حرب المستضعفين 22
وبعد التحذير، نفذت إيوكا مجموعة من الإغارات على مراكز الشرطة، بغية تحقيق هدف مزدوج: إرعاب رجال الشرطة، وتموين المنظمة بالأسلحة التي كانت بأمس الحاجة إليها، لأنها كانت تأتي بكميات قليلة جداً من اليونان. التي حصلت المنظمة منها على أسلحتها الأولى.
وتباطأ العمل في المدن، مما جعل غريفاس يعزو ذلك إلى ( عدم خبرة مجموعات التنفيذ ). ومع ذلك فقد حقق أنصاره بعض النتائج، إذ قُتل بعض رجال الشرطة أو جُرحوا في نيقوسيا وفاماغوستا، واستقال كثيرون، أما الباقون، فلم يكونوا يجرؤون ( كما قال غريفاس ) على الظهور خارج مراكزهم. وأدت الإغارات إلى وضع الإدارة كلية في حالة الدفاع، وأصبحت المراكز محروسة بشدة ليلاً، وفي حالة إقفال مركز مؤقتاً، كانت السلطات تخلي الأسلحة قبل إقفاله.
وكان البريطانيون يجهلون عملياً كل شيء عن إيوكا: تشكيلها، أماكن تمركزها... إلخ. وكان أنصار غريفاس قد أسكتوا بسرعة كل رجال الشرطة القبارصة الذين كان بإمكانهم تزويد الخصم بمثل هذه المعلومات.
وفي 28 آب، كان دركي من الفصيلة الخاصة، قد حكم عليه بالإعدام من قبل الثوار، لأنه كان متحمساً أكثر من اللازم عند تنفيذ واجبه. وعين من قبل رؤسائه للاشتراك في اجتماع سياسي في شارع ( ليدرا ) في نيقوسيا. ولقد صُرع أمام مائة شخص من قبل موظفٍ حكومي شاب هو ( مايكل كاراوليس ) الذي كان عضواً من ثلاثة في فريق تنفيذي تابع لمنظمة إيوكا.
وجرى الاغتيال في وضح النهار، وفي قلب العاصمة. فكانت بمثابة ضربة قاتلة إلى معنويات الشرطة. ولقد أوقف كاراوليس، وحكم عليه بالإعدام، لكن كان قد نفذ عمله. ويقول غريفاس إن إعدام دركي الفرقة الخاصة، ( قد زعزع المعارضة ضد إيوكا في صفوف رجال الشرطة اليونانيين ).
وحل الأتراك أكثر فأكثر محل اليونانيين في صفوف الشرطة، مما أجج العداوة بين الجماعتين العرقيتين. وهناك كثير من اليونانيين الذين تابعوا العمل لحساب البريطانيين في الشرطة، وقاموا بدور المخبرين لصالح إيوكا، وأعلموها تماماً بنوايا البريطانيين. وأغلق الباقون عيونهم عن نشاطات الإرهابيين، كما توقع غريفاس، ولم يعودوا يشكلون عقبة في سبيلهم.
وشهّرت الدعاية البريطانية بحرارة كبيرة بالوسائل المستعملة من قبل إيوكا. ولم يتأثر غريفاس بذلك، وكتب في هذا الصدد:
كل الحروب قاسية، والطريقة الوحيدة للتغلب على قوات متفوقة، وهي اللجوء إلى الحيلة والخداع. ولن تستطيعوا إيجاد الفرق بين الضرب من الأمام أو من الخلف، وكذلك بين استعمال البندقية أو المدفع. ويستطيع البريطانيون أن يلوموني كما يشاؤون، لأنني أعلنت الحرب في قبرص، لكني لم أكن مضطراً لأن أطلب منهم الإذن بذلك، ولن يستطيعوا النكران بأن النجاح قد توجها
وبسبب هيجان سياسي شديد، تكدست جموع كبرى في المدن الرئيسية وساندت الإرهاب. وفي شهر أيلول 1955 وخلال إحدى التظاهرات التي جرت في نيقوسيا، قلب المتظاهرون سيارات الجيش، وأحرقوها، واشتعلت المؤسسة البريطانية.
ولم تنجح تعليقات الصحف على هذه الحوادث في جعل مسألة قبرص تبحث في الأمم المتحدة، ورفض اقتراح في هذا الخصوص قدمته اليونان بتاريخ 23 أيلول، لكن البريطانيين تأثروا منه. ومنذ 25 أيلول، أعلنت لندن أن حاكم قبرص سيُبدل قريباً.
وكان البديل المارشال السير جون هاردينغ، وهو جندي برز في الحرب العالمية الثانية، وكان قد ترك لتوه وظائفه كرئيس لهيئة الأركان العامة الإمبراطورية. وكتب غريفاس حول ذلك: بالواقع أنه القائد العسكري الأشد تميزاً في هذا العصر. ولا يمكن أن نُبجّل بأكثر من أن نرى أمام قواتنا النزيرة رجلاً بمثل هذه السمعة العظيمة، ويحمل إرثاً يتمثل في مهنة بمثل هذه الروعة.
وكانت الأحداث في سبيلها إلى البرهان بأن هاردينج لن يكون أكثر نجاحاً من سلفه.
وقد برهنت تسمية عسكري كحاكم للجزيرة، على أن الحكومة البريطانية قد أحجمت عن استعمال الشرطة، لأنها تريد سحق إيوكا بالقوة، وكما هي العادة، مع ثوار العصابات، أو بالأحرى مع الإرهابيين، فإن القوة لا يمكننها مهاجمة شيء غير ملموس ويشرح غريفاس ذلك بقوله:
( لقد رد البريطانيون على أساليبنا، فأغرقوا الجزيرة بالجند، ولم يكن ذلك هو الحل الحسن. إن أهمية العدو محدودة في حرب العصابات, وأقول كثائر من ثوار العصابات،
ومن المجدي أن نذكر، بأن غريفاس يتحدث عن حملة نقوم قبل كل شيء على الإرهاب والتخريب، وتدار في جزيرة صغيرة لا تفسح مكاناً للمناورة، وتسعى إلى تحقيق أهداف سياسية أكثر منها عسكرية. فهو لم يهدف إلى إنشاء قواعد مستقلة، أو الوصول إلى الهدف الأقصى من حـرب العصابـات ( المستحيلة في قبرص ): وهو تعادل ميزان القوى العسكري. ففي ظروف مماثلة لظروف قبرص، كان يمكن اعتبار وحدات العصابات الصغيرة وكأنها ( صالحة للاستهلاك ) تماماً مثل الإرهابيين، الباحثين عن آثار سياسية ونفسية، عن طريق التضحية بأنفسهم في سبيلها.
وبعد التحذير، نفذت إيوكا مجموعة من الإغارات على مراكز الشرطة، بغية تحقيق هدف مزدوج: إرعاب رجال الشرطة، وتموين المنظمة بالأسلحة التي كانت بأمس الحاجة إليها، لأنها كانت تأتي بكميات قليلة جداً من اليونان. التي حصلت المنظمة منها على أسلحتها الأولى.
وتباطأ العمل في المدن، مما جعل غريفاس يعزو ذلك إلى ( عدم خبرة مجموعات التنفيذ ). ومع ذلك فقد حقق أنصاره بعض النتائج، إذ قُتل بعض رجال الشرطة أو جُرحوا في نيقوسيا وفاماغوستا، واستقال كثيرون، أما الباقون، فلم يكونوا يجرؤون ( كما قال غريفاس ) على الظهور خارج مراكزهم. وأدت الإغارات إلى وضع الإدارة كلية في حالة الدفاع، وأصبحت المراكز محروسة بشدة ليلاً، وفي حالة إقفال مركز مؤقتاً، كانت السلطات تخلي الأسلحة قبل إقفاله.
وكان البريطانيون يجهلون عملياً كل شيء عن إيوكا: تشكيلها، أماكن تمركزها... إلخ. وكان أنصار غريفاس قد أسكتوا بسرعة كل رجال الشرطة القبارصة الذين كان بإمكانهم تزويد الخصم بمثل هذه المعلومات.
وفي 28 آب، كان دركي من الفصيلة الخاصة، قد حكم عليه بالإعدام من قبل الثوار، لأنه كان متحمساً أكثر من اللازم عند تنفيذ واجبه. وعين من قبل رؤسائه للاشتراك في اجتماع سياسي في شارع ( ليدرا ) في نيقوسيا. ولقد صُرع أمام مائة شخص من قبل موظفٍ حكومي شاب هو ( مايكل كاراوليس ) الذي كان عضواً من ثلاثة في فريق تنفيذي تابع لمنظمة إيوكا.
وجرى الاغتيال في وضح النهار، وفي قلب العاصمة. فكانت بمثابة ضربة قاتلة إلى معنويات الشرطة. ولقد أوقف كاراوليس، وحكم عليه بالإعدام، لكن كان قد نفذ عمله. ويقول غريفاس إن إعدام دركي الفرقة الخاصة، ( قد زعزع المعارضة ضد إيوكا في صفوف رجال الشرطة اليونانيين ).
وحل الأتراك أكثر فأكثر محل اليونانيين في صفوف الشرطة، مما أجج العداوة بين الجماعتين العرقيتين. وهناك كثير من اليونانيين الذين تابعوا العمل لحساب البريطانيين في الشرطة، وقاموا بدور المخبرين لصالح إيوكا، وأعلموها تماماً بنوايا البريطانيين. وأغلق الباقون عيونهم عن نشاطات الإرهابيين، كما توقع غريفاس، ولم يعودوا يشكلون عقبة في سبيلهم.
وشهّرت الدعاية البريطانية بحرارة كبيرة بالوسائل المستعملة من قبل إيوكا. ولم يتأثر غريفاس بذلك، وكتب في هذا الصدد:
كل الحروب قاسية، والطريقة الوحيدة للتغلب على قوات متفوقة، وهي اللجوء إلى الحيلة والخداع. ولن تستطيعوا إيجاد الفرق بين الضرب من الأمام أو من الخلف، وكذلك بين استعمال البندقية أو المدفع. ويستطيع البريطانيون أن يلوموني كما يشاؤون، لأنني أعلنت الحرب في قبرص، لكني لم أكن مضطراً لأن أطلب منهم الإذن بذلك، ولن يستطيعوا النكران بأن النجاح قد توجها
وبسبب هيجان سياسي شديد، تكدست جموع كبرى في المدن الرئيسية وساندت الإرهاب. وفي شهر أيلول 1955 وخلال إحدى التظاهرات التي جرت في نيقوسيا، قلب المتظاهرون سيارات الجيش، وأحرقوها، واشتعلت المؤسسة البريطانية.
ولم تنجح تعليقات الصحف على هذه الحوادث في جعل مسألة قبرص تبحث في الأمم المتحدة، ورفض اقتراح في هذا الخصوص قدمته اليونان بتاريخ 23 أيلول، لكن البريطانيين تأثروا منه. ومنذ 25 أيلول، أعلنت لندن أن حاكم قبرص سيُبدل قريباً.
وكان البديل المارشال السير جون هاردينغ، وهو جندي برز في الحرب العالمية الثانية، وكان قد ترك لتوه وظائفه كرئيس لهيئة الأركان العامة الإمبراطورية. وكتب غريفاس حول ذلك: بالواقع أنه القائد العسكري الأشد تميزاً في هذا العصر. ولا يمكن أن نُبجّل بأكثر من أن نرى أمام قواتنا النزيرة رجلاً بمثل هذه السمعة العظيمة، ويحمل إرثاً يتمثل في مهنة بمثل هذه الروعة.
وكانت الأحداث في سبيلها إلى البرهان بأن هاردينج لن يكون أكثر نجاحاً من سلفه.
وقد برهنت تسمية عسكري كحاكم للجزيرة، على أن الحكومة البريطانية قد أحجمت عن استعمال الشرطة، لأنها تريد سحق إيوكا بالقوة، وكما هي العادة، مع ثوار العصابات، أو بالأحرى مع الإرهابيين، فإن القوة لا يمكننها مهاجمة شيء غير ملموس ويشرح غريفاس ذلك بقوله:
( لقد رد البريطانيون على أساليبنا، فأغرقوا الجزيرة بالجند، ولم يكن ذلك هو الحل الحسن. إن أهمية العدو محدودة في حرب العصابات, وأقول كثائر من ثوار العصابات،
إن من الخطر زيادة عدد
المجموعة إلى أبعد مما أدعوه ( نقطة الإشباع )، وتتحدث هذه
النقطة بطبيعة الأرض، وقيمة المحاربين، وحاجتهم للتموين، والتكتيك المستعمل، وضرورة
تقليل الخسائر.
إن منطقة ما قادرة على استيعاب عدد معين من الرجال. ففي الجبال
مثلاً، حيث تشكل القمم والوهاد مساحة ميتة، يصبح هذا العدد جزءاً محدوداً أقلمما يتطلبه
العمل في مكان آخر. وعندما التحقت شخصياً بالأنصار في الجبل، كان يستبد بي
القلق عندما يزيد عددنا عن ستة أشخاص. وحتى في السهل، تصبح نقطة الإشباع أقل مما يمكن أن
نقدره، فاستعمال أكثر
من خمسة أو ستة رجال مثلاً، لمهاجمة قوية، عمل عديم الفائدة.
فكلما كان المهاجمون كثرة، كلما ازدادت صعوبات تملصهم بعد المعركة. وبتطبيقنا
للمبدأ ذاته، احتفظنا دائماً، بناء على أوامري، في القرى التي كنا فيها أقوياء،
بجمود ظاهر. أما في القرى التي كنا فيها ضعفاء، فكنا نهاجم باستمرار بغية خداع
العدو. فإذا حدثت اعتقالات، حتى لمجموعة بكاملها، لم يكن للأمر أهمية، إذا كانت هنالك
دائماً مجموعة لتحل محلها. وهكذا لم أكشف أبداً حقيقة قواتي للعدو، وبعد كل موجة
من العنف، كنت أترك ساحة المعركة خالية. وعندما كان البريطانيون يحاولون الرد، لم يكونوا ليجدوا
شيئاً. ذلك هو سر نجاحاتي خلال أربع سنوات من المعارك القاسية، ولم أغير
مبادئي عندما دخل هاردينغ المسرح ).
ومن المجدي أن نذكر، بأن غريفاس يتحدث عن حملة نقوم قبل كل شيء على الإرهاب والتخريب، وتدار في جزيرة صغيرة لا تفسح مكاناً للمناورة، وتسعى إلى تحقيق أهداف سياسية أكثر منها عسكرية. فهو لم يهدف إلى إنشاء قواعد مستقلة، أو الوصول إلى الهدف الأقصى من حـرب العصابـات ( المستحيلة في قبرص ): وهو تعادل ميزان القوى العسكري. ففي ظروف مماثلة لظروف قبرص، كان يمكن اعتبار وحدات العصابات الصغيرة وكأنها ( صالحة للاستهلاك ) تماماً مثل الإرهابيين، الباحثين عن آثار سياسية ونفسية، عن طريق التضحية بأنفسهم في سبيلها.
وبمهارة فائقة، استعمل غريفاس
بالتناوب مجموعاته المدينية والريفية. فعندما كان يرغب بافتتاح عملية في الريف،
فإنه كان ينظم تظاهرات كبيرة في المدن، لتثبيت القوات، حتى تنفيذ المجموعات الريفية
هجمات صاعقة على أهدافها. وعندما كان يخطط لعملية في المدن، كان يخلق مشاغلات
في الأرياف، حتى يدفع القوات إلى القيام بعمليات ( التمشيط ).
0 التعليقات:
إرسال تعليق