قوانين الطبيعة البشرية 28
وتنبثق سلامة الطبع من الشعور بالأمان الشخصي والقیمة الذاتیة، فهذا الشعور یمكِّن الإنسان من تقبُّل الانتقاد، والتعلم من تجاربه، وهذا یعني أنه لا یستسلم بسهولة؛ لأنه یرید أن یتعلم كیف یصل إلى الأفضل. وسلیم الطبع إنسان مثابر بجد. كذلك هو منفتح على الأفكار والأسالیب الجدیدة لإنجاز الأعمال؛ دون تخلیه عن المبادئ التي یعتنقها.
ویمكنه في الشدائد أن یبقى حاضر الذهن. ویمكنه التعامل مع الفوضى والأمور المفاجئة دون أن یستسلم للجزع، وهو إنسان صادق الوعد، ویتحلى بالصبر، ویمكنه تنظیم أمور كثیرة؛ وهو یتم ما بدأه، وهو لیس دائم القلق بشأن وضعه، وبإمكانه أیضًا أن یدرج مصلحته الشخصیة في مصلحة الجماعة، لعلمه بأن ما ینجح مع الجماعة سینتهي به المطاف إلى تحسین حیاته وجعلها حیاة سهلة.
أما سقیم الطبع فهو یبدأ من الاتجاه المعاكس، فما أسهل أن تقهره الظروف، فیصبح من الصعب الاعتماد علیه، وتراه یراوغ ویتهرب، وأسوأ ما فیه أنه لا یمكن أن یتعلم العبر من الآخرین؛ لأن التعلم منهم یلمح إلى انتقاد لنفسه؛ وهذا یعني أنك في تعاملك معه تكون كمن یضرب الحائط برأسه دائمًا، وقد یبدو لك بأنه یستمع إلى توجیهاتك، إلا أنه سیعود إلى ما یظنه الأفضل بكل بساطة.
وفینا جمیعًا خلیط من الخصال السلیمة والسقیمة، إلا أن بعض الناس یميل شطر أحد الاتجاهین بكل وضوح، فعلیك أن تعمل قدر استطاعتك مع أصحاب الطبع السلیم، وتصاحبهم؛ وتتجنب أصحاب الطبع السقیم. وكانت هذه هي القاعدة التي سار علیها الملیاردیر الأمریكي الكبیر وارن بافت في قراراته الاستثماریة؛ فكان ینظر إلى ما هو أبعد من الإحصائیات فیما یتعلق بالمدیرین الذین سیتعامل معهم، وكان یرید أكثر ما یرید قیاس مرونتهم، وحُسْن الاعتماد علیهم، وقدرتهم على الاعتماد على أنفسهم. فلو أننا استخدمنا هذه المقاییس في توظیف من نستخدمهم من العمال، أو في عقد شراكاتنا في الحیاة الزوجیة أو في التجارة، أو حتى في اختیارنا السیاسیین الذین سنسیر في ركبهم؛ لكان خیرًا لنا وأقوَم.
ومع أننا في علاقاتنا العاطفیة نجد حتمًا عوامل أخرى تتحكم باختیاراتنا، إلا أنه لا بد لنا من أخذ سلامة الطبع في الحسبان، وهذا هو السبب الأكبر الذي جعل فرانكلین روزفلت الرئیس الأمریكي في أكثر سنوات الثلاثینیات والأربعینیات من القرن الماضي یختار إیلانور
زوجة له؛ فبما أنه كان شابا غنیا وسیمًا فقد كان بوسعه اختیار أخریات من الشابات الأكثر جمالًا منها، إلا أنه أعجب باستعدادها لتقبل التجارب الجدیدة في الحیاة، وأسَره ثبات عزیمتها، ومن نظرته البعیدة إلى المستقبل استطاع أن یرى في قیمة طبعها ما هو أهم من أي شيء آخر. وانتهى الأمر إلى أن كان ذلك خیارًا حكیمًا جدا منه.
وعند قیاسك سلامة الطبع وسقمه انظر في كیفیة تعامل الناس مع أوقات الشدة والمسؤولیة، وانظر في الأنماط التي ینتهجونها؛ فما الذي أتمُّوه أو أنجزوه فعلًا؟
وبوسعك أیضًا أن تختبرهم. فعلى سبیل المثال:
الدعابة اللطیفة التي تتناولهم یمكن أن تكشف لك الكثیر، فهل تجد استجابتهم لها استجابة سمحة، أم أنه لیس من السهل أن تلمس مخاوفهم، أم أن أعینهم تبرق استیاءً منها، أو حتى غضبًا منها؟
ولتقیس جدارتهم بالعمل في فریق عمل زوِّدهم بمعلومات إستراتیجیة، أو شاطرهم بعض الشائعات؛ فهل تراهم یسارعون إلى إعطاء هذه المعلومات إلى آخرین غیرهم؟ وهل یسارعون إلى أخذ فكرة من أفكارك فیجعلونها في قالب لتبدو كأنها من بنات أفكارهم هم؟
كذلك قم بانتقادهم بصورة مباشرة، وانظر هل یأخذون انتقادك لهم على محمل الجد، ویحاولون التعلم من أخطائهم وتطویر أنفسهم، أم تبدو علیهم علامات استیاء واضحة، وأسند إلیهم مهمة بلا مدة محددة لإنجازها، تعطیهم فیها توجیهات أقل من المعتاد، وتراقب كیف ینظمون أفكارهم ووقتهم. وقم بتحدیهم بمهمة صعبة أو بطریقة مبتدعة لإنجاز شيء ما، وانظر في استجاباتهم، وانظر في كیفیة تعاملهم مع القلق.
وتذكَّر أن سقیم الطبع سیبطِل جمیع الخصال الجیدة التي ربما یملكها؛ فعلى سبیل المثال ترى المرء شدید الذكاء سقیم الطبع یمكن أن یأتیك بأفكار جیدة، ویمكن أن یتقن عمله أیضًا، إلا أنه ینهار في وقت الشدة، أو لا یتقبل الانتقاد بصدر رحب، أو أنه یشغل باله بمخططاته الخاصة في المقام الأول، أو قد یدفع تكبره وإزعاجه الآخرین إلى استقالة مَن حوله، فیضر بالبیئة العامة للعمل. أضف إلى ذلك أن هناك تكالیف مستترة في العمل مع هؤلاء، أو توظیفهم. أما من كان أقل جاذبیة وذكاء لكنه صاحب طبع سلیم، فسیثبت لك على المدى الطویل أنه جدیر بالثقة والاعتماد علیه، وأكثر إنتاجیة من سابقه الذكي سقیم الطبع، وسترى أن الناس الذین یتمتعون بسلامة الطبع حقیقةً نادرون كنُدرة الذهب، وإذا وجدتهم فكأنك اكتشفت كنزًا ثمینًا حتمًا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق