15‏/03‏/2021

تأمل يوما بعد يوم 15

 تأمل يوما بعد يوم 15



الفصل الثالث عشر

أن نشحَذَ انتباهَنا

 

 

إن كنتَ شاعرًا، فستستطيع حتمًا أن تُلاحِظ الغيمة التي تسبح فوق هذه الورقة.

دون غيمةٍ لن يكون هناك مطر؛ ودون مطر لن تنمو الأشجار؛ ودون أشجار لن نستطيع صناعة الورق.  لذا، فإن الغيم أساسي بالنسبة لها؛ إن لم يُوجَد، فلن يكون هناك ورق.

الذكاء التأمُّلي

يقول باسكال : هناك نوعان من المُبالَغة؛ إقصاء المنطق، وعدم القبول إلَّا به

يتلاقى التأمُّل والمنطق؛ فالتأمُّل يسمح للمنطق بتوسيع مجالاته.

أن نُمرِّن ذكاءنا يعني أن نخلُق روابط تتلاقى فيها أفكارنا مع إدراكنا لِما يُحيط بنا كي نخرج بنتائجَ وقرارات. ولكنه يعني أيضًا أن نُدرِك وجود هذه الروابط، أو أن نُدرِك إمكانية وجودها. أن نكون أذكياء، يكون أولًا بمراقبة ما هو موجود أصلًا، قبل أن نبدأ بفرض أفكارنا على ما هو حقيقي. الذكاء هو أن نبدأ بالتواصُل مع العالم الموجود حولنا، قبل أن نقوم بربط عناصره بعضها ببعض والخروج بقوانين وأحكام.

إنَّ هذا الشكل من التواصُل مع العالم هو أساس التأمل بالوعي الكامل.

يبقى التمثيل العقلي أكثر بساطةً وسهولة؛ لأن هذه العملية لا تتطلَّب القيام بجهدٍ نفسي ولا تطرح أسئلة عن صحة أفكارنا (نقد الذات). إنه لا يُقدِّم لنا شيئًا غير إضافة الزيت على صدأ بعض أفكارنا الجاهزة التلقائية.

الوصول إلى حالة استرخاء لقراءة أفضل للعالم

لقد كتبت الفيلسوفة سيمون فاي : لا يتوجَّب على الذكاء أن يُثبِت الأشياء؛ عليه فقط توضيحها 

مفاهيم الاعتماد المتبادل، والفراغ، وعدَم الديمومة

يقول مفهوم الاعتماد المتبادل بين الأشياء أن لاشيء في هذا الكون يُمكِن أن يوجد بوصفه وحدةً ثابتة ومعزولة. فلا يُمكِنني أن أكون شخصًا مُنعزِلًا ومُستقِلٍّا تمامًا عن المُحيط حولي؛ لأنني مَدين بحياتي وبقائي لعددٍ لا مُتناهٍ من الأشخاص، وأيضًا لكثيرٍ من الظواهر الطبيعية الأخرى. وهذه الأفعال والقرارات التي أسُمِّيها أفعالي وقراراتي والتي تبدو صادرةً عن رغبتي وإرادتي فقط، هي في الحقيقة محدودة ومُتعلِّقة بعوامل أخرى خارجة عنِّي. لكن روابط الاستقلال هذه، هي في الحقيقة روابط اعتماد مُتبادَل؛ لأنَّني أكون في نفس الوقت النتيجةَ ونقطةَ البداية لكثيرٍ من الدوافع والمبادرات الأخرى، والتي بدَورها تُمارِس تأثيرها حولي. وما دمتُ لم أفهم وأقبل ضمنيٍّا كلَّ روابط الاعتماد المُتبادَل هذه ما دمتُ لم أقبلها فعلًا بكل مودة، فسأكون شخصًا أعمى، وسأقع بشكلٍ مُتكرِّر في فخ الأنا والكبرياء ومن ثَمَّ في المعاناة. وبالعكس، بقبولي لها، لن يدفعني ذلك إلى حدود الإذعان للقدَرية، ولكن إلى المزيد من التواضُع في أفعالي وقناعاتي.

 

مفهوم الفراغ هو ثاني أهم المفاهيم البوذية، وقد يكون من أكثر المفاهيم التي لم يتمُّ فهمها بشكلٍ صحيح. إنَّ الفراغ من كلِّ شيء لا يعني أن لا شيء موجود حقيقةً، وإنما أنَّ كل ما نراه لا يمتلك وجودًا صلبًا ومُتماسِكًا. لنأخذ قوس قزح مثالًا؛ فوجوده يعتمد بشكلٍ ما على موقعي، وانحناء أشعة الشمس، وأيضًا الغيوم المارَّة. وعندما تجتمع هذه العوامل، يظهر قوس قزح لي ولكنه لن يظهر لأشخاصٍ آخرين لأنهم في أماكن أخرى.

فإن مفهوم الفراغ فيما يتعلق بشيءٍ ما، لا يعني غيابه بالضرورة، أو عدم وجوده، وإنما أنَّ طبيعته غير صلبة، ومُتحرِّكة، ومُعقَّدة، وقابلة للتأويل. وأخيرًا، نستطيع أن نقول إن مفهوم الفراغ هو وَعْيُنا بتعقيد الأشياء وارتباطها ومن ثَمَّ علينا أن نبقى حذِرِين قبل استلابنا من انعكاسات الواقع أو تعلقنا بها .

 

لقاء مع الواقع

التأمُّل ليس نوعًا من الهروب من الواقع، وإنما هو لقاء هادئ معه

 وهذا اللقاء الهادئ مع الواقع لا يُلقَّن، وإنما نستطيع تطويره مع كلِّ تمرين حين نهدأ ونحن نتنفَّس،

الدرس الثالث عشر

حرِّروا ذكاءكم من قيوده؛ لأنه قد يتصلَّب، وقد يُكرِّر ذاته، ويدور في حلقة مُفرَغة. كلُّ ذلك

بسبب كسلِنا، وأيضًا بسبب تلك القوة غير المرئية للأفكار التلقائية و الجاهزة

كيف يُمكِننا شحْذ انتباهنا؟

 يتمُّ ذلك بالحفاظ على هدوئه وانفتاحه على العالم، هذا أكيد، ولكن أيضًا بالشكِّ والتساؤل المستمر عن كيفية إدراكنا لهذا العالم. وهكذا، في كل مرة نستطيع أن نقول لأنفسنا هذا ما أفُكِّر فيه أنا فقط ، يبدو لي أن معي حقٍّا ، هذا رأيي فقط

وحين لا تُلامِس هذه الأسئلة السطح فقط وإنما نقولها بشيءٍ من الحذَر وكثير من التواضُع،

نكون حينها على صلةٍ حقيقية مع ذكائنا، ولا نكون في حالةٍ من العمى.

0 التعليقات: