17‏/03‏/2021

تأمل يوما بعد يوم 22

 تأمل يوما بعد يوم 22


الفصل العشرون

أن نلمَحَ السعادة وهي تبزُغ ببطء

  

في كل لحظة، يُمكِننا أن ندخل الجنة أو نخرُج منها.

السعادة والوعي

كلُّ شيءٍ يبدأ بشعور الرضا؛ الشبع، الهدوء، الدفء، غياب أي تهديد. إنه من الرائع أن نمتلك شعورًا كهذا. إنه شعورٌ أساسي لكلِّ الحيوانات والكائنات الحيَّة، بما فيها الإنسان.

يُمكِننا البقاء هنا، لكن هذا الشعور هو ليس بالضبط السعادة؛ فما نُسمِّيه سعادةً هو شعورٌ أبعدُ من ذلك. إذا أدركتُ هذه اللحظات من الرفاهية، وقلتُ لنفسي إنَّ ما أعيشه في هذه اللحظة هو فرصة، وأعجوبة، ونعمة فحينها سيحدُث شيء آخر، عندها ستسمو الرفاهية لتصير سعادة. عندما أفتح روحي، وأتذوَّق بكامل إدراكي كلَّ ما يحدُث لي من أشياء جيِّدة وأنا كامل الحضور لها، فإنَّ تأثير ذلك سيكون مُضاعَفًا بشكلٍ لا يُقاس. إنه سيتجاوز كثيرًا حالة إرضاء حاجاتي الجسدية والنفسية. وسيكون قادرًا على إرضاء أو تخفيف تطلُّعاتي أو إرهاصاتي الفكرية؛ المعنى، الانتماء، الحب، السلام، الأبدية دون وعي ذلك، لن تُوجَد السعادة. لن يكون سوى ذكراها، كما في هذا البيت الشعري:

أيُّتها السعادة، لم أعرفكِ يومًا إلا عبر هذه الضجة التي تُحدِثينها وأنت تذهب

دون وعي الحاضرسنندَم على حالات الفرَح التي مضَت والتي لم نعرف كيف نعيشها.

يستطيع التأمُّل مُساعَدتنا على التذوُّق الكثيف لفُرَص السعادة العديدة في يومياتنا. فإذا قُمنا باجتيازها وروحنا في مكان آخر (في أفكارنا ومشاريعنا ومشكلاتنا)، فإننا لن نرى ولن نشعر بأي شيء. أما إذا قُمنا وبشكلٍ مُتكرِّر بفتح وعينا على كلِّ ما يُحيط بنا، دون بحثٍ حثيث، فإننا سنرى لحظات السعادة تلك. ودون أن نقصد، ستلمسنا نعمة تلك السعادة. وفي أغلب الأحيان ستصلنا السعادة على شكل قِطَع صغيرة، على هيئة لحظاتٍ خاطفة، في سياق يوميَّاتنا؛ فهي تكون خفيفة الطابع، قصيرة المدة، غير كاملة ولكنها عديدة، مُغيِّرة، مليئة بالحياة، ومُتكرِّرة. إنها لحظاتٌ مرشوشة بغُبار السعادة؛ لحظاتٌ قصيرة من الفرح بكلِّ بساطة.

الوعي والسعادة الهشَّة

لا يُمكِننا أن نمتلك السعادة إلَّا عبر فواصِل ومن ثَمَّ فإنها لن تبقى مُستمرة طوال فترة حياتنا، فهي ستظهر وتختفي.لا يكمُن السرُّإذن في محاولة التمسُّك بها دون تركها، بالقلق أو الخوف أمام فكرة ذهابها القريب، وإنما في تذوُّقها، وقبول كسوفها المُتكرِّر والاستعداد لعودتها كلَّ مرة؛ لمرورها حتى لو كان سريعًا.

ولكن، أليس علينا أن نتذوَّق الفرح أكثر لأنه سيُغادِرنا حتمًا؟

لدَينا الخيار بأن نكون سعداء لفترة وأن تُغادِرنا هذه السعادة، أو أن نُحرَم منها للأبد؛ أن نتنفَّس السعادة لوهلة، وأن نُعاني من ألمٍ مُتشنِّجٍ لنمنع عن أنفسنا قدوم السعادة ومن ثَمَّ غيابها بعد لحظة. بالنسبة إليَّ، فأنا قد أخذتُ قراري. فماذا عنك؟

السعادة وسط الحزن

والحقيقة هي أنَّ الفرح والحزن يبقيان في معظم الوقت جنبًا إلى جنب؛ كالظلِّ والضوء.

 إن هذا قمَّة الوعي الكامل، وقمَّة الإنسانية. لسنا قادرين على فعل ذلك بالتأكيد، ولكننا نستطيع التعلُّم منهم. علينا أن نستسلم ونحن في حُزننا لقُصاصات السعادة؛ حتى لو كانت قصيرة، حتى لو كانت هي نفسها مُلفَّعة بالحزن، ولو كانت مُجزَّأة. وعلينا ألا ننتظِر منها راحةً إلَّا تلك الراحة غير المُستقِرة واللحظية؛ لأنَّنا حالَما نبدأ من جديد بالعَيش والتفكير قد يعود حينها الحزن من جديد. ولكننا نعود فنبدأ من جديد أيضًا وهكذا، دون تعَب. علينا أن نبدأ دومًا بتنفُّس حُزننا، ووضعه بجانب الحياة؛ أي، بجانب السعادة.

  

الدرس العشرون

فيما يخصُّ السعادة، يُعلِّمنا الوعي الكامل ببساطةٍ ما يأتي؛ بما أنَّ السعادة لا تنفصل عن الحزن، وأنَّ الحياة لن تتوقَّف عن وضعنا في مواجهة المأساة والضِّيق، فعلينا إذن ألا نحلم بالسعادة الكاملة والدائمة، وإنما أن نتعلَّم تذوُّقها على شكل أجزاءٍ صغيرة. علينا أن نترُك لها مكانًا رغم الِمحَن والهموم، أثناء مرورها بنا وليس عندما تكون قد غابت أو اختفَتْ ،أن نشعُر في يومٍ ما أن كلَّ مشكلاتنا قد حُلَّت، هذا الطرح غير موجود، وخاصةً إذا كنَّا قلِقين أو مُكتئبين. علينا أن نُحافِظ على لحظات السعادة الصغيرة في الِمحَن؛ خصوصًا أثناء الِمحَن لأنها اللحظات الأكثر حميمية، والأكثر روعة، والتي لا يُستغنى عنها.

0 التعليقات: