حرب المستضعفين 10
- عندما نفهم كل هذه التناقضات، يمكن أن نرى أي موقف وأية فوضى كانت الصين فيها، كما يمكن أن نرى أيضاً أن المد ضد الإمبريالية وأسياد الحرب وملاك الأراضي، أمر حتمي وسيأتي عما قريب. إن أكوام الحطب الجاف منتشرة في الصين بأكملها، ولن تلبث هذه الأكوام، أن تلتهب. ويقول المثل: تكفي شرارة واحدة لإشعال حريق في الغابة. وذلك ينطبق تماماً على الموقف القائم. فيكفي أن نلاحظ الاضطرابات العمالية، وانتفاضات الفلاحين، وعصيانات الجنود، وتظاهرات الطلبة، لنفهم بأن هذه الشرارة ستأتي سريعاً لتشعل حريق الغابة.
وفي نظريته عن حرب العصابات الداخلين والأجانب، يميز ( ماو ) بعناية عدة مراحل من النمو، ويشدد خاصة على الأولى منها والتي يسميها مرحلة ( الدفاع الاستراتيجية:
قد ندوم هذه المرحلة عدة أشهر، وليس للأرض في البداية أي أهمية، والاستنزاف هو كل شيء. لذا يُسمح للعدو بأن ينتشر كما يشاء، بل يشجع على ذلك. ويتخلى ثوار العصابات عن الأرض، ويكتفون بعمليات الإزعاج عاملين دوماً على المؤخرات، دون أن يقدموا للعدو جبهة مستمرة في أي مكان.
خلال هذه المرحلة، يشن العدو هجوماً استراتيجياً يستهدف القضاء على ثوار العصابات. ويتميز نشاطه بمجموعة من أعمال التطويق والإبادة، التي تتضمن احتلال اقليم وتنظيفه مساحة بعد أخرى من الطاعون الذي سببه الأنصار.
ويطرح هذا الجهد تناقضاً ضمنياً: إذ يتحول جزء فأكبر من أرض الوطن إلى ( منطقة مؤخرة ) بالنسبة إلى الجنود الحكوميين. وهنا تحقق حرب العصابات أفضل تأثيراتها. وتطوق قوى القمع كثيراً من مناطق النشاط – دون أن تتمكن من إيقافه – لكنها تتطوق في الوقت نفسه من قبل توار العصابات، الذين يستطيعون الإفلات من الطوق بالانتشار وذلك ما لا ينطبق على الجيش. أين الجبهة؟ إنها غير موجودة. وتتوسع تحركات الرجال والمعدات، وتصبح أكثر كلفة، وتمتد خطوط الاتصالات وتصبح أشد حساسية عرضة للقطع. ويقدم الجيش بانتشاره أهدافاً أكثر عدداً، ويمكن ضربها بسهولة، ويزيد مصادر الأسلحة والذحيرة بالنسبة إلى الأنصار.
ولا تتغير استراتيجية ثوار العصابات خلال هذه المرحلة، لكن التكتيك يختلف بتباين المواقف. وتتضمن هذه الاستراتيجية إجبار العدو على الامتداد ما أمكن، وعلى إزعاجه في كل نقاط ضعف خطوطه، وعلى التجمع، لتصفية – وليس فقط هزيمة – الوحدات الصغيرة واحدة تلو الأخرى.
1- تقسيم قواتنا لاستنهاض الجماهير، وتركيزها للعمل ضد العدو.
2- إذا تقدم العدو فإننا نتراجع، وإذا خيّم نناوش، وإذا تعب نهاجم، وإذا انسحب نطارد.
3- توسيع مناطق القواعد، والتقدم بموجات، وعندما يهاجمنا عدو قوي، فإننا نتسلل على أجنابه لنصل إلى مؤخرته.
ونرمي الشبكة في المناطق حيث تكون المقاومة ضعيفة. وينتشر ثوار العصابات للقيام بالتوجيه السياسي، وتحسين الاقتصاد الداخلي للحركة الثورية، وإقامة قواعد خلفية. قواعد قد تنتشر، أو تتقلص، بل قد تترك من لحظة لأخرى.
وتسحب الشبكة عندما تكون المقاومة قوية. ويتركز رجال العصابات – كما يقول ماو – بمعدل اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو ستة ضد واحد، ويركزون جهدهم على نقطة معادية ضعيفة.
ولا تدوم المعارك طويلاً. ولقد تصوَّر ما على العكس هجوم ( الخمس دقائق ) الذي يتضمن انقضاضاً مفاجئاً، وقتالاً قصيراً، عنيفاً، وانسحاباً سريعاً وبنفس الدرجة من الفجائية، بعد أن يسبب الهجوم أكبر ضرر، ويؤمن الاستيلاء على أكبر عدد ممكن من الأسلحة، ولكن دون أن يكون هناك أي تأخر.
يتبين في كل هذا السياق مبدأ هو: كلما احتل العدو أرضاً كلما ازداد ما يتوجب عليه الدفاع عنه، وما يقدمه من أهداف للهجمات. ومن جهة أخرى، كلما قاتل رجل العصابات ونجح، ازداد حصوله على وسائل القتال والنجاح من الأسلحة، والمقاتلين والموارد المادية
ومن المؤكد أن الانتفاضة لا تستطيع تحقيق أهدافها بين يوم وليلة، ولا حتى في فترة زمنية محددة مسبقاً. وهناك نقطة أساسية في نظرية ( ماو )، وهي أن المراحل قد تتشابك، وأن حالات الفشل يمكن أن تقع، وأن تضطر وحدات للتحول من جديد إلى عصابات، وأن تتناقل الأيدي بعض الأقاليم عدة مرات.
وتأخذ نشاطات العصابات، على الخارطة في البداية، شكل نقاط، وتكبر هذه النقاط شيئاً فشيئاً لتصبح بقعاً، ثم يتصل بعضها مع البعض الآخر لتغطي باللون الأحمر كل أرض الوطن.
1- أولاً مهاجمة القوى العدوة المشتتة والمعزولة، ثم القوى المجمعة.
2- الاستيلاء أولاً على المدن الصغيرة والمتوسطة، مع مناطقها الريفية، ثم الاستيلاء على المدن الكبرى.
3- الهدف الرئيسي، هو تدمير قوات العدو، وليس الاستيلاء على مدينة أو مكان. فاحتلال مدينة أو مكان ينجم عن تدمير قوات عدوةٍ، ويمكن أن تتناقل الأيدي المدينة أو المكان عدة مرات.
4- في كل معركة، علينا أن نركز القوى التي تتمتع بالتفوق المطلق ( بمعدل اثنين، ثلاثة، أربعة، وحتى خمسة أو ستة ضد واحد )، ونطوق العدو تماماً، ونبيده كلياً، دون أن نسمح لأحد بالهرب. ونستعمل في بعض الظروف طريقة تتضمن التحشد لتحقيق هجوم جبهي، مع هجوم على مجنبة أو مجنبتين، بغية تدمير جزء من قوات العدو، وإلحاق الهزيمة بالجزء الآخر، حتى نستطيع الانتقال بسرعة إلى نقطة أخرى، لسحق قوات أخرى. وأن نحاول نجنب معارك الاستنزاف التي نفقد فيها أكثر مما نكسب أو التي نخرج فيها متعادلين. وبهذا الشكل ولو كنا أقل من العدو عدداً بشكل عام، ويمكننا أن نتفوق في حملة معينة، وأن نحقق بالتالي انتصاراً. وسنتوصل مع الزمن لنصبح متفوقين عددياً( بشكل عام وليس محلياً )، فنكنس عندها العدو.
5- ألا نشن معركة بلا تحضير، وألا نشتبك في معركة إلا إذا كنا واثقين من كسبها، وأن نبذل كل جهودنا من أجل الاستعداد لكل معركة، وحتى نضمن الظفر في الشروط المتوافرة.
6- أن نستغل تماماً طريقتنا في القتال – الشجاعة في الصراع، بلا أي خوف من التضحيات أو التعب، والقتال المستمر ( ويقصد به فوضى معارك قصيرة متلاحقة، دون اللجوء إلى الراحة بينها.
7- محاولة إبادة العدو عندما يكون متحركاً، دون أن نهمل في الوقت نفسه تكتيك مهاجمة الموقع، وانتزاع النقاط القوية والمدن.
مع أن الحرب المتحركة التي يقوم بها الثوار ( في المرحلة.. النهائية ) تشابه حرب القوات النظامية، فإنها تبنى على استراتيجية حرب العصابات، وتسعى إلى أهداف مختلفة، إلى حد ما عن أهداف الحرب النظامية. فالثوار يندفعون من المناطق الريفية نحو التجمعات السكنية ثم نحو التجمعات السكنية ثم نحو المدن، وهم يحتلون المرتفعات والأحراج قبل أن يستولوا على الطرق. ويختلف تصرفهم هذا كلياً عن الاستراتيجية الغربية التي تسعى أولاً إلى مسك النقاط القوية ( مراكز صناعية، عقد المواصلات التجمعات السكنية الكبرى ) ولا تنظف الأرياف إلا متأخرة. وليست النقاط القوية مما يهم الثوار، بل الأرض التي لا يستطيع العدو منازعتها عليها، دون أن يتعارض مع مبادئه، أي دون أن يمدد خطوطه، ويضعف قوته الهجومية.. وهكذا فالتسلسل عند الثوار هو الأرياف أولاً ثم المدن.
يشكل جيش العدو عادة المصدر الرئيسي، للذخيرة، كما يشكل في الصين مصدر القوة البشرية للثوار. فالجنود الصينيون المجندون إلزامياً، كانوا يتقاضون أجوراً قليلة أو معدومة، وكانوا غالباً سيئي التغذية واللباس. وهم أيضاً من الفلاحين، وكان توقع فرارهم سهلاً. ولم يجد ( ماو ) حرجاً في تجنيد الخارجين عن القانون. فقد كان لهم نفس منشأ جنود الجيش الوطني وجنود ( أسياد الحرب ) ويعيشون في الشروط نفسها، وينخرطون بسهولة في سبيل القضية الشعبية. ولا شك أن ( ماو ) كان يعتقد بأن الفلاحين الذين حصلوا على بعض التدريب العسكري، هو أكثر قابلية للانخراط في الثورة من الآخرين. أما عن التموين، فإن مبدأ حروب العصابات كلها، صينية كانت أم لا، هو أن العدو يشكل المصدر الرئيسي للأسلحة والذخائر ذلك لأن الذخيرة ذات العيار المناسب تكون في متناول الأيدي، ومن ثم تتناقص المشكلة اللوجستيكية، وتأخذ شكلاً بسيطاً. فخطوط التموين العدوة تغذي المعسكرين، وتخدم الثوار بشكل أفضل في بعض الأحيان.
إن استراتيجية حرب العصابات ديناميكية، فلها أهداف عسكرية وسياسية إيجابية. فالدفاع الاستراتيجي لماو دفاع مبني على الهجوم الدائم. أما عمليات الإزعاج، التي تشبه عمليات المؤخرة لجيش عادي، فإنها تسعى إلى غاية مختلفة، وتستهدف إنهاك العدو، وإجباره على تمديد خطوطه إلى أقصاها، حتى يمكن مهاجمته منعزلاً.
ويقول ماو ( يستطيع الثوار العصابات أخذ زمام المبادرة، إذا تذكروا نقاط ضعف العدو. وبما أنه لا يملك أعداداً كافية من الجنود، فإن بوسع الثوار أن يعملوا على مساحات شاسعة. وبما أنه أجنبي وهمجي، فإن بإمكان الثوار اكتساب ثقة الملايين من مواطنيهم ).
لقد كان يتحدث عن اليابانيين، ويؤكد بأن مبادئه تنطبق على الصين بشكل خاص. لكن قد تأخذ الكلمات معنى أكثر تعميماً، إذا استبدلنا كلمتي ( الأجانب والهمجيين ) بكلمتي ( المعتدين المستغلين ).
ويقول ماو: ( ففي تكتيك حرب العصابات تظاهروا بالقدوم من الشرق عندما تهاجموا من الغرب، تجنبوا القوي وهاجموا الضعيف، هاجموا، انسحبوا، وجَّهوا ضربة مذهلة، وحاولوا الحصول على حسم خاطف.
والنتيجة:
- عندما نفهم كل هذه التناقضات، يمكن أن نرى أي موقف وأية فوضى كانت الصين فيها، كما يمكن أن نرى أيضاً أن المد ضد الإمبريالية وأسياد الحرب وملاك الأراضي، أمر حتمي وسيأتي عما قريب. إن أكوام الحطب الجاف منتشرة في الصين بأكملها، ولن تلبث هذه الأكوام، أن تلتهب. ويقول المثل: تكفي شرارة واحدة لإشعال حريق في الغابة. وذلك ينطبق تماماً على الموقف القائم. فيكفي أن نلاحظ الاضطرابات العمالية، وانتفاضات الفلاحين، وعصيانات الجنود، وتظاهرات الطلبة، لنفهم بأن هذه الشرارة ستأتي سريعاً لتشعل حريق الغابة.
وفي نظريته عن حرب العصابات الداخلين والأجانب، يميز ( ماو ) بعناية عدة مراحل من النمو، ويشدد خاصة على الأولى منها والتي يسميها مرحلة ( الدفاع الاستراتيجية:
قد ندوم هذه المرحلة عدة أشهر، وليس للأرض في البداية أي أهمية، والاستنزاف هو كل شيء. لذا يُسمح للعدو بأن ينتشر كما يشاء، بل يشجع على ذلك. ويتخلى ثوار العصابات عن الأرض، ويكتفون بعمليات الإزعاج عاملين دوماً على المؤخرات، دون أن يقدموا للعدو جبهة مستمرة في أي مكان.
خلال هذه المرحلة، يشن العدو هجوماً استراتيجياً يستهدف القضاء على ثوار العصابات. ويتميز نشاطه بمجموعة من أعمال التطويق والإبادة، التي تتضمن احتلال اقليم وتنظيفه مساحة بعد أخرى من الطاعون الذي سببه الأنصار.
ويطرح هذا الجهد تناقضاً ضمنياً: إذ يتحول جزء فأكبر من أرض الوطن إلى ( منطقة مؤخرة ) بالنسبة إلى الجنود الحكوميين. وهنا تحقق حرب العصابات أفضل تأثيراتها. وتطوق قوى القمع كثيراً من مناطق النشاط – دون أن تتمكن من إيقافه – لكنها تتطوق في الوقت نفسه من قبل توار العصابات، الذين يستطيعون الإفلات من الطوق بالانتشار وذلك ما لا ينطبق على الجيش. أين الجبهة؟ إنها غير موجودة. وتتوسع تحركات الرجال والمعدات، وتصبح أكثر كلفة، وتمتد خطوط الاتصالات وتصبح أشد حساسية عرضة للقطع. ويقدم الجيش بانتشاره أهدافاً أكثر عدداً، ويمكن ضربها بسهولة، ويزيد مصادر الأسلحة والذحيرة بالنسبة إلى الأنصار.
ولا تتغير استراتيجية ثوار العصابات خلال هذه المرحلة، لكن التكتيك يختلف بتباين المواقف. وتتضمن هذه الاستراتيجية إجبار العدو على الامتداد ما أمكن، وعلى إزعاجه في كل نقاط ضعف خطوطه، وعلى التجمع، لتصفية – وليس فقط هزيمة – الوحدات الصغيرة واحدة تلو الأخرى.
يقول ماو: إن تكتيكنا هو تكتيك حرب العصابات وأهدافه الرئيسية هي:
1- تقسيم قواتنا لاستنهاض الجماهير، وتركيزها للعمل ضد العدو.
2- إذا تقدم العدو فإننا نتراجع، وإذا خيّم نناوش، وإذا تعب نهاجم، وإذا انسحب نطارد.
3- توسيع مناطق القواعد، والتقدم بموجات، وعندما يهاجمنا عدو قوي، فإننا نتسلل على أجنابه لنصل إلى مؤخرته.
4- إثارة أكبر كتلة جماهيرية ممكنة،
في أقصر وقت
ممكن، وبأفضل الوسائل الممكنة
ويعادل هذه التكتيك – رمي الشباك،
فيجب أن تستطيع في كل لحظة قذف الشبكة أو سحبها، إننا ننشرها
على أوسع نطاق ممكن، لنكسب الجماهير، ونضيقها لنمسك بالعدو.
ونرمي الشبكة في المناطق حيث تكون المقاومة ضعيفة. وينتشر ثوار العصابات للقيام بالتوجيه السياسي، وتحسين الاقتصاد الداخلي للحركة الثورية، وإقامة قواعد خلفية. قواعد قد تنتشر، أو تتقلص، بل قد تترك من لحظة لأخرى.
وتسحب الشبكة عندما تكون المقاومة قوية. ويتركز رجال العصابات – كما يقول ماو – بمعدل اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو ستة ضد واحد، ويركزون جهدهم على نقطة معادية ضعيفة.
ولا تدوم المعارك طويلاً. ولقد تصوَّر ما على العكس هجوم ( الخمس دقائق ) الذي يتضمن انقضاضاً مفاجئاً، وقتالاً قصيراً، عنيفاً، وانسحاباً سريعاً وبنفس الدرجة من الفجائية، بعد أن يسبب الهجوم أكبر ضرر، ويؤمن الاستيلاء على أكبر عدد ممكن من الأسلحة، ولكن دون أن يكون هناك أي تأخر.
إنها عكس الاستراتيجية الغربية. فالجيش المدعوم بصناعة
قوية، يستطيع أن يجعل من كل معركة اختياراً تكنولوجياً، حيث يؤدي تفوّق التسلح
واللوجيستيك في النهاية إلى تحقيق النجاح. لكن العصابات لا تستطيع الاعتماد إلا
على السرعة، وميزة الموقع، والتفوق العددي المحلي. وعليها أن تقطع الاشتباك قبل أن تتمكن
الأسلحة الثقيلة من التدخل.
تلك هي كما قلنا حرب البرغوث. فهو يخز، ويقفز، ويعاود الوخز، ويتحنب بحذق القائمة الساعية إلى سحقه. إنه لا يستهدف قتل خصمه، بل إنهاكه، والحصول على الغذاء منه، وإزعاجه، وإثارته، ومنعه من الراحة، وإتلاف أعصابه، ومعنوياته، ولتحقيق ذلك لا بد من الزمن، اللازم أيضاً للتكاثر. إن ما يبدأ وكأنه عدوى محلية، يجب أن يصبح وبائياً، عن طريق تقارب المناطق المهاجمة واندماجها، وكأنها بقع حبر على ورق النشاف.
وفي خلال المرحلة الثانية – مرحلة التوازن – تقوم هدنة، عندما تتأكد الحكومة بأنها لن تستطيع القضاء على ثوار العصابات، فتكتفي عندها وقتياً باحتوائها، ريثما تحضِّر الهجمات الجديدة. ولا يستطيع ثوار العصابات القضاء على الجيش، فيتابعون، إزعاجه، مستفيدين من الجمود العسكري لتنمية قواعدهم الثورية، وقضم المناطق المنزوعة السلاح التي تحيط بكل منطقة محررة، وتحسين تنظيم الإمداد والتموين ومشاغل تصليح الأسلحة، وتشديد تحريضهم للشعب، وشن حرب الدعاية، وإضرام النزاعات الداخلية التي يعاني منها المعسكر الآخر بالضرورة، نظراً لأن نهاية النزاع تتباعد أمامه أكثر فأكثر.
وتبدأ المرحلة الثالثة، مرحلة الهجوم الثوري العام، عندما تصل القوى المتواجهة إلى التوازن، فيأخذ ثوار العصابات زمام المبادر، ويعملون منذئذ كجنود قادرين على شن معارك نظامية. فيهاجمون بدلاً من اللجوء إلى التملص، مركزين على نقاط العدو الأشد حساسية وضعفاً، ولا ينتشرون، فإذا حوصروا عند التعرّض للتطويق، فإنهم يحاولون اختراق الطوق بالقوة – ربما بتغطية عمل تشتيتي يتم في مكان آخر.
ويؤدي تصرفهم هذا، واستخدامهم لتكتيكهم القديم تارة والجديد تارة أخرى، إلى النجاح في قطع خطوط المواصلات، وبتطويق المفاوز المعادية وتدميرها واحدة تلو أخرى، ويحتلون بدورهم أقاليم شاسعة، ويوسعون قواعدهم، ويجعلون العدو عاجزاً عن البقاءفي الأرياف، ثم يهاجمون المدن الصغيرة دافعين الجيش المعادي إلى نقاطه المدينية القوية، التي يمكن القضاء عليها بالتتابع.
وبقدر ما تتقلص القوة البشرية المعادية، بسبب الأسر والإبادة والهرب، ( تزداد حالات الهرب عندما يكون في جيش العدو المستعمر وحدات من السكان المحليين يكتسب الثوار أسلحة ثقيلة – دبابات ومدافع – تسمح لهم بمهاجمة مواضع ذات قوة أعظم، إلى أن تؤدي هجمات الثوار، المدعومة بالانتفاضة الشعبية، إلى استسلام الجيش وانهيار الحكومة.
تلك هي كما قلنا حرب البرغوث. فهو يخز، ويقفز، ويعاود الوخز، ويتحنب بحذق القائمة الساعية إلى سحقه. إنه لا يستهدف قتل خصمه، بل إنهاكه، والحصول على الغذاء منه، وإزعاجه، وإثارته، ومنعه من الراحة، وإتلاف أعصابه، ومعنوياته، ولتحقيق ذلك لا بد من الزمن، اللازم أيضاً للتكاثر. إن ما يبدأ وكأنه عدوى محلية، يجب أن يصبح وبائياً، عن طريق تقارب المناطق المهاجمة واندماجها، وكأنها بقع حبر على ورق النشاف.
وفي خلال المرحلة الثانية – مرحلة التوازن – تقوم هدنة، عندما تتأكد الحكومة بأنها لن تستطيع القضاء على ثوار العصابات، فتكتفي عندها وقتياً باحتوائها، ريثما تحضِّر الهجمات الجديدة. ولا يستطيع ثوار العصابات القضاء على الجيش، فيتابعون، إزعاجه، مستفيدين من الجمود العسكري لتنمية قواعدهم الثورية، وقضم المناطق المنزوعة السلاح التي تحيط بكل منطقة محررة، وتحسين تنظيم الإمداد والتموين ومشاغل تصليح الأسلحة، وتشديد تحريضهم للشعب، وشن حرب الدعاية، وإضرام النزاعات الداخلية التي يعاني منها المعسكر الآخر بالضرورة، نظراً لأن نهاية النزاع تتباعد أمامه أكثر فأكثر.
وتبدأ المرحلة الثالثة، مرحلة الهجوم الثوري العام، عندما تصل القوى المتواجهة إلى التوازن، فيأخذ ثوار العصابات زمام المبادر، ويعملون منذئذ كجنود قادرين على شن معارك نظامية. فيهاجمون بدلاً من اللجوء إلى التملص، مركزين على نقاط العدو الأشد حساسية وضعفاً، ولا ينتشرون، فإذا حوصروا عند التعرّض للتطويق، فإنهم يحاولون اختراق الطوق بالقوة – ربما بتغطية عمل تشتيتي يتم في مكان آخر.
ويؤدي تصرفهم هذا، واستخدامهم لتكتيكهم القديم تارة والجديد تارة أخرى، إلى النجاح في قطع خطوط المواصلات، وبتطويق المفاوز المعادية وتدميرها واحدة تلو أخرى، ويحتلون بدورهم أقاليم شاسعة، ويوسعون قواعدهم، ويجعلون العدو عاجزاً عن البقاءفي الأرياف، ثم يهاجمون المدن الصغيرة دافعين الجيش المعادي إلى نقاطه المدينية القوية، التي يمكن القضاء عليها بالتتابع.
وبقدر ما تتقلص القوة البشرية المعادية، بسبب الأسر والإبادة والهرب، ( تزداد حالات الهرب عندما يكون في جيش العدو المستعمر وحدات من السكان المحليين يكتسب الثوار أسلحة ثقيلة – دبابات ومدافع – تسمح لهم بمهاجمة مواضع ذات قوة أعظم، إلى أن تؤدي هجمات الثوار، المدعومة بالانتفاضة الشعبية، إلى استسلام الجيش وانهيار الحكومة.
يتبين في كل هذا السياق مبدأ هو: كلما احتل العدو أرضاً كلما ازداد ما يتوجب عليه الدفاع عنه، وما يقدمه من أهداف للهجمات. ومن جهة أخرى، كلما قاتل رجل العصابات ونجح، ازداد حصوله على وسائل القتال والنجاح من الأسلحة، والمقاتلين والموارد المادية
. وهكذا فإن أهداف الحكومة وأهداف الانتفاضة متناقضة
كلياً. فالعسكري يسعى إلى انتهاء الحرب بأسرع ما يمكن بغية تحديد خسائره، وفي
حين يسعى الثائر إلى إطالة أمد الحرب، لأن المجال أمامه مفتوح لكسب كل شيء.
ومن المؤكد أن الانتفاضة لا تستطيع تحقيق أهدافها بين يوم وليلة، ولا حتى في فترة زمنية محددة مسبقاً. وهناك نقطة أساسية في نظرية ( ماو )، وهي أن المراحل قد تتشابك، وأن حالات الفشل يمكن أن تقع، وأن تضطر وحدات للتحول من جديد إلى عصابات، وأن تتناقل الأيدي بعض الأقاليم عدة مرات.
وتأخذ نشاطات العصابات، على الخارطة في البداية، شكل نقاط، وتكبر هذه النقاط شيئاً فشيئاً لتصبح بقعاً، ثم يتصل بعضها مع البعض الآخر لتغطي باللون الأحمر كل أرض الوطن.
لكن فلننتبه:
إن التلوين لا يتقدم من الشرق
إلى الغرب، أو من الجنوب إلى الشمال، بل من الجبال والغابات نحو المناطق المزروعة، ثم
إلى قرى
هذه المناطق، ثم إلى المدن على طول الطرقات الكبرى، دون أن يطغى على هذه المدن، إلا في المرحلة النهائية.
ويبدو هذا السياق بوضوح، في الحرب التي شنها الشيوعيون على قوات تشانغ كاي تشيك الوطنية، بعد الحرب العالمية الثانية. ودامت الحملة سبعة عشر شهراً وفقد الوطنيون، 640 ألفاً بين قتيل وجريح، ومليوناً وخمسين ألف أسير. ويوضح ( ماو ) مختلف نقاط استراتيجية كما يلي:
هذه المناطق، ثم إلى المدن على طول الطرقات الكبرى، دون أن يطغى على هذه المدن، إلا في المرحلة النهائية.
ويبدو هذا السياق بوضوح، في الحرب التي شنها الشيوعيون على قوات تشانغ كاي تشيك الوطنية، بعد الحرب العالمية الثانية. ودامت الحملة سبعة عشر شهراً وفقد الوطنيون، 640 ألفاً بين قتيل وجريح، ومليوناً وخمسين ألف أسير. ويوضح ( ماو ) مختلف نقاط استراتيجية كما يلي:
1- أولاً مهاجمة القوى العدوة المشتتة والمعزولة، ثم القوى المجمعة.
2- الاستيلاء أولاً على المدن الصغيرة والمتوسطة، مع مناطقها الريفية، ثم الاستيلاء على المدن الكبرى.
3- الهدف الرئيسي، هو تدمير قوات العدو، وليس الاستيلاء على مدينة أو مكان. فاحتلال مدينة أو مكان ينجم عن تدمير قوات عدوةٍ، ويمكن أن تتناقل الأيدي المدينة أو المكان عدة مرات.
4- في كل معركة، علينا أن نركز القوى التي تتمتع بالتفوق المطلق ( بمعدل اثنين، ثلاثة، أربعة، وحتى خمسة أو ستة ضد واحد )، ونطوق العدو تماماً، ونبيده كلياً، دون أن نسمح لأحد بالهرب. ونستعمل في بعض الظروف طريقة تتضمن التحشد لتحقيق هجوم جبهي، مع هجوم على مجنبة أو مجنبتين، بغية تدمير جزء من قوات العدو، وإلحاق الهزيمة بالجزء الآخر، حتى نستطيع الانتقال بسرعة إلى نقطة أخرى، لسحق قوات أخرى. وأن نحاول نجنب معارك الاستنزاف التي نفقد فيها أكثر مما نكسب أو التي نخرج فيها متعادلين. وبهذا الشكل ولو كنا أقل من العدو عدداً بشكل عام، ويمكننا أن نتفوق في حملة معينة، وأن نحقق بالتالي انتصاراً. وسنتوصل مع الزمن لنصبح متفوقين عددياً( بشكل عام وليس محلياً )، فنكنس عندها العدو.
5- ألا نشن معركة بلا تحضير، وألا نشتبك في معركة إلا إذا كنا واثقين من كسبها، وأن نبذل كل جهودنا من أجل الاستعداد لكل معركة، وحتى نضمن الظفر في الشروط المتوافرة.
6- أن نستغل تماماً طريقتنا في القتال – الشجاعة في الصراع، بلا أي خوف من التضحيات أو التعب، والقتال المستمر ( ويقصد به فوضى معارك قصيرة متلاحقة، دون اللجوء إلى الراحة بينها.
7- محاولة إبادة العدو عندما يكون متحركاً، دون أن نهمل في الوقت نفسه تكتيك مهاجمة الموقع، وانتزاع النقاط القوية والمدن.
8- أن نعيد تكوين قوانا بكل ما نغنمه من أسلحة وبالجزء
الأعظم من أفراد العدو الأسرى. وتشكل الجبهة موردنا الرئيسي من الرجال والمعدات.
9- الإفادة من الفواصل بين
الحملات، لإراحة جندنا وتدريبهم وتقويتهم. ويجب أن تكون هذه الفواصل قصيرة إلى حد ما،
وعلينا أن نفعل ما نستطيع القيام به، لمنع العدو من الحصول على فواصل مماثلة
قد يبدو كثير من ذلك بديهياً. لكن علينا الإشارة إلى نقاط هامة، يتصادم بعضها مباشرة مع العقيدة العسكرية التقليدية.
قد يبدو كثير من ذلك بديهياً. لكن علينا الإشارة إلى نقاط هامة، يتصادم بعضها مباشرة مع العقيدة العسكرية التقليدية.
مع أن الحرب المتحركة التي يقوم بها الثوار ( في المرحلة.. النهائية ) تشابه حرب القوات النظامية، فإنها تبنى على استراتيجية حرب العصابات، وتسعى إلى أهداف مختلفة، إلى حد ما عن أهداف الحرب النظامية. فالثوار يندفعون من المناطق الريفية نحو التجمعات السكنية ثم نحو التجمعات السكنية ثم نحو المدن، وهم يحتلون المرتفعات والأحراج قبل أن يستولوا على الطرق. ويختلف تصرفهم هذا كلياً عن الاستراتيجية الغربية التي تسعى أولاً إلى مسك النقاط القوية ( مراكز صناعية، عقد المواصلات التجمعات السكنية الكبرى ) ولا تنظف الأرياف إلا متأخرة. وليست النقاط القوية مما يهم الثوار، بل الأرض التي لا يستطيع العدو منازعتها عليها، دون أن يتعارض مع مبادئه، أي دون أن يمدد خطوطه، ويضعف قوته الهجومية.. وهكذا فالتسلسل عند الثوار هو الأرياف أولاً ثم المدن.
يشكل جيش العدو عادة المصدر الرئيسي، للذخيرة، كما يشكل في الصين مصدر القوة البشرية للثوار. فالجنود الصينيون المجندون إلزامياً، كانوا يتقاضون أجوراً قليلة أو معدومة، وكانوا غالباً سيئي التغذية واللباس. وهم أيضاً من الفلاحين، وكان توقع فرارهم سهلاً. ولم يجد ( ماو ) حرجاً في تجنيد الخارجين عن القانون. فقد كان لهم نفس منشأ جنود الجيش الوطني وجنود ( أسياد الحرب ) ويعيشون في الشروط نفسها، وينخرطون بسهولة في سبيل القضية الشعبية. ولا شك أن ( ماو ) كان يعتقد بأن الفلاحين الذين حصلوا على بعض التدريب العسكري، هو أكثر قابلية للانخراط في الثورة من الآخرين. أما عن التموين، فإن مبدأ حروب العصابات كلها، صينية كانت أم لا، هو أن العدو يشكل المصدر الرئيسي للأسلحة والذخائر ذلك لأن الذخيرة ذات العيار المناسب تكون في متناول الأيدي، ومن ثم تتناقص المشكلة اللوجستيكية، وتأخذ شكلاً بسيطاً. فخطوط التموين العدوة تغذي المعسكرين، وتخدم الثوار بشكل أفضل في بعض الأحيان.
إن استراتيجية حرب العصابات ديناميكية، فلها أهداف عسكرية وسياسية إيجابية. فالدفاع الاستراتيجي لماو دفاع مبني على الهجوم الدائم. أما عمليات الإزعاج، التي تشبه عمليات المؤخرة لجيش عادي، فإنها تسعى إلى غاية مختلفة، وتستهدف إنهاك العدو، وإجباره على تمديد خطوطه إلى أقصاها، حتى يمكن مهاجمته منعزلاً.
ويقول ماو ( يستطيع الثوار العصابات أخذ زمام المبادرة، إذا تذكروا نقاط ضعف العدو. وبما أنه لا يملك أعداداً كافية من الجنود، فإن بوسع الثوار أن يعملوا على مساحات شاسعة. وبما أنه أجنبي وهمجي، فإن بإمكان الثوار اكتساب ثقة الملايين من مواطنيهم ).
لقد كان يتحدث عن اليابانيين، ويؤكد بأن مبادئه تنطبق على الصين بشكل خاص. لكن قد تأخذ الكلمات معنى أكثر تعميماً، إذا استبدلنا كلمتي ( الأجانب والهمجيين ) بكلمتي ( المعتدين المستغلين ).
ويقول ماو: ( ففي تكتيك حرب العصابات تظاهروا بالقدوم من الشرق عندما تهاجموا من الغرب، تجنبوا القوي وهاجموا الضعيف، هاجموا، انسحبوا، وجَّهوا ضربة مذهلة، وحاولوا الحصول على حسم خاطف.
0 التعليقات:
إرسال تعليق