حرب المستضعفين 4
ولقد قادنا التاريخ إلى عصر حصلت فيه الطبقات العاملة على السلطة السياسية، لعدة أسباب وخاصة بسبب تعقد أساليب التصنيع، والتشظي، والتخصص، وترابط المجتمع الصناعي، وأهمية العمل المنضبط واتساع أسواق الاستهلاك. ولقد أكسبها دورها الجديد – باعتبارها منتجة وموزعة ومستهلكة – وسيلة للتأثير.
ولأسباب اقتصادية، يجب أن تبدو الحكومات الحديثة شعبية، ويتوجب عليها أن تقدم تنازلات تتجاوب مع تصورات الديمقراطية والعدالة التي يتخيلها الشعب أو أن تترك مكانها لحكومة أخرى تحقق دلك. وحكومات الدول الصناعية المسيطرة – وبدرجة أعظم من تلك التي تسيطر عليها – تجد نفسها مرتبطة سياسياً بهذا العامل المتعلق بالصورة الداخلية، وعليها أن تستعمل البلاغة الليبرالية، وأن تقبل الحلول الوسط – المدارس، المستشفيات، رغد العيش للجميع ما عدا المسكاين المعزولين – من أجل الحفاظ على السلطة وإبقاء الناس في أعمالها العادية التي تقدم الفوائد.
وطالما أن أولئك المكلفين بالصراع
ضدها لا يفهمونها، فلن يجدوا أية وسيلة استرتيجية أو تكتيكية لتحقيق النصر.
أما إذا فهمها أولئك
الذين يقودونها، فإنها لن تخيب مطلقاً، مهما كانت الظروف، لأن
أما الثورات اللاحقة،
منذ عصر النهضة وحتى ثورة روسيا، دون أن ننسى الثورة المكسيكية
(1910-1917)، فقد كانت لها صبغة بورجوازية، أو
أنها اتخذت تلك الصبغة بسرعة بعد البداية الشعبوية ( تمييزاً عن الشعبية ).
أما الشعار ( حرية – مساواة – إخاء ) فلم ينطبق إلا على البورجوازية الكبيرة والصغيرة،
وبعد فاصل يعقوبي قصير ( ظاهرة معبرة إن كل المؤرخين البرجوازيين يخشون ويشجبون
البروليتاريانية لعصر الإرهاب )، لأنه في النهاية، كانت البرجوازية تمتلك لوحدها –
الغنى ووسائل الانتاج – فتأخذ بقيادة الصراع مع الارستقراطية المالكة للأرض. ومع
أنه حدثت تبدلات في الطبقات، وتوافرت شعارات من النوع الديممقراطي لكن الجماهير
غير المتخصصة أو التي لا تمتلك أرضاً بقيت مغمورة. لقد كان بإمكانها أن تتوقف عن
العمل، وتموت من الجوع، لا بأس؛ لأن عدد الشحاذين واللصوص في هذه الحالة سيتناقص.
ونظراً لانعزالهم، فإن أحداً لن يهتم لهم إذا ما قُتلوا.
ولقد قادنا التاريخ إلى عصر حصلت فيه الطبقات العاملة على السلطة السياسية، لعدة أسباب وخاصة بسبب تعقد أساليب التصنيع، والتشظي، والتخصص، وترابط المجتمع الصناعي، وأهمية العمل المنضبط واتساع أسواق الاستهلاك. ولقد أكسبها دورها الجديد – باعتبارها منتجة وموزعة ومستهلكة – وسيلة للتأثير.
فإذا توقفت عن العمل انهار الاقتصاد، ويحدث الشيء نفسه، إذا
هي انقطعت عن الشراء والاستهلاك،
وإذا ما قُتلت، نشأ عن ذلك انعكاسات عالمية سببها
– حسب آخر تحليل – مرتكز على اعتبارات اقتصادية.
ولا يستطيع المجتمع
الصناعي الحديث أن يقوم بوظيفته كما لا تستطيع حكومته أن تحكم، إلا بالمساهمة والرضاء
الشعبيين. وما ينطبق على الدول الصناعية نراه كذلك، على درجة أقل، في الدول غير
الصناعية والمستعمرات، التي تتعلق بها الدول بها الدول الأولى للحصول على المواد الأولية
الضرورية لصناعتها والضرورية كذلك لصادراتها.
ولأسباب اقتصادية، يجب أن تبدو الحكومات الحديثة شعبية، ويتوجب عليها أن تقدم تنازلات تتجاوب مع تصورات الديمقراطية والعدالة التي يتخيلها الشعب أو أن تترك مكانها لحكومة أخرى تحقق دلك. وحكومات الدول الصناعية المسيطرة – وبدرجة أعظم من تلك التي تسيطر عليها – تجد نفسها مرتبطة سياسياً بهذا العامل المتعلق بالصورة الداخلية، وعليها أن تستعمل البلاغة الليبرالية، وأن تقبل الحلول الوسط – المدارس، المستشفيات، رغد العيش للجميع ما عدا المسكاين المعزولين – من أجل الحفاظ على السلطة وإبقاء الناس في أعمالها العادية التي تقدم الفوائد.
إن ذلك يجعل الحكومات
حساسة لأنه لا بد لها أن تشغل اقتصادها بأي ثمن، وتحقق الأرباح، أو أن تجهز
المواد الأولية أو الأسواق يتوقف عليها اقتصاد آخر أعلى مرتبة، وهي حساسة كذلك،
لأنه لا بد له أن تحفظ مظهر الحالة السوية تحت طائل الطرد، ولأنه لا يمكنها أن
تتصرف تنكدها، وعليها أن تغازل وتقمع في الوقت ذاته.
تلك هي نقاط الضعف الحديثة،
التي تجر معها وسيلة أيضاً حديثة لاستغلالها ألا وهي حرب العصابات المعاصرة.
وفي الدول ذات الشكل الديمقراطي، والبورجوازي، والرأسمالي ( وتقاسمها في ذلك كل
الحكومات الأخرى ضمن بعض الحدود ) تستطيع نقاط الضعف المذكورة جعل الحرب الشعبية
ممكنة واعطاءها أشكالها المميزة، التي لا يمكن تقليدها إلا بشكل سطحي جداً من قبل
جيش الدولة.
ويختلف تكتيك رجل العصابات بشكل
عن تكتيك الجندي المضاد للعصابات، لأن دوريهما مختلفان، منهما قوتان
متنافرتان، تشنان حربين متعارضين، في سبيل أهداف متضادة. ويبحث الجندي المضادة
للثورة عن كل حل عسكري، يتمثل في إبادة رجال العصابات، لكنه معاق بعقبة سياسية
واقتصادية، فهو لا يستطيع أن يبيد الشعب ولا واحداً من أجزائه الهامة. أما رجل العصابات،
فإنه يرغب في اهتراء عدوه العسكري، ويستعمل تكتيكياً مناسباً لهذا الغرض، وهدفه
الرئيسي سياسي، ويتمثل في تسعير حريق الثورة في صراعه،
وتحريض الشعب كله، ضد النظام، وإظهار عيوب هذا
النظام، وعزله، وتقويض اقتصاده، واستنزاف موارده، وإثارة تفككه.
إن حرب العصابات في جوهرها سياسية
واجتماعية أما وسائلها فهي سياسية بمقدار ما هي عسكرية أما هدفها فسياسي بالكامل
تقريباً. ونستطيع أن نقول " انطلاقاً من مقولة كلاوفيتز " : إن حرب العصابات
استمرار للسياسية بواسطة صراع مسلح. وفي درجة معينة من نموها، تصبح ثورة..
عندها تغدو أسنان التنين
نالكة لكل قوتها.
إن حرب العصابات تعادل حرباً ثورية،
إنها امتداد للسياسة باستعمال السلاح.
الحرب الثورية لن تبدأ إلا عندما تتوافر ظروف
نجاحها.
ولنفحص الآن آليات هذا السياق الثوري، المسمى حرب العصابات.
ولنفحص الآن آليات هذا السياق الثوري، المسمى حرب العصابات.
0 التعليقات:
إرسال تعليق