المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد بن حنبل 22
المدخل السادس : في التعريف بالإمام أحمد
المولود في 20/ 3/ 64 هـ- المتوفى ضحوة يوم الجمعة 12/ 3/ 241 هـ
عن 77 عاما و " 11 " شهرًا و " 22 " ليلة.
- رحمه الله تعالى-
وفيه خمسة أبحاث:
المبحث الأول: عيون المعارف في ترجمته
المبحث الثاني: الإمام أحمد محدث وفقيه
المبحث الثالث: مَدَى تأثر فقه أحمد ومذهبه بفقه الشافعي ومذهبه.
المبحث الرابع: خبر القول بخلق القرآن: فتنة ثم محنة ثم نصرة . ومواجهة أحمد لها
في مراحلها كافة
المجث الخامس: في معرفة الخصال التي تميز بها الإمام أحمد - رحمه الله تعالى-
المدخل السادس : في التعريف بالإمام أحمد
المولود في 20/ 3/ 64 هـ- المتوفى ضحوة يوم الجمعة 12/ 3/
241 هـ
وإن أَوْفى الكتب المطبوعة منها على الِإطلاق، كتاب ابن الجوزي . ت سنة (598 هـ) :
" مناقب الإمام أَحمد بن حنبل " فإِنه- رحمه الله تعالى- استفرغ جُلَّ
ما في الكتب المسندة في ترجمة أَحمد، في نحو ستمائة: " 600 " ، صفحة،
فالمترجمون للِإمام بعد ابن الجوزي عيال عليه.
وتستفاد ترجمته تبعًا من كتب السير والتراجم، والطبقات، والتواريخ،
وأَوفاها ما في: " السير " للذهبي: (11/177- 358)
، فانَّه استوفى عيون ما في ترجمته، وبخاصة: " خبر القول بخلق القرآن "
. واتَكَأ على كتاب ابن الجوزي المذكور.
والعجب أن ابن جرير، لم يترجم له في: " تاريخه " كما أَن ابن عساكر لم
يذكر خبر المحنة في: " تاريخه "
وتستفاد ترجمته أيضا من تراجم تلاميذه، ومن تراجم أَقرانه، ومن تراجم شيوخه، ومن
تراجم خصومه.
المبحث الأول: عيون المعارف في ترجمته
تاريخ ولادته ووفاته:
روى عبد الله بن أحمد، عن أَبيه، أنه قال: " قَدِمَتْ بي امِّي حَمْلًا من
خراسان، وَوُلدْتُ سنة (164 هـ)
وقال ابنه صالح:
" جِيْءَ بِهِ من مرو حَمْلا ".
وأَفادت الروايات أَنه وُلدَ في بغداد في العشرين من شهر ربيع الأول عام (164 هـ)
وتوفي في بغداد، محموما، ضحوة يوم الجمعة، العاشر، من شهر ربيع الأول عام 241 هـ،
وغُسِّلَ، وصُلي عليه، ودُفِنَ في هذا اليوم، يوم وفاته .
وكان عمره يوم مات: سبعة وسبعين عامًا وأحد عشر شهرًا
واثنتين وعشرين ليلة
وقد ذكرَ مترجموه كثرة من حضر جنازته من الرجال، ومن النساء، واسترسل المؤرخون في
ذكر العدد التقريبي لمن حضر جنازته، حتى من الكفار، ومن أَسلم منهم ذلك اليوم.
ابن حنبل:
انفرد الإمام مالك- رحمه الله تعالى- بنسبة مذهبه إلى اسمه فيُقال: " المذهب
المالكي "
أَما أَبو حنيفة النعمان بن ثابت، فنسبة مذهبه إلى كنيته، فيُقال: " المذهب
الحنفي "
وأَما محمد بن إِدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، فينسب مذهبه إلى جده: "
شافع " الذي اشتهر بالنسبة إِليه هو، فيُقال له: " الإمام الشافعي
" ويُقال لمذهبه: " المذهب الشافعي " .
وأَما أَحمد بن محمد بن حنبل، فاشتهر عند الناس بالنسبة إلى جده، فيُقال: "
الإمام أَحمد بن حنبل " و " ابن حنبل " ويقال في النسب إلى مذهبه :
"المذهب الحنبلي " .
ويظهر أَن لِجَدِّه " حنبل " من الشهرة، والمكانة، ما جعل الحفيد "
أَحمد " لا يُعرف إلَّا به، فيُقال: أَحمد بن حنبل . والله أعلم .
كنيته:
كنيته " أبو عبد الله " وعبد الله، هو الابن الثاني له، والأول هو ابنه:
صالح، فلماذا تكنى بعبد الله دون صالح، والعادة جارية بتكني
الأَب بأَكبر أَبنائه؟
فلعله تكنى بأبي عبد الله قبل أَن يتزوج، ويولد له، فغلبت عليه.
وهذا جَارٍ في الناس، كما قيل:
لَهَا كُنْيَة عمرو ... وَلَيْسَ لها عمرو
أَو أَنه ولد له ابن أَول ما ولد وسماه عبد الله، ومات في صغره، ويمَنَّى به،
فغلبت عليه.
- وإذا عرفنا أَن الإمام أَحمد لم يتزوج إلَّا بعد الأَربعين من عمره بتتبع
الأَخبار والروايات في ترجمته نجد مجموعة منها في خبر ما قبل الأَربعين من عمره
كان يدعى فيها بأَبي عبد الله، وهذا دليل مادي على سلامة أَحد هذين التعليلين
وَأَوَّلهما أَوْلَى. وكم في بطون التاريخ، والسير من معالم، طويت معالمها، وغابت
أَخبارها، فهذا: شيخ الإسلام أَبو إسماعيل الهروي: عبد الله بن محمد الأنصاري. ت
سنة (481 هـ) لا يعرف له سوى ابنيه: مجاهد، وعبد الهادي، فمن أين جاءت تكنيته
بأَبي إسماعيل؟ يدور في هذا تعليلات كثيرة، والله أعلم.
كان أبوه محمد: من أجناد مرو لكن ما لبس زي الجند قط،
وأصله من البصرة، وكان كريمًا جوادًا مُمَدَّحًا، فَتح داره
بخراسان لوفود العرب، فيقوم بالضيافة، والإكرام.
توفي وهو ابن ثلاثين عامًا، ولذا قال أَحمد: لم أَر جدي، ولا أَبي.
وكان جده: حنبل، واليًا على سرخس، ومن القائمين بالدعوة العباسية.
وهذه السابقة مِن جَدِّه، لم تشفع له عند المأمون، والمعتصم، والواثق، من خلفاء
بني العباس في موقفهم من أَحمد الإمام، فهل من مُعتبر (1) ؟.
والدته :
هي: صفية بنت ميمونة- هكذا- بنت عبد الملك الشيباني من بني عامر وعبد الملك هذا من
وجوه بني عامر وساداتهم.
هكذا وجدت اسمها.
فهذه الوالدة المباركة، ترملت من زوجها، وكان أَحمد وحيدها، وكانت أمه قد
وُفِّقَتَ حينما رحلت به إلى بغداد دار العلم آنذاك
وفي هذه النقاط الثلاث كان الشافعي كذلك، فقد ترملت أمه في شبابها، فحملت وحيدها:
محمد بن إدريس من غزة إلى مكة، دارالإسلام الأولى، ومثابة العلم والعلماء.
أَولاده: للِإمام أَحمد عشرة أَولاد،
ثمانية بنين، وابنتان، هم :
صالح، وعبد الله، وزهير، و الحسن والحسين، والحسن، ومحمد، وسعيد، وزينب، وفاطمة.
زوجاته: كان له- رحمه الله تعالى- زوجتان من العرب، وجاريتان، كما يأتي:
1- أَول زواج له كان بعد بلوغه أَربعين عاما كانت زوجته عباسة: بنت الفضل، من نسل
العرب من الرَّبَض أَقامت معه ثلاثين عامًا، لم يختلف معها بكلمة واحدة.
ولدت له: ابنه صالحًا أَبا الفضل القاضي بطرسوس. ولد سنة (203 هـ) وت سنة (266 هـ)
بأَصبهان وله ثلاث وستون سنة، وهو أكبر من أخيه عبد الله بعشر سنين.
ولصالح ثلاثة أَبناء، هم: أَحمد، وعلي، وزهير ت سنة (303 هـ) ، ولأحمد ابن اسمه:
محمد بن أحمد بن صالح بن الإمام
أَحمد. ت سنة (330 هـ) يكنى أبا جعفر.
وقد توفيت عباسة في حياة الإمام أَحمد، وكان يثني عليها كثيراَ
2- زوجته: أم عبد الله: ريحانة- بنت عم الإمام أَحمد: عمر تزوجها بعد وفاة أم
صالح، وولدت له: راوية المسند: ابنه: عبد الله، فقط . وماتت في حياته.
وعبد الله يكنى: أَبا عبد الرحمن، ولد سنة (213 هـ) وتوفي سنة (295 هـ) ببغداد عن
عمر ناهز سبعة وسبعين عامًا مثل أبيه، صلى عليه ابن أَخيه زهير بن صالح
3- جارية اسمها: حُسْن، اشتراها بعد وفاة أم عبد الله. ولدت له بقية أَولاده: أم
علي: زينب، والحسن، والحسين- توأمان- وَمَاتَا قُربَ ولادتهما ثم: الحسن ومحمد،
وعاشا نحو أَربعين عاماَ، ثم سعيد، وُلدَ قبل موت والده بنحو خمسين يومًا، وقد ولي
قضاء الكوفة
فلعلَّها فاطمة، التي ذكرها المقريزي في: " المقفى " ولم يتبين من أي
زوجاته المذكورات.
4- جارية اشتراها، وسماها: " ريحانة ".
قال ابن المنادي:
" استأذن أَحمد زوجته في أَن يتسرى طلبًا للاتباع، فأَذنت له، فاشترى جارية
بثمن يسير وسماها: ريحانة، استنانًا برسول الله صلى الله عليه وسلم . "
انتهى.
" صفته:
كان شيخًا رَبْعَةً، وقيل: طُوالاً أَسمر شديد السمرة، حسن الوجه، مخضوبًا يخضب
بالحِنَّاء خِضَابًا ليس بالقاني، وفي لحيته شعرات سُود.
تعلوه سكينة، ووقار وخشية، وكان مهيبًا في ذات الله، حتى لقال أبو عبيد: ما هبت
أَحدًا في مسألة ما هبت أحمد بن حنبل ". وكانت ثيابه غلاظًا بيضاء، يعتم،
ويتزر.
وكان نظيفًا في مَلْبَسِهِ.
وكان يَتَنَوَّر في بيته، وما دخل حَمَّامًا قط.
وكان أَكثر جلوسه متربعاً.
- فراسة العلماء عنه في صغره:
بدت عليه النجابة وهو غَضٌ يختلف إلى الكُتَّاب، واشتهر
بالشغف الشديد في التعلم، والرغبة في العلم وهو في سن الصبا
وتميز بالورع، وعفة اللسان، والقلم، وهو في ريعان الشباب.
قال أَبو سهل الحافظ الهيثم بن جميل الأَنطاكي في أَحمد:
" إِن عاش هذا الفتى فسيكون حجة على أهل زمانه " انتهى.
فلله أَبوه، ما أَصدق فراسته، فقد كان حجة على أهل زمانه إلى الآخر، فسبحان المنعم
المتفضل.
- أَحمد في صِغَرِهِ يرفض أَن يكون وَشَّاء:
أَرسل معه عَمُّه أَوراقًا إلى ديوان الخليفة فغاب أَحمد طويلًا، دون أَن يَرُدَّ
عَلَى عَمِّه، وسِنُّهُ عند ذلك صغيرة.
فلما قابله عَمُّه سأله عن الأَوراق، فعرف أَنه لم يوصلها، فسأله : لماذا لم
توصلها فأَجاب أَحمد الغلام:
" ما كنت لأَرفع تلك الأَخبار، لقد أَلقيت بها في البحر، فجعل عمه يسترجع،
ويقول: هذا غلام يتورع فكيف نحن... ؟ "
- تواضعه
:
كان- رحمه الله- آية في التواضع ومثالًا يحتذى في ذلك، وسيرته خير شاهد على ما
نقول، وهو عربي صليبه ولاشك، ومما يشهد لتواضعه أَنه لم يكن يفخر بعروبته.
يقول الحافظ الناقد الجليل يحيى بن معين- رفيق حياته وصديقه-: ما رأيت خيرًا من
أَحمد بن حنبل، ما افتخر علينا بالعربية قط ولا ذكرها.
وقد سُئِلَ مرة عن ذلك وهل هو عربي؟ فقال: نحن قوم مساكين.
وَيَحْكِي ابن الجوزي أَن أَحمد كان من أَحب الناس وأَكرمهم نفسا وأَحسنهم عشرة
وأَدبًا، كثير الإطراق والتقى، معرضًا عن القبح واللغو لا يسمع منه إلا المذاكرة
بالحديث، وذكر الصالحين والزهاد في وقار، وسكون، ولفظ حسن، وإذا لقيه إِنسان بش
به، وأَقبل عليه، وكان يتواضع للشيوخ تواضعا شديدًا، وكانوا يكرمونه، ويعظمونه .
- إِجابته الدعوة:
كان من مظاهر تواضعه، وتطبيقه للسنن: إِجابته للدعوة في المناسبات المشروعة، مثل
الزواج، والختان وكان في حضوره، ملاطفًا للناس، متواضعاً، لكن كان أَمَّارًا
بالمعروف، نَهَّاءً عن المنكر، يُقَوّمُ السلوك، ويزيل المنكر، فإن لم يمكنه
انصرف.
وكان ربما بذل شيئًا من المال؛ لإدخال السرور.
وله في ذلك حكايات، ومواقف كريمة.
- تعبده وزهده غير المتكلف:
إن أعظم صفة أخذت بمجامع قلبي، هي ما أَفاض به مترجموه - رحمه الله تعالى - في
أخبار تعبده، وزهده، وتألُّهه، وقراءته القرآن، وورعه، مما لا ينقضي منه العجب،
لكنها المعونة الربانية، والعناية الِإلهية، وهي بحق تقضي له بالإمامة في العلم
والدِّين، إِذ العالم لا يكون عالمًا حتى يكون عاملًا،.
وكان من هديه: أنه لا يُظهر النسك.
وكثيرًا ما يقول: اللهم سَلِّم، سَلّم.
وكانت الدنيا لا يجري لها ذكر على لسانه.
قال تلميذه أَبو داود- صاحب السنن- ت سنة (275 هـ) : " لقيت مائتين من مشايخ
العلم، فما رأيت مثل أَحمد بن حنبل، لم يكن يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من
أَمر الدنيا، فإذا ذُكِر العلم تكلم ".
قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-:
" وقد صَنَّف أَحمد عن الزهد كتابًا حافلًا عظيمًا، لم يسبق إلى مثله، ولم
يلحقه أحد فيه، والمظنون بل المقطوع به: أنه إنما كان يأخذ بما أَمكنه منه- رحمه
الله- " .
وجاء في " السير: 11/ 192 " قال الرمادي: سمعت عبد الرزاق وذكر أَحمد بن
حنبل فدمعت عيناه، فقال: بلغني أَن نفقته نفدت، فأخذت بيده فأَقمته خلف الباب، وما
معنا أَحد، فقلت له: إنه لا تجتمع عندنا الدنانير إذا بعنا الغلة أشغلناها في شيء،
وقد وجدت عند النساء عشرة دنانير فخذها ... فقال لي: يا أبا بكر لو قبلت من أحد
شيئًا قبلت منك
وفي مجال ورعه وتقواه كان يقول: ما كتبت حديثًا إلًا وقد
عملت به، حتى مر بي أَن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأَعطى أَبَا طَيبة
دينارًا فأَعطيت الحجام دينارًا حين احتجمت.
- حبه للوحدة:
قال عنه ابنه عبد الله: كان أَصبر الناس على الوحدة، وبِشْرٌ لم
يكن يصبر على الوحدة، كان يخرج إلى ذا إلى ذا
وكان يقول: أَشتهي مكانًا لايكون فيه أَحد من الناس
ويقول رأيت الخلوة أَروح لقلبي
وكان يحب الخمول والانزواء عن الناس، ويعود المريض.
وكان يكره المشي في الأَسواق، ويؤثر الوحدة.
وقال محمد بن الحسن بن هارون: رأيت أَبا عبد الله إذا مشى في الطريق، يكره أَن
يتبعه أَحد.
أَقول: فليعتبر من إذا مشى معه مَنْ لا يُفْرَحُ بِهِ، أو
احتوشه بعض الطلاَّب، ضاقت الطريق به؟
- بعده عن الشهرة:
من كان موصوفًا بالزهد، والورع، والتواضع، وصدق اللجأ إلى الله، والتعبد، ودوام
الذكر، وقراءة القرآن ، وتبليغ العلم؛ خاف على نفسه " الشهرة " وكرهها،
وَفرَّ من أَسبابها وأَخذ بالتوقي منها وقد ضرب الإمام أَحمد في حربها، شوطًا بعيد
المدى في دقائق حياته، حتى كان يقول: " لو وجدت السبيل لخرجت حتى لا يكون لي
ذكر ".
ولهذا قال في وصفه عيسى بن محمد الرملي:
" عن الدُّنيا ما كان أَصبره، وبالماضين ما كان أَشبهه، وبالصالحين ما كان
أَلحقه، عَرَضت له الدُّنيا فَأَبَاهَا، والبِدع فنفاها " رواهما الذهبي في:
" السير " .
وكان ينهى من رآه آخذا ببعض أَسباب الشهرة مثل تشمير الثياب فوق المعتاد، ولبس
المرء غير لبس أهل بلده، وهكذا، مما ساقه ابن الجوزي عنه في كتابه: " تلبيس
إِبليس " وفَصَّلْتُ القول فيه في رسالة باسم: " الفرق بين حَدِّ الثوب
والأزرة ".
قال ابن الجوزي- رحمه الله تعالى- بسنده:
وقال أحمد- رحمه الله تعالى-:
" القلانس من السماء، تنزل على رؤوس قوم، يقولون برؤوسهم
هكذا، وهكذا- المعنى لا يريدونها- وقوله: هكذا وهكذا، أي
يميلون رؤوسهم أن يتمكن منها، ومعنى الكلام: أنهم لايريدون الرئاسة، وهي تقع عليهم
... "
أَقول: فما بالنا نبذل النفس، والنفيس، ونغض الطرف عن أمر بمعروف، أو نهي عن منكر،
متربصين شيئًا من ذلك، ثم لا نكتفي بهذا الإثم بل نزيده إثمًا بتخريجه فقهاً؛
ليفيد شرعيته؛ ولهذا نزلت القيمة بنزول القيم وارتفع أَهل الأهواء، والماديون،
والسَّفل.
- إِجلال علماء زمانه له وهيبته عندهم:
كان علماء زمانه: يجلونه، ويقصدونه بالسلام عليه.
قال أَبو عبد الله: كان لنا عند يزيد بن هارون توهم في شيء فكلمته فأَخرج كتابه،
فوجده كما قلت، فَغيَره، فكان إذا جلس يقول: يا ابن حنبل، ادن يابن حنبل، ادن ها
هنا.
وقال ميمون بن الأَصِبغ: كنا عند يزيد بن هارون، وكان عنده المعيطي، وأبو خيثمة،
وأحمد، وكانت في يزيد- رحمه الله- مداعبة، فذاكره المعيطي بشيء، فقال له يزيد:
فقدتك، فتنحنح أحمد فالتفت إِليه، فقال: من ذا؟ قالوا: أحمد بن حنبل، فقال: إلَّا
أَعلمتموني أَنه ها هنا؟
قال المروزي: فسمعت بعض الواسطيين يقول: ما رأيت يزيد ابن هارون ترك المزاح لأَحد
إلَّا لأَحمد بن حنبل.
ويقول أَحد تلامذته: كنا نهاب أَن نرد أَحمد في شيء أو نُحَاجَّهُ فيه ".
ويقول آخر دخلت على إِسحاق بن إبراهيم - والي بغداد - وفلان وفلان من السلاطين فما
رأيت أهيب من أحمد بن حنبل، صرْتُ إليه أكلمه في شيء فَوَقَعَتْ عَلَيَّ الرعدة
حين رأيته من هيبته .
- كرمه:
مع قلة ذات اليد، وأَن حاله كانت كفَافًا، بل ربما لحقته فاقة، كان يبذل ما في
يده، ولا يؤخر ما في يومه لِغَدِه.
- مصدر نفقته:
مُسْلِم يَتَعَفَّفُ من أُعطيات السلطان، والأَخذ من أَيدي الناس وإن لحقته فاقة،
يظن الظَّانُّ أَن لديه من الثراء، ما ينافس به أهل الدنيا في دنياهم، لا. ولكن
كان لديه الكنز الذي لا ينفد: " القناعة " ، والعفة، وضبط النفس، وعلو
الهمة.
إِن غاية مَا ذَكرَتْهُ المصادر أَن له دارًا في بغداد، ملحق بها جوانب مؤجرة،
فينفق من غِلالها.
وثم مصدران آخران:
تقوته من عمل يده:
ومن وقائعه في ذلك أَنه زمن الرحلة إلى عبد الرزاق في اليمن، كان يعمل "
التكك " (نوع من اللباس) ويبيعها، يتقوت بها .
- حوانيت كان يؤجرها: وقد ذكر مترجموه من حسن تعامله مع شاغليها، وعطفه عليهم، ما
يقضي بورعه، وسماحة نفسه، وزهده، وانصرافه بكليته عن الدنيا.
وَلَعَلَّ قلة ذات يده، وتقلله من الدنيا، كان سببًا في نبوغه في العلم والفقه في
الدِّين.
ومن شواهد ذلك أنه جرت بين أبي الوليد الباجي، المتوفى سنة (474 هـ) وابن حزم،
المتوفى سنة (456 هـ) - رحمهما الله تعالى- مناظرة، فلما انقضت قال الفقيه أبو
الوليد: " تعذرني، فإن أكثر مطالعتي كانت على سُرج الحُرَّاس " . قال
ابن حزم: " وتعذرني أيضا، فإن أكثر مطالعتي كانت على منابر الذهب والفضة
" قال ياقوت بعد ذلك : " أراد
ابن حزم أن الغِنى أضيع لطالب العلم من الفقر وهذا مشاهد، فالضِّدَّان لا يجتمعان،
كحُبِّ القرآن وحُبِّ الغناء وحب المال وحب العلم، والولاية والتجارة، وبقدر ما
يحصل من العنصر الداخل يضعف الجانب الآخر، والقوة لمن غلب، فاحذر أن تُغلب في دينك
وعلمك وعملك . والله المستعان
رفضه أعطيات السلطان:
اذأ كان الإمام أَحمد في رحلاته قد رفض الأخذ من شيخه بواسط: يزيد بن هارون، ورفض
عطاء شيخه عبد الرزاق في اليمن، ورفضه من رفيقه في السفر إلى اليمن: إسحاق بن
راهويه، ورفضه من يحيى بن معين، ورفضه من جار له بمكة حِيْنَ سُرِقَتْ ثيابه، فما
بالك بأعطيات السلطان له؟.
إنَّه ما قبل- رحمه الله تعالى- أعطيات السلطان قط، في أَخبار يطول ذكرها، وهي من
ضنائن السلوك، وضبط النفس. وإلى الله الشكوى، فما لنا من هذا إلَّا الرواية؟
وكان يقبل الهدية من غير السلطان، ويثيب عليها بأَكثر منها.
نعم، رفع الله المحنة عن الإمام أَحمد وعن المسلمين بولاية المتوكل وكان دفع له
مالاً فلم يقبله، فأَلزمه به ففرقه بعد ما قبله وأَجرى المتوكل على أَهله وولده،
أَربعة آلاف في كل شهر حتى مات المتوكل، لكن الإمام أَحمد اعترض على ولديه: صالح،
وعبد الله، وعمه، لأَنهم قبلوا مال الخليفة المتوكل، ويقول لهم: لِمَ تأخذونه،
والثغور معطلة، والفيء غير مقسوم بين أَهله؟
وأَقول: اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كَسْرَنا، فما بقي إلَّا من يقول:
أَنا للأُعطيات أَنا.
وما أجمل ما قاله مصعب بن عبد الله الزبيري:
" ومن في ورع أحمد؟ يرتفع على جوائز السلطان، حتى يُظن أنه الكِبر ويكري نفسه
مع الجمالين، حتى يُظن أنه الذل، ويقطع نفسه عن مباشرة عامة الناس وغشيان خاصتهم
أنْسًا بالوِحدة، فلا يراه الرائي إلا في مسجد، أو عيادة مريض، أو حضور جنازة، ولم
يقض لنفسه بعض ما قضيناه من شهوات ".
- تاريخ بدء طلبه للحديث:
بدأ- رحمه الله تعالى- في طلب الحديث سنة (179 هـ) . في العام الذي مات فيه
الإمامان: مالك، وحماد بن زيد، أَي: وهو في سنِّ السادسة عشرة من عمره.
وكان أَول سماعه من: هشيم بن بَشير الواسطي سنة (179 هـ)
وأَول من كتب أَحْمَدُ عنه الحديثَ: هو أَبو يوسف
- رحلاته:
لعل أَول من اشتهر بأَنه طاف البلاد، وجاب الأَمصار، في طلب الحديث، متتبعا محاريب
العلم، وأَئمته الهداة في السنن والفقه في الدِّين، هو الإمام أَحمد؟ فقد رحل من
بغداد إلى : المصرين: الكوفة، والبصرة، وإلى : عبادان، وإلى : الجزيرة، وإلى:
واسط، وإلى الحرمين: مكة والمدينة، ورحل ماشيًا إلى صنعاء اليمن، وارتحل ماشيا إلى
: طرسوس، مرابطا، وغازياً، ورحل إلى الشام.
ومنعته قلة ذات اليد، من الرحلة إلى " الرَّيِّ " ليأخذ عن محدِّثها:
جرير بن عبد الحميد.
وتارة منعته أمه من الرحلة، شفقة عليه.
ووعد شيخه الشافعيَّ بالرحلة اليه في مصر لكن حالت المنية
دون ذلك، بوفاة الإمام الشافعي سنة (204 هـ) - رحمه الله
تعالى- . وكانت رحلاته هذه نتيجة وَلَعِهِ بالعلم، والطَّلَب، ولهذا رَوَى عنه
ابنه صالح، قال:
(رَأَى رجل مع أَبي محبرة، فقال له: يا أَبا عبد الله، أَنت قد بلغت هذا المبلغ،
وأَنت إِمام المسلمين، فقال: " من المحبرة إلى المقبرة ")
ومع هذا العمل الصالح، كان حريصًا على توفر ركنه: " الِإخلاص " فيقول:
" إِظهار المحبرة من الرياء ".
ولهذا نفع الله بعلمه، واشتهرت في العالمين ثقته وأَمانته وجلالة قدره- رحمه الله
تعالى-.
وإلى بيان موجز عن رحلاته:
[1] كانت أَولى رحلاته في طلب الحديث إلى : الكوفة سنة وفاة شيخه هشيم سنة (183
هـ) .
وكان أَجل شيوخه فيها وكيع، وكانت صلته به على نحو صلة زفر بأَبي حنيفة، لكن هذا
في تلقي الرأي، وأَحمد في تلقي السنة.
وكان في رحلته هذه في حال شظف في العيش؛ إذ كان يتوسد اللبن من قلة ذات اليد، وقد
حُمَّ فرجع إلى أمِّه في بغداد.
[2] ثم رحل إلى ما هو أبعد منها عن بغداد: " البصرة " دار آبائه
وأَجداده من بني شيبان، دخلها أَول ما دخلها في أَول شهر رجب سنة (186 هـ) ، ثم
سنة (190 هـ) ، ثم (194 هـ) ، ثم سنة
(200 هـ) ، ثم رحلة خامسة.
والتقى فيها بأَعلامها: ابن علية، وابن مهدي، وابن القطان.
[3] ورحل إلى : عبادان سنة (186 هـ)
[4] ورحل إلى : واسط سنة (187 هـ) وهو في طريقه إلى مكة.
لأَداء فريضة الحج، وأَخذ فيها عن: يزيد بن هارون.
[5] ورحل إلى : " طرسوس " ماشيًا على قدميه.
[6] وبعد أَن أَنهى أَمصار قطره، صَوَّب سفره إلى الحجاز لأَداء فريضة الحج سنة
(187 هـ) فأَخذ في مكة عن: ابن عيينة، ثم الشافعي.
ثم حج تطوعًا أَربعًا، منها في: سنة (197 هـ) ، وسنة (198 هـ) .
فهذه خمس حجات كان في ثلاث منها يحج ماشيًا، ومرتين راكبًا وكان في حجته سنة (198
هـ) يفتي الناس في الموسم في مسجد الخيف.
[7] ورحل ماشيًا إلى صنعاء (1) اليمن سنة (198 هـ) ، وأَقام عند شيخه محدِّث
اليمن: عبد الرزاق بن همام، مدة سنتين
وفيها أَخذ عن: إبراهيم بن عقيل، وكان عَسِراً في الرواية.
[8] ورحل إلى الشام.
كثرة شيوخه :
كان له شُيوخ كُثر، منهم في المسند ما يزيد عن " 280 " شيخاً، كذا ذكر
الذهبي، وقد أُفردت في عصرنا بكتاب بلغ بهم مؤلفه: (292) شيخا (2)
وهم من أَقطار الأَرض من: بغداد، والبصرة، والكوفة، والحجاز، والشام، والجزيرة،
واليمن.
وكان أُستاذه وشيخه الذي اختص به لملازمته والتخرج عليه، الحافظ أَبو سهل هشيم بن
بشر الواسطي، إِذ لازمه من سنة (179 هـ) إلى سنة (183 هـ) .
قال الِإمام أَحمد (3) :
" كتبت من هشيم سنة (179 هـ) ، ولزمناه إلى سنة (183 هـ) ، وكتبنا منه كتاب
الحج، نحوًا من أَلف حديث، وبعض التفسير وكتاب القضاء، وكُتُبًا صغارًا ".
وشأنه في هذا شأن الأَئمة في ملازمة شيخ يتخذ الطلب عليه أَساسًا في حياته
العلمية، وتحصيله، مع الاختلاف إلى غيره.
وهذا أَبو حنيفة اختص بأستاذه حماد بن أبي سليمان، وبه تَفَقَّه. ومالك اختص
بأستاذه ابن هرمز
والشافعي اختص بأُستاذه مالك.
وقد سمَّاهم ابن الجوزي في: " المناقب " وساقهم على حروف المعجم، فيمن
وقعت له تسميته.
- أَدب أَحمد مع شيوخه:
يحدِّث أَحمد عن حاله مع شيخه هشيم فيقول (1) :
" وكان هشيم كثير التسبيح، ولازمته أَربعة، أو خمسة- أَعوام- ما سألته عن
شيء- هيبةً- إِلاَّ مرتين، في الوتر ومسألة أخرى عن أَشعث " .
هكذا الأَدب، وصدق الطلب، وإخلاص العمل، وإجلال الشيوخ فأَين هذا من بعض الطلبة
المتعالمين، الذين يتنمرون على شيوخهم بأَسئلة يصنعونها؛ ليظهروا عجزه، وفضلهم
عليه؛ وهؤلاء حقيق أَن يفشلوا، ولا ينجحوا، وقد شُوْهِدَ هذا.
أما الذين يسألون للوشاية، فَصُدَّ عنهم، وَوَلِّهم دُبرك.
- رواية شيوخه عنه :
حدَّث عن الإمام أَحمد، جُملة كبيرة من شيوخه، عقد ابن الجوزي لتسميتهم "
الباب الحادي عشر " ، نحو عشرين شيخًا حدَّثوا عنه، منهم الإمام الشافعي
قال الذهبي- رحمه الله تعالى: (و-حدَّث عنه- أبو عبد الله
الشافعي، لكن الشافعي لم يُسَمِّه، بل قال: حدَّثني الثقة) انتهى.
- كثرة تلامذته:
تلاميذه الرواة الآخذون عنه، وحَمَلَةُ المسائل عنه قد أفردهم بالتأليف تلميذ
تلامذته: الخلال . ت سنة (311 هـ) ثم ابن المنادي. ت سنة (336 هـ) ، ثم الجنابذي .
ت سنة (611 هـ) وقد فرغ لهم ابن أبي يعلى. ت سنة (526 هـ) الجزء الأول من "
الطبقات " وبلغ بهم (577) نفسًا، وعقد لهم ابن الجوزي " الباب الثاني
عشر " من كتابه في مناقب أحمد ويأتي تفصيل ذلك في: المدخل السابع.
هذا فضلًا عما يذكر في ترجمته من كثرة الآخذين عنه، مِمَّن لم تقع تسميتهم، ومن
كان يحضر درسه، ومجالسه، وقد ذكر مترجموه، أنه كان يحضر درسه ومجلسه ما يزيد على
خمسة آلاف، ما بين كاتب، ومستمع، ومتأدب بأدب، وملتمس حُسْنَ دَلِّ وسمت.
- غرامه بالكتب :
قال أبو زرعة: " حُزِرَتْ كُتُبُ أحمد، يَوْمَ مات، فبلغت اثني عشر حِمْلًا،
وعِدْلًا ما كان على ظهر كتاب منها: حديث فلان، ولا في بطنه: حدَّثنا فلان، كل ذلك
كان يحفظه ".
* إِمامته في علم الجرح والتعديل
ومعرفة الرجال:
إِمامته في معرفة الرجال كمعرفته في عقبه، وفضلا عن إِمامته وبصيرته في ذلك فهو من
المعتدلين المتحلين بالِإنصاف، ومجانبة الِإفراط والتفريط.
وله في ذلك: " العلل ومعرفة الرجال " و " الأَسامي والكنى " و
" التاريخ " و " حديث شعبة ".
* روايته في الكتب الستة :
قال الذهبي- رحمه الله تعالى-:
" حَدَّث عنه البخاري حديثًا، وعن أَحمد بن الحسن، عنه حديثًا آخر في
المغازي، وَحَدَّث عنه مسلم، وأَبو داود بجملة وافرة، وروى أَبو داود، والنسائي،
والترمذي، وابن ماجه، عن رَجُلٍ ، عنه "
* من نفائس أقواله:
- منها " قال الميموني: قال لي أَحمد: يا أَبا الحسن، إياك أَن تتكلم في
مسألة ليس لك فيها إِمام "
أَقول: أَين هذا الهدي السني المقتصد في السنة من الذين يستظهرون سننًا، وهدياً في
عصرنا لم تكن معروفة في عمر التاريخ الإسلامي؟ ثم هم يجالدون عليها، ثم يتدينون
ببغض من لم يَتَسَنَّنْ
بها، والله يعلم ما في أَنفسكم فاحذروه.
- ومنها: " قال الورَّاق: سمعت أَحمد بن حنبل يقول: ما شبهت الشباب إِلاَّ
بشيء كان في كُمِّي فسقط ".
- ومنها: قال عبد الله بن أَحمد، سمعت أَبي يقول: " قولوا لأَهل البدع: بيننا
وبينكم يوم الجنائز " .
* مؤلفاته:
الإمام أَحمد - رحمة الله تعالى- عن كبار المصنفين في الإسلام، له المؤلفات
الجامعة، والمصنفات الماتعة، ويكفيه شرفًا كتابه العظيم: " المسند "
ديوان الإسلام لسنة النبي- عليه الصلاة والسلام- وقد بلغت كتبه نحو الثلاثين،
وَقَارَبَت كُتب المسائل عنه المائتين.
وبجانب هذا كان ينهى عن وضع الكتب " في الرأي " ، ويصفه بأَنه بدعة،
والروايات عنه في النهي عن الكتابة عنه منشورة، وأَخبارها مسطورة.
ومنها ما رواه ابنه عبد الله عنه في: " مسائله: 1821 " وقد ذُكِرَ وضع
الكتب عنده فقال:
" أَكرهها. هذا أَبو حنيفة وضع كتابًا، فجاء أَبو يوسف فوضع كتابًا، وجاء
محمد بن الحسن فوضع كتاباَ، فهذا لا انقضاء له، كل ما جاء رجل وضع كتابًا، وهذا
مالك وضع كتاباَ، وجاء الشافعي أيضا، وجاء هذا - يعني: أَبا ثور- وهذه الكتب
وَضْعُها بدعة، كل ما جاء رجل وضع كتابًا وترك حديث رسول صلى الله عليه وسلم
وأصحابه ".
كما تظافرت الروايات عنه في نهيه لتلاميذه عن الكتابة عنه
شيئًا من أَجوبته وفتاويه، وَعَلَّلَ ذلك بأَنه رأي، والرأي قد يتغير، وَعَلَّلَ
ذلك مرة أخرى وأَرشد طلابه بأن ينصرفوا إلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ويتركوا تقييد الرأي وكتابته، فإن الرأي قد يخطىء.
لكن لما اطمأن- رحمه الله تعالى- إلى إشباع النفوس بالسنة والحديث، وأَن هذا هو
العلم، وأنه لا يجوز أن يصرف عن الوحيين صارف، طفق العلية من أَصحابه وتلاميذه
يكتبون عنه أَجوبته، وفتاويه، ومنهم من كان يعرضها عليه.
وهذا نظير نهي النبي صلى الله عليه وسلم كتابة شيء عنه صلى الله عليه وسلم سوى
القرآن، فلما أمن صلى الله عليه وسلم على عظمة منزلة القرآن في نفوس الصحابة،
وزالت خشية الانشغال عنه، وخوف اختلاطه بغيره، أَذن صلى الله عليه وسلم بتدوين
الحديث عنه، فأملى، وأمر، وأذن صلى الله عليه وسلم بكتابة الحديث عنه.
وبعد فإلى بيان مؤلفات الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-:
1- المسند. طبع مرارا
2- فضائل الصحابة. مطبوع في مجلدين.
3- العلل ومعرفة الرجال. مطبوع
4- الأَسامي والكنى. طبع.
5- حديث شعبة.
6- التاريخ.
7- الزهد. مطبوع
8- الورع. مطبوع
9- الرد على الزنادقة والجهمية . طبع مرارا
10- كتاب أهل الردة والزنادقة وتارك الصلاة والفرائض ونحو ذلك. وهل هو تأليف مستقل
للإمام أم جزء من كتاب الخلال: " الجامع لعلوم الإمام أحمد " ؟ مطبوع.
11- الإيمان. مخطوطته في: المتحف البريطاني كما في: تاريخ التراث العربي: 1/ 3/
226.
12- طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
13- الإمامة.
14- نفي التشبيه.
15- المقدم والمؤخر في القرآن.
16- جوابات القرآن.
17- الناسخ والمنسوخ، مصورته في مكتبة الشيخ حماد الأنصاري بالمدينة.
18- رسالة في الصلاة. مطبوعة . وهي في: " طبقات ابن أبي يعلى: 1/348- 381.
19- حديث الشيوخ.
20- المناسك الكبير.
21- المناسك الصغير.
22- الفرائض.
23- كتاب الأشربة. مطبوع
24- كتاب الوقوف والوصايا. مطبوع
25- أَحكام النساء طبع
26- الترجل . طبع
وهذه الثلاثة يظهر- والله أعلم- أَنها من كتاب: " الجامع " للخلال
" وإن وجدت نسخ خطيه مفردة لها.
ولم أَذكر كتاب: " التفسير " الذي قيل: إِنه يبلغ مائة وعشرين أَلف
حديث، لأَن نقد الذهبي لنسبته، وإنكار وجود تفسير له، مقنع كما في ترجمته للِإمام
أَحمد من: " السير 11/328، وفي 13/522 ".
وأما رسائله- رحمه الله تعالى- ...
فهي في الاعتقاد، وقد ساق ابن أَبي يعلى في: " الطبقات " منها ست رسائل
هي :
1- " رسالة الاصطخري: 1/ 24- 36 "
2- " رسالة الربعي الحسن بن إسماعيل: 1/ 130- 131 "
3- رسالة عبدوس بن مالك العطار 1/ 241- 246 "
4- " رسالة محمد بن عوف الطائي: 1/ 311- 313 "
5- " رسالة السنة رواية الأَتدراني والسرخسي: 1/329- 330 "
6- " رسالة الإمام أَحمد إلى مسدد بن مسرهد، المتوفى سنة (228 هـ) : 1/ 341-
345 "
* تاريخ تأليفه للمسند:
أَلَّف " المسند " قبل المحنة، وما سمعه ابنه عبد الله إلَّا بعدها في
حدود سنة (227 هـ) أو سنة (228 هـ) .
* سعة حفظه:
الأخبار عنه في هذا تطول، ومنها:
عن أَحمد الدورقي، عن أَبي عبد الله قال: نحن كتبنا الحديث من ستة وجوه، وسبعة لم
نضبطه، فكيف يضبطه من كتبه من وجه واحد؟
قال عبد الله بن أَحمد: قال لي أَبو زرعة: أَبوك يحفظ أَلف أَلف حديث، فقيل له:
وما يدريك؟ قال: ذاكرته فأخذت عليه الأَبواب. قال الذهبي بعدها: فهذه حكاية صحيحة
في سعة علم أَبي عبد الله، وكانوا يعدون في ذلك المكرر، والأَثر، وفتوى التابعي،
وما فُسِّر، ونحو ذلك، وإلاَّ فالمتون المرفوعة القوية لا تبلغ عشر معشار ذلك
" .