قوانين الطبيعة البشرية 18
التفسیر:
لاحظ إريكسون أن معظم الناس یمضون في اتجاه نقیض؛ فتراهم أكثر انشغالًا بأنفسهم، وأكثر غفلة عن غیرهم؛ ومن وجهة نظر إریكسون، فإن قسوة الحیاة هي ما یجعل معظم الناس یلتفتون إلى داخلهم، فلم یعد لدیهم حیز ذهني لتلقي المشاهدات البسیطة، وغالبًا ما تمر بهم اللغة الثانیة مرور الكرام.
الاستنتاج: إننا كائن اجتماعي تفوَّق في هذا الكوكب، بالاعتماد على قدرته على التواصل مع الآخرین في سبیل البقاء والنجاح. وهناك تقدیرات بأن ما یربو على 65% من التواصل البشري بمجمله، هو تواصل بلا كلام، إلا أن ما یلتقطه الناس ویستوعبونه لا یتجاوز 5% من هذه المعلومات. وبدلًا من التقاطنا لها، فإن كل اهتماماتنا الاجتماعیة
تقریبًا تشغلها أقوال الناس؛ التي هي فعلیا في معظمها تخفي حقیقة أفكارهم ومشاعرهم.
أما الإشارات غیر الكلامیة فتخبرنا بما یحاول الناس التشدید علیه بكلماتهم، والمعنى المبطن في خطابهم؛ وتلك هي دقائق التواصل، كذلك فإن هذه الإشارات تخبرنا بما یخفونه فعلًا، وتخبرنا برغباتهم الحقیقیة، فهي إشارات تُظهر بطریقة فوریة عواطف الناس ومزاجاتهم، وإهمالنا هذه المعلومات یعني التعامل مع الناس كالعمیان؛ فیكثر سوء الفهم، وتفوتنا الفرص الكثیرة للتأثیر في الناس؛ بغفلتنا عن الإشارات التي تدل على ما یریدونه حقا أو یحتاجونه بالفعل؛ والواجب علیك سهل بسیط:
فأولًا: علیك أن تلاحظ حالتك في انشغالك بنفسك، ومدى ضآلة ملاحظتك الفعلیة للناس. وبفهمك لما سبق، سیكون لدیك دافع لتطویر مهاراتك في المراقبة.
وثانیًا: علیك أن تفهم، مثلما فهم إریكسون، الطبیعة المختلفة لهذه الصورة من التواصل، فهي تتطلب منك أن تفتِّح حواسك، وتزید ارتباطك بالناس على المستوى الفیزیائي، وتستوعب طاقتهم الفیزیائیة؛ لا كلماتهم وحسب. فلا تكتفِ بمراقبة تعابیر وجوههم، بل قم بتسجیلها من الداخل، بحیث یستقر الانطباع في داخلك ویتواصل مع الآخرین، وكلما ازددت من مفردات هذه اللغة، ازدادت مقدرتك على ربط الإیماءات
بالعواطف المحتملة، وكلما ازددت حساسیةً تجاه إیماءات الآخرین، ازدادت ملاحظتك لما كان یفوتك شیئًا فشیئًا، وبالقدر نفسه من الأهمیة، سوف تكتشف طریقة جدیدة وعمیقة في الاتصال بالناس، وسیمدك ذلك بقدرات اجتماعیة متعاظمة.
مصیرك في هذا العالم أن تكون دائمًا فریسة للأشرار والمغفلین، أو ألعوبة بأیدیهم؛ إذا كنت تظن أنهم یتجولون وهم ینفخون بالأبواق أو یقرعون الأجراس لیحذروك من أنفسهم فلیكن ماثلًا في ذهنك أن الناس في تعاملهم مع الآخرین یشبهون القمر: فهم لا یُظهرون إلا جانبًا واحدًا من أنفسهم.
ولكل امرئ موهبة غریزیة في صنع قناع لمظهره الخارجي، بحیث یبدو به دائمًا وكأنه فعلًا ما یتظاهر به فیكون له تأثیره المضلل للغایة. وتراه یرتدي قناعه كلما أراد تجمیل نفسه، لیقع في نفس شخص آخر موقعًا حسنًا؛ أما أنت، فإنك تراه قناعًا مصنوعًا من الشمع، أو من الورق المقوَّى. آرتور شوبنهاور.
مفاتیح للطبیعة البشریة:
نحن البشر بارعون في التمثیل، فنحن نتعلم في سن مبكرة كیف نحصل على ما نریده
من أبوینا؛ بإظهار نظرات معینة تستدر العطف والعاطفة،
ومهمتك هنا في دراسة الطبیعة البشریة لها شقان:
فأولًا: علیك أن تفهم خصال التصنع في الحیاة، وتقبل بها، ولا تعظ الناس بألا یقوموا بتقمص الأدوار وارتداء الأقنعة، ولا توبخهم على ذلك، فهذا الأمر ضروري جدا لهم .
والحقُّ أن هدفك هو أن تقوم بتمثیل دورك على مسرح الحیاة بمهارة بارعة؛ فتلفت الانتباه إلیك، وتكون محط الأنظار، وتجعل من نفسك بطلًا ودودًا.
وثانیًا: علیك ألا تكون ساذجًا، وتخطئ فتظن أن مظهر الناس هو حقیقتهم؛ فلا تعمیك
مهارات الناس في التمثیل؛ بل حوِّل نفسك إلى خبیر في كشف المشاعر الحقیقیة،
بتحسینك لمهاراتك في المراقبة، وممارسة هذه المهارات بالقدر الذي تستطیعه في حیاتك
الیومیة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق