20‏/06‏/2014

حرب المستضعفين 16

حرب المستضعفين 16



وشكل توسيع جهاز الشرطة جزءاً هاماً من برنامج الصراع ضد الثوار. وقد قدّر لعدده أن يبلغ خمسين ألفاً في نهاية العان 1965، حتى يستطيع السيطرة على المناطق المفرغة من الفيتكونغ، ويقبض على المشبوهين، ويحفظ النظام في القرى التي كانت قد فقدت الاتصال الإداري مع الحكومة المركزية. وقد بدا كل ذلك معقولاً، لكن كيف كان بإمكان الشرطة أن تبقى في مكان لم يستطع الجنود البقاء فيه؟

وقد شكلت القرى المحصنة بالميليشيا أهدافاً ثمينة حقاً للفيتكونغ، بسبب الغنيمة المرجوة منها: كالأسلحة وأجهزة الراديو والأدوية والمؤن. وكانت المشكلة بالنسبة إلى الشرطة مماثلة للمشكلة التي جابهها الجيش. فعندما تتفرق تصبح ضعيفة، عندما تحتشد تضطر للتخلي عن الأرض، وبذلك تخفق في مهمتها.

وقد قال جياب: ( لا يمكن لهذه الحرب أن يكون لها، إلا هدف واحد، وهو احتلال البلاد وإخضاعها وبسبب طبيعة الحملة التي يخوضها العدو، فإنه مضطر إلى توزيع قواته حتى يستطيع احتلال الأرض المجتاحة. وأثناء الحرب مع الفرنسيين وجد هؤلاء أنفسهم أمام التناقض التالي: إنهم لا يستطيعون احتلال الأرض المجتاحة بدون تجزئة قواهم، وإذا وزعوها خلقوا لأنفسهم صعوبات، وإذا تصبح وحداتهم المنعزلة فرائس سهلة لقواتنا، وتضعف قواهم المتحركة شيئاً فشيئاً ).


  


والذي نراه هنا هو أكثر من تحليل. فلقد كان الربيع الحرج من العام 1965، بمثابة تحذير كان علينا أن نرقبه. فتوسيع الحرب وزج قوات أمريكية كافية لإدارتها بنجاح، يتضمن محاولة جلية تماماً لعسكريي البنتاغون المصممين على البقاء خارج السياسة وعلى ألا يهتموا إلا بنتيجة المعارك.


لكن حتى ضمن هذا الإطار الضيق، هل كان بإمكان الحملة الأمريكية اجتياح فيتنام، بينما لم تستطع الحملة الفرنسية التوصل إلى ذلك؟


لقد قال الجنرال ديغول في مؤتمر صحافي بتاريخ 13 تموز 1964: ( لا يبدو أن الحل العسكري ممكن. والحقيقة أن بعض الناس يتصورون بأن الأمريكيين يمكن أن يحاولوا في مكان آخر تحقيق الحل العسكري الذي لم يتمكنوا من تحقيقه في هذا المكان، ( فيتنام الجنوبية )، وذلك بنشر الحرب شمالاً بأقصى ما يمكن، وبالتأكيد إن لديهم الإمكانيات للقيام بذلك. لكن من الصعب الرضى بأنهم يمكن أن يقبلوا المخاطرة الضخمة بحرب شاملة. وبالنتيجة، وبما أن الحرب لا تؤدي إلى الحل، فإن من الواجب السعي لتحقيق السلم، وذلك يتضمن العودة إلى الاتفاقيات المعقودة منذ عشر سنين ).


وبفضل اتفاقية جنيف – التي ربطت هوشي منه وحكومته، دون أن تربط تماماً ثوار جنوبي فيتنام – قبل الفرنسيون هزيمتهم في حرب دفع الفييتمينة ثمنها 300 ألف من النفوس البشرية.

ويبدو أنه من غير المعقول أن يقبل الفيتكونغ، بعد خمسة عشر عاماً من التضحيات الجديدة، بالعودة إلى أوضاع العام 1954، بلا قيد ولا شرط.

ومن جهة أخرى، فإن من غير المشكوك به، أن يميل هؤلاء إلى القبول بنصر سياسي، لم يتمكنوا من انتزاعه، حتى ذلك بالوسائل العسكرية.

وفي مقابلة صحفية مع مجلة ( لايف ) في تشرين الثاني 1964، أوجز السفير الأمريكي ألكسيس جونسون الآفاق المفنوحة أمام المفاوضات السلمية بقوله:

( تهدف استراتيجية الفيتكونغ الحالية، إلى الوصول لمفاوضات بين أية حكومة في سايغون والفرع السياسي للفيتكونغ، الذي هو جبهة التحرير الوطنية. وتسعى هذه المفاوضات لخلق حكومة ائتلافية، تقوم جبهة التحرير الوطنية بتوجيهها في مرحلة تالية، ثم يتحقق الاندماج مع فيتنام الشمالية في مرحلة ثالثة ).

وكانت واشنطن قد أقصت هذا الحل. لكن – في حالة المأزق العسكري – يمكن للضغوط السياسية على سايغون أن تسبب بسهولة انفجاراً، يؤدي الحسم الشعبي فيه إلى استبعاد السياسة الأمريكية، وكنس كل حكومة تدعمها.

وبانتظار ذلك، تستمر حرب البرغوث، وتأخذ أبعاداً وبائية. ويستطيع البرغوث أن يتحمل طويلاً، وأن يشن حربه في المجال والزمن، وينمي كل يوم العامل الثالث لكل حرب ثورية طويلة الأمد، ألا وهو: إرادة الصمود عند الشعب. ولا يستطيع خصوم البرغوث التصرف مثله، لذا فإن النتيجة مضمونة مسبقاً، وخاصة إذا استبعدنا فكرة الحرب العامة.


ولا يسعني سوى أن أكرر، بأنه ليس هناك شعب خاضع للاستعمار، خسر حتى الآن حرباً شنها بنفسه.

0 التعليقات: