هو خلاف نظري، أَمَّا في نفس الأَمر فقد تتابع على العمل به
جماعة من الأصحاب، كالموفق، وغيره، كما قرره ابن مفلح- رحمه الله تعالى.
ورأيت أَبا القاسم محمد بن الخضر بن تيمية- رحمه الله تعالى - كثير الاستعمال له
تصريحا في كتابه: " بلغة الساغب ... " فيبقى الخلاف في دائرة نسبة القول
المخرج إلى إِمام المذهب أو إلى من خَرَّجه، وهذا الأَخير هو الذي لا ينبغي تجاوزه
والله أعلم .
وفي حُكم هذ الطريق: إِلحاقا ما سكت عنه إِمام المذهب المجتهد بما نص عليه، اختلف
العلماء فيه على أقوال ثلاثة:
1- الصحة والجواز، وهو قول جمهور الأصحاب في المذاهب الأربعة، وعملهم في مصنفاتهم
جارٍ على إثبات المذهب بالقياس مطلقاً وفي: المذهب المالكي: ألف العتبي كتابه:
" المستخرجة على
المدونة " .
2- عكسه: أي عدم الجواز إلأَ أن ينص المخرِّج على عدم الفرق بينه وبين الفرع
المنصوص عليه.
3- يجوز بشرط أن ينص إمام المذهب على علة المسألة التي أَفتى فيها.
وما دام سبق تقرير أَنَّ على من خرَّج فرعاً في مذهبه على منصوص إِمامه أن ينسبه
إلى نفسه لا إِلى إِمامه؛ يبقى الخلاف نظرياً واستمرار التخريج منسوباً إلى من
خرَّجه. والله أعلم.
مثاله: الترتيب والموالاة في الوضوء، من فرائض الوضوء في إحدى الروايات في المذهب،
وعليه جمهور الأصحاب، فهل الترتيب والموالاة من فرائض التيمم؟
ليس فيهما نص عن الإمام، فهل تكونُ فرضيتهما في التيمم قياساً على المذهب في
فرضيتهما في الوضوء؟
قيل: نعم، وعليه جمهور الأصحاب، وهو الصحيح من المذهب.
وقال المجد ابن تيمية: قياس المذهب عندي: أن الترتيب لا يجب في التيمم، وإن وجب في
الوضوء؛ لأَنَّ بطون الأصابع لا يجب مسحها بعد الوجه في التيمم بالضربة الواحدة،
بل يعتد
بمسحها معه.
وقال ابن عقيل: رأيت المتيمم بضربة واحدة قد أسقط ترتيباً مستحقاً في الوضوء، وهو
أنه يعتد بمسح باطن يديه قبل مسح وجهه (1) .
وما اختاره المجد، وقرر أنه قياس المذهب، هو اختيار حفيده شيخ الإسلام ابن تيمية،
والسنة تشهد له كما في حديث عمار في الصحيحين . والله أعلم
- النوع الثانى: " الوجه " :
الحكم المنقول في مسألة من بعض الأصحاب المجتهدين في المذهب ممن رأى الإمام فمن
بعدهم جارياً على قواعد الإمام، وربما كان مخالفاً لقواعده إذا عضده الدليل (2) .
ويؤخذ غالباً من نص لفظ الإمام، ومسائله المتشابهة وإيمائه، وتعليله (3) .
والمسألة قد يكون فيها نص برواية عن الإمام، ورواية مخرجة من الأصحاب، وقد لا يكون
فيها نص عن الإمام فتجدهم يقولون:
فيها وجه أو وجهان، مريدا بذلك عدم وجود رواية عن الإمام.
- النوع الثالث: " الاحتمال " :
في معنى الوجه، إلَّا أَن الوجه مجزوم بالفتيا به، والاحتمال: تبيين أَن ذلك صالح
لكونه وجها (1) .
والاحتمال أَن يكون: إِما لدليل مرجوح بالنسبة إلى ما خالفه، أَو لدليل مساوٍ له.
ولا يكون التخريج والاحتمال إلَّا إذا فهم المعنى.
- النوع الرابع: " التخريج " :
نقل حكم إِحدى المسألتين المتشابهتين الى الأُخرى ما لم يفرق بينهما، أَو يقرب
الزمن، وهو في معنى الاحتمال (2) .
والتخريج يكون من القواعد الكلية للِإمام، أو الشرع، أو العقل. و حاصله: بناء فرع
على أَصل لجامع مشترك، فهو أَعَمُّ من ، " النقل والتخريج "، إذ النقل
والتخريج بناء فرع له فيه نص على فرع آخر ليخرج للِإمام فيه حكمان : حكم بالنص،
وحكم بطريق النقل والتخريج، ويأتي.
وينتظم هذه المصطلحات الثلاثة للأصحاب كلام المرداوي في
مقدمة الِإنصاف: (1/ 6) وهذا نصه:
" وتارة يذكر- أي الموفق في المقنع - حكم المسألة، ثم يقول: " وعنه كذا.
أَو قيل، أَو: قال فلان. أَو: ويتخرج. أو: ويحتمل كذا ". والأول هو المقدم
عند المصنف وغيره، وقلَّ أَن يوجد ذلك التخريج أو الاحتمال إِلاَّ وهو قول لبعض
الأصحاب، بل غالب الاحتمالات للقاضي أَبي يعلى في " المجرد " وغيره . وبعضها
لأَبي الخطاب ولغيره، وقد تكون للمصنف، وسنبين ذلك إِن شاء الله تعالى.
فـ " التخريج " في معنى الاحتمال، و " الاحتمال " في معنى
" الوجه " إلَّا أَنَّ الوجه مجزوم بالفتيا به، قاله في " المطلع
" يعني من حيث الجملة، وهذا على إِطلاقه فيه نظر، على ما يأتي في أَواخر كتاب
القضاء، وفي القاعدة آخر الكتاب.
و " الاحتمال " : تبيين أَن ذلك صالح لكونه وجها.
و " التخريج " : نقل حكم مسألة إلى ما يشبهها، والتسوية بينهما فيه.
و " الاحتمال " يكون: إِما لدليل مرجوح بالنسبة إلى ما خالفه، أو لدليل
مساوٍ له، ولا يكون التخريج أو الاحتمال إلَّا إذا فهم المعنى " انتهى.
النوع الخامس: تخريج الفروع على الفروع بطريق " النقل
والتخريج " قياسًا:
وحقيقة هذا النوع: هو أَن يصدر من المجتهد حكم على مسألة، ثم يصدر منه حكم يخالفه
على مسألة أخرى تشبهها، ولم يظهر ما يصلح موجبًا للتفريق بينهما في الحكم، فيأتي
الأصحاب بسلطة هذا المصطلح: " النقل والتخريج " فينقلون حكم كل مسألة
إلى الأخرى، فيصبح في كل مسألة قولان: منصوص، ومخرج.
* مثاله:
النص عن الإمام أَحمد - رحمه الله تعالى- أَن من لم يجد إِلاَّ ثوبًا نجسًا صلى
فيه وأَعاد.
والنص عن الإمام أَحمد - رحمه الله تعالى- أَن من صلى في موضع نجس لا يستطيع
الخروج منه، فإِنَّه يصلي فيه ولا إِعادة عليه.
نظر الأصحاب إلى هذين الحكمين المختلفين، فوجدوهما في مسألتين متشابهتين، فنقلوا
حكم الإمام في مسألة الثياب إلى مسألة المكان، والعكس، فصار في المذهب لكل مسألة
حكمان، ويُقال: قولان: منصوص، ومخرج بالقياس.
والفقهاء في حكم هذا النوع على قولين : المنع، والجواز؛ والجمهور على المنع، ومن
المانعين، الذين منعوا " النوع الأول: التخريج بطريق القياس لفرع على آخر في
المذهب " كما تقدم . والله أعلم
وَقَدْ جَلَّى المرداوي- رحمه الله تعالى- هذا في: " الِإنصاف: 1/ 460- 462
" فقال عند قول الموفق في: " المقنع " : " ويتخرج أن لا يعيد
" ما نصه: " ويتخرج أن لايعيد " : بناء على الأَصل ...
- القسم الثاني: تخريج الفروع من الفروع بطريق لازم المذهب (1) :
ويعبر عنه لدى الأصوليين وغيرهم بلفظ:
- " لازم المذهب هل هو مذهب أم لا؟ " .
وبلفظ:
- لازم المذهب هل يكون مذهبًا لصاحبه أم لا؟ " .
وبلفظ:
- " لازم قول المجتهد: هل يكون مذهبًا وقولًا له، أم لا؟ " . ومشهور لدى
الفقهاء بلفظ:
* " ثمرة الخلاف في تكييف الأَحكام الفقهية، هل تكون
مذهبًا للمجتهد أَم لا؟ ".
وبلفظ:
" فائدة الخلاف: هل تكون مذهبًا للمجتهد، أَم لا؟ " .
وبلفظ:
" أَثر قول المجتهد في الخلافيات: هل يعتبر قولًا له، أَم لا؟)
وبلفظ:
" ما ينبني على الخلاف من أَحكام فقهية: هل تكون مذهبًا للمجتهد، أم لا؟ .
وبلفظ:
" أَثر الخلاف في تكييف الأَحكام الفقهية " .
ومؤدَّى هذه التراجم والتعريفات واحد؛ إذ هو من باب اختلاف العبارات؛ لاختلاف
الاعتبارات
معناه: إذا قال المجتهد قولًا في مسألة خلافية، فهل يلزمه ما تولد عن هذا الخلاف
من لازم قوله، وثمرة خلافه، فيكون له حُكمان في مسألتين:
حُكمٌ قاله، وحُكم يلزمه على إثر قوله، فيكون بمثابة ما قاله؟
مثاله:
القصر في السفر هل هو رخصة أَم عزيمة؟ من قال: رخصة؛ لزمه جواز الإتمام، ومن قال:
عزيمة؛ لزمه عدم جواز الإتمام.
ومثاله:
الخلع هل هو طلاق أم فسخ؟
وقد عقد ابن رجب- رحمه الله تعالى- في آخر كتابه: " القواعد " فصلًا
حافلًا جلب فيه مجموعة من الأمثلة لثمرة الخلاف هذه.
وابن قدامة- رحمه الله تعالى- في: " المغني " كثيرا التعرض لها كأَثر من
آثار الخلاف العالي.
ولابن الساعاتي في مختصره في أصول الفقه؛ بيان ما ينبني على قضاياه المختلف فيها
من الأَثر الفقهي كما أشار إلى ذلك ابن خلدون في: " المقدمة: 2/ 140 "
وهكذا عند علماء كل مذهب، رغم اختلافهم في ملزوميته لصاحب المذهب على أقوال ثلاثة:
الاعتبار وعدمه، والثالث ما نزع إِليه شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى-
بقوله (1) :
" وعلى هذا فلازم قول الإنسان نوعان:
أحدهما: لازم قول الحق: فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه، فإن لازم الحق حق، ويجوز أن
يُضاف إليه؛ إذا علم من حاله أنه لا
يمتنع من التزامه بعد ظهوره. وكثير مما يضيفه الناس إلى
مذهب الأَئمة: من هذا الباب.
والثاني: لازم قوله الذي ليس بحق: فهذا لا يجب التزامه، إذ أَكثر ما فيه أَنه قد
تناقض، وقد ثبت أَن التناقض واقع من كل عَالِمٍ غير النبيين، ثم إِن عُرِف من حاله
أَنه يلتزمه بعد ظهوره له فقد يُضاف إِليه، وإلا فلا يجوز أَن يضاف إِليه قول لو
ظهر له فساده لم يلتزمه؛ لكونه قد قال ما يلزمه، وهو لا يشعر بفساد ذلك القول ولا
يلزمه، وهذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب: هل هو مذهب أو ليس بمذهب، هو
أَجود من إِطلاق أَحدهما ... " انتهى.
وهذا القول من شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى- ليس إِحداثًا لقول ثالث في المسألة؛
لأَنه يرجع إلى القولين فيها.
وإِذا تأملت ما عليه العمل في كتب المذاهب الفقهية؛ وجدت المُعَوَّلَ عليه، حتى
عند الذين يقولون بعدم اعتباره - هو اعتباره؛ لجريان تقريره في المذهب.
وسواء سلمنا بجواز نسبته إلى المجتهد عن طريق اللزوم لقوله، أَم لم نسلم، فهو من
أَهم مسائل العلم، وأبهجها للنفوس، إِذ يترقى بمعرفتها المتفقه إلى اتفاق الأقوال،
وضبط الفُتيا والله المستعان.
- الطريق الثالث: توقفات الأصحاب في المذهب . وهذا قد مضى ذكره في آخر "
الفصل الأول " من " المدخل الخامس ".
0 التعليقات:
إرسال تعليق