10‏/03‏/2015

ما الأدب ؟ 6

ما الأدب ؟ 6


       كل محاولة – يقصد بها الكاتب الى استعباد قراءه – خطر يهدده فى فنه نفسه .

 فالحداد تحدده الفاشية فى حياته بوصفه إنسانا فحسب , ولا تهدده ضرورة فى مهنته , ولكنها تهدد الكاتب فى حياته ومهنته كليهما , بل هى أكثر تهديدا له فى مهنته منها فى حياته .

وقد رأيت مؤلفين كانوا يدعون من صميم قلوبهم إلى الفاشية قبل الحرب , قد أصيبوا بالجدب الذهنى حتى فى اللحظة التى أضفى عليهم فيها الألمان كل ألقاب المجد .

ويحضرنى على الأخص (دريو لاروشيل) . لقد خدع ؛ ولكنه كان مخلصا لدعوته , وقد برهن على هذا الإخلاص . فقد قبل إدارة مجلة تعمل بوحى من الألمان .

وفى الشهور الأولى أخذ يهدد مواطنيه ويؤنبهم ويعظهم ؛ فلم يرد عليه أحد , إذ لم يكن لإنسان من الحرية ما يستطيع أن يرد . وقد استشاط غضبا إذ لم يعد يشعر له بقراء .

وألح فى دعوته ولكن لم تلح له علامة تدله على أن دعوته قد فُهمت من إنسان , لا علامة حقد ولا علامة غضب كذلك ؛ لا شئ مطلقا .
 فبدا ضالا وفريسة اضطراب مطرد , فشكا مر الشكوى الى الألمان . وقد كانت مقالاته مشرقة الديباجة , فسمج طعمها , حتى بلغ به الأمر إلى حد الارتياع , فلم يجد صدى إلا لدى الصحف التى بيعت ضمائرها والتى كان يحتقرها .

 فقدم استقالته , ثم استعادها ليتحدث من جديد , لكنه ظل دائما يصيح فى واد . ثم انتهى إلى سكوت فرضه عليه صمت الاخرين . لقد طالب باستعباد الاخرين , ولكن لا بد أنه دار فى خلده المجنون أن الاستعباد اختيارى يصدر عن الحرية كذلك .

ثم أتى ذلك الرجل الذى طالما أشاد به , ولكن الكاتب لم يستطع احتماله .

 وبينما سار على هذا المنوال , ظل الاخرون – وهم لحسن الحظ الكثرة العظمى – يعتقدون أن حرية الكتابة تستلزم حرية المواطن .

 فالمرء لا يكتب للعبيد .

وفن النثر مرتبط بالنظام الوحيد الذى يحتفظ فيه النثر بمعناه : وهو الديمقراطية .

 فما يتهدد أحدهما يتهدد الاخر كذلك .

ولن يكفى الدفاع عنهما كليهما بالقلم , وحين يأتى اليوم الذى يكسره القلم فيه على التوقف .
 وعلى الكاتب حينذاك أن يحمل السلاح .

 وإذن , أى جانب سلكت , وأيا ما تكن من الأفكار التى تدعو إليها , فسيزج بك الأدب فى الحرب .

 فالكتابة طريق من طرق إرادة الحرية , فمتى شرعت فيها – إن طوعا وإن كرها – فأنت ملتزم .

0 التعليقات: