07‏/02‏/2021

قوانين الطبيعة البشرية 7

 قوانين الطبيعة البشرية 7


الخطوة الأولى: اكتشاف الانحیازات

 

1-  الانحیاز للنفس:

أنظرُ إلي الأدلة، وأصل إلى قراراتي عبر عملیات تفكیر عقلانیة؛ إلى حدٍّ ما.

 

عندما نتمسك بفكرة، ونقنع أنفسنا بأننا توصلنا إلیها بطریقة عقلانیة، نأخذ في البحث

عن برهان یؤید رأینا؛ وذاك أمر موضوعي وعلمي، لكن بسبب وجود مبدأ المتعة،

وتأثرنا غیر الواعي به فإننا نقوم بإیجاد برهان؛ یؤكد ما نرید نحن أن نصدقه. وهذا

ما یعرف بالانحیاز للنفس.

 

ففي نهایة الأمر، یرید الناس أن یسمعوا أفكارهم هم، واختیاراتهم هم، وقد تأكدت برأي الخبراء، وسیفسرون ما تقوله في إطار ما یریدون سماعه منك؛ وإذا كانت نصیحتك تخالف رغباتهم فسیجدون طریقة ما لصرف النظر عن رأیك، أو خبرتك المزعومة، وكلما زاد نفوذ الفرد كان أكثر عرضة لهذا النوع من الانحیاز للنفس.

 

2-  الانحیاز الاعتقادي:

إني أومن بهذه الفكرة بشدة بالغة، ولا بد أنها صحیحة.

ویظهر هذا الانحیاز بوضوح أكبر في علاقاتنا بالقادة؛ فإذا كانوا یعبرون عن آرائهم بكلمات حماسیة وإیماءات محمومة، ومجازات لغویة تنبض حیویةً، وحكایات ممتعة، مع عقیدة راسخة، فلا بد أن ذلك یعني أنهم درسوا الفكرة بعنایة حتى استطاعوا أن یعبروا عنها بكل ذلك الیقین،

ومن جهة أخرى فإن من یظهرون عدم إلمامهم بفكرتهم من أصحاب العبارات المترددة

إنما یظهرون ضعفهم وعدم ثقتهم بها؛ فلعلهم یكذبون، أو هكذا نظنهم، وهذا الانحیاز هو

ما یجعلنا عرضة لتأثیر موظفي المبیعات، ومثیري الغوغاء، الذین یُبدون لنا إیمانهم

(بفكرة لدیهم) لیتوصلوا إلى إقناعنا وتضلیلنا. فهم یعلمون حاجة الناس إلى الترفیه؛ لذلك

تراهم یغطون أنصاف حقائقهم بمؤثرات مسرحیة.

 

3-  الانحیاز للمظهر:

أنا أفهم الناس الذین أتعامل معهم؛ وأستطيع رؤيتهم علي حقيقتهم.

 

إننا لا نرى الناس على ما هم علیه (حقیقةً)؛ بل نحن نراهم على (ما یوحي به)مظهرهم الذي یبدون علیه، وعادةً ما تكون مظاهر الناس خدَّاعة

 

فأولًا: یدرِّب الناس أنفسهم في المواقف الاجتماعیة على إظهار المظهر الملائم الذي سینالون به نظرة إیجابیة، فیبدون مساندین للقضایا النبیلة، ویدأبون على إظهار العمل بجدٍّ وصدق. ونأخذ نحن هذه المظاهر على أنها حقیقة واقعة.

 

وثانیًا: نحن میالون إلى السقوط في تأثیر الهالة؛ فعندما نرى خصالًا سلبیة أو إیجابیة معینة في شخص ما (من قبیل الارتباك الاجتماعي، أو الذكاء)، فإننا نفهم خصاله الإیجابیة والسلبیة الأخرى بما یتلاءم مع تلك؛ وعادة ما یبدو الناس من أصحاب المظهر الحسن جدیرین بالثقة أكثر من غیرهم، وبخاصة منهم السیاسیون؛ فإذا كان أحدهم ناجحًا فسنتصور أنه ربما كان أیضًا ذا أخلاق حمیدة، وصادق الوجدان، ویستحق حظه الطیب، وهذا الأمر یخفي حقیقة أن كثیرین ممن أصابوا النجاح إنما وصلوا إلیه بأفعال غیر أخلاقیة؛ استطاعوا سترها بذكاء عن أعین الناس.

 

4-  الانحیاز للجماعة:

أفكاري أفكار تخصني. أنا لا أصغي إلى أفكار الجماعة؛ ولست إنسانًا إمَّعة.

 

نحن بطبیعتنا كائنات اجتماعیة، والإحساس بالعزلة في الاختلاف عن الجماعة یصیبنا بالكآبة والخوف؛ ونشعر بارتياح كبیر عندما نجد آخرین یفكرون بالطریقة التي نفكر بها.  

والحق أننا مدفوعون إلى اعتناق أفكار وآراء معینة لأنها تجلب لنا هذا الارتياح، ونحن لا ندرك هذه الجاذبیة التي تشدنا، وبذلك فنحن نتصور بأننا فد توصلنا إلى أفكار یقینیة بأنفسنا وحسب، وانظر في شأن من یؤیدون حزبًا دون آخر، ترى أن عندهم عقیدة واحدة، تسودها الاستقامة والصحة بصورة ملفتة، ولا أحد یذكرها (بسوء) أو یضغط علیها بصراحة، وسواء كان المرء من أصحاب الیمین أم كان من أصحاب الیسار (في الأحزاب السیاسیة)، فإن رأیه في الغالب الأعم سیسیر وفق اتجاه واحد في عشرات القضایا؛ كأنه السحر؛ ومع ذلك فإن قلة من أولئك یعترفون بهذا التأثیر في أنماط تفكیرهم.

 

5-  الانحیاز للَّوم:

أنا أتعلم من خبراتي وأخطائي.

 

تثیر الأخطاء والعثرات الحاجة إلى شرحها، فنحن بحاجة إلى تعلم العبرة منها، وألا نعود فنكررها، لكن الحقیقة هي أننا لا نحب أن نتفحص بدقة ما فعلناه؛ فمراقبتنا لنفسنا محدودة؛ لذلك تكون استجابتنا الطبیعیة (لأخطائنا) بلوم الآخرین، أو لوم الظروف، أو بأن ما فعلناه كان قرارًا متسرعًا.  

ومَرَدُّ هذا الانحیاز، هو أنه غالبًا ما یكون من المؤلم جدا لنا النظر في أخطائنا؛ فذلك یستدعي التشكیك في مشاعر التفوق عندنا، وفي ذلك تهدید للأنا فینا، وترانا نخوض في اقتراحات متظاهرین بالتأمل فیما فعلناه، لكن یبرز مبدأ المتعة مع مرور الوقت، فننسى الجزء الصغیر في الخطأ الذي نسبناه إلى أنفسنا، وستعمینا الرغبة والعاطفة مرة أخرى، وسنكرر الخطأ نفسه بحذافیره،.

 

6-  الانحیاز للتفوق:

أنا مختلف. أنا أكثر عقلانیة من الآخرین، وأحسن منهم أخلاقًا أیضًا.

 

قلیلون یقولون العبارة السابقة للآخرین في أحادیثهم؛ فهي تبدو عبارة مغرور، لكن في دراسات واستطلاعات رأي كثیرة، وعندما یُطلب من الناس مقارنة أنفسهم بالآخرین، فهم بصورة عامة یُبدون شیئًا مختلفًا، وهو شيء یكافئ الخدعة البصریة؛ فیبدو أنه لا یمكننا رؤیة عثراتنا وضلالاتنا، ونرى فقط ما عند الآخرین من عثرات وضلالات؛ وهكذاعلى سبیل المثال، یسهل علینا أن نعتقد أن الآخرین المنتمین إلى حزب سیاسي مخالف لنا لم یتوصلوا إلى قناعاتهم بالاعتماد على مبادئ عقلانیة؛ أما من یقفون إلى جانبنا فكانت العقلانیة سبیلهم، ومن الناحیة الأخلاقیة قلیلون منا یعترفون في حیاتهم بأنهم لجؤوا إلى المكر والحیلة في مجال العمل، أو أنهم كانوا مخططین أذكیاء للتقدم في مسیرتهم المهنیة، وكل ما حصلنا علیه، أو ما نظن أننا حصلنا علیه، قد أتى من مواهبنا الطبیعیة، وعملنا الشاق، لكننا عندما نتحدث عن الآخرین فإننا نسارع إلى أن ننسب إلیهم كل أصناف الأسالیب الملتویة، وهذا یمكننا من تبریر أي شيء نفعله، بغض النظر عن النتائج.

 

إننا نشعر بجاذبیة كبیرة لتصور أنفسنا أشخاصًا عقلانیین، مهذبین، خلوقین، فهذه خصال تشجع علیها ثقافتنا بشدة، وإظهار علامات على ما یخالفها یعرضنا لأن نكون محل استهجان الآخرین لنا، ولو أن كل ذلك كان صحیحًا بحیث إن الناس عقلانیین، یتمتعون بالأخلاق الفاضلة لغمر الخیر والسلام العالم، لكننا نعلم الواقع؛ ولذلك فإن بعض الناس -وربما جمیعنا- ما نخدع إلا أنفسنا، وخصال العقلانیة والأخلاق الفاضلة لا یمكن الوصول إلیها إلا بالوعي وبذل الجهد، فهي لا تأتینا بصورة طبیعیة، بل هي تأتي من خلال عملیة النضوج الفكري.

 

0 التعليقات: