قوانين الطبيعة البشرية 44

 قوانين الطبيعة البشرية 44

ومهمتك في دراسة قوانین الطبیعة الشریة مهمة بسیطة؛ فعلیك أن تغرس في الناس شعورًا بالأمان الداخلي (الطمأنینة)؛ فكن مرآةً لقیمهم؛ وأظهر حبك واحترامك لهم، واجعلهم یشعرون بأنك تعلي من قدر حكمتهم وخبرتهم، واصنع جوا من الود المتبادل، واجعلهم یشاركونك الضحك بغرسك شعور الوفاق فیهم. وسینجح كل ذلك معك، إذا لم تكن مشاعرك كلها زائفة؛ فإذا مارست تعطافك، فنظرت بأعینهم فالراجح أنك ستشعر بصدق بجزء على الأقل من هذه العواطف، وممارسة ذلك تكفیك غالبًا، وتثبیتك اعتداد الناس بأنفسهم سیصبح موقفك التلقائي،

فسیكون لدیك تأثیر بث الاسترخاء في كل من تصادفه تقریبًا.

 

تنبیه: الاعتداد بالنفس هو اعتداد أَشَمُّ نسبیا عند معظم الناس، إلا أنه صاغر عند بعضهم، وهؤلاء یقول أحدهم في نفسه أنا لا أستحق الأشیاء الجیدة أو أنا لست بالشخص اللطیف أو أنا عندي مشكلات وقضایا كثیرة وبما أن هؤلاء یتوقعون بصورة عامة أن تقع بهم أمور سیئة، فإنهم غالبًا ما یشعرون بالارتیاح وبأنهم معذورون فیما توقعوه عندما تنزل بهم النوازل، وبهذه الطریقة ترى أن اعتدادهم الصاغر بأنفسهم، یعمل على تهدئة مخاوفهم من الوصول إلى النجاح في الحیاة، فإذا كان من تستهدفه صاحب اعتداد صاغر بنفسه؛ فالقاعدة نفسها تنطبق علیه. فإذا أنت أصررت على أنه یمكنه بسهولة أن یحظى بحیاة أفضل باتباعه نصائحك فإن ذلك سیصطدم

بمعتقده بأن العالم یقف في وجهه، وبأنه لا یستحق فعلیا الأشیاء الجیدة، وبذلك سیسقِط أفكارك من حساباته، ویعمل على مقاومتك، وبدلًا من ذلك ینبغي علیك أن تعمل انطلاقًا من اعتداده الصاغربنفسه، فتتعاطف بالمظالم التي یعیشها في حیاته، والصعوبات التي یواجهها، وبعد أن یشعر باعترافك بقدره ویرى فیك مرآة قیمه، سیكون عندك مجال للقیام بتقویم لطیف له، أو حتى تطبیق شيء من علم النفس العكسي .

وأخیرًا: فإن أكبر عقبة ستواجهها في تطویر هذه القدرات عندك، ستأتیك من التحیز الثقافي في وجه فكرة التأثیر بذاتها  لماذا لا نستطیع أن نكون جمیعًا صادقین وشفافین  واحدُنا مع الآخر؛ فنطلب ما نریده ببساطة؟ لماذا لا نكتفي بترك الناس على ما هم علیه ولا نحاول تغییرهم؟

فأولًا: عندما یقول لك الناس أشیاء من هذا القبیل، فعلیك أن تأخذ حذرك، واعلم بأننا نحن البشر لا نستطیع تحمل مشاعر العجز؛ بل نحن بحاجة إلى أن یكون لدینا تأثیر في الآخرین، وإلا بِتْنا من التعساء، وهذا الأمر ینطبق على من یروِّجون للصدق؛ لكن بما أنهم بحاجة إلى أن یؤمنوا بخصالهم الملائكیة فلا یمكنهم التوفیق بین هذا الاعتداد بالنفس، والحاجة إلى أن یكونوا من أصحاب التأثیر؛ لذلك فإنهم غالبًا ما یصبحون عدوانیین لا فاعلین، دیدنُهم العُبُوس، وجعلُ الآخرین یشعرون بالذنب؛ وتلك وسیلتهم للحصول على ما یبتغون. فلا تؤخذْ أبدًا بظاهر من یقولون بتلك الأشیاء.

 

وثانیًا: نحن البشر لا یمكننا أن نتفادى محاولة التأثیر في الآخرین؛ فكل ما نقوله أو نفعله یتفحصه الآخرون ویفسرونه بحثًا عن علامات على مقاصدنا، فهل أحدهم صامت؟ لعله منزعج ویرید أن یوضح للآخرین انزعاجه، أو هل هو یستمع بإصغاء كامل؟ لعل تلك طریقته في محاولة ترك انطباع بحُسن أدبه وتهذیبه، ومهما فعلنا فإن الناس ستجد في أفعالنا محاولات لبسط التأثیر؛ وهم لیسوا مخطئین في ذلك، فبما أننا اجتماعیون فلا یمكننا تفادي الدخول في هذه اللعبة باستمرار، سواء وَعَینا ذلك أو لم نَعِه.

 

ومعظم الناس لا یرغبون في إنفاق جهدهم في التفكیر بالآخرین، وإیجاد مدخل إستراتیجي یتجاوز دفاعاتهم، فقد أصابهم الكسل، ویریدون ببساطة أن یكونوا على ما هم علیه ویتحدثوا بصدق، أو ألا یفعلوا شیئًا ویبررون ذلك لأنفسهم بأنه نابع من خیار أخلاقي عظیم اختاروه.

وبما أنه لا یمكن تفادي الدخول في هذه اللعبة، فخیر لك أن تكون بارعًا بها؛ بدلًا من أن تنكرها، أو ترتجل أفعالك من فورك ببساطة؛ ففي نهایة المطاف، ستعود علیك براعتك في التأثیر بالنفع الاجتماعي في واقع الأمر أكثر مما تعود به علیك مواقفك الأخلاقیة، فإذا تملكت هذه القوة، فبإمكانك التأثیر في الناس من أصحاب الأفكار الخطرة أو المعادیة للمجتمع، ولتكون بارعًا في الإقناع لا بد لك من أن تغمس نفسك في وجهة نظر الآخرین لممارسة تعاطفك، ولعلك تلتزم بالتحیز الثقافي، وتهز رأسك موافقًا على ضرورة الصدق التام؛ لكنك في قرارة نفسك یجب أن تدرك أن ذلك هراء؛ فقم بما یتوجب علیك مما فیه سعادتك.