حرب المستضعفين 28
لا تتعدى حاجات ثائر العصابات بضعة أشياء مثل: بندقية، وغطاء، وقطعة من المشمع لتحميه من المطر، وسكين، وبوصلة، وأحذية متينة. وكلها معدات على غاية في البساطة. أما ما يُطلب منه شخصياً فهو أكثر يكثير، فلا بد أن يكون قوي البنية، بساقين من الفولاذ، ورئتين سليمتين، ومزاج تقشفي، ورباطة جأش. ولا بد أن يحب شظف العيش الذي يحياه، لكن ما يلزمه حقاً، ولا يستطيع الاستغناء عنه، هو السلاح الايدولوجي، فلا بد للثوري النشيط، وقبل كل شيء، من أن يقف على أرضية معنوية لا تتزعزع، حتى يصبح أكثر من مجرم سياسي.
وقد نتوصل إلى الاعتقاد، في حالة الفيتكونغ مثلاً، بأن ثوار العصابات يسيطرون على السكان الريفيين بالتهديد والإرهاب، هكذا كان يرد الفلاحون عندما كانوا يلازمون على إيوائهم إياهم.
ولكن هذا الاعتقاد خاطئ بشكل عام، وقد يستعمل الإرهاب بدراية وحنكة، بيد أن أي ثائر عصابات لا يمكنه ممارسته على أناس يتعلق بهم بشدة، سواء من حيث معيشته أو من أجل وجوده السياسي. ويميز الناس بسرعة ما بين الانتهازي، والمناضل الذي يبذل من كل قلبه، لذا فهم يحترمون هذا ويتبعونه.
ولكي ينجح ثائر العصابات، لا بد أن يجعل نفسه محبوباً ومصدراً للإعجاب. ولكي يكسب أنصاراً، يجب ألا يمثل النجاح فقط، بل الفضيلة المطلقة، أيضاً، في حين يمثل عدوه الشر المطلق. فقد يكون الجنود كسالى أو مدمنين أو فاسقين، أما الثائر، فيجب أن يبدو نشيطاً ومتقشفاً وقنوعاً. أن أعداءه الذين يبيدهم خونة وقتلة، وعدالة الثورة فورية وأكيدة، أما أعداؤها فهم فاسدون ضعفاء ومترددون.
ولا بد لقائد العصابات الناجح أن يتصرف بشرف فيدفع ثمن ما يأخذه، ويحترم الحقوق والملكية الخاصة، حتى لمن لا يعتبرون من أنصاره، وأن يأخذ في الاعتبار ضرورة اكتساب كل الدعم الممكن في المجتمع القائم كيفما كانت طبيعة ذلك المجتمع آنذاك، حتى لو كانت الحرب صراعـاً طبقيـاً ( وذلك لا يجري بصورة دائمة ) فيجب أن تُلطّف الفروق بين الطبقات لا تُضخم، وأن تُخضع هذه الفروق لقضية وطنية تُقدم على سواها. أما الطبقات لا أن تُضخم، وأن تُخضع هذه الفروق لقضية وطنية تُقدم على سواها. أما أولئك الذين لا يتعاطفون مع الثورة، وحتى المدافعون عن النظام القائم وخدمه، فيجب أن يترك لهم الخيار الأخلاقي، كأن يقال لهم بأن الوقت لم يفت بعد للانضمام إلى سبيل الفضيلة، والمشاركة في المستقبل اللامع، من أجل الوصول إلى شيء أكثر جمالاً وأكثر ضماناً مما يحوزونه فعلاً.
ولا بد للدعاية الثورية أن تكون صحيحة في جوهرها، حتى يؤمن الناس بها. وتلك ضرورة أساسية أولية. فإذا لم يؤمن الناس بها، فإنهم لا يتحركون، ولا تحدث الثورة. ولا يستطيع قادة الثوار إذكاء روح التضحية والإرادة الثورية التي تخلق الثورة الشعبية، بواسطة الوعود وحدها، أو بقوة السلاح، بل لا بد لهم من تنازل شخصي عظيم في سبيل غاية عظمى. وسواء كانت قضية الثورة تستند إلى القومية، أو العدالة الاجتماعية، أو الرغبة في التقدم المادي، فإن قرار القتال والتضحية يبقى ذا طابع اجتماعي وأخلاقي، وبذلك تصبح الانتفاضة قضية إيحاء وليست قضية مناورة.
وإنني ألاحظ تماماً، أن هذه الاستنتاجات لا تتوافق مع صورة حرب عصابات أو دوافعها، كما رسمها منظرو الحرب المضادة للثورة، في سوقهم الرائجة حالياً. إن على الأخصائيين في الحرب المضادة أن يكسبوا حرباً، في اللحظة التي أكتب فيها هذا الكتاب، مع أنهم الآن ماضون في خسارة الحرب الدائرة حالياً في فيتنام.
إن تصورات منظري الحرب المضادة باطلة، لأنها تنطلق من مقدمات منطقية ناقصة. ويفترض هؤلاء المنظرون 0
لا تتعدى حاجات ثائر العصابات بضعة أشياء مثل: بندقية، وغطاء، وقطعة من المشمع لتحميه من المطر، وسكين، وبوصلة، وأحذية متينة. وكلها معدات على غاية في البساطة. أما ما يُطلب منه شخصياً فهو أكثر يكثير، فلا بد أن يكون قوي البنية، بساقين من الفولاذ، ورئتين سليمتين، ومزاج تقشفي، ورباطة جأش. ولا بد أن يحب شظف العيش الذي يحياه، لكن ما يلزمه حقاً، ولا يستطيع الاستغناء عنه، هو السلاح الايدولوجي، فلا بد للثوري النشيط، وقبل كل شيء، من أن يقف على أرضية معنوية لا تتزعزع، حتى يصبح أكثر من مجرم سياسي.
وقد نتوصل إلى الاعتقاد، في حالة الفيتكونغ مثلاً، بأن ثوار العصابات يسيطرون على السكان الريفيين بالتهديد والإرهاب، هكذا كان يرد الفلاحون عندما كانوا يلازمون على إيوائهم إياهم.
ولكن هذا الاعتقاد خاطئ بشكل عام، وقد يستعمل الإرهاب بدراية وحنكة، بيد أن أي ثائر عصابات لا يمكنه ممارسته على أناس يتعلق بهم بشدة، سواء من حيث معيشته أو من أجل وجوده السياسي. ويميز الناس بسرعة ما بين الانتهازي، والمناضل الذي يبذل من كل قلبه، لذا فهم يحترمون هذا ويتبعونه.
ولكي ينجح ثائر العصابات، لا بد أن يجعل نفسه محبوباً ومصدراً للإعجاب. ولكي يكسب أنصاراً، يجب ألا يمثل النجاح فقط، بل الفضيلة المطلقة، أيضاً، في حين يمثل عدوه الشر المطلق. فقد يكون الجنود كسالى أو مدمنين أو فاسقين، أما الثائر، فيجب أن يبدو نشيطاً ومتقشفاً وقنوعاً. أن أعداءه الذين يبيدهم خونة وقتلة، وعدالة الثورة فورية وأكيدة، أما أعداؤها فهم فاسدون ضعفاء ومترددون.
ولا بد لقائد العصابات الناجح أن يتصرف بشرف فيدفع ثمن ما يأخذه، ويحترم الحقوق والملكية الخاصة، حتى لمن لا يعتبرون من أنصاره، وأن يأخذ في الاعتبار ضرورة اكتساب كل الدعم الممكن في المجتمع القائم كيفما كانت طبيعة ذلك المجتمع آنذاك، حتى لو كانت الحرب صراعـاً طبقيـاً ( وذلك لا يجري بصورة دائمة ) فيجب أن تُلطّف الفروق بين الطبقات لا تُضخم، وأن تُخضع هذه الفروق لقضية وطنية تُقدم على سواها. أما الطبقات لا أن تُضخم، وأن تُخضع هذه الفروق لقضية وطنية تُقدم على سواها. أما أولئك الذين لا يتعاطفون مع الثورة، وحتى المدافعون عن النظام القائم وخدمه، فيجب أن يترك لهم الخيار الأخلاقي، كأن يقال لهم بأن الوقت لم يفت بعد للانضمام إلى سبيل الفضيلة، والمشاركة في المستقبل اللامع، من أجل الوصول إلى شيء أكثر جمالاً وأكثر ضماناً مما يحوزونه فعلاً.
ولا بد للدعاية الثورية أن تكون صحيحة في جوهرها، حتى يؤمن الناس بها. وتلك ضرورة أساسية أولية. فإذا لم يؤمن الناس بها، فإنهم لا يتحركون، ولا تحدث الثورة. ولا يستطيع قادة الثوار إذكاء روح التضحية والإرادة الثورية التي تخلق الثورة الشعبية، بواسطة الوعود وحدها، أو بقوة السلاح، بل لا بد لهم من تنازل شخصي عظيم في سبيل غاية عظمى. وسواء كانت قضية الثورة تستند إلى القومية، أو العدالة الاجتماعية، أو الرغبة في التقدم المادي، فإن قرار القتال والتضحية يبقى ذا طابع اجتماعي وأخلاقي، وبذلك تصبح الانتفاضة قضية إيحاء وليست قضية مناورة.
وإنني ألاحظ تماماً، أن هذه الاستنتاجات لا تتوافق مع صورة حرب عصابات أو دوافعها، كما رسمها منظرو الحرب المضادة للثورة، في سوقهم الرائجة حالياً. إن على الأخصائيين في الحرب المضادة أن يكسبوا حرباً، في اللحظة التي أكتب فيها هذا الكتاب، مع أنهم الآن ماضون في خسارة الحرب الدائرة حالياً في فيتنام.
إن تصورات منظري الحرب المضادة باطلة، لأنها تنطلق من مقدمات منطقية ناقصة. ويفترض هؤلاء المنظرون 0
و يطلب منهم أن يجعلوا الناس
يعتقدون – بأن السياسية هي أساساً علم إدارة الناس، وأن الانتفاضة
شكلان من السلوك الاجتماعي، والفارق بينهما هو أن الانتفاضة تمثل الطريقة
الشعبية لمقاومة الحكومات اللاشعبية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق