17‏/03‏/2021

تأمل يوما بعد يوم 18

 تأمل يوما بعد يوم 18


الفصل السادس عشر

أن نتخلَّى عن إصرارنا

التوقُّف عن المقاومة

عندما تسيرون على شاطئ رملي تاركين أقدامكم تغُوص في الماء ثم في الرمل تحته، فإن الرمل سيُشكِّل غيومًا صغيرة مُعكِّرًا الماء. إذا أردتُم أن يصير الماء صافيًا من جديد، تعرفون جيِّدًا أنكم لا تستطيعون أن تُزيلوا غيوم الرمل الصغيرة هذه بأقدامكم أو بأيديكم؛ لأنكم عندها ستقومون بتشكيل غيومٍ رملية أخرى. وكلما حاوَلتم أكثر، صار الماء عكرًا أكثر. فلا حلَّ آخر غير البقاء دون حركة، والسماح لهذه الغيوم الرملية بالبقاء،وانتظار سقوطها من جديد. عندها تستطيعون مراقبة الماء الصافي حول أقدامكم.

الغيوم الرملية هذه هي التجارب المُؤلِمة في حياتنا. ولكي نرى بشكلٍ أوضح يجب بأن نتوقَّف عن محاولة التحكم بها، وبأن نكتفي بمراقبتها، وهي تستقرُّ ببطءٍ في قعْر الماء

 

التوقُّف كي نتنفَّس

أمام المعاناة والشِّدَّة علينا قبل كل شيءٍ أن نبدأ بالتنفُّس.

أن نبدأ دومًا بالتنفُّس، وأن نتمرَّن على التعامل مع المعاناة عندما تأتي. وفي اللحظة التي تكون فيها موجودة، علينا ألا نسعى إلى إلغائها، أو إيجاد حلٍّ لها، أو حتى السعي لأن نكون أحسن حالًا. فقط علينا البقاء حيث نحن بمرافقة النفس، كصديقٍ قديم لا يعرف بعدُ كيف ينصحنا، لكنه هنا معنا، وسيبقى بقربنا. وعلينا أن نُدرِك أنَّ وجوده، هذا الوجود الجميل، ربما هو أكثر أهمية من المشكلة ذاتها.

ومع الوقت، سيُعطي تنفُّسنا تأثيرًا مُرخِيًا. وفي الوقت الذي تزيد فيه الاجترارات من صلابة أفكارنا ومشاعرنا، فإنَّ التأمُّل سيزيد من طراوتها، كما يزيد اللهب من طراوة الشمعة. فلنُبقِ تجاربنا المُزعِجة في ضوء الوعي الكامل، حتى عندما نشعُر أننا مُتعَبون وواهنون، وأن ذلك لن يُغيِّر المشكلة. لماذا يجب دومًا  البدء بمواجهة المشكلة؟ ماذا لو نبدأ، من وقتٍ لآخر، بتغيير طريقة استجابتنا للمشكلة؟

ملجأ اللحظة الراهنة

أن نحتميَ في اللحظة الحاضرة لا يعني أنَّنا حلَلْنا المشكلة، أو أننا وجدْنا حلٍّا. لا،فالمشكلة لا تزال موجودة، والحلُّ لن ينبثِق من النفَس، وقد لا يكون هناك حل. ولكن رغم بقاء المشكلة، فقد وجدْنا مكانًا آمنًا نستطيع من خلاله مُراقَبتها دون أن نُناضِل ضِدَّها خوفًا من أن نُغمَر بها أو أن نغرق.

أن نتنفَّس أثناء الِمحَن، هو أن نضع روحنا في مكانٍ آمن، ليس من أجل الهرب من الواقع، وليس كي ننتقل إلى الفعل، وإنما كي نختار أن نرى بشكلٍ أوضح؛ أن نختار إفساح المجال للهدوء، وإعطاء فرصة لذكائنا. مهما فعلتُ ومهما فكَّرتُ، ستبقى المشكلة، إنها هنا الآن. لكنني أنا هنا أيضًا، موجود وحَي. وبقدْر ما أستطيع، سأستمر بالعَيش، وسأستمر بالتنفُّس لأن شيئًا ما سيتغيَّر. يجب عليَّ فقط قبولُ أنَّني لا أعرف بعدُ ما الذي سيتغيَّر ولا متى.

 

الدرس السادس عشر

 

ماذا يعني العُدول عن الإصرار؟ إنه ليس الهروب من الواقع عبر صرْف الانتباه

(هيا عليَّ أن أبُدِّل أفكاري) أو الإقناع الذاتي ؛(استرخِ، وكلُّ شيءٍ سيكون على ما يُرام) ،

هذه أشياء نقوم بها دائمًا، ونعرِف أنَّ ذلك قد ينجح أحيانًا، لكن ليس دائمًا.

إنَّ العدول عن الإصرار هو شيءٌ آخر، وقد يكون شديد المنفعة أيضًا؛ إنه البقاء هنا حاضرًا، في حالة عقلية خاصَّة. إنه أن نبقى حاضرين، وأن نتوقَّف عن محاولة السيطرة على المشكلة أو

إيجاد حلٍّ لها. فقط علينا البقاء هنا، والوثوق بما سيأتي. دون سذاجة، وإنما بفضول، ويقظة دائمة؛ كالسبَّاح الذي يُوقِف كلَّ جُهد، ويترك نفسه يحمله تيَّار النهر. إنه ليس حالة من الكسل، وإنما حالة من الحضور.



0 التعليقات: