22‏/06‏/2014

حرب المستضعفين 24

حرب المستضعفين 24

الفصل العاشر

فشل حرب العصابات في
الفلبين وماليزيا واليونان

إخفاق حرب العصابات – ( ماغساي ساي) و (الهوك(
في الفلبين – ثمن النصر البريطاني في ماليزيا
لماذا فشل الشيوعيون في اليونان.

 

إذا كنا نكرر غالباً تشبيه ماو لثائر العصابات الذي يسبح كالسمكة في البحر، فلأنه يتضمن حقيقة جوهرية، ويشرح بدقة، بل وبشكل مثير للإعجاب، المبدأ الأساسي لحرب العصابات. وإذا ذهبنا في مقارنتنا لما يمكن أن يحصل للسمكة عندما نسحبها أو عندما تخرج هي بنفسها من البحر، وعينا – بصورة تفوق ما يمكن أن نعيه بعد دراسة طويلة – أسباب الإخفاق الذي أُصيبت به بعض حركات حرب العصابات.

يشكل تدمير الجيش الديمقراطي للشيوعيين اليونانيين، في العام 1949، المثال الأول. وتقدم ماليزيا نموذجاً آخر، في حين تقدم انتفاضة ( الهوكبا لاهاب ) في الفليبين المثل الثالث. وتبرهن الحالات الثلاث عما يحدث لثوار العصابات عندما يُقطعون، أو ينقطعون هم بأنفسهم ( كما فعل الشيوعيون اليونانيون )، عن الاتصال والدعم الشعبيين.

ونجد أصل حركة الهوك، مثل حركات أخرى غيرها، في الحرب العالمية الثانية، وهي الأكثر تعليماً لاستراتيجيي الحرب المضادة للانتفاضة، لأنها تُظهر جيداً العمل الناجح للأسلحة السياسية والاجتماعية.

ويبدو أنه يجب أن نعزو التهدئة في الفيليبين بشكل خـاص، إلى رصيد رجل سياسي ذكي هو الرئيس (رامون ماغساي ساي)، الذي أصبح وزيراً للدفاع في العام 1950، في الوقت الذي كان الهوك على قاب قوسين من اجتياح مانيلا.

فالهوك، كالفييتمينة في الهند الصينية، وايلاس في اليونان، والشيوعيين في ماليزيا، والأنصار في البلاد المحتلة من قبل المحور، ولدوا جميعاً كحركات وطنية – ثوار عصابات وطنيين يكافحون المغتصب – بمباركة دول الحلفاء ومساعدتهم العملية والمادية. وكان الدعم بالنسبة إلى الهوك قادماً من البداية من الولايات المتحدة. وكانت الدوافع الثورية دائماً معقدة: فقد قاتل الهوك في سبيل شيء ما وضده في آن واحد. وأُخذت شعارات الحرب على محمل الجد، وبعد طرد اليابانيين من الجزر، تغلبت الطموحات الاجتماعية حتى على الاستقلال، الذي منح بشروط عام 1946، وأصبحت الدافع الرئيسي. فبعد أن حارب الشعب ضد اليابانيين، بدأوا الحرب من أجل أنفسهم، وأخذوا يطالبون بحق التعبير السياسي وتوزيع الأرض.

وكان ماغساي ساي ثائراً قديماً، فاستطاع بذكائه أن يفهم ما يجب أن يفعل. وكان له من النفوذ ما يكفي للحصول على ما يريد.

وعندما استلم سلطاته في العام 1950، كان الهوك يسيطرون على وسط (لوسون)، وعلى الجزء الأعظم من (مندناو)، ويمتلكون قوة قوامها 12 ألف رجل مسلح، ويتمتعون بالتعاون الفعال لما لا يقل عن مليون من أصل سبعة عشر مليوناً من السكان. ولم يكن 30 ألف رجل قادرين على الوقوفف أمامهم. أما مخازن الأسلحة التي تركها اليابانيون، أو التي قدمها الأمريكيون خلال ( الحرب الثانية )، فكانت كافية لتغذية حرب أهلية تدوم عشرات السنين. ومع أن غالبية السكان لم يكونوا متعاطفين علناً مع الثوار، فإنهم ظلوا على الأقل سلبيين.

وكانت الأرض، بجبالها، وغاباتها المليئة بالمستنقعات، مناسبة لثوار العصابات. وكانت القوات الحكومية مكروهة من القرويين فانسحبت إلى المراكز السكانية الكبيرة ولم تظهر في عمق البلاد إلا خلال الحملات التأديبية، وكانت في هذه الحالة مجهزة بعربات مصفحة، ترهب السكان الريفيين.

للقضاء علي حرب العصابات

وكان أول عمل قام به ماغساي ساي، هو إعادة تنظيم الجيش، ووضع حد للإرهاب العسكري، وازداد الضغط على الهوك بسبب إرسال وحدات صغيرة مسلحة، تعمل على طريقة الدرك، لمطاردة ثوار العصابات إفرادياً، واصطيادهم، بينما انكب الجيش على الأعمال الاجتماعية: كإقامة المستوصفات، وبناء المدارس، وتصليح الطرقات والجسور، ومساعدة الفلاحين على نقل أرزهم إلى السوق.

وكان العمل الثاني الذي قام به ماغساي ساي، والذي بدونه لم يكن للعمل الأول، أي فائدة – هو صياغة قوانين تسمح للهوك بالحصول على ما يرغبون فيه، بشرط أن يلقوا السلاح. وأُعلن العفو العام، وأُفرغ شعار الشيوعيين: ( الأرض لمن لا يملكون أرضاً ) من محتواه، بفضل الإصلاح الزراعي، وبرنامج الاستيعاب الذي جعل من حق كل ثائر يستسلم الحصول على قطعة من الأرض.

ونجح مشروع مدروس، لشراء الضمائر، حيثما كانت تفشل الوسائل الأخرى. ودُفع بسخاء ثمن الأسلحة، المعادة إلى السلطة، وخصصت مبالغ ضخمة ثمناً لرؤوس قادة الهوك، وأدت الخيانات إلى تقطيع أوصال قيادة الثائرين، وقطعت العصابات عن قواعدها المدينية في مانيلا، حيث أمكن القبض عملياً على جميع أعضاء القيادة الثورية تقريباً.

وفي العام 1951، قام الجنود بحراسة صناديق الاقتراع خلال انتخابات حرة ( كانت الأولى ولا شك في تاريخ الفيليبين ) وأدت الانتخابات إلى إصلاحات اجتماعية أخرى، أضعقت تدريجياً قوة الدعوة الشيوعية.

وعندما استسلم ( لويس تاروك ) زعيم الهوك في العام 1954، كانت الحكومة تسيطر على القرى بحزم، بينما تقلص عدد الثوار إلى عدة آلاف، خاصة بسبب الردة، وأصبحوا مشتتين في المناطق الأشد وعورة في اثنين من أكبر الجزر.

ولم يُهزم الثوار عسكرياً – وهم في الحقيقة لم يبادوا مطلقاً، ولذا فإنهم يظهرون من وقت لآخر – لكنهم فقدوا حرب الدعاية، ولم يعودوا قادرين على جذب الشعب. لقد سُلبوا قضيتهم من قبل حكومة أكثر شعبية من كل ما سبقها من حكومات ( لقد ساعد على ذلك إلى حد ما، دعم قدره 620 مليوناً من الدولارات الأمريكية )، وقُطعوا بشكل بطيء ولكنه ثابت، عن الدعم الذي كان وجودهم يتوقف عليه.

وقد نتساءل لماذا لم يستغل الهوك قوتهم، بشكل أفضل، عندما كانوا يتمتعون بها. ويبدو أن إحدى نقاط ضعفهم الكبيرة، كانت عجزهم عن إقامة جبهة شعبية في مرحلة كانوا فيها بأمس الحاجة إلى دعم سكان المدن، ومساهمة الطلاب والعمال والفئات الفقيرة، وحافظت حركتهم على صفتها الريفية. ولقد سيطر الثوار بالفعل على القرى في فترة 1949-1950، لكنهم لم يمسوا مطلقاً وبشكل جدي اقتصاد الأرخبيل، أو الحياة في العاصمة. وكان تكتيكهم المراوغ لا يساعد على تحقيق نتائج مفيدة بالدعاية، من أجل أحداث أثر سياسي عظيم. وبعد أن حُرموا من قيادتهم السياسية، انغمسوا في حياة لا تختلف كثيراً عن حياة المجرمين وقطاع الطرق، تاركين لمانيلا زمام المبادرة العسكرية والسياسية.

لقد كان بوسع 12 ألف ثائر، يتمتعون بدعم سكان الأرياف، ويواجهون جيشاً قوامه 30 ألف رجل فقط، تحقيق حشود للاستيلاء علي كافة المواقع ، ما عدا القوية منها، وعلى كافة المدن، ما عدا الكبيرة. ولم يفعل الهوك ذلك.

وكان بإمكانهم اللجوء إلى الأعمال التخريبية، من أجل إعاقة الاتصالات، وشل الاقتصاد الوطني، بقوات أصغر من قواتهم الفعلية. ولكنهم لم يفعلوا ذلك.

وبعدم أخذهم زمام المبادرة، أو لعجزهم نفسياً، فإنهم لم ينجحوا في إثارة محلية الشعب، وفشلوا بالتالي في إثارة قلاقل جماعية ضرورية لقلب الحكومة، أو لتشكيل جيش ثوري قادر على مواجهة جيش

الحكومة. ولقد قال  كلاورفيز:

( يكسب الرأي العام في النهاية، بفضل الانتصارات الكبيرة). 

0 التعليقات: