31‏/03‏/2021

قوانين الطبيعة البشرية 43

 قوانين الطبيعة البشرية 43


الاستنتاج: إن إیجادك شعورًا بالمصداقیة أو شعورًا باعتراف الآخرین بقدرك وفضلك هو المفتاح الذهبي الذي سیفُكُّ عرى دفاعات الناس، ولا یمكننا البقاء والنجاح في هذا العالم التنافسي للغایة، إلا إذا تسلحنا بهذه القوة.

 

إننا نجد أنفسنا باستمرار في حالات نرید فیها زحزحة الناس عن مواقفهم الممانعة، فنحن نحتاج إلى مساعدتهم، أو نحتاج إلى القدرة على تغییر سلوكهم البشع، فإذا كنت متخبطًا ترتجل أمورك في لحظتها، وتحاول التماس أشیاء من الآخرین، أو تتزلف لهم، أو حتى تُشعِرهم بالذنب فإنك على الأرجح لا تزیدهم إلا تشبثًا بمواقفهم الدفاعیة؛ فإذا نجحت بطریقة ما في الحصول على ما تریده، بواحد من هذه الأسالیب، فإن تأییدهم لك سیكون تأییدًا هزیلًا واهیًا، یخفي تحته الامتعاض والغیظ؛ فقد أخذتَ منهم الوقت، أو المال، أو الأفكار فیغلقون أنفسهم في وجه أي تأثیر آخر لك، فإذا بقیت آمادًا طویلة تناطح ممانعة الناس ومقاومتهم بلا جدوى، فقد تواجه قوة ضاغطة خطیرة جدا في حیاتك تصل بك إلى الشعور بالإحباط من اللامبالاة الظاهرة على الناس، وهذا الأمر یؤثر بدقة على مواقفنا، فعندما نجد أنفسنا في حالات نحتاج فیها إلى التأثیر في الناس، فإنهم یحسون بحاجتنا وعدم استقرارنا، ونحاول جاهدین إدخال السرور على أنفسنا، إلا أننا نبدو دائمًا وفینا شيء من الیأس، محبَطین قبل أن نبدأ، ویمكن أن یتحول ذلك إلى قوة ضاغطة تتحقق من تلقاء ذاتها، تبقینا مهمَّشین، دون أن نعي مطلقًا مصدر المشكلة.

 

وقبل أن یفوت الأوان علینا أن نغیر اتجاه هذه القوة الضاغطة، كما فعل جونسون وهو في سن الأربعین. فعلینا أن نكتشف القوة التي یمكننا الحصول علیها بإعطائنا الناس المصداقیة التي یتوقون إلیها، فنخفف من دفاعاتهم، ویكمن مفتاح حدوث ذلك بطریقة واقعیة وإستراتیجیة في الفهم الكامل لقانون أساسي من قوانین الطبیعة البشریة.

وینص هذا القانون على الآتي : لدى الناس إحساس بأنفسهم ندعوه (الاعتداد بالنفس)،

ویمكن لهذا الاعتداد بالنفس أن یكون صحیحًا أو خاطئًا، ولا أهمیة لذلك في قانوننا؛ بل المهم هو كیف یحس الناس بطباعهم الخاصة وقیمتهم،

 

 وللاعتداد بالنفس ثلاثة قواعد تكاد تكون عامة؛ وهي:

1-  أنا مستقل بذاتي، أتصرف بإرادتي الحرة؛

2-   وأنا ذكي لبیب بطریقتي الخاصة؛

3-   وأنا في جوهري إنسان صالح ومهذب.

 

فإذا نظرنا في القاعدة العامة الأولى (أنا أتصرف بإرادتي الحرة)، فإننا عندما ننخرط في جماعة ما، أو نؤمن بشيء ما، أو نشتري شیئًا ما، فذلك لأننا نختار ذلك. وقد تكون الحقیقة أننا خاضعون لخداع الآخرین لنا، أو لضغوط أقراننا، إلا أننا نقول لأنفسنا شیئًا آخر، وإذا حدث أن شعرنا بوعینا بالإجبار -كحالة طاعة الرئیس- فنحن إما نقول لأنفسنا بأننا اخترنا الطاعة، أو أننا نستاء في أعماقنا من الإجبار والخداع، وفي حالة استیائنا ربما ابتسمنا ونحن نؤدي فروض الطاعة، إلا أننا سنجد طریقة للتمرد سرا، وبعبارة أخرى فإننا نشعر بالحاجة إلى أن نستمر في التعبیر عن إرادتنا الحرة وتأكیدها.

 

وفي القاعدة العامة الثانیة (أنا ذكي لبیب)، لعلنا ندرك أننا لسنا في مستوى أینشتاین في الذكاء، لكننا في مجالنا وبطریقتنا الخاصة أذكیاء ألبَّاء؛ فالسمكريُّ یعربد في معرفته الفائقة بالتجهیزات الداخلیة في المنازل، ویستمتع بمهاراته الیدویة؛ وتلك صورة من صور الذكاء، ویظن كذلك أن آراءه السیاسیة إنما تنبع من فطرته السلیمة الراسخة؛ وهي علامة أخرى على الذكاء في نظره؛ فالناس بصورة عامة لا یرتاحون أبدًا لفكرة أنهم قد یكونون سذَّجًا قلیلي الذكاء، فإذا توجب علیهم الاعتراف بأنهم لیسوا أذكیاء على النحو التقلیدي، فهم سیظنون على الأقل بأنهم أكثر ذكاء من الآخرین.

 

أما بالنسبة للقاعدة العامة الثالثة (أنا إنسان صالح)، فنحن نحب أن نرى أنفسنا مؤیدین لقضایا الحق، ونعامل الناس معاملة طیبة، ونعمل بروح التعاون في فرق العمل، وإذا حدث أن كان أحدنا رئیسًا وأحب أن یغرس الانضباط في مجموعته فإنه یدعو ذلك:

المحبة الصارمة، فهو یتصرف لمصلحة الآخرین.

وبالإضافة إلى هذه القواعد العامة، نجد أن لدى الناس اعتدادًا شخصیا بالنفس، یضبط لهم مخاوفهم؛ فعلى سبیل المثال: أنا نفس حرة، أنا وحید زماني، أو أعتمد على نفسي كل الاعتماد، ولا أحتاج إلى مساعدة أحد، أو أنا بهي الطلعة، ویمكنني الاتكال على ذلك، أو أنا متمرد، وأحتقر كل سلطة، فهذه الأقوال في الاعتداد بالنفس تنطوي على شعور بالتفوق في مجال واحد: أنا متمرد، وأنت أقل تمردًا مني. وكثیر من هذه الأنواع من الاعتداد بالنفس ترتبط بقضایا تطورت في الطفولة المبكرة؛ فعلى سبیل المثال، النوع المتمرد ربما كان عنده أب أو من في مقامه یخیب آماله؛ أو لعله كان یعاني من تسلط أقرانه ولا یستطیع تحمل أي شعور بالضَّعَة (الدونیة)؛ فلا بد له من الاستخفاف بجمیع السلطات، والنوع المعتمد على نفسه ربما عانى من بعد أمه عنه، فسكنته مشاعر الهجران، فصنع صورة لنفسه من الاستقلالیة الصارمة.

 

واعتدادنا بأنفسنا أمر أساسي في حیاتنا: فهو یحدد كثیرًا من أفكارنا وقیمنا، فلن نستأنس بأفكار تصطدم باعتدادنا بنفسنا، ولنفترض أنك ترى نفسك رجلًا شدیدًا قاسیًا تعتمد على نفسك، عندئذ تنجذب إلى الأفكار والفلسفات الواقعیة، والمتشددة، ولا تغفر للآخرین نقاط ضعفهم، وفي هذا السیاق إذا حدث أن كنت مسیحیا، فإنك تعید تفسیر المذاهب الدینیة المسیحیة لتتوافق مع صورة نفسك القاسیة، لتجد عناصر في المسیحیة تشدد على الاعتماد على النفس، والمحبة الصارمة (التعامل مع الآخرین بقسوة حرصًا على مصلحتهم)، وضرورة القضاء على الأعداء.

وبصورة عامة ستختار الانتماء إلى الجماعات التي تثبت لك مشاعرك في أنك نبیل ولبیب. ولعلك تظن بأن لدیك أفكارًا أو قیمًا معینة قائمة بذاتها، لكنها في حقیقة الأمر تعتمد على اعتدادك بنفسك.

 

وعندما تحاول إقناع الناس بشيء ما فسیحدث معك واحد من ثلاثة أشیاء:

 

أولًا: قد تواجه عن غیر قصد جانبًا معینًا من اعتدادهم بأنفسهم؛ ففي حوار قد یتحول إلى جدال ستجعلهم یشعرون بأنهم أغبیاء، أو أنهم غُسِلت أدمغتهم، أو أنهم دون درجات الصلاح، وحتى لو كنت حاذقًا في أقوالك فإنها توحي بأنك تعرف أفضل مما یعرفون؛ فإذا حصل معك هذا فستجعل أولئك الناس أكثر تشبثًا بمواقفهم الدفاعیة ومقاومتهم لك، وسترتفع بینك وبینهم جدران لا یمكن أبدًا أن تزول.

 

وثانیًا: لعلك تترك اعتدادهم بأنفسهم في موقف حیادي، فلا تعارضه ولا تثبته، وهذا ما یحدث غالبًا عندما تحاول أن تكون منطقیا، وتهدئ في أسلوبك، متجنبًا أي انفعالات حادة. وفي هذا السیاق یظل الناس على مقاومتهم وشكوكهم، لكنك على الأقل لم تضیق الطوق علیهم؛ بل تركت مجالًا تناورهم فیه بحججك المنطقیة.

 

وثالثًا: لعلك تثبت لهم اعتدادهم بأنفسهم تثبیتًا قویا، وتحقق لهم في هذه الحالة، أعظم احتیاجاتهم العاطفیة؛ ففي وسعك أن تتصور بأنك مستقل، وذكي، ومهذب، وتعتمد على نفسك، لكن لن یثبت لك ذلك إلا الآخرون. وفي عالم تملؤه القسوة والتنافسیة نمیل جمیعًا إلى الشك بأنفسنا باستمرار، فنحن نكاد لا نحصل أبدًا على هذا التثبیت الذي نتوق إلیه، فإذا أعطیته لغیرك فستحصل على التأثیر السحري الذي یشبه ما یحدث إذا كان المرء غارقًا في الثمالة، أو كان في حشد من الناس، أو كان واقعًا في الحب، فستجعله یسترخي، ولن تنتابه المخاوف بعد الیوم، وسیتمكن من توجیه انتباهه إلى خارج نفسه، وسیصبح عقله متفتحًا؛ فیغدو قابلًا للتأثر باقتراحاتك وتلمیحاتك، وإذا قرر مساعدتك، فسیشعر بأنه إنما یقوم بذلك بملء إرادته الحرة.

 


0 التعليقات: