20‏/06‏/2014

حرب المستضعفين 8

حرب المستضعفين 8


وشكل الثوار قوات هامة، واقتصاداً قابلاً للاستمرار، في قواعد خلفية آمنة. ففي الأورينت الشمالية، سيطروا على كل محصول البن المقدر ثمنه بستين مليون دولار. ولم تستطع الحكومة أن تفعل شيئاً، فذهبت مضطرة لاستعادته، ودفع أتاوة للأنصار.

وحدث الشيء نفسه بالنسبة إلى منتجات زراعية أخرى، مما جعل الثوار يحصلون على الأموال، بالإضافة إلى سلع غير متوافرة في الأقاليم التابعة لهم. وكانت الحكومة بحاجة إلى هذه المحاصيل من أجل اقتصادها، كما توجب عليها الحفاظ على مظهر الموقف العادي، والادّعاء بأن الأمور تجري كالمعتاد ( وقد لعبت الرشوة دوراً ما ). لكل الأسباب تحملت الحكومة تلك التجارة، التي كانت تغذي الثورة.

وتتابعت أعمال حرب العصابات بشكل مبعثر، وعلى نطاق ضيق، وكانت تستهدف في الأساس تحقيق التشتيت، ومع هذا فقد كان لكل عمل منها هدف دقيق: الزيادة التدريجية للأرض الحرة، والاستيلاء على الأسلحة، وتدريب المتطوعين.

وجرت الأمور بشكل مماثل في مركز الجزيرة، وفي جبال ( إسكامبري ) وفي مقاطعة ( لاس فيغاس ). ففي بداية أيلول 1958، انطلق رتلان من سييرا ماسترا، والتحقا بالثوار في إسكامبري، بعد أن ساهما في حزيران بالقضاء على حملة حكومية بقوة فوج.

وتصاعد العمل العسكري تدريجياً على الجبهتين، وبدأت دوريات ثوار العصابات بقطع الطرقات الكبرى وبتدمير السكك الحديدية. ولم يمض وقت طويل، حتى أصبحت القوافل المحروسة فقط قادرة على التحول، ثم تعرضت بدورها إلى الهجوم بعد ذلك.

وتحولت العصابات التي كانت صغيرة في البداية إلى جيش، وتزايدت أعمال التخريب والإرهاب في المدن. وكانت سيارات الجيب التابعة للثوار تخترق هذه المدن بجسارة عند اللزوم. ودمّرت حاميات القرى الممتدة على طول الطرق واحدة تلو الأخرى، وأصبحت سانتياغو معزولة. وفي مركز البلاد، خرج قطار مصفح عن سكته وأحرق. وكان هذا القطار ينقل الجند للدفاع عن سانتا كارلا وسقط الجنود في الأسر، وسمحت الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها بتجهيز متطوعين عدة.

وارتد جنود باتسيتا تدريجياً إلى ثكناتهم المحصنة، بعد أن فقدوا معنوياتهم. ولم تكن لديهم مصلحة بإجراء طلعات، فالثوار كانوا يتملصون من كل معركة إلا عندما يمتلكون التفوق الساحق. وكانت كل واحدة أقل من سرية أو حتى كتيبة، عرضة للإبادة في كمين. واختفت الاتصالات بين الحاميات تدريجياً. وعندما دقت ساعة الحسم العسكري، كانت معظم الوحدات محبوسة في حصنها الخاص، ولا تمارس حتى الرقابة على المدن التي كانت معنية بالدفاع عنها.

وفي ذلك الحين، كانت الحكومة وهيئة الأركان العامة فريسة لأزمة معنوية خطرة. وسيطر الحذر المتبادل داخل صفوفها، واستعد كل واحد للهرب أو الانضمام إلى العدو (الثوار). ووصل فقدان الثقة في باتسيتا إلى درجة أن السفير القوي للولايات المتحدة الأمريكية كان يفاوض المعارضة السياسية، ويبحث عن بديل محافظ، عندما غادر باتسيتا البلاد مسرعاً مع جنرالاته ووزرائه الرئيسيين.

ويهمل هذا الملخص للثورة الكوبية، الدور الذي لعبه التنظيم السري المدني وحركة المقاومة المدنية. ولقد كان دوراً كبيراً، استطاع بواسطة الإضطرابات والتظاهرات وأعمال المقاومة المدنية. ولقد كان دوراً كبيراً، استطاع بواسطة الاضطرابات والتظاهرات وأعمال التخريب والدعاية، هدم سلطة الحكومة، والنيل من الهيبة التي لم تكن الدولة بدونها قادرة على الاستمرار في توجيه الاقتصاد أو حتى على البقاء.

ومع ذلك، فإن العمل الحاسم تم على يد العصابات، التي خاضت حرب استنزاف، وقضت المناطق الريفية، ووسعت المناطق المحررة، وحشرت الجيش النظامي في ثكناته.


وباستثناء بضع مئات الأسلحة ذات العيار الصغير، التي تم تهريبها من الولايات المتحدة، فإن كافة الأسلحة التي تجهز بها 15 ألف ثائر، قد تم الاستيلاء عليها من جند باتسيتا تباعاً، وبكميات صغيرة في كل مرة. وأدى الاستيلاء على سانتياغو عاصمة ( الأورينت ) إلى وقوع دبابات ومدفعين في أيدي الثوار كما أدى استسلام الثكنات في ( لاس فيغاس ) إلى امداد الثوار بوسائل لمواجهة الأفواج التي بقيت لديها إرادة القتال.

لكن في هذه اللحظة، هرب باتسيتا، وأدى إضراب عام إلى سيطرة الثوار على العاصمة ( هافانا ) كما استسلمت الحامية الضخمة لمعسكر ( كولومبيا ) دون أن تطلق رصاصة واحدة، وانضمت البحرية إلى الثورة، وانتهت الحرب.

0 التعليقات: