ما الأدب ؟ 6
كل محاولة – يقصد بها الكاتب الى استعباد
قراءه – خطر يهدده فى فنه نفسه .
فالحداد تحدده الفاشية فى حياته بوصفه إنسانا
فحسب , ولا تهدده ضرورة فى مهنته , ولكنها تهدد الكاتب فى حياته ومهنته كليهما ,
بل هى أكثر تهديدا له فى مهنته منها فى حياته .
وقد رأيت مؤلفين كانوا يدعون من
صميم قلوبهم إلى الفاشية قبل الحرب , قد أصيبوا بالجدب الذهنى حتى فى اللحظة التى
أضفى عليهم فيها الألمان كل ألقاب المجد .
ويحضرنى على الأخص (دريو لاروشيل) . لقد
خدع ؛ ولكنه كان مخلصا لدعوته , وقد برهن على هذا الإخلاص . فقد قبل إدارة مجلة
تعمل بوحى من الألمان .
وفى الشهور الأولى أخذ يهدد مواطنيه ويؤنبهم ويعظهم ؛ فلم
يرد عليه أحد , إذ لم يكن لإنسان من الحرية ما يستطيع أن يرد . وقد استشاط غضبا إذ
لم يعد يشعر له بقراء .
وألح فى دعوته ولكن لم تلح له علامة تدله على أن دعوته قد
فُهمت من إنسان , لا علامة حقد ولا علامة غضب كذلك ؛ لا شئ مطلقا .
فبدا ضالا
وفريسة اضطراب مطرد , فشكا مر الشكوى الى الألمان . وقد كانت مقالاته مشرقة
الديباجة , فسمج طعمها , حتى بلغ به الأمر إلى حد الارتياع , فلم يجد صدى إلا لدى
الصحف التى بيعت ضمائرها والتى كان يحتقرها .
فقدم استقالته , ثم استعادها ليتحدث
من جديد , لكنه ظل دائما يصيح فى واد . ثم انتهى إلى سكوت فرضه عليه صمت الاخرين .
لقد طالب باستعباد الاخرين , ولكن لا بد أنه دار فى خلده المجنون أن الاستعباد اختيارى
يصدر عن الحرية كذلك .
ثم أتى ذلك الرجل الذى طالما أشاد به , ولكن الكاتب لم
يستطع احتماله .
وبينما سار على هذا المنوال , ظل الاخرون – وهم لحسن الحظ الكثرة
العظمى – يعتقدون أن حرية الكتابة تستلزم حرية المواطن .
فالمرء لا يكتب للعبيد .
وفن النثر مرتبط بالنظام الوحيد الذى يحتفظ فيه النثر بمعناه : وهو الديمقراطية .
فما يتهدد أحدهما يتهدد الاخر كذلك .
ولن يكفى الدفاع عنهما كليهما بالقلم , وحين
يأتى اليوم الذى يكسره القلم فيه على التوقف .
وعلى الكاتب حينذاك أن يحمل السلاح
.
وإذن , أى جانب سلكت , وأيا ما تكن من الأفكار التى تدعو إليها , فسيزج بك الأدب
فى الحرب .
فالكتابة طريق من طرق إرادة الحرية , فمتى شرعت فيها – إن طوعا وإن
كرها – فأنت ملتزم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق