حرب المستضعفين 23
(كانت مواردي ضعيفة. ولم يكن بإمكاني تغذية أمل الحصول على نصر عسكري، وكانت المسألة تتمثل في تجميع قوة، ونعهد استمرار وجودها، مهما فعل العدو لإبادتها. ولقد توصلنا إلى ذلك وأكثر منه، بعد الأشهر الستة الأولى ).
وقام هاردينغ عند وصوله إلى نيقوسيا، بمحاولة قصيرة للتفاوض مع مكاريوس. وأخفقت المفاوضات في بضعة أيام، وأمر غريفاس بالهجوم العام، فهوجمت مراكز الشرطة بهدف جذب الجيش إليها من الريف. واقتحم رجال إيوكا منجم ( متسيرو )، ثم غادروه بعد أن أخذوا ألفاً وخمسمائة حشوة من الديناميت، وستمائة صاعق، وثلاثة آلاف متر من فتائل الإشعال. وقامت مجموعة أخرى باجتياح المخازن العسكرية في ميناء فاماغوستا، وأوثقت حارساً وكممته، وحمَّلت شاحنة بأكملها من السلاح: رشاشات ورشيشات وهاونات وقواذف بازوكا مضادة للدبابات.
واشتد الاضطراب السياسي، وفاقم البريطانيون الموقف بمحاولات غير موفقة لمنع التظاهرات، حيث اختاروا أسوأ اللحظات للإعلان عن صدور حكم الإعدام على ميخائيل كارواليس ( البطل الأول للثورة )، ونفذوا الحكم في 28 تشرين الأول، يوم العيد الوطني القبرصي، يوم ذكرى رفض إنذار دول المحور لليونان في العان 1940. وأعلن هاردينغ منع كل التظاهرات في الشوارع العامة، ورد غريفاس بأن دعا القبارصة للتصدي لذلك المنع، ونتج عن ذلك مجموعة من الاصطدامات، ففتح الجنود النار، وسقط ثلاثة من الجرحى، واعتقال أكثر من ألف شخص.
وهكذا انشغلت القوات البريطانية في المدن، وأمر غريفاس بهجوم على مستوى الجزيرة. وفي 18 تشرين الثاني، أُلقيت أكثر من خمسين قنبلة في أكثر من ثلاثين مكاناً مختلفاً، وتمت عدة مئات من الهجمات في أسبوع واحد، وتدمر أكثر من نصف مركز البريد في نيقوسيا، ونقلت قنبلة وزنها ثمانية أرجال في سلة على دراجة إلى معسكر ( كيكو ) في ضاحية نيقوسيا، فنسفت سقف مقصف صف الضباط، وقتلت رقيبين. وهوجمت المراكز العسكرية في ليماسول ولارناكا. وهاجم ثوار العصابات في سلسلة سيرين، المفارز الحارسة لمنجمين، ودُمرت للجيش ثلاث عربات على الطريق، مما دفع القادة إلى وقف كل التحركات الليلية.
وقام غريفاس شخصياً بنصب كمين لشاحنتين عسكريتين ( فدمر واحدة، وانسحب إلى تلة مجاورة، شاهد منها بعد ثلاث ساعات وصول مفرزة إنقاذ حملت جثة الجندي القتيل، ولم تقم بأية محاولة لتفتيش المنطقة.
وفي 26 تشرين الثاني، أُعلنت الأحكام العرفية في الجزيرة، وتلقى جهاز الشرطة سلطات استثنائية، ومُنعت الإضرابات، وأضحى الموت عقوبة لحمل السلاح. ورد الجنود البريطانيون على اغتيال رفاقهم، بأن تصرفوا حيال السكان المدنيين كما تصرفت ( فرقة البلاك والتانز ) في ايرلنده، فأوقفوا الشاحنات المتجهة إلى الأسواق، ونشروا ما تحمله من ثمار وخضار على الطرق، وانتهكت حرمات المنازل، وأُتلفت الممتلكات، على نطاق واسع، واعتقل المشبوهون والموقوفون عدة أشهر دون محاكمة. ويختصر غريفاس الموقف بقوله: ( لقد تصرفت قوى الأمن بشكل وكأنها تريد عمداً أن تلقي السكان في أحضاننا ) وهذا ما وقع بالفعل.
وتوجه غريفاس إلى جبال ترودوس لتنسيق أعمال العصابات، وتعرض للاعتقال في عدة مناسبات. وفي إحدى المرات، وبينما كانت، وحدتان بريطانيتان، مجموع أفرادها سبعمائة رجل، تبحث عن الثوار، اقتربت أحداهما من الأخرى. وسط الضباب لمحاصرة ثوار العصابات، وتملص الثوار بسرّية، واشتبكت الوحدتان مع بعضهما بالنيران لمدة ساعة، قبل أن تدركا خطأهما، وسقط من جراء ذلك أكثر من خمسين قتيلاً وجريحاً. وفي أول كانون الثاني 1956 أعلن هاردينغ من الإذاعة، بأن أيام إيوكا معدودة. وفي اليوم التالي توجه 800 من الرجال نحو الإحراج، حيث كانوا يظنون أن غريفاس مختبئ، وأمضوا النهار كله في تمشيط مساحة ثلاثة كيلومترات مربعة وانسحبوا مع ثلاثة من الأسرى فقط. ويقول غريفاس: ( كنت على بعد ثلاثة كيلومترات مربعة جنوباً، أشاهد العملية بالمنظار. ولقد ذهلت لسخافة الطريقة التي استخدمها الجنود ).
وفي 22 كانون الثاني، هاجمت وحدات إيوكا كل قرىالجزيرة، وفي الوقت نفسه، بغية الاستيلاء على آلاف بنادق الصيد المرخصة من قبل الشرطة، وغنموا منها أكثر من ثمانمائة، سلح بها غريفاس فصائل خاصة، وذلك ( لإزعاج) البريطاني ليلاً، ومهاجمة الثكنات العسكرية ومشاغلة القوات، وعدم الخونة ).
وفي شباط 1956، وصل عدد القوات البريطانية إلى اثنين وعشرين ألف رجل. وكان لدى إيوكا في ذلك الوقت 273 رجلاً في ( وحدات الصدام ) يدعمهم في القرى 700 من ثوار العصابات المؤقتين، المسلحين ببنادق الصيد. وكانت ( وحدات الصدام ) تضم في نيقوسيا 80 مقاتلاً موزعين على خمس عشرة مجموعة، وتضم في فاماغوستا 76 مقاتلاً، وفي ليماسول 34. تلك هو المدن الرئيسية في الجزيرة. وكان البريطانيون يمتلكون تفوقاً عددياً كبيراً، وقد خلُص غريفاس إلى الاعتقاد، بأن الجيش المدعوم بخمسة آلاف شرطي عبارة عن ( جسم يصعب تحريكه ويقدم عدة أهداف، قديمة وجديدة، سواء في المدن أو الجبل ).
وشددت إيوكا حملتها الإرهابية والتخريبية، وانفجرت قنابل في مساكن كبار الضباط، والنوادي، والحانات التي يرتادها الجنود. وتوصلت خادم – عضوة في إيوكا – إلى وضع قنبلة تحت سرير السير جون هاردينغ، ولحسن حظ الحاكم، وأدى التغير المفاجئ في الحرارة ( كما يقول غريفاس )، إلى تأخير التوقيت، فلم تنفجر القنبلة إلا بعد أن اكتشفت وانتزعت من مكانها.
ويبدو أن البريطانيين لم يتعلموا الكثير من تجاربهم
الأخرى عن الإرهاب. وكانت جهودهم لمنعه منصبة على تخويف الأهالي من مساعدة إيوكا،
فلم يتوصلوا إلا إلى إسخاطهم. وفرضوا غرامات جماعية على الأماكن التي هوجم فيها
جنودهم، وكانت بضع مئات من الجنيهات الاسترلينية في القرى، لكنها بلغت أربعين ألفاً
في فاماغوستا وخمسة وثلاثين ألفاً في ليماسول – ثم بدت الوسيلة غير فعالة، فأهملت
بعد ستة أشهر.
ولم تشكل الشدة الصارمة، حيال مقاتلي إيوكا، الذين يتم أسرهم، ردعاً كافياً، بل كانت لها نتائج سياسية هامة. ففي 10 أيار 1956، شُنق في سجن نيقوسيا المركزي أول دفعة من مقاتلي إيوكا بتهمة القتل، وحدثت تظاهرات احتجاج ضخمة في اليونان، وقتل سبعة أشخاص أثناء الاضطرابات في أثينا، وقام محافظ المدينة، وسط تصفيق الجماهير، بتحطيم لوحة من الرخام كانت ذكرى لزيارة الملكة اليزابيث والأمير فيليب. وأدانت الصحافة البريطانية نفسها أعمال الشنق هذه. وفي اليوم التالي، وانتقاماً لهؤلاء، قام الجنرال غريفاس بإعدام اثنين من الرهائن. وقد سبب مصير الرهينتين شيئاً من التعاطف، لكن العناوين الرئيسية في الصحف كُرست لما اعتبره ملايين من الناس خطأ من العدالة البريطانية. إن
ولم يحقق الجنود أمام ثوار العصابات في الأرياف نتائج أفضل من التي حققوها في مواجهة المخربين في المدن. فقد أحرقوا عدة هكتارات من الغابات لإخراجهم من الجبال، ولم يمسكوا إلا عدداً قليلاً منهم، وتم استبدال الخسائر مباشرة.
وكتب غريفاس: ( لقد حاول هاردينغ تدمير مجموعتنا الجبلية، لكن بما أنه لم يكن يملك مخططاً مدروساً، ولا يفهم طرقنا، فإنه لم يحصل على أي نجاح. وكانت فعاليته تتوقف على الإخباريات التي يقدمها له مخبروه من وقت لآخر، والتي كانت غالباً غير صحيحة أو مشكوك بها. وهكذا فقد كان
لارناكا – مقتل جندي بقنبلة، إعدام عميل مدني من قبل فصيل الإعدام.
نيقوسيا – إلقاء قنبلة من سيارة على القيادة العامة للشرطة، والنتائج مجهولة.
فاماغوستا – نصب كمين لشاحنتين عسكريتين، وسقوط عدد مجهول من الضحايا.
ليماسول – جرح أربعة انجليز بسبب قنبلة أُلقيت على فندق ( أكربول ) وجرح أربعة جنود بقنبلة أُلقيت على شاحنة.
ولا يستطيع البريطانيون الادعاء بالحصول على نصر، ولو جزئي. فالصراع العبثي الذي دام أربع سنوات، كلّفهم غالياً بالأرواح والمال والسمعة، وانتهى بحل وسط على الورق، أسوأ من هزيمة سافرة. وحتى ذلك الحين، لم يكن هناك إلا مسألة استعمارية مزعجة، ثم ظهرت بعد ذلك قضية عالمية متفجرة، لا تزال تشكل تهديداً جسيماً للسلام في البحر الأبيض المتوسط، وللبريطانيين أنفسهم.
أما النزاع الذي أدى إلى اتفاق زوريخ، فقد كان، جولة بعد أخرى، مجموعة من الهزائم السافرة للسياسة والأسلحة الاستعمارية. وقد تصرف البريطانيون حيال إيوكا كما يفعلون مع المجرمين العاديين، وبنفس الوسائل المستعملة لقطع دابر موجة إجرامية. ولم يبد لهم أنهم فهموا أبداً ما كان غريفاس قد وعاه بوضوح كامل منذ البداية:
( كنت أقهقه من الضحك، عندما كنت أقرأ بأن الجنرال فلان أو الجنرال فلان قد جاء إلى قبرص، لتطبيق الأساليب التي كونت سمعته في أماكن أخرى. ولم يكن بوسعهم أن يفهموا، بأن الصراع في قبرص كان استثنائياً، بدوافعه، وسيكولوجيته، وظروفه، وأنه لم يكن يشمل حفنة من الثوار، بل الشعب بأكمله ).
وكتب غريفاس:
(كانت مواردي ضعيفة. ولم يكن بإمكاني تغذية أمل الحصول على نصر عسكري، وكانت المسألة تتمثل في تجميع قوة، ونعهد استمرار وجودها، مهما فعل العدو لإبادتها. ولقد توصلنا إلى ذلك وأكثر منه، بعد الأشهر الستة الأولى ).
وقام هاردينغ عند وصوله إلى نيقوسيا، بمحاولة قصيرة للتفاوض مع مكاريوس. وأخفقت المفاوضات في بضعة أيام، وأمر غريفاس بالهجوم العام، فهوجمت مراكز الشرطة بهدف جذب الجيش إليها من الريف. واقتحم رجال إيوكا منجم ( متسيرو )، ثم غادروه بعد أن أخذوا ألفاً وخمسمائة حشوة من الديناميت، وستمائة صاعق، وثلاثة آلاف متر من فتائل الإشعال. وقامت مجموعة أخرى باجتياح المخازن العسكرية في ميناء فاماغوستا، وأوثقت حارساً وكممته، وحمَّلت شاحنة بأكملها من السلاح: رشاشات ورشيشات وهاونات وقواذف بازوكا مضادة للدبابات.
واشتد الاضطراب السياسي، وفاقم البريطانيون الموقف بمحاولات غير موفقة لمنع التظاهرات، حيث اختاروا أسوأ اللحظات للإعلان عن صدور حكم الإعدام على ميخائيل كارواليس ( البطل الأول للثورة )، ونفذوا الحكم في 28 تشرين الأول، يوم العيد الوطني القبرصي، يوم ذكرى رفض إنذار دول المحور لليونان في العان 1940. وأعلن هاردينغ منع كل التظاهرات في الشوارع العامة، ورد غريفاس بأن دعا القبارصة للتصدي لذلك المنع، ونتج عن ذلك مجموعة من الاصطدامات، ففتح الجنود النار، وسقط ثلاثة من الجرحى، واعتقال أكثر من ألف شخص.
وهكذا انشغلت القوات البريطانية في المدن، وأمر غريفاس بهجوم على مستوى الجزيرة. وفي 18 تشرين الثاني، أُلقيت أكثر من خمسين قنبلة في أكثر من ثلاثين مكاناً مختلفاً، وتمت عدة مئات من الهجمات في أسبوع واحد، وتدمر أكثر من نصف مركز البريد في نيقوسيا، ونقلت قنبلة وزنها ثمانية أرجال في سلة على دراجة إلى معسكر ( كيكو ) في ضاحية نيقوسيا، فنسفت سقف مقصف صف الضباط، وقتلت رقيبين. وهوجمت المراكز العسكرية في ليماسول ولارناكا. وهاجم ثوار العصابات في سلسلة سيرين، المفارز الحارسة لمنجمين، ودُمرت للجيش ثلاث عربات على الطريق، مما دفع القادة إلى وقف كل التحركات الليلية.
وقام غريفاس شخصياً بنصب كمين لشاحنتين عسكريتين ( فدمر واحدة، وانسحب إلى تلة مجاورة، شاهد منها بعد ثلاث ساعات وصول مفرزة إنقاذ حملت جثة الجندي القتيل، ولم تقم بأية محاولة لتفتيش المنطقة.
وفي 26 تشرين الثاني، أُعلنت الأحكام العرفية في الجزيرة، وتلقى جهاز الشرطة سلطات استثنائية، ومُنعت الإضرابات، وأضحى الموت عقوبة لحمل السلاح. ورد الجنود البريطانيون على اغتيال رفاقهم، بأن تصرفوا حيال السكان المدنيين كما تصرفت ( فرقة البلاك والتانز ) في ايرلنده، فأوقفوا الشاحنات المتجهة إلى الأسواق، ونشروا ما تحمله من ثمار وخضار على الطرق، وانتهكت حرمات المنازل، وأُتلفت الممتلكات، على نطاق واسع، واعتقل المشبوهون والموقوفون عدة أشهر دون محاكمة. ويختصر غريفاس الموقف بقوله: ( لقد تصرفت قوى الأمن بشكل وكأنها تريد عمداً أن تلقي السكان في أحضاننا ) وهذا ما وقع بالفعل.
وتوجه غريفاس إلى جبال ترودوس لتنسيق أعمال العصابات، وتعرض للاعتقال في عدة مناسبات. وفي إحدى المرات، وبينما كانت، وحدتان بريطانيتان، مجموع أفرادها سبعمائة رجل، تبحث عن الثوار، اقتربت أحداهما من الأخرى. وسط الضباب لمحاصرة ثوار العصابات، وتملص الثوار بسرّية، واشتبكت الوحدتان مع بعضهما بالنيران لمدة ساعة، قبل أن تدركا خطأهما، وسقط من جراء ذلك أكثر من خمسين قتيلاً وجريحاً. وفي أول كانون الثاني 1956 أعلن هاردينغ من الإذاعة، بأن أيام إيوكا معدودة. وفي اليوم التالي توجه 800 من الرجال نحو الإحراج، حيث كانوا يظنون أن غريفاس مختبئ، وأمضوا النهار كله في تمشيط مساحة ثلاثة كيلومترات مربعة وانسحبوا مع ثلاثة من الأسرى فقط. ويقول غريفاس: ( كنت على بعد ثلاثة كيلومترات مربعة جنوباً، أشاهد العملية بالمنظار. ولقد ذهلت لسخافة الطريقة التي استخدمها الجنود ).
وفي 22 كانون الثاني، هاجمت وحدات إيوكا كل قرىالجزيرة، وفي الوقت نفسه، بغية الاستيلاء على آلاف بنادق الصيد المرخصة من قبل الشرطة، وغنموا منها أكثر من ثمانمائة، سلح بها غريفاس فصائل خاصة، وذلك ( لإزعاج) البريطاني ليلاً، ومهاجمة الثكنات العسكرية ومشاغلة القوات، وعدم الخونة ).
وفي شباط 1956، وصل عدد القوات البريطانية إلى اثنين وعشرين ألف رجل. وكان لدى إيوكا في ذلك الوقت 273 رجلاً في ( وحدات الصدام ) يدعمهم في القرى 700 من ثوار العصابات المؤقتين، المسلحين ببنادق الصيد. وكانت ( وحدات الصدام ) تضم في نيقوسيا 80 مقاتلاً موزعين على خمس عشرة مجموعة، وتضم في فاماغوستا 76 مقاتلاً، وفي ليماسول 34. تلك هو المدن الرئيسية في الجزيرة. وكان البريطانيون يمتلكون تفوقاً عددياً كبيراً، وقد خلُص غريفاس إلى الاعتقاد، بأن الجيش المدعوم بخمسة آلاف شرطي عبارة عن ( جسم يصعب تحريكه ويقدم عدة أهداف، قديمة وجديدة، سواء في المدن أو الجبل ).
وشددت إيوكا حملتها الإرهابية والتخريبية، وانفجرت قنابل في مساكن كبار الضباط، والنوادي، والحانات التي يرتادها الجنود. وتوصلت خادم – عضوة في إيوكا – إلى وضع قنبلة تحت سرير السير جون هاردينغ، ولحسن حظ الحاكم، وأدى التغير المفاجئ في الحرارة ( كما يقول غريفاس )، إلى تأخير التوقيت، فلم تنفجر القنبلة إلا بعد أن اكتشفت وانتزعت من مكانها.
ولم تشكل الشدة الصارمة، حيال مقاتلي إيوكا، الذين يتم أسرهم، ردعاً كافياً، بل كانت لها نتائج سياسية هامة. ففي 10 أيار 1956، شُنق في سجن نيقوسيا المركزي أول دفعة من مقاتلي إيوكا بتهمة القتل، وحدثت تظاهرات احتجاج ضخمة في اليونان، وقتل سبعة أشخاص أثناء الاضطرابات في أثينا، وقام محافظ المدينة، وسط تصفيق الجماهير، بتحطيم لوحة من الرخام كانت ذكرى لزيارة الملكة اليزابيث والأمير فيليب. وأدانت الصحافة البريطانية نفسها أعمال الشنق هذه. وفي اليوم التالي، وانتقاماً لهؤلاء، قام الجنرال غريفاس بإعدام اثنين من الرهائن. وقد سبب مصير الرهينتين شيئاً من التعاطف، لكن العناوين الرئيسية في الصحف كُرست لما اعتبره ملايين من الناس خطأ من العدالة البريطانية. إن
من سخريات الحرب السياسية –
وتلك مسألة لا بد أن تُعرف وتُفهم – أن القواعد ليست هي نفسها
لكلا المعسكرين.
ولم يحقق الجنود أمام ثوار العصابات في الأرياف نتائج أفضل من التي حققوها في مواجهة المخربين في المدن. فقد أحرقوا عدة هكتارات من الغابات لإخراجهم من الجبال، ولم يمسكوا إلا عدداً قليلاً منهم، وتم استبدال الخسائر مباشرة.
وكتب غريفاس: ( لقد حاول هاردينغ تدمير مجموعتنا الجبلية، لكن بما أنه لم يكن يملك مخططاً مدروساً، ولا يفهم طرقنا، فإنه لم يحصل على أي نجاح. وكانت فعاليته تتوقف على الإخباريات التي يقدمها له مخبروه من وقت لآخر، والتي كانت غالباً غير صحيحة أو مشكوك بها. وهكذا فقد كان
يحتشد في منطقة ضيقة، ويرسل إليها زهاء خمسين شاحنة من جنوده، الذين يقومون
بتفتيشها لمدة نهار كامل. وكنا نتملص غالباً من ذلك التنقيب قبل حدوثه، ونراقبه من
المرتفعات المجاورة، متأكدين بأنه لن يتعدى الحدود التي رسمت له
).
ماذا كان بوسعه أن يفعل؟ لقد لقد قام غريفاس فيما بعد بدراسة المشكلة التي واجهها عدوه، وكتب:
( استمرت هاردينغ على خطئه: فهو لم يقدر خصمه حق قدره من جهة، كما بالغ في إمكانيات قواته من جهة أخرى.. إن من الخطأ استعمال دبابة للقبض على فأر، لكن بمقدور هرٍ أن يقوم بذلك خير قيام. وان الأمل الوحيد المتاح للمارشال من أجل الإمساك بنا، هو أن يلعب معنا لعبة القط والفأر، وذلك باستعمال مجموعات صغيرة مدربة لهذا الغرض، وقادرة على التمسك بالحيلة والصبر، والضرب بسرعة وفي اللحظة غير المتوقعة ).
ولم يشكل البريطانيون مطلقاً مثل هذه المجموعات، واتعت الحرب مجراها، وأعطت النتائج المتوقعة منها. وما لم يتوصل هاردينغ إلى عمله، في العام 1956، بعشرين ألف رجل، فشل خلفه في تحقيقه في العام 1958، وبعدد مضاعف من الجنود. وعندما توقفت الأعمال العدائية، كان في قبرص ثلاثة وأربعون ألف جندي بريطاني، وقلة من الناس تملك القدرة على الحديث عما كان هؤلاء الجنود يفعلون. ومن المؤكد أنهم لم يكونوا لحفظ السلام.
ويمكننا أن نكون فكرة عن نشاطات إيوكا في تلك الحقبة، من خلال هذه اللوحة التي قدمها غريفاس عن نهار الثاني من تشرين الأول 1958.
ماذا كان بوسعه أن يفعل؟ لقد لقد قام غريفاس فيما بعد بدراسة المشكلة التي واجهها عدوه، وكتب:
( استمرت هاردينغ على خطئه: فهو لم يقدر خصمه حق قدره من جهة، كما بالغ في إمكانيات قواته من جهة أخرى.. إن من الخطأ استعمال دبابة للقبض على فأر، لكن بمقدور هرٍ أن يقوم بذلك خير قيام. وان الأمل الوحيد المتاح للمارشال من أجل الإمساك بنا، هو أن يلعب معنا لعبة القط والفأر، وذلك باستعمال مجموعات صغيرة مدربة لهذا الغرض، وقادرة على التمسك بالحيلة والصبر، والضرب بسرعة وفي اللحظة غير المتوقعة ).
ولم يشكل البريطانيون مطلقاً مثل هذه المجموعات، واتعت الحرب مجراها، وأعطت النتائج المتوقعة منها. وما لم يتوصل هاردينغ إلى عمله، في العام 1956، بعشرين ألف رجل، فشل خلفه في تحقيقه في العام 1958، وبعدد مضاعف من الجنود. وعندما توقفت الأعمال العدائية، كان في قبرص ثلاثة وأربعون ألف جندي بريطاني، وقلة من الناس تملك القدرة على الحديث عما كان هؤلاء الجنود يفعلون. ومن المؤكد أنهم لم يكونوا لحفظ السلام.
ويمكننا أن نكون فكرة عن نشاطات إيوكا في تلك الحقبة، من خلال هذه اللوحة التي قدمها غريفاس عن نهار الثاني من تشرين الأول 1958.
لارناكا – مقتل جندي بقنبلة، إعدام عميل مدني من قبل فصيل الإعدام.
نيقوسيا – إلقاء قنبلة من سيارة على القيادة العامة للشرطة، والنتائج مجهولة.
فاماغوستا – نصب كمين لشاحنتين عسكريتين، وسقوط عدد مجهول من الضحايا.
ليماسول – جرح أربعة انجليز بسبب قنبلة أُلقيت على فندق ( أكربول ) وجرح أربعة جنود بقنبلة أُلقيت على شاحنة.
بلاتيني – انفجار لغم تحت شاحنة،
مما أدى إلى مقتل جنديين وجرح اثنين آخرين.
بانايا ستافروس – مقتل جنديين وجرح اثنين آخرين بكمين.
بيروا – نصب كمين لشاحنة، وسقوط عدد مجهول من الضحايا.
ميزويي – مقتل جنديين في كمين.
بيي – انفجار لغم تحت شاحنة، ومقتل جنديين وجرح اثنين آخرين.
بيريسترونا – قذف قنابل على شاحنتين عسكريتين، وسقوط عدد مجهول من الضحايا
وقد فاقمت السلطات البريطانية طبيعة الصراع، دون أن تغير مجراه، عندما ورطت فيه القبارصة الأتراك. وادي تطويع الأتراك في الشرطة وإثارة النعرات العرقية إلى وقوع بعض المذابح بين المدنيين، وسقوط ضحايا بريئة في كلا المعسكرين. ولكن قاعدة ( فرق تسد ) لم تنجح في قبرص.
وباتفاقيات زوريخ ولندن، الموقعة من قبل انجلترا وتركيا واليونان، نشأت جمهورية قبرص بدستور مضمون من الدول الثلاث، ولم يرضِ الحل غريفاس، الذي لم يكن يرى في الاستقلال إلا خطوة أولى للوحدة مع اليونان (إينوسيس).
بانايا ستافروس – مقتل جنديين وجرح اثنين آخرين بكمين.
بيروا – نصب كمين لشاحنة، وسقوط عدد مجهول من الضحايا.
ميزويي – مقتل جنديين في كمين.
بيي – انفجار لغم تحت شاحنة، ومقتل جنديين وجرح اثنين آخرين.
بيريسترونا – قذف قنابل على شاحنتين عسكريتين، وسقوط عدد مجهول من الضحايا
وقد فاقمت السلطات البريطانية طبيعة الصراع، دون أن تغير مجراه، عندما ورطت فيه القبارصة الأتراك. وادي تطويع الأتراك في الشرطة وإثارة النعرات العرقية إلى وقوع بعض المذابح بين المدنيين، وسقوط ضحايا بريئة في كلا المعسكرين. ولكن قاعدة ( فرق تسد ) لم تنجح في قبرص.
وباتفاقيات زوريخ ولندن، الموقعة من قبل انجلترا وتركيا واليونان، نشأت جمهورية قبرص بدستور مضمون من الدول الثلاث، ولم يرضِ الحل غريفاس، الذي لم يكن يرى في الاستقلال إلا خطوة أولى للوحدة مع اليونان (إينوسيس).
ولا يستطيع البريطانيون الادعاء بالحصول على نصر، ولو جزئي. فالصراع العبثي الذي دام أربع سنوات، كلّفهم غالياً بالأرواح والمال والسمعة، وانتهى بحل وسط على الورق، أسوأ من هزيمة سافرة. وحتى ذلك الحين، لم يكن هناك إلا مسألة استعمارية مزعجة، ثم ظهرت بعد ذلك قضية عالمية متفجرة، لا تزال تشكل تهديداً جسيماً للسلام في البحر الأبيض المتوسط، وللبريطانيين أنفسهم.
أما النزاع الذي أدى إلى اتفاق زوريخ، فقد كان، جولة بعد أخرى، مجموعة من الهزائم السافرة للسياسة والأسلحة الاستعمارية. وقد تصرف البريطانيون حيال إيوكا كما يفعلون مع المجرمين العاديين، وبنفس الوسائل المستعملة لقطع دابر موجة إجرامية. ولم يبد لهم أنهم فهموا أبداً ما كان غريفاس قد وعاه بوضوح كامل منذ البداية:
( كنت أقهقه من الضحك، عندما كنت أقرأ بأن الجنرال فلان أو الجنرال فلان قد جاء إلى قبرص، لتطبيق الأساليب التي كونت سمعته في أماكن أخرى. ولم يكن بوسعهم أن يفهموا، بأن الصراع في قبرص كان استثنائياً، بدوافعه، وسيكولوجيته، وظروفه، وأنه لم يكن يشمل حفنة من الثوار، بل الشعب بأكمله ).
0 التعليقات:
إرسال تعليق