11‏/02‏/2021

قوانين الطبيعة البشرية 21

 قوانين الطبيعة البشرية 21


علامات التسلط والخضوع:

وتذكَّر أن شعور المرء بأن له مكانة اجتماعیة متفوقة یعطیه ثقة بنفسه، تشع إلى خارج نفسه عن طریق لغة جسده، وبعض الناس یشعر بهذه الثقة قبل أن یصل إلى مكانة في السلطة، وبانجذاب الآخرین إلیه یغدو الأمر نبوءة ذاتیة التحقق، وقد یحاول بعض أصحاب الطموح محاكاة هذه العلامات؛ لكن علیهم إتقان ذلك؛ فالثقة الزائفة یمكن أن تكون منفرة جدا.

وعادة ما تترافق الثقة بشعور كبیر بالاسترخاء؛ یظهر بوضوح في الوجه، وفي الحریة الكبیرة في الحركة، ویشعر أصحاب السلطة أن بمقدورهم النظر حولهم إلى الآخرین مع إطالة النظر، ویختارون التواصل البصري مع من یعجبهم، وترى جفونهم أقرب إلى الإغلاق، وتلك علامة على الجد والاقتدار؛ فإذا شعروا بالملل أو الانزعاج فإنهم یظهرون ذلك بحریة وطلاقة أكبر منهما عند غیرهم، وغالبًا ما تقل ابتساماتهم؛ فالابتسام المتكرر علامة على عدم الاستقرار بالمجمل، ویشعرون أن لهم الحق في لمس الناس؛ من قبیل تربیتة ودودة على الظهر أو على الذراع، وعندما یكونون في اجتماعاتهم، یستهویهم الحصول على مساحة واسعة لأنفسهم، فیفصلون أنفسهم عن الآخرین بمسافة كبیرة تحیط بهم، وتراهم یقفون شامخین، فإذا ظهرت منهم إیماءات فإنها تكون لطیفة مسترخیة، والأهم من ذلك كله أن الآخرین مِن حولهم یشعرون بأنهم مكرهون على محاكاة أسلوبهم وتكلفهم، ویمیل القائد إلى فرض صیغة من التواصل غیر

الكلامي على مجموعته بطرق غایة في الدقة، فتلاحظ أن الناس من حوله یقلدونه؛ لا في أفكاره وحسب، بل أیضًا في هدوئه أو نشاطه المحموم. ویحب أصحاب الصدارة أن یشیروا إلى مكانتهم المتفوقة في طبقتهم الاجتماعیة بأسالیب شتى: فهم یتحدثون على نحو أسرع من الآخرین، ویشعرون بأن لهم الحق في مقاطعة الحدیث، والتحكم في سیر الحدیث، ومصافحتهم بالأیدي قویة جدا، تكاد یدك تسحَق إذا صافحت أحدهم، وترى أحدهم إذا مشى في مكتبه فإنه یمشي شامخًا واثق الخطى، وغالبًا ما یجعل مَن دونه یمشون خلفه.

 

أما المرأة التي تتولى مواقع قیادیة فأفضل ما یمیزها غالبًا تعابیر الهدوء والثقة بالنفس، والرقة مع الجدیة، ولعل خیر مثال على ذلك المستشارة الألمانیة الحالیة أنجیلا میركل؛ فابتساماتها أقل من ابتسامات سواد السیاسیین من الذكور، لكنها إذا ابتسمت فابتسامتها ذات مغزًى جاد؛ فلا تبدو ابتسامتها زائفة أبدًا، وهي تستمع إلى الآخرین مع النظر إلیهم، وكلها انشغال بحدیثهم، فوجهها ساكن على نحو ملفت، ولها طریقتها في جعل الآخرین یسوقون أكثر الحدیث في الوقت الذي تبدو فیه تتحكم بمسار الحدیث، ولا حاجة بها إلى المقاطعة لإثبات نفسها، وإذا أرادت أن تهاجم أحدًا فإنما تهاجمه بنظرات السأَم، أو الفتور، أو الاحتقار؛ ولا تهاجمه بكلمات مهتاجة أبدًا، وعندما حاول الرئیس الروسي فلادیمیر بوتین إخافتها بإحضاره كلبه المدلل الأسود الضخم إلى أحد اجتماعاته بها؛ لعلمه بأن میركل عضها كلب ذات مرة وبأنها تخاف الكلاب؛ توترت  بصورة ملحوظة، ثم سرعان ما استجمعت نفسها، ونظرت في عینه بهدوء، فجعلت نفسها في منزلة تتفوق بها على بوتین بعدم إبدائها أي شيء حیال مكیدته، أما بوتین فقد بدا أقرب إلى الصبیاني التافه بالمقارنة بها، ولا یتضمن أسلوبها أیا من وضعیات الجسم في الوقوف والجلوس التي یتخذها المصدَّرون من الرجال، فأسلوبها أكثر هدوءًا؛ لكنه قوي للغایة على طریقته الخاصة.

ومع ازدیاد تولِّي المرأة مناصب قیادیة فإن أسلوب التخفیف من إقحام النفس عند أصحاب النفوذ یمكن أن یبدأ بتغییر فهمنا لبعض علامات التسلط التي لطالما صاحبت السلطة.

ویجدر بك أن تراقب متقلدي مناصب السلطة ممن حولك، بحثًا عن وجود دلائل على إشارات التسلط، أو غیابها؛ فالقادة الذین یظهرون التوتر والتردد في إشاراتهم غیر الكلامیة، هم بصفة عامة غیر مستقرین في سلطتهم، ویشعرون بأنها مهددة. ومن السهل ملاحظة دلائل على هذا القلق أو عدم الاستقرار؛ فتراهم یتحدثون بأسلوب متقطع، فیه وقفات طویلة، وتعلو نبرةُ صوتهم وتبقى عالیة، ویغلب علیهم تجنب التحدیق والتحكم بحركات عیونهم، على الرغم من أن أعینهم تزداد طَرْفًا. وتراهم یرسمون على وجوههم ابتسامات مصطنعة كثیرة، ویصدِرون ضحكات انفعالیة، وعلى خلاف من یشعرون بأن لهم الحق في لمس الآخرین، ترى هؤلاء یمیلون إلى لمس أنفسهم فیما یعرف بسلوك التهدئة؛ فیلمسون الشعر، والرقبة، والجبین؛ وكل ذلك في محاولة منهم لتهدئة أعصابهم؛ والناس الذین یحاولون إخفاء مخاوفهم یثبتون أنفسهم في الحدیث بصوت عالٍ بعض الشيء، وتكون أصواتهم في ارتفاع، وبینما هم یفعلون ذلك، ینظرون مِن حولهم بانفعال، وأعینهم مفتوحة عن آخرها، أو تراهم عندما یتحدثون بطریقة حیویة تكون

أیدیهم وأرجلهم ساكنة على نحو غیر طبیعي، وتلك دائمًا علامة على القلق، وسترى منهم لا محالة إشاراتٍ مختلطة؛ فعلیك أن تولي اهتمامًا أكبر للإشارات التي تدل على عدم استقرار مستتر.

 

إن تصرفات الناس غالبًا ما تتضمن إشارات تسلط أو خضوع؛ فعلى سبیل المثال: تراهم یحضرون متأخرین لإظهار تفوقهم الحقیقي أو المتصوَّر؛ فلیس لزامًا علیهم الحضور في الوقت المحدد، كذلك فإن أنماط أحادیثهم تكشف الموقع النسبي الذي یشعر الناس بأنهم فیه؛ فعلى سبیل المثال: من یشعر بالتسلط یمیل إلى الإكثار في حدیثه، ویقاطع الآخرین كثیرًا؛ فتلك وسیلته لإثبات نفسه؛ فإذا كان ثمة نقاش تحوَّلَ إلى نقاش شخصي، فإنك تراه یلجأ إلى ما یدعى علامات الترقیم؛ فیجد لنفسه الإثارة في وجهة بعیدة لیبدأ الحدیث برمَّته من هناك؛ لكن من الواضح أن ذلك جزء من نمط العلاقة بین المتسلط والآخرین، وتراه یثبت تفسیره في تحدید من تقع علیه المسؤولیة عن طریق نبرة الصوت والنظرات الثاقبة، وإذا راقبت زوجین لا تعرفهما فستلاحظ بین الفینة والأخرى أن أحدهما في موقع المتسلط، فإذا تحدثت معهما فستلاحظ أن المتسلط بینهما سیقوم بالتواصل البصري معك، ولن یفعل ذلك مع قرینه، وسیبدو غیر مصغ بعنایة لما

یقوله قرینه، كذلك یمكن للابتسامات أن تكون علامة دقیقةً تدل على التفوق، وبخاصة عن طریق ما ندعوه الابتسامة المشدودة، وعادةً ما تظهر هذه الابتسامة عند أولئك المصدَّرین استجابة لشيء قاله شخص ما، وهي ابتسامة تشد عضلات الوجه، وتدل على السخریة والازدراء ممن یرونه أدنى منزلة منهم، لكنه یوفر لهم الظهور بمظهر لطیف ودود.

 

وهناك وسیلة أخیرة بغایة الدقة من الوسائل غیر الكلامیة في إثبات التسلط في العلاقات، تأتي من الأعراض المرَضیَّة. فیظهر الصداع عند أحد الزوجین فجأة، أو أي مرض آخر، أو أن أحدهما یأخذ في معاقرة الخمور، أو یقع في نمط من أنماط السلوكیات السلبیة بصورة عامة؛ وهذا الأمر یجبر الطرف الآخر على الخضوع لقواعد صاحب المشكلة، فیقوم على العنایة بنقاط ضعف صاحبه، وذلك هو الاستغلال المتعمَّد للتعاطف، بغرض الفوز بالسلطة؛ وهو أمر ناجع إلى أبعد الحدود.

 

وفي النهایة، استخدم المعارف التي جمعتها من هذه العلامات لتكون وسیلة مهمة لك في قیاس مستویات الثقة عند الناس، ومستوى تصرفهم على النحو اللائق، وبالنسبة للقادة الذین تمزقهم المخاوف التي تظهر إشاراتها غیر الكلامیة، فبإمكانك استغلال مخاوفهم، وكسب القوة بهذه الطریقة؛ لكن في أغلب الأحیان یكون الأفضل لك أن تتجنب ربط نفسك بشدة بهذه الأنماط من الناس؛ لأن الغالب في أدائهم أن یسوء مع مرور الوقت، ویمكن أن یسحبوك معهم إلى الهاویة. أما بالنسبة لغیر القادة -من الذین یحاولون إثبات أنفسهم كأنهم قادة- فیجب أن تعتمد استجابتك على نمط شخصیتهم، فإذا كانوا نجومًا صاعدة تملؤهم الثقة بالنفس، والإحساس بعِظَم الشأن في الحیاة، فقد یكون من الحكمة أن تحاول الصعود معهم، وستلحظ هذه الأنماط من الناس من الطاقة الإیجابیة التي تحیط بهم، ومن ناحیة أخرى، إذا كانوا مجرد متعجرفین، ومستبدین تافهین، فذلك هو النمط من الناس الذي علیك أن تكافح لتتجنبه على وجه الخصوص؛ فأصحاب هذا النمط خبراء في جعل الآخرین یتزلفون لهم دون أن یعطوهم شیئًا بالمقابل.

 

0 التعليقات: