قوانين الطبيعة البشرية 45
خمسة أسالیب لتكون بارعًا في الإقناع :
1- تحوَّل إلى الاستماع بإصغاء: یكون اهتمامنا مجزَّأً في المجرى الطبیعي للحدیث؛ فنحن نسمع أجزاء مما یقوله الآخرون؛ تكفینا لمتابعة الحدیث والمضي فیه، وفي الوقت نفسه نخطط لما سنقوله تالیًا من قبیل سرد خبرٍ مثیر من أخبارنا، أو ربما تراودنا أحلام الیقظة بشيء لا صلة له بالحدیث.
والسبب في ذلك بسیط: فأكثر اهتمامنا إنما هو بأفكارنا، ومشاعرنا، وخبراتنا؛ لا بأفكارالآخرین ومشاعرهم وخبراتهم، فإذا لم تكن حالتنا كذلك، فسنجد أن من السهل نسبیا الاستماع بانتباه كامل، وتلك هي الوصفة المعتادة لتقلل من حدیثك وتزید في استماعك، إلا أن هذه النصیحة غیر مجدیة ما دمت تفضل حدیث النفس الداخلي، والحل الوحید لذلك هو أن تكون بطریقة ما متحفزًا
لعكس هذه الطاقة الضاغطة.
ولْتفكرْ بالطریقة الآتیة: أنت تعلم أفكارك تمام العلم، وقلما تتفاجأ، وعقلك میال إلى الدوران باستمرار في فلَك الموضوعات نفسها، إلا أن كل شخص تلتقیه یمثل منطقة غیر مكتشفة بالنسبة لك، ملأى بالمفاجآت، وتخیلْ لِلحظة أن بإمكانك الدخول في عقول الناس؛ فما أروعها من رحلة یمكن أن تسافرها؛ فالناس الذین یبدو علیهم السكون والبلادة غالبًا ما ستكتشف أن حیاتهم الداخلیة هي من أغرب ما عرفته في حیاتك، وحتى مع الناس غلاظ القلوب وأصحاب الحماقة، علِّم نفسك استكشاف منابع عیوبهم، وطبیعتها. وتحوُّلك إلى الاستماع بإصغاء لن یكون مجرد أمر مسلٍّ بسبب تفتُّح عقلك لعقولهم؛ بل سیعطیك أیضًا أثمن الدروس في علم النفس البشري.
فإذا ما تحفزت للاستماع فإن ما تبقَّى أمر بسیط نسبیا، وعلیك ألا تجعل هدفك البعید من استماعك واضحًا لمحدثك؛ بل على محدثك أن یشعر بأن الحدیث أخذٌ وعطاء لا ینقطعان، على الرغم من أنه في آخر الحدیث یكون قد قال 80 % من الحدیث؛ ولهذا الغرض علیك ألا توقفه عن حدیثه؛ بأسئلة تجعل الحدیث أشبه بمقابلة عمل، وبدلًا من ذلك، انتبه لإشاراته غیرالكلامیة، فإذا رأیت عینیه تبرقان عند ذكرك موضوعات معینة؛ فعلیك أن توجه الحدیث في ذلك الاتجاه؛ فالناس یتحولون إلى إكثار الحدیث دون أن یدركوا ذلك؛ والجمیع تقریبًا یحبون الحدیث عن طفولتهم، أو عائلاتهم، أو بواطن أعمالهم وظواهرها، أو قضایا أثیرة على قلوبهم، ولا تنسَ بین الفینة والأخرى أن تطرح سؤالًا أو تعلیقًا یتناسب مع ما یقولونه.
فعلیك أن تكون منشغلًا تمامًا بما یقولونه، إلا أن علیك أن تشعر بالاسترخاء لذلك، ویكون هذا بادیًا علیك، وأظهر استماعك للحدیث بمحافظتك على التواصل البصري باستمرار، وهز رأسك مع ما یقوله محدثك، وأفضل طریقة لك لتظهرعمق إصغائك للحدیث هي بأن تقول بین حین وآخر شیئًا یكرر ما یقوله محدثك، لكن بكلماتك الخاصة، مخرجًا إیاها من خلاصة خبرتك وتجاربك.
فهدفك هو أن تجعل محدثك یخرج من لقائك وقد تحسنت مشاعره تجاه نفسه، فقد تركته یصبح نجم المشهد، لقد أخرجت من شخصیته جانب الظرف والفكاهة، وسیحبك من أجل ذلك،وسیتطلع إلى لقائه القادم بك، فإذا ازداد استرخاؤه لحضورك بات عندك مجال واسع لزرع أفكارك والتأثیر في سلوكیاته.
2- انقل عدوى المزاج المناسب: بما أننا اجتماعیون، فنحن سریعو التأثر إلى حدٍّ بعید بأمزجة الناس الآخرین، وهذا ما یمنحك القوة لتنفخ في الناس بحذقٍ المزاجَ الملائم؛
بغرض التأثیر فیهم، فإذا كنت مسترخیًا وتتوقع لقاءً ممتعًا، فإن هذا الشعور سینقل نفسه إلى الشخص الآخر، ویكون له أثر شبیه بالمرآة فیه، ومن أفضل المواقف التي علیك أن تتبناها لتحقیق هذا الغرض هو موقف التساهل الكامل مع الآخرین، فلا تحكم على الآخرین؛ بل تقبَّلهم على ما هم علیه.
ومن أمثلة ذلك إصابة الناس بعدوى مشاعر الود الصافي عن طریق تبادل الضحكات ومشاطرة المسرَّات، وكان لیندون جونسون خبیرًا في هذا، فعندما كان یسقي الشراب التي تتدفق في مكتبه بلا حساب لم یكن الأشخاص الذین یستهدفهم یعلمون مطلقًا بأن الكؤوس التي كان یشربها كانت مخففة للغایة، لیستطیع البقاء مسیطرًا على نفسه،
وكانت دعاباته البذیئة ونوادره المنوعة تنشئ جوا أشبه بجو نادي الرجال، فكان من الصعب مقاومة المزاج الذي یصنعه، وكان جونسون أیضًا مهتما جدا بإظهار إیماءاته؛ فكثیرًا ما یلف ذراعه على كتف محدثه، ویلمس بیده ذراع محدثه بصورة متكررة، ولقد بینَت دراسات كثیرة أجریت على الإشارات غیر الكلامیة، نشوء طاقة عظیمة من لمسة بسیطة لید إنسان أو ذراعه في أي تآثر بینك وبینه؛ مما یجعله یحسِن الظن بك، دون أن یدرك أبدًا مصدر رأیه الجید فیك، فهذه اللمسة الرفیقة تصنع شعورًا بالود الخالص؛ بشرط ألا یرافقها الاتصال البصري، فذلك سیعطیها دلالة جنسیة إلى حد كبیر.
وتذكر بأن توقعاتك عن الناس تنتقل إلیهم بلا كلام، فلقد تبین -على سبیل المثال-
أن المعلم الذي یتوقع أشیاء عظیمة من تلامیذه یمكن أن یكون له تأثیر إیجابي في دراستهم وعلاماتهم، دون أن یصدر عنه أي كلمة بخصوص ذلك، وعندما تشعر بأنك متحمس -على نحو غیر معتاد- عندما تلتقي بشخص ما فإنك ستنقل ذلك الشعور إلیه بطریقة فعالة، وإذا كنت ستطلب من ذلك الشخص أن یسدي إلیك معروفًا فتصوَّرْه في أحسن صورة – إنسانًا سخیا وحنونًا – إذا أمكنك ذلك، وبعض الناس یقولون بأنهم یحظون بنتائج عظیمة بمجرد التفكیر بأن الشخص الآخر صبیح الوجه أو بهيُّ الطلعة.
3- أكد علي
آرائهم الذاتية: تذكر القواعد العامة للاعتداد بالنفس عند أصحاب الاعتداد
الأشمِّ بالنفس، وإلیك طریقة الوصول إلى كل نمط منهم:
· الاستقلالیة: لا یمكن أن تنجح أي محاولة للتأثیر في الناس إذا شعروا بطریقة ما أنهم یخضعون لإجبار أو خداع، فلا بد لهم أن یختاروا القیام بما ترید منهم القیام به، أو یحسوا على الأقل بأن ذلك خیارهم، وكلما ازداد إتقانك في صنع هذا الانطباع ازدادت فرص نجاحك في التأثیر فیهم.
نجد بطل الروایة، صاحب الاسم نفسه وفي روایة توم سویَر ممثلًا بصورة صبي مفرط الدهاء، تقوم خالته على تنشئته، ولدیه حساسیة خارقة بالطبیعة البشریة، وعلى الرغم من ذكاء (توم) فإنه دائمًا یقع في المشاكل. ویبدأ الفصل الثاني من الروایة بعقاب یناله توم لدخوله في شجار؛ وبدلًا من أن یُمضي عصر یوم السبت -في صیف حار - في اللهو مع أصدقائه والسباحة في النهر، یكون علیه أن یدهن بالطلاء السور الطویل جدا حول منزله، وعندما یبدأ في القیام بمهمته یمر به صدیقه (بن روجرز) وهو یأكل تفاحة تبدو شهیة الطعم، وبما أن (بن) مشاكس
حاله في ذلك حال توم، فإنه یراه یعمل عملًا مملا، ویقرر أن یعذبه بأن یسأله هل یخطط للذهاب للسباحة عصر ذلك الیوم؛ مع علمه یقینًا بأنه لا یستطیع.
ویتظاهر توم بالاهتمام العمیق الزائف بعمله، فیصبح (بِن) فضولیا، ویسأل توم: هل حقا أنت مهتم بطلاء السور، أكثر من الحصول على بعض المرح.
ویلتفت إلیه توم أخیرًا لیخاطبه، مبقیًا نظره على عمله، فیقول له: إن خالته لا تعطي هذه المهمة لأيٍّ كان؛ فالسور هو أول ما یراه الناس في المنزل إذا مروا به، والمهمة خطیرة للغایة ولن تتكرر من جدید إلا بعد سنوات طویلة، وكان في الماضي قد قام مع أصدقائه بشيء من الطلاء لبعض الأسوار فوقعوا في المشاكل؛ أما الآن فبوسعه القیام بذلك بحریة كاملة.
فهناك تحدٍّ في هذه المهمة، إنها اختبارٌ للمهارة. وهو یستمتع بها فعلًا.
أما السباحة فیمكنه القیام بها في أي یوم سبت (یوم العطلة الأسبوعیة)، أما هذه المهمة فلا.
ویسأله ((بن): أیستطیع محاولة طلاء السور بنفسه، لیرى ما یعنیه توم بكلامه.
وبعد التماساتٍ متكررة، یترأف به توم أخیرًا؛ بشرط أن یعطیه (بن)تفاحته، وبعد برهة قصیرة یأتي أولاد آخرون، ویقنعهم توم بالطریقة نفسها، جامعًا منهم المزید من حبات الفاكهة وقطع الدمى، وبعد ساعة من ذلك نرى توم مستلقیًا في الظل، ومجموعة كاملة من أصدقائه یقومون بالمهمة نیابة عنه.
لقد استخدم توم أساسیات في علم النفس لیحصل على ما یریده؛ ففي البدایة: جعل توم (بن)یعید تفسیر المهمة التي یقوم بها، دون أن یتفوه بكلمة؛ بل عن طریق استغراقه في الاهتمام بعمله، وبعض الإیماءات؛ فجعله یعتقد أنه لا بد أن هذه المهمة عمل ممتع.
وثانیًا: جعل المهمة تبدو اختبارًا للمهارة والذكاء، وهي فرصة نادرة، وذلك أمر یجتذب أي ولد یحب التنافس.
وأخیرًا: وبعد أن رأى أولادُ الجوار أولادًا آخرین یقومون بالمهمة، أرادوا الانضمام إلیهم، فكونوا نشاطًا جماعیا؛ وهو أمر كان توم یعلمه علم الیقین، فلا أحد منهم یرید أن یُنبَذ وحیدًا. وكان بوسع توم أن یتوسل لعشرات من أصدقائه لیساعدوه دونما جدوى، إلا أنه بدلًا من ذلك جعل المهمة تبدو كأنهم هم من یریدون القیام بها، فجاؤوه راجین متوسلین أن یكلفهم بالعمل.
وأخیرًا، إذا قدمتَ هدایا أو مكافآتٍ إلى الناس؛ ترید منها أن تكون وسیلة یحتمل أن تكسبهم بها في صفك؛ فمن الأفضل دائمًا أن تقدم هدایا أو مكافآت صغیرة لا كبیرة؛ فالهدایا الكبیرة تكشِف بوضوح وجلاء أنك تحاول أن تشتري إخلاصهم؛ وهو أمر یهین إحساس الآخرین باستقلالیتهم، وقد یقبل بعضهم بالهدایا الكبیرة لحاجته إلیها، لكنه سیشعر فیما بعد بالاستیاء أو الارتیاب. أما الهدایا الصغیرة فلها تأثیر أفضل، فیمكن أن یقول أحدهم في نفسه بأنه یستحق هذه الأشیاء، وبأنه لا یبیع نفسه بها، ولا یرى فیها رشوة، والحق أن هذه الهدایا الصغیرة التي تنتشر بمرور الزمن ستعمي عنك الناس بطریقة أفضل بكثیر من أي شيء باذخ.
· الذكاء:
إذا لم تتفق مع شخص آخر، وفرضت رأیك المناقض لرأیه، فإنك إنما توحي
بأن معرفتك أفضل من معرفته، وأنك تفكر بالأشیاء بأسلوب أكثر منطقیة من أسلوبه، والناس الذین تعترضهم هذه المواجهة سیتعلقون طبعًا بآرائهم بصورة أكبر، وبإمكانك منع ذلك، بأن تكون أكثر حیادیة؛ وكأن هذه الفكرة المعارضة لفكرتك هي شيء تتسلى به ببساطة، ویمكن أن یكون خطأً. لكنك مع ذلك یمكنك المضي أبعد من ذلك:
فترى ما يرونه وتوافقهم علیه. أما الفوز بالمجادلات فنادرًا ما یستحق جهدك، وعندما تمتدح ذكاءهم یكون لدیك بعض المجال لتغییر آرائهم بلطف، أو تخفیف دفاعاتهم، عندما تطلب منهم المساعدة.
لقد وضع رئیس الوزراء البریطاني في القرن التاسع عشر الروائي (بنجامین دزرائیلي) مقولة عظیمة الدهاء، عندما كتب یقول: إذا أملت في الفوز بقلب رجل فدعه یغلبك بالحجة
فقم بذلك بالبدء في مخالفة من تستهدفه في موضوع ما بشيء من الحدة، ثم تفهم وجهة نظره شیئًا فشیئًا؛ وبذلك فأنت لا تثبت ذكاءه وحسب؛ بل تثبت أیضًا قوته في التأثیر؛ فیشعر دائمًا بشيء من التفوق علیك؛ وهو بالضبط ما تسعى إلیه.
فیغدو بذلك أكثر عرضة إلى حدٍّ بعید للتأثر بالتحرك المضاد من قبلك، وبإمكانك أن تصنع تأثیرًا مشابها بطلبك النصیحة منه، فذلك یوحي بأنك تحترم حكمته وخبرته.
فتخفیف دفاعات الناس بهذه الطریقة في مسائل لیست بذات أهمیة كبیرة سیمنحك مجالًا واسعًا للتحرك في الاتجاه الذي ترغب فیه، وتجعلهم یستسلمون لرغباتك في المسائل ذات الأهمیة الكبیرة.
· الصلاح: في أفكارنا الیومیة لا نبرح نروِّح عن أنفسنا بالطبیعة الأخلاقیة لتصرفاتنا؛
فإذا كان واحدنا موظفًا في شركة فإنه یرى في نفسه فردًا جیدًا في فرق العمل فیها، وإذا كان مدیرًا فإنه یرى في نفسه أنه یعامل الناس بصورة حسنة، أو على الأقل یدفع لهم أجورًا مجزیة ویساندهم، وترانا نؤید القضایا المحقة، وبصورة عامة فإننا لا نحب أن نرى في أنفسنا الأنانیة، أو الاهتمام الضیق بمخططاتنا وحسب، وبالقدر نفسه من الأهمیة، نرید من الآخرین أن یرونا من هذه الزاویة، ولتنظر في وسائل التواصل الاجتماعي وانظر كیف یبدي الناس نصرتهم لقضایا الخیر، وقلیل من الناس یتبرع في الأعمال الخیریة مخفیًا هویته؛ فالغالبیة یریدون أن ترتفع أسماؤهم عالیًا في سماء الشهرة.
وإیاك أن تطرح سهوًا شكوكًا تحوم حول هذا الاعتداد السامي بالنفس؛ فلِتستفیدَ أحسن الاستفادة من هذه السمة الموجودة في الناس، أظهر ما تطلب منهم القیام به، وكأنه جزء من قضیة كبیرة یمكنهم المشاركة فیها، فهم مثلًا لا یشترون الثیاب وحسب؛ بل یساعدون بشرائهم الثیاب في المحافظة على البیئة، أو المحافظة على الید العاملة المحلیة؛ فعندما یتخذ الناس هذا السبیل سبیلهم (في تبني قضیة ما)فإن بوسعهم تحسین الظن بأنفسهم؛ لكن علیك أن تفعل ذلك بكل حذق؛ فإذا كنت تحاول الحصول على عمال للقیام بعمل معین، فاترك للآخرین أن ینشروا رسالة قضیتك، واجعل قضیتك تبدو قضیة في منفعة المجتمع، یتلقفها الناس بالقبول، واجعل الناس راغبین في الانضمام إلى المجموعة التي تنشئها بدلًا من استجدائهم للدخول فیها، ولیكن جلُّ اهتمامك منصبا على الكلمات والمسمیات التي تستخدمها أنت في نشر رسالتك؛ فعلى سبیل المثال من الأفضل أن تدعو أفراد تلك المجموعة باسم: أعضاء فریق العمل بدلًا من أن تدعوهم
(عمالًا) أو (موظفین).
ولتجعل نفسك في منزلة أدنى من الآخرین وأقل منهم برتبة یمكنك القیام بشيء من الزلات غیر المؤذیة نسبیا، حتى لو وصل بك الأمر إلى أن تهین الآخرین بصفاقة، ثم تطلب منهم الغفران، فأنت عندما تطلب منهم المغفرة توحي إلیهم بتفوقهم الأخلاقي؛
وهذه رتبة یحب الناس تقلُّدَها، وعند ذاك ینفتحون لاقتراحاتك وإیحاءاتك.
وأخیرًا: إذا كنت ترید من الآخرین أن یصنعوا معك معروفًا، فلا تذكِّرهم بما قمت به لأجلهم في الماضي، محاولًا أن تثیر مشاعر العرفان بالفضل، فنادرًا ما تجد العرفان بالفضل بین الناس، فهو یذكِّرهم بعجزهم، واعتمادهم على الآخرین، فالناس یحبون أن یشعروا بالاستقلالیة، فقم بدلًا من ذلك بتذكیرهم بالأشیاء الجیدة التي أدَّوها هم لأجلك في الماضي، فهذا الأمر یساعدك على تثبیت اعتداد أحدهم بنفسه فتراه یقول نعم، أنا . فإذا ذُكِّروا بذلك، فإنهم سیرغبون في البقاء على هذه الصورة، والقیام بعمل كریم صالح آخر، وهناك تأثیر آخر یمكنك إحداثه: بأن تغفر فجأة لأعدائك، وتقیم معهم صلات الود، فهذا الأمر سیحدِث فیهم اضطرابًا عاطفیا فیشعرون بأنهم ملزمون بالإبقاء على اعتقادك السامي فیهم الذي أصبحتَ تظهره تجاههم، وسیزداد تحفزهم لیثبتوا أنهم جدیرون به.
4- خفف انعدام أمانهم: لكل إنسان مخاوفه الخاصة؛ مخاوف من منظره، أو من قدراته الإبداعیة، أو من كمال رجولته أو كمال الأنوثة للمرأة، أو مركز قوته، أو تفرُّده، أو إقبال الناس علیه، وما إلى ذلك، ومهمتك هي أن تقتفي آثار هذه المخاوف، عن طریق الأحادیث المختلفة التي تجرُّهم إلیها.
فإذا حددتَ مخاوفهم فعلیك أولًا أن تكون حریصًا كل الحرص على ألا تثیرها؛ فهناك حساسیة شدیدة تنمو مع الناس تجاه أي كلمة أو إیماءة یمكن أن تشكك في مظهر أجسامهم، أو في شعبیتهم ، إقبال الناس علیهم، أو أي مخاوف أخرى یخشون ظهورها، فانتبه لذلك، وخذ حذرك. ثم اعلم أن أفضل أسلوب لك هو امتداح تلك الشمائل التي یخشونها أكثر من غیرها، وجمیعنا نتوق إلى ذلك حتى لو كنا بطریقة ما نستطیع أن نرى ما یخفیه الشخص الذي یمتدحنا؛ وذلك لأننا نعیش في عالم قاسٍ، یصدر الأحكام علینا باستمرار، وفوزنا بالأمس یعقبه بسهولة إخفاقنا في الغد، فنحن لا نشعر مطلقًا بالأمان الفعلي، فإذا كان الإطراء في محله، فستشعر بأن من یطریك یحبك، وستكون میالًا إلى حب من یحبونك.
والأساس في الإطراء الناجح أن یكون إستراتیجیا، فإذا كنت تعلم أنك أخرق في لعب كرة السلة، فامتداح مهاراتك في لعب كرة السلة بأي طریقة كانت، فسیظهر زیفه، لكنك إذا كنت في شكٍّ من مهاراتك وتصورت أنك لست بالغ السوء فعلًا فإن أي إطراء یأتیك في هذا الصدد سیفعل العجائب، فابحث عن الشمائل التي یكون الناس في شك منها، وطمأنهم بشأنها.
فإن شیئًا من الإطراء الإستراتیجي یتناول كیف انتفعت من نصائح أحدهم، وكیف حسنَتْ انتقاداته لك في تحسین عملك، هذا الإطراء سیستدرج اعتداده بنفسه؛ فیظن نفسه قاسیًا لكنه عادل، ولدیه قلب یحب الخیر یقبع تحت غلاف الجلف.
فمن الأفضل لك دائمًا أن تمتدح الناس لأعمالهم، لا لمواهبهم، فعندما تثني على الناس لمواهبهم فثناؤك على مواهبهم یوحي بقدر طفیف من الانتقاص لهم، وكأنهم ببساطة محظوظون لأنهم ولدوا بهذه المواهب الطبیعیة، وبدلًا من ذلك، یحب جمیع الناس أن یكسبوا حظهم الطیب بالعمل الجاد، وإلى ذلك علیك أن توجه مدیحك.
وبالنسبة لأقرانك، ستجد مجالًا واسعًا لامتداحهم، وأما بالنسبة لمن یفوقونك، فخیر لك أن توافق ببساطة على آرائهم، وتصحح حكمتهم وأفكارهم؛ أما إطراؤك رئیسك في العمل، فهو أمر مكشوف للغایة.
وإیاك أن تُتبِع مدیحك بطلب المساعدة، أو بأي شيء یعنیك، فإطراؤك لیس إلا مرحلة الإعداد، ویحتاج لمرور بعض الوقت لیؤتي أُكُله، ولا تظهر بأنك شدید التملق في لقائك الأول أو الثاني. حتى إن الأفضل لك أن تبدي شیئًا من الفتور، فیعطیك ذلك مجالًا لتهیئة الموقف، وبعد بضعة أیام أو لقاءات ینمو فیك حب هذا الشخص، فتعطیه جرعة من كلمات إطراء قلیلة، تستهدف بها بواعث قلقه، لتبدأ في إذابة جلید مقاومته، وإذا أمكنك فأدخل طرفًا ثالثًا یمرر مجاملاتك معك، وكأنه ببساطة سمع بها بالمصادفة، وإیاك أن تكون مسرفًا جدا في مدیحك، ولا تسبغ على ممدوحك الصفات المطلقة.
وهناك طریقة ذكیة لتخفي بها آثارك (آثار حقیقة فعلتك في التملق)، وهي بأن تخلط مدیحك ببعض الانتقادات الطفیفة للشخص الآخر، أو لعمله؛ لا تتناول فیها شیئًا من مخاوفه؛ بل أنت تبثها لتعطي مدیحك مسحة من الواقعیة؛ كأن تقول لقد أحببت نصك السینمائي، إلا أنني أشعر بأن المشهد الثاني ربما كان بحاجة إلى شيء من التعدیل ولا تقل لقد كان كتابك الأخیر أفضل بكثیر من الذي سبقه وكن شدید الحذر عندمایسألك الناس عن رأیك في عملهم، أو رأیك في شيء یتعلق بطابعهم أو مظهرهم، فهم لا یریدون منك أن تقول الحقیقة؛ بل یریدون منك التأیید والتثبیت؛ على أن یظهرا منك بصورة طبیعیة قدر الإمكان؛ فكن سعیدًا بتقدیم ذلك لهم.
وعلیك أن تبدو صادقًا مخلصًا؛ ما وسعك ذلك. ولعل الأفضل لك أن تختار لمدیحك خصالًا تجلُّها فعلًا إذا كان ذلك ممكنًا. وعلى كل حال، فإن ما یصرف الناس عنك هو إشاراتك غیر الكلامیة؛ فامتدحهم وإیماءاتك جامدة، أو قدم لهم ابتسامة زائفة، أو حرك نظرك بعیدًا عنهم، وحاول أن تشعر ببعض المشاعر الطیبة التي تعبر عنها، وبذلك لا تكون المبالغات التي تذكرها واضحة جدا، وتذكَّر بأن من تستهدفه لا بد أن یكون من أصحاب الاعتداد الأشم بالنفس إلى حدٍّ ما، أما إذا كان اعتداده بنفسه صاغرًا، فلن یتواءم إطراؤك له مع ما یشعر به تجاه نفسه، وسیذهب عملك سدًى؛ أما بالنسبة لأصحاب الاعتداد الأشم بالنفس فسیبدو إطراؤك طبیعیا تمامًا.
5- استفد من مقاومة الناس وعنادهم: بعض الناس یقاومون بشدة أي شكل من أشكال التأثیر فیهم. وغالبًا ما یكونون من أصحاب المستویات العمیقة من المخاوف، مع اعتداد صاغر بالنفس، ویمكن لذلك أن یتجلى في اتخاذ مواقف التمرد، فهذه الأصناف من الناس تشعر وكأنها تواجه العالم، ولا بد لهم من أن یفرضوا إرادتهم مهما كلفهم الأمر، ویقاوموا أي شكل من أشكال التغییر وهم یقومون بما یناقض ما یقترحه الآخرون، ویسعون لأخذ النصیحة في مشكلة أو بادرةٍ بعینها، لا لشيء إلا لیجدوا عشرات الأعذار لیقولوا بأن النصیحة لن تفلح معهم، وأفضل ما تقوم به معهم هو أن تلاعبهم بلعبة الجودوالذهنیة (نسبةً إلى لعبة الجودو من فنون القتال الیابانیة)؛ ففي الجودو لا ترد على تحركات خصمك بدفعك له، بل تشجع فیه الطاقة العدوانیة لتجعله
یسقط نتیجة تحركاته.
فعندما یكون الناس صارمین في معارضتهم لشيء ما فإن ذلك نابع من خوفهم العمیق من التغییر والغموضِ الذي یمكن أن یرافقه، فلا بد أن یجري كل شيء وفقًا لشروطهم، ویشعروا بأنه تحت سیطرتهم، وتكون قد وقعت في أیدیهم إذا حاولت أن تسدي لهم نصائحك لتشجعهم على التغییر؛ فتلك النصائح تمثل لهم مادةً للردِّ علیها، وتبرر لهم صرامتهم، فیصبحون أكثر عنادًا. فعلیك أن تتوقف عن مناكفة هؤلاء، واستفد من الطبیعة الفعلیة لسلوكهم الصارم، لتؤثر فیهم وتحدث تغییرًا لطیفًا یمكن أن یؤدي إلى شيء أكبر منه؛ لیستطیعوا بأنفسهم اكتشاف شيء جدید ولیمضوا بأنفسهم في هذا الأمر إلى آفاق أبعد؛ وكل ذلك نتیجة ما صنعته بهم بمناورة الجودو.
وتذكر الآتي: لا یرغب الناس غالبًا في فعل ما یطلبه الآخرون منهم؛ لأنهم یریدون ببساطة فرض إرادتهم، فإذا وافقت من صمیم قلبك على تمردهم، وأخبرتهم بأن یستمروا في القیام بما یفعلونه فإن الأمر یتحول إلى أنهم إذا فعلوا ما یفعلونه عادةً فهم یتبعون نصیحتك، وهو أمر یبغضونه، ومن المحتمل جدا أن یتمردوا من جدید فیفرضوا إرادتهم بالاتجاه المعاكس، وهو ما كنتَ تبغیه منذ البدایة، وهذا هو جوهر علم النفس العكسي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق