قوانين الطبيعة البشرية 11
فالتعاطف ینشئ زخمًا إیجابیا تصاعدیا
خاصا به.
وفیما یأتي المكونات الأربعة لمجموعة مهارات التعاطف.
1- الموقف التعاطفي: إن التعاطف قبل كل شيء هو حالة عقلیة، إنه طریقة مختلفة للاتصال بالآخرین، وأكبر خطر تواجهه هو افتراضك العام بأنك تفهم الناس بالفعل، وأن بإمكانك الحكم علیهم سریعًا، وتصنیفهم، وبدلًا من ذلك علیك أن تبدأ من الافتراض بأنك جاهل، وأن لدیك انحیازات طبیعیة تجعلك تخطئ في حكمك على الناس؛ فالناس من حولك یظهرون بمظهر یناسب غایاتهم. وبذلك یغیب عنك مظهرهم الحقیقي؛ بینما تترك لنفسك العنان في میلها إلى الحكم السریع على الناس، فافتح عقلك لترى الناس من منظور آخر، ولا تفترض بأنك تشبههم، أو بأنهم یشاطرونك ما عندك من القیم؛ فكل إنسان تقابله یشبه بلدًا غیر مكتشف؛ إن له تركیبه النفسي الخاص جدا الذي ستستكشفه بأناة. واعلم بأنك مقبل على مفاجآت فیما ستكتشفه، وهذه الروح المنفتحة المرنة تشبه الطاقة الإبداعیة؛ إنها الرغبة في البحث في المزید من الاحتمالات والخیارات، والحق أن تطویرك لتعاطفك سیحسن كذلك من قواك الإبداعیة.
وأفضل مكان تبدأ فیه بهذا التغییر في موقفك هو أحادیثك الیومیة الكثیرة، فحاول أن تقلب اندفاعك الطبیعي إلى الحدیث وإبداء آرائك، وتقلبه إلى رغبة منك في سماع وجهات نظر الآخرین، ولیكن عندك فضول هائل في هذا السبیل، وتوقف قدر ما تستطیع عن مناجاتك الداخلیة المستمرة لنفسك، ولتعطِ انتباهك كله للآخرین من حولك، وعلیك أن تولي أهمیة كبیرة لجودة إصغائك، بحیث تتمكن في أثناء حدیثك أن تراجع ما قاله محادثك؛ أو ما لم یقله لكنك أحسست به، وسیكون لذلك علیك أثر عظیم یستهویك.
2- التعاطف الغریزي: یعد التعاطف أداة للمناغمة العاطفیة، فمن الصعب علینا أن نقرأ
أفكار الآخرین أو نكتشفها، أما مشاعرهم ومزاجاتهم فمن السهل علینا تمییزها، والغالب فینا جمیعًا المیل إلى إدراك عواطف الآخرین؛ فالحدود الفیزیائیة التي تفصل بیننا وبین الآخرین هي أكثر نفوذیة مما نعتقده، ونرى الناس دائبین على التأثیر في أمزجتنا، وما تقوم به أنت الآن في دراستك الطبیعة البشریة هو تحویل هذه الاستجابة النفسیة إلى علم، فانتبه بعمق إلى أمزجة الناس، على نحو ما تراه من إیماءاتهم (لغة جسدهم)، ونبرات أصواتهم، فعندما یتحدثون، قد تكون نبرة مشاعرهم منسجمة مع ما یقولونه، أو غیر منسجمة معه، وقد تكون هذه النبرة نبرة ثقة، أو نبرة عدم استقرار، أو نبرة دفاعیة، أو نبرة تكبُّر، أو نبرة إحباط، أو نبرة عُجْب، وتبدي هذه النبرات نفسها فیزیائیا في أصواتهم، أو إیماءاتهم، أو وضعیة جلوسهم ووقوفهم؛ وفي كل لقاء لك معهم، علیك أن تحاول أن تكتشف كل ذلك قبل أن تلتفت حتى إلى ما یقولونه، وسیسجل ذلك في بداهتك الغریزیة، لیكوِّن استجابتك الفیزیائیة لهم، فإذا كانت عندهم نبرة دفاعیة فسیغلب علیك شعور مشابه لذلك في داخلك.
وهناك عنصر أساسي ستحاول اكتشافه: هو مقاصد الناس؛ ففي الغالب الأعم، هناك عاطفة خلف أي مقصد للناس، وخلف كلماتهم؛ وستقوم أنت بمناغمة نفسك مع ما یریدونه، من المقاصد، وسیسجل ذلك أیضًا داخلك إذا انتبهت لهم؛
ولقد كشفت الدراسات عن أن الناس الذین یحصلون على نتائج عالیة في اختبارات التعاطف، هم بصورة عامة أناسٌ یتقنون التقلید؛ فإذا رأوا أحدًا یبتسم أو یتألم، فإنهم یمیلون إلى تقلید تعبیراته بلا وعي منهم، فیشعرون بما یشعر به ذلك المبتسم أو المتألم، وعندما نرى شخصًا مبتسمًا وفي مزاج طیب، فإنه یغلب علینا أن نتأثر به بالعدوى، وبإمكانك استخدام هذه القوة بصورة واعیة عندما تحاول الدخول في مشاعرالآخرین، إما بتقلید إیماءات وجوههم بدقة، أو باستحضار ذكریات لمواقف مشابهة مررت بها وأثارت فیك مشاعر مماثلة.
ومما یتبع عكسنا لمشاعر الآخرین أنه بأي درجة كان سیستجر استجابة تعاطفية منهم، ویمكن لهذه الاستجابة أن تكون فیزیائیة، وتعرف باسم: تأثیر التلوُّن(الحرباء).
بإمكانك الدخول في روح الشخص الآخر، فتقوم بالانشغال بمزاجه بعمق، ثم تعكسه إلیه، فتنشئ شعورًا بالوفاق، ویلتمس الناس خفیة هذا الوفاق العاطفي في حیاتهم الیومیة؛ لأنهم لا یحصلون علیه إلا نادرًا، ولهذا الوفاق أثر یشبه التنویم المغناطیسي، وهو یحرك النرجسیة في الناس عندما تكون عاكسًا لهم.
3- التعاطف التحلیلي: إن السبب في قدرتك على فهم صدیقك (أو زوجتك) بعمق شدید هو
أن لدیك معلومات كثیرة عن أذواقه، وقیمه، وبیئته العائلیة،
ویأتي التعاطف التحلیلي غالبًا عن طریق الحدیث وجمع المعلومات التي تمكنك من الدخول في روح الآخرین.
المهارة التعاطفیة: لتصبح شخصًا متعاطفا لا بد لك من المرور في عملیة لتكون كذلك
ولتعمل بهذه المهارة علیك أن تتذكر جملة أشیاء: كلما زاد عدد الناس الذین تتآثر بهم شخصیا تحسنت هذه المهارة عندك، وكلما زاد تنوع الناس الذین تلتقیهم تعددت استعمالاتك لهذه المهارة. كذلك احرص دائمًا على تدفق أفكارك، فأفكارك عن الناس ینبغي لها ألا تستقر مطلقًا بالحكم علیهم؛ بل على العكس، ابق منتبها باتقاد لمعرفة كیف یتغیر الشخص الآخر في أثناء سیر الحدیث، ومعرفة الأثر الذي تحدِثه فیه
حاول أن ترى الناس وهم یتآثر بعضهم ببعض إلى جانبك؛ فالناس غالبًا یختلفون جدا في أحوالهم بحسب الشخص الذي یقابلونه، وحاول ألا یكون تركیزك على تصنیف الناس؛ بل على
نبرة المشاعر، والمزاج الذي یحركه الناس داخلك، وهو متغیر باستمرار، وكلما تحسنت هذه المهارة عندك، ستكتشف أكثر وأكثر العلامات التي یبدیها الناس عن نفسیاتهم. وستثیرك بشدة رؤیتك للتحسن في مستوى مهارتك، وستدفعك إلى المضي إلى ما هو أبعد من ذلك، كما أنك ستلاحظ بصورة عامة، أن الحیاة أصبحت أسهل انقیادًا لك، فقد أصبحت تتجنب الصراعات التي لا داعي لها، وتتقي إساءات الفهم المتكررة.
المبدأ الأعمق في الطبیعة البشریة هو التماسها التقدیر.
ویلیام جیمس
0 التعليقات:
إرسال تعليق