18‏/03‏/2015

المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد بن حنبل 17

المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد بن حنبل 17

المدخل الخامس : في التعريف بطرق معرفة المذهب ومسالك الترجيح فيه
وفيه ثلاثة تمهيدات وثلاثة فصول:
التمهيد الأول: في ماهية المذهب.
التمهيد الثاني: عناية العلماء في بيان هذه الطرق في المذهب.
التمهيد الثالث: مراتب الناس فيها؛ بين الإفراط؛ والتفريط؛ والوسط.
الفصل الأول: طرق معرفة المذهب من تصرفات الإمام المدونة عنه في كتبه وكتب الرواية عنه، وهي أربعة طرق:
1- قوله.
2- فعله.
3- سكوته وإقراره.
4- توقفه.
يدخل في تضاعيفها تقاسيم، وأنواع.
الفصل الثاني: طرق معرفة المذهب من تصرفات الأصحاب في كتبه المعتمدة، ومن شيوخه المعتمدين فيه.
الفصل الثالث: في مسالك الترجيح عند الاختلاف في المذهب.

المدخل الخامس : في طرق معرفة المذهب
هذا المدخل، وهو اللباب من هذا الكتاب، وهو النتيجة التي يَسْمُو إليها أولو الأَلباب لتقرير المذهب على الصواب، وتصحيحه بمنجاة من الغلط على الإمام والأصحاب، ، فَيُعَيِّنُ الناظر المذهبَ من طريقها، وَيُرْسِيْهِ عَلَى قَوَاعِدِه وأصول إمامه التي رسَمَهَا، فَيُعَدُّ النَّاظِرُ حينئذ ممن حَقق وَدَقق، واختار ورَجَّح، وَوَازَنَ بين الأقوال والروايات فَنَقَّحَ وَصَحَّح- والله سبحانه يمن على من يشاء-.

التمهيد الأول: في ماهية المذهب
مضى بيانه مفصلاً في: " المدخل الأول " بجلب النقول، وتحرير كلمة الفقهاء فيه بما خلاصته:
" مذهب الإمام: ما قاله معتقدا له بدليله، ومات عليه، أو مَا جَرَى مَجْرَى قوله، أوشملته علته " .
والقدر الأول منه متفق عليه، وهو إلى قوله: ومات عليه " ويشمل. " الروايات المطلقة " و " التنبيهات " .
وَمَا دُوْنَهُ مُخْتَلَف فِيْه.
* ويشمل:
فعله. روايته . التقارير عنه. سكوته وتقريره. توقفه.
* ويشمل التخريجات عليه:
- لازم مذهبه.
- مفهوم كلامه. ويقال: الاستدلال.
- القياس على المذهب.
- التخريج. الوجه . الاحتمال. النقل والتخريج.
كما مضى في: المبحث الثالث من: " المدخل الأول " :
" معرفة أنواع " الفقه " المدون في المذهب " وهي خمسة أنواع، وأن المراد منها في كل مذهب نوعان:
1- " المذهب حقيقة " وهو في معرفة الأَحكام الاجتهادية عن الإمام: " الروايات " و " التنبيهات ".
2- " المذهب اصطلاحًا " وهو في معرفة الأَحكام الاجتهادية عن الأصحاب: " التخريجات "
ويأتي في: " المبحث السابع عشر " من " المدخل الثامن " مبحث مهم في منزلة كتب المذهب بين فقه الإمام وفقه الأصحاب.
التمهيد الثاني: عناية الأصحاب في بيان هذه الطرق
اعْتَنَى جَمْعٌ من علماء المذهب ببيان هذه الطرق، وتتبع مصطلحات الإمام من أَجوبته في مسائل الرواية عنه، وفَسْرِها، وشرح اصطلاحه فيها، وإفراد ذلك بمؤلَّف مُسْتقِل، أو تبعا في كتب المذهب: فقهه، وأصوله، وتراجم رجاله.
وكان أَول من علمناه أَفرد جمع هذه المصطلحات، وفَسْرَها:
إِمامُ المذهب في زمانه، الفقيه ابن حامد الحنبلي: الحسن بن حامد ابن علي البغدادي، المتوفى سنة (403 هـ) - رحمه الله تعالى-
فإِنَّه أَفرد ما وقع له بكتاب سَمَّاه: " تهذيب الأَجوبة " (1) أي تخليص مصطلحات الإمام أَحمد في أَجوبته المعبرة عن مذهبه، من شائبة الخلاف في فَسْر مراده منها، فَبيَن- رحمه الله تعالى- المراد من مصطلح الإمام، بذكر منزلته من أَحكام التكليف: الواجب. المندوب . المحرم. المكروه. المباح . وعقدها في أَبواب جامعة بلغت نحو أَربعين بابا، يتخلل بعضها فصول، ومسائل


وقد سَلَك في كل باب مسلكين:
أحدهما: التمثيل لاصطلاح الإمام ببعض أجوبته من مسائل الرواية عنه، سائقا لها بالإسناد إلى الإمام أَحمد.
وثانيهما: التدليل على فَسْره للاصطلاح، وشرحه له، ببيان " وظيفة اللفظ " ومنزلته، بسياق الأَدلة عليه من: اللسان العربي، والقرآن الكريم، والسنة، وعُرْف الناس، وتواطئهم في اصطلاحهم ببعض الألفاظ الجارية على الألسن. وهو نظير عمل الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى- في: " الرسالة " .
وكثيرا ما يذكر الرأي المخالف، ثم يُجْرِي مناقشته بما يدفعه.
والحق أن جميع من جاء بعده عِيَال عليه.
وممن عَوَّلَ عليه، وضمَ إفادات إليه، صاحب الرعايتين: العلاَّمة ابن حمدان: أحمد بن حمدان النمري الحراني، المتوفى سنة (695 هـ) - رحمه الله تعالى- وذلك في كتابه: " صفة الفتوى والمفتي والمستفتي " (84- 15) المشهور باسم: " آداب المفتي " . وَلَخَّصَ ابن مفلح، المتوفى سنة (763 هـ) - رحمه الله تعالى- مقاصد ابن حامد في مقدمة كتابه: " الفروع " .
ثم بسطها المرداوي، المتوفى سنة (885 هـ) - رحمه الله تعالى- في كتابه: " تصحيح الفروع " .
ثم قام المرداوي ببيان أبسط في رسالة مستقلة باسم: " قاعدة نافعة جامعة لصفة الروايات المنقولة عن الإمام أحمد- رضي الله
تعالى عنه- والأَوجه والاحتمالات الواردة عن أَصحابه- رحمنا الله وإيَّاهم، وغفر لنا ولهم وللمؤمنين- ".
وَذَيَّل بها كتابه الحاوي للرواية والتخريج في المذهب: " الِإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أَحمد بن حنبل " : (12/ 240- 296) .
وقد جمعَ المرداوي- رحمه الله تعالى- في هذه القاعدة النافعة، كلام من سبقه من المذكورين، وغيرهم، وَرَتَّبَهُ، ونَسَّقَه، وهَذَّبَه ونَقَّحَه.
ولابن النجار الفتوحي، المتوفى سنة (972 هـ) في آخر كتابه: " شرح المنتهى " خاتمة حافلة، لاسيما في مسالك الترجيح في المذهب والتخريج.
وكان لعلماء أصول الفقه، في أَبواب الاجتهاد والتقليد، من كتب " أصول الفقه " نصيب وافر، وعناية ظاهرة في الكشف عن اصطلاح الإمام في أَجوبته، وطرق أَصحابه وأتباع مذهبه في التخريج على المذهب، والترجيح فيه، كما في كتاب: " العُدَّة " لتلميذ ابن حامد: القاضي أَبي يعلى، المتوفى سنة (458 هـ) - رحمه الله تعالى- : (4/1622- 1640) .
وفي كتاب: " المسودة: 524- 535 " لسلسلة الذهب من آل تيمية وهم: شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، المتوفى سنة (728 هـ) ، ووالده عبد الحليم، المتوفى سنة (682 هـ) ، وجده المجد عبد السلام،
المتوفى سنة (652 هـ) .
وفي: " شرح مختصر الروضة " للطوفي، المتوفى سنة (716 هـ) - رحمه الله تعالى-: (3/638-645)
وفي غيرها من كتب الأصول كثير.
وقد حَلَّى شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- في مواضع من فتاويه، جُمْلَةً منها، كما في فهارسها: " 37/26- 27 " وتلميذه ابن قيم الجوزية، المتوفى سنة (751 هـ) - رحمه الله تعالى- في مواضع من كتبه، كما بينته في: " التقريب لعلوم ابن القيم: ص/ 51- 52 "
وكان لعلماء المذهب في عدد من مقدمات كتبهم، ومثاني شروحهم لها بيان لِجُمَلِ مُهِمَّةِ في ذلك، كما عمل صاحب " الفروع " العلاَّمة ابن مفلح، المتوفى سنة (763 هـ) - رحمه الله تعالى- في مقدمته له: " 1/63- 71 " . والمرداوي في " تصحيحه " له، وفي مقدمة تصحيحه: " 1/ 22- 59 " وفي خطبة الِإنصاف " 1/ 4- 18 " ثم جاء العلاَّمة ابن بدران: عبد القادر بن أَحمد بن مصطفى ابن بدران الدمشقي الدومي الحنبلي، المتوفى سنة (1345 هـ) - رحمه الله تعالى- فألف كتابه: " المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ابن حنبل " فكتب فيه: " العقد الرابع في مسالك كبار أصحابه في ترتيب مذهبه واستنباطه من فتياه والروايات عنه، وتصرفهم في ذلك الإرث المحمدي الأحمدي " : (ص/ 46- 56) وفي كتابه الآخر " العقود
الياقوتية " : (ص/ 115- 142) .
ثم طبع حال تدوين هذا الباب، كتابان:
أَحدهما: " التخريج عند الفقهاء، والأصوليين " للشيخ الأصولي يعقوب أَبا حسين . وكتابه هذا عمدة في مباحث: " الفصل الثاني من هذا المدخل ".
وثانيهما: " تحرير المقال فيما تصح نسبته للمجتهد من الأقوال " للشيخ عياض السُّلَمي.
ورأيت بحثاً باسم: " أسباب تعدد الرواية في المذهب الحنبلي " أَعَدَّهُ: فايز بن أحمد حابس.
ورأيت في: " فهرس رسائل جامعة أم القرى " : ص/ 30 برقم/ 89 تسمية رسالة بعنوان: " تعدد الأقوال للمجتهد " لحسين ابن صالح بن عبد الله القرني.
هذه جملة مصادر هذا الباب لدى الأصحاب، ويضاف إليها مصادر لدى علماء المذاهب الثلاثة الأخرى، ففيها إِفادات حِسان تَعُمُّ كُلَّ مذهب، وقد مضت تسمية عدد منها في آخر " المدخل الثاني " .
التمهيد الثالث: مراتب الناس فيها
يُلاحظ في هذا المدخل أَنَّ معرفة ما يُعد طريقاً لمعرفة مذهب المجتهد، وما لايُعد، تطرق إليها بعض التغالي والِإفراط، من جهة مَنْحِ بعض الأتباع للأئمة المتبوعين ما بلغ حد التجاوز، بإعطاء غير المعصوم، خصائص النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم حتى جعلوا قول الإمام، وفعله، وتقريره، وإقراره، وسكوته، كتصرفات النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أَفضى هذا الِإفراط: إلى الدعوة إلى سَدِّ باب الاجتهاد.
ومن هنا دخل الداخل في تحميل مذاهب الأَئمة ما لا تحتمله، وتطرق إليها من جهة التفريط: دعوة بعضهم نبذ فقههم بالكلية، و" الأخذ ابتداء من حيث أَخذ القوم " و " هم رجال ونحن رجال " وهي عبارات حق، وكلمات صدق؛ إذا صدرت من عالم فقيه متأهل، توفرت فيه شرائط الاجتهاد، وتحلى بالورع، والزهادة، والبعد عن مخاتلة الدنيا بالدين، والتعلق بأذيال المفسدين . لكن تسمع لها في عصرنا ضجيجا من المتعالمين، وصغار الطلبة الناشئين، ومَنْ شَابَ في الطلب، لكنه ما زال حلس الجهل المطبق، فَنَقَلتْهُم هذه الدعوى- وليسوا من أهلها- إلى ضمور واضمحلال في الفقه، ودعتهم " طفرة الأخذ بالدليل " وهم غير متأهلين، إلى أن شاطوا
وبعدوا عن الدليل، وحرموا فقه السلف الصالحين.
لذا بانت منهم بوائن، وظهرت منهم بوادر، يأباها الله ورسوله، والمؤمنون، فتولَّدت عنهم الدعوة المنكودة: إلى هجر الكتب الصفراء - كتب الفقه !!- وَزَجْر الطلاَب عن حفظ المتون، بَلْ فَاهَ بعض المخذولين بحرق كتب الفقه عَلَناً في مَحضر مِنَ العلماء، في بيت من بيوت الله، فخذل الله مقالته وأَطفأ الله ناره، وتسلل من بينهم مستخفياً مخذولاً.
إن الوقيعة الظالمة في أَئمة العلم والدين، هي- لعمر الله- نَفْثَة رافضية، وَدَخِيْلَة سَلُوْلية، تدعو إلى القدح في المحمول بالقدح في الحامل، وغايتها: " زندقة مكشوفة ".
وخلاصة القول: أَن الحق الصواب، والعدل الوسط: الأَخذ بالدليل، وعدم التقديم عليه لِأَيِّ كَائِنٍ مَنْ كَان، مع احترام أَئمة العلم والدِّين في القديم والحديث، والاستفادة من فقههم، ودقيق فهمهم، ومن حرِمَ النظر فيها فقد حُرِمَ خيراً كثيراً.
وما زال- ولله الحمد- في كل مذهب أَئمة هداة، وعلماء دعاة، إلى ما كان عليه إِمام المذهب من الأَخذ بالدليل، والتنائي عن التعصب الذميم للرأي المضاد للدليل.
وفي كتاب: " التعالم " أثارة من علم في: " المبحث الخامس " منه، ومضى ما فيه الكفاية- إن شاء الله تعالى- في: " المبحث الثالث " من المدخل الأول " والله أعلم.

0 التعليقات: