10‏/02‏/2021

قوانين الطبيعة البشرية 10

 قوانين الطبيعة البشرية 10




الفصل الثاني:

حوِّل حب النفس إلى تعاطف

( قانون النرجسیة )


جمیعنا نمتلك بطبیعتنا الأداة الأكثر تمیزًا للاتصال بالناس والحصول على القوة الاجتماعیة، إنها التعاطف؛ فعندما نغرس التعاطف في نفوسنا، ونستخدمه في محله، فإنه یمكن أن یمكِّننا من الدخول في مزاجات وعقول الآخرین، فیعطینا القدرة على توقع أفعال الناس، وتخفیف ممانعتهم بلطف، إلا أن هذه الأداة أضعفها انشغالنا المعتاد بأنفسنا. فجمیعنا نرجسیون، وبعضنا موغل في النرجسیة أكثر من غیره. ومهمتنا في هذه الحیاة أن ننسجم مع حب النفس هذا، ونتعلم كیف نحوِّل حساسیتنا إلى خارج أنفسنا؛ إلى الآخرین؛ بدلًا من تركها داخلنا، وعلینا في الوقت نفسه أن نكتشف أصحاب النرجسیة السامة بیننا قبل أن نؤخذ بالدراما العاطفية التي يثيرونها، ونتسمم بحسدهم.

 

النرجسيون

 

یمكنهم في بعض الأحیان أن یصبحوا من أصحاب شركات المقاولات، فیصنعون شركات لهم بسبب جاذبیة شخصیتهم وقدرتهم على اجتذاب الأتباع، ویمكن أن تكون لدیهم مواهب إبداعیة أیضًا، لكن عند كثیر من أصناف القادة هؤلاء، تتجلى في النهایة الفوضى والاضطراب الداخلي الكامنان فیهم؛ في شركاتهم، أو في المجموعة التي یقودونها، فلا یمكنهم صوغ بنیة متماسكة، أو مؤسسة متلاحمة، فكل شيء لا بد له أن یتدفق عبرهم، وعلیهم التحكم بكل شيء وبكل شخص؛ فأولئك مجرد أدوات عندهم.

 

یفتقدون القدرة الحقیقیة على التركیز، وصنع شيء محكَم متین.

 

إنهم یهوَون إحراق وتدمیر أي شيء یصنعونه.

 

ولنتصور أن النرجسیة طریقة لقیاس مستوى الانشغال بالنفس عندنا، وكأنه موجود على مقیاس متدرج من الدرجات المرتفعة إلى المنخفضة، فعند بعض العمق ولنقل أنه فیما دون منتصف المقیاس المتدرج   یدخل الناس عالم النرجسیة العمیقة، وعندما یصلون إلى هذا العمق، یصبح من الصعب علیهم جدا النهوض بأنفسهم من جدید؛ لأنهم خسروا جهاز الاعتداد بالنفس؛ ویغدو الموغلون في النرجسیة منشغلین بأنفسهم بالكامل، وغالبًا تحت تلك الدرجة، وإذا عملوا لبرهة على مشاركة الآخرین، فسیثیر مخاوفهم تعلیقٌ ما أو تصرفٌ ما، فیمضون في طریق الانهیار.

 

ویستهویهم في غالب الأحیان الغوص في أنفسهم إلى أعماق أكبر مع مرور الزمن، والناس الآخرون (في نظرهم) هم أدوات. والواقع عندهم لیس إلا تجلیًا لحاجاتهم، وسبیلهم الوحید للنجاة هو لفت الانتباه باستمرار.

 

وهناك ثلاثة جوانب لمهمتنا في دراسة الطبیعة البشریة:

 

فأولًا: علینا أن نفهم تمامًا ظاهرة النرجسیة العمیقة، فعلى الرغم من أن أصحابها قلة، إلا أن بعضهم یمكن أن یكون مؤذیًا للغایة في هذا العالم؛ فیجب أن نكون قادرین على ملاحظة الأنماط السامة التي تثیر الدراما العاطفية، وتحاول أن تحولنا إلى أدوات یستخدمونها لأغراضهم، وبإمكانهم جذبنا إلیهم بطاقتهم الفریدة، لكننا إذا وقعنا في الشرَك، فسنعیش في كابوس؛ حتى نبتعد عنهم، إنهم خبراء في قلب الطاولة على الآخرین وجعلهم یشعرون بالذنب، وأشدهم خطرًا على الإطلاق هم النرجسیون القادة، فعلینا أن نقاوم جاذبیتهم، ونرى ما وراء قناع إبداعاتهم الظاهرة، فإذا عرفنا كیف نعامل الموغلین في النرجسیة في حیاتنا، فتلك مهارة لها بالغ الأهمیة عندنا جمیعًا.

 

وثانیًا: علینا أن نكون صادقین فیما یتصل بطبیعتنا الداخلیة، ولا ننكرها، فجمیعنا نرجسیون، فترانا في أحادیثنا لا نطیق صبرًا لنتحدث، ونخبر الآخرین بقصصنا، ونعطي رأینا فیما نسمعه، إننا نحب الناس الذین یشاطروننا أفكارنا، فهم یعاودون عكس أذواقنا السلیمة علینا، وإذا حدث أن كنا من أصحاب الإصرار والجزم، فنحن نرى أن إصرارنا إنما هو خصلة من الخصال الإیجابیة؛ لأنه من خصالنا، أما الآخرون المترددون، فسیرونها خصلة مذمومة، ویعلون من قیمة التأمل الباطني، ونحن جمیعًا نهوى سماع الإطراء بسبب حبنا لأنفسنا، أما أصحاب المواعظ؛ الذین یحاولون النأي بأنفسهم، وذم النرجسیین في أیامنا؛ فغالبًا ما یكونون أكبر النرجسیین؛ فهم یحبون سماع رأیهم وحسب، بینما یشیرون بأصابع الاتهام للآخرین، ویلقون العظات المتنوعة. إننا جمیعًا في نقطة ما من طیف الانشغال بالنفس، وإنشاؤنا نفسًا نحبُّها هو تطور سلیم، وینبغي ألا یكون فیه عار، فلولا الاعتداد بالنفس النابع من الداخل، لسقطنا في مهاوي النرجسیة العمیقة، لكننا لنتحرك إلى ما هو أبعد من النرجسیة العاملة؛ التي ینبغي أن

تكون هدفنا جمیعًا؛ علینا أن نكون صادقین مع أنفسنا، فمحاولتنا إنكار طبیعتنا في

الانشغال بالنفس هي محاولة منا للتظاهر بأننا أكثر إیثارًا من الآخرین، مما یجعل من

المستحیل علینا تغییر أنفسنا.

 

وثالثًا :  وهو الأهم علینا أن نبدأ بالتحول إلى النرجسیة السلیمة؛ فأصحاب النرجسیة السلیمة لدیهم إحساس أقوى بأنفسهم، وأكثر مرونة أیضًا. فهم یمیلون إلى الاقتراب من قمة المقیاس المتدرج، وهم یتعافون من الجروح والإهانات بصورة أسرع من غیرهم، ولا یحتاجون إلى الكثیر من اعتراف الآخرین بهم، وهم یدركون في مرحلة ما من حیاتهم بأنهم محكومون بقیود وعیوب، وبإمكانهم أن یهزؤوا بعیوبهم، وبإمكانهم ألا یحملوا الإهانات التي تطالهم على محمل شخصي بصورة خطیرة، فمن أوجه كثیرة وبتمثلهم الصورة الكاملة لأنفسهم یكون حبهم لأنفسهم حقیقیا وكاملًا.، ومن هذا الموقع الداخلي القوي بإمكانهم أن یحولوا انتباههم إلى خارج أنفسهم؛ بسهولة ووتیرة عالیة، ویتحول هذا الانتباه لیسیر في أحد اتجاهین؛ وأحیانًا یسیر فیهما معًا، ففي الاتجاه الأول: یكونون قادرین على توجیه اهتمامهم وحبهم إلى عملهم، فیصبحون أشخاصًا عظامًا في الفن، والإبداع، والاختراع، وبما أن اهتمامهم خارج أنفسهم موجه إلى العمل بكثافة فالغالب فیهم النجاح في مشروعاتهم؛ وهو ما یمنحهم ما یحتاجونه من الاهتمام

والاعتراف، وقد یمرون بلحظات من الشك وانعدام الأمان؛ فالفنانون معروفون بهشاشتهم؛ إلا أن العمل یبقى مفترَجهم الدائم من الانشغال المفرط بالنفس.

 

أما الاتجاه الآخر لأصحاب النرجسیة السلیمة: فیأخذ منحاه باتجاه الناس، فینمي قوى التعاطف، ولنتصورْ أن عالم التعاطف عالَمٌ یقع عند أعلى قمة المقیاس المتدرج وفوق ذلك؛ إنه الانشغال الكامل بالآخرین؛ ففي جوهر طبیعتنا لدینا نحن البشر قدرات هائلة لفهم الناس بأدق مشاعرهم الداخلیة؛ ففي السنوات الأولى من حیاتنا، نشعر برابطة كاملة بأمهاتنا، وبإمكاننا أن نحس بكل تقلبات أمزجتهن، وبإمكاننا أن نقرأ كل عاطفة تمر بهن بلا كلام، وعلى خلاف الحیوانات والرئیسات الأخرى فلدینا القدرة أیضًا على إیصال ذلك الإحساس إلى غیر أمهاتنا؛ فیصل إلى من یقدمون الرعایة لنا، وإلى الناس الآخرین الذین على مقربة منا.

 

وهذه هي الصورة الفیزیائیة من التعاطف الذي نشعر به حتى هذه الأیام مع أقرب أصدقائنا، وزوجاتنا، كذلك فإن لدینا قدرة طبیعیة على النظر بمنظار الآخرین، فنفكر بطریقتنا داخل عقولهم، وتبقى هذه القوى خاملة داخلنا إلى حدٍّ كبیر بسبب انشغالنا بأنفسنا، لكننا في سنوات العشرینیات من العمر وما بعدها -ومع ازدیاد شعورنا بالثقة بأنفسنا- نبدأ بالاهتمام بما هو خارجها، فنهتم بالناس، ونعید اكتشاف هذه القوى الكامنة فینا، وغالبًا ما یصبح من یمارس هذا التعاطف راصدًا اجتماعیا أولَ في الفنون والعلوم، أو اختصاصیا في العلاج، أو قائدًا بأعلى المراتب.

 

لقد بُنِیت أدمغتنا لتقوم بالتأثر الاجتماعي باستمرار؛ والتعقید في هذا التأثر واحد من أهم العوامل التي زادت بشدة من ذكائنا بین الكائنات الحیة، وفي مرحلة معینة تكون قلة مشاركتنا للآخرین ذات مفعول سلبي خالص على دماغنا نحن، وتسبب ضمور قوانا الاجتماعیة، ومما یزید الطین بلة أن ثقافتنا (الأمریكیة) تمیل إلى التشدید على القیمة الفائقة للفرد والحقوق الفردیة، مما یشجع على زیادة الانشغال بالنفس؛ فترانا نجد كثرة متزایدة من الناس الذین لا یمكنهم تصور أن للآخرین وجهات نظر مختلفة، وأننا لسنا جمیعًا متشابهین تمامًا في رغباتنا وأفكارنا.

 

0 التعليقات: