10‏/02‏/2021

قوانين الطبيعة البشرية 15

 قوانين الطبيعة البشرية 15


 

4 -النرجسیة السلیمة: - قارئ الأمزجة: في شهر تشرین الأول/أكتوبر سنة 1915 ، أمر

المستكشف الإنكلیزي الكبیر إرنِست شاكلتون أمر بهجر سفینة إندیورانس العالقة في طوف جلیدي في القطب الجنوبي مدة تزید على ثمانیة أشهر؛ وأخذت تغرق، وكان ذلك یعني بالنسبة لشاكلتون أن علیه التخلي جذریا عن حلمه الكبیر؛ بأن یؤم رجاله فوق أول معبر على الیابسة في القارة القطبیة الجنوبیة، وكان بذلك الحلم سیبلغ أوج حیاته المهنیة اللامعة في الاستكشاف، أما الآن فهناك مسؤولیة أعظم بكثیر تشغل باله؛ فبطریقة أو بأخرى، علیه أن یعید طاقمه المكون من 27رجلًا إلى أرض الوطن، فحیاتهم باتت تعتمد على قراراته یومًا بیوم.

لكنه في طریقه لتحقیق هذه الغایة واجه عقبات جمة: فطقس الشتاء القاسي قارب على الوصول، والتیارات الجارفة یمكن أن تسحب الطوف الجلیدي الذي كانوا سیخیمون فوقه، والأیام القادمة لا ضوء فیها، وإمدادات الطعام آخذة بالنضوب، ولا اتصال لهم بالأجهزة اللاسلكیة، ولا بالسفن الأخرى التي یمكن أن تنقلهم؛ إلا أن أعظم الأخطار جمیعًا الخطر الذي أفزعه وروَّعه، هو معنویات رجاله، فقلیل من الساخطین وحسب یمكنهم أن ینشروا الاستیاء والسلبیة بین رجاله؛ وسرعان ما یتقاعس الرجال عن العمل الشاق؛ ولا یعودون یحفلون به، ویفقدون ثقتهم في قائدهم، وعندما یحدث ذلك سیسعى كلٌّ منهم في شأنه الخاص، وفي هذا المناخ ما أسهل أن تقع الكارثة ویحل الموت بالجمیع، فعلیه إذًا أن یراقب روحهم الجماعیة عن كثب أكثر من مراقبته الأحوال الجویة المتغیرة.

 

وأول ما كان علیه فعله هو الابتعاد عن هذه المشكلة؛ ببث الروح الصحیحة في رجاله، فالأمر دائمًا یبدأ من القائد، وكان علیه أن یخفي جمیع شكوكه ومخاوفه، وفي أول صباح له فوق الطوف الجلیدي، نهض باكرًا قبل سائر الرجال، وقام بتحضیر الشاي الساخن، وبینما كان یقوم بتقدیم الشاي بنفسه لرجاله، أحس بأنهم ینظرون إلیه باحثین عن علامات تكشف مشاعره؛ بشأن الورطة التي هم فیها؛ ولهذا عمل على أن یبقى الجو مرحًا، وأدخل فیه شیئًا من الدعابة؛ یذكر فیها هذا الموطن الجدید، والظلمة المقبلة، فلم یكن الوقت مناسبًا لمناقشة أفكاره في الخروج من هذا المأزق؛ فذلك أمر سیُدخِل الجزع في نفوسهم، ولن یتفوه بشيء عن تفاؤله باحتمالات  النجاة، بل سیترك رجال یشعرون به من تصرفاته وإیماءاته، حتى لو كان علیه أن یتظاهر بها أمامهم.

 

لقد كانوا جمیعًا على علم بأنهم قد علقوا هناك حتى انتهاء الشتاء القادم، وكانوا بحاجة إلى ما یلهیهم عن ذلك، شيءٍ یشغل تفكیرهم، ویبقي معنویاتهم مرتفعة؛ ولهذا الغرض كان في كل یوم یعد قائمة بالواجبات؛ یبین فیها ما على كلٍّ منهم فعله، وحاول أن یخلطها قدر ما وسعه، فیبدل رجال مجموعة بأخرى، ویحرص على ألا یكونوا قد قاموا بالمهمة نفسها مرات كثیرة، وفي كل یوم، كان هناك هدف بسیط ینبغي تحقیقه؛ مثل: صید بعض طیور البطریق أو حیوانات الفقمة، أو إحضار شيء من مخزونات السفینة إلى الخیام، أو تحضیر مكان أفضل للتخییم. وفي آخر النهار، یمكنهم أن یجلسوا متحلقین حول نار المخیم لیشعروا بأنهم قد أنجزوا شیئًا یجعل حیاتهم أسهل بقلیل.

وبمرور الأیام، قام ببناء مناغَمة قویة تجاه مزاجات رجاله المتغیرة؛ فحوْل نار المخیم كان یقصد كل رجل منهم وینخرط معه بالحدیث، وكان یتحدث في العلوم مع أصحاب العلوم؛ ویتحدث فیما یفضله من أشعار وموسیقیین مع متذوقي الجمالیات، فكان یدخل في الروح الخاصة لكلٍّ منهم، وكان یصغي أحسن الإصغاء إلى أي مشكلات تعترضهم، وبدا الطباخ على وجه الخصوص متظلمًا؛ لأنه كان علیه أن یذبح قطته المدللة؛ فقد نفد ما معهم من طعام لإطعامها؛ فتطوع شاكلتون للقیام بذلك عوضًا عنه، وكان من الواضح أن الطبیب الذي كان معهم یمر بوقت عصیب؛ نتیجة العمل الشاق؛ فعندما كان یأتي اللیل كان یأكل ببطء ویتنهد من الإرهاق، وعندما تحدث معه شاكلتون شعر بأن معنویاته كانت تنخفض یومًا بعد یوم، ودون أن یشعره شاكلتون بأنه یریده أن یتنصل من أعماله، قام بتغییر لائحة الواجبات؛ لیعطیه مهمات أقل مشقة، لكنها بالأهمیة ذاتها.

 

وسرعان ما تبینت له بضع روابط واهنة في طاقمه، فكان هناك أولًا فرانك هارلي، وهو مصور السفینة؛ لقد كان جیدًا في عمله، ولم یشتك یومًا من أداء واجبات أخرى، إلا أنه كان رجلًا بحاجة إلى أن یشعر بأهمیته؛ فقد كان فیه تكبر، وهكذا، وفي تلك الأیام الأولى للمجموعة فوق الجلید حرص شاكلتون على أن یسأل هارلي عن رأیه في جمیع المسائل المهمة؛ من قبیل مخزونات الطعام؛ ممتدحًا إیاه لما یعرضه من أفكار، وفضلًا عن ذلك، عهد إلى هارلي بخیمته؛ فجعله كل ذلك یشعر بأنه أكثر أهمیة من الآخرین، وبات من السهل على شاكلتون مراقبته عن كثب. أما الملاح هابیرت هدسون، فقد كشف عن أنه أناني جدا، ویكاد لا یصغي إلى شيء، لقد كان بحاجة إلى أن یلفت الانتباه باستمرار، وقد تحدث معه شاكلتون أكثر مما تحدث مع الآخرین، وأحضره أیضًا إلى خیمته ذات مرة، وإذا اشتبه شاكلتون بأن هناك آخرین یضمرون السخط فإنه كان یوزعهم في خیام متفرقة، لیضعف تأثیرهم المحتمل.

 

ومع تقدم الشتاء، قام شاكلتون بمضاعفة تیقظه وانتباهه، وفي بعض اللحظات، كان بإمكانه أن یشعر بسأم رجاله من كیفیة تحملهم أنفسهم، وكیف أصبح حدیثهم فیما بینهم أقل وأقل؛ ولمكافحة ذلك، قام بتنظیم مناسبات ریاضیة فوق الجلید في النهار الخاوي من الشمس نهار الشتاء في القطب الجنوبي، وكان في اللیل ینظم لهم شیئًا یسلیهم من الموسیقا، أو ضروب المزاح، أو روایة القصص. وكان یعد لعطلة نهایة الأسبوع عدتها جیدًا، فیقیم ولیمة عظیمة لرجاله، وهكذا امتلأت الأیام الطویلة من انجراف الجلید بالنقاط المضیئة، وسرعان ما بدأ شاكلتون یلاحظ شیئًا ممیزًا: فالبهجة تملأ رجاله یقینًا، حتى إنهم بدوا یستمتعون بمصاعب الحیاة فوق طوف جلیدي ینجرف.

 

وفي مرحلة تالیة، أصبح الطوف الذي كانوا فوقه صغیرًا إلى حدٍّ خطیر، فبادر شاكلتون إلى رجاله، یأمرهم بركوب ثلاثة قوارب للنجاة؛ كانوا استنقذوها من سفینتهم. وكان علیهم الاتجاه صوب الیابسة. وأبقى القوارب مجتمعة، وواجهوا الأمواج المضطربة، وتدبروا أمرهم للرسو في جزیرة الفیل المجاورة؛ على رقعة ضیقة من الشاطئ. ومع تفحص شاكلتون الجزیرة في ذلك الیوم، اتضح له أن الأوضاع علیها كانت أسوأ في بعض النواحي منها على الطوف الجلیدي. وكان الوقت یضیق بهم؛ ففي الیوم نفسه، أمر شاكلتون أحد القوارب بالاستعداد للقیام بمحاولة شدیدة المجازفة للوصول إلى رقعة الیابسة الأكثر طُروقًا وسكنى في تلك المنطقة؛ وكانت تلك: جزیرة جورجیا الجنوبیة، وهي تبعد عنهم نحو ثمان مئة میل باتجاه الشمال الشرقي وكانت فرصة بلوغها ضئیلة، إلا أن الطاقم لا یمكنه البقاء طویلًا في جزیرة الفیل، المعرضة لأمواج البحر العاتیة، وندرة الحیوانات التي یسعهم قتلها للطعام.

وكان على شاكلتون أن یختار بعنایة الرجال الخمسة الآخرین، الذین سیرافقونه في هذه الرحلة، وكان ممن اختارهم: هاري ماكنیش، وكان اختیاره له غریبًا جدا. فقد كان نجارَ السفینة، وأكبر أفراد الطاقم سنا بعمر السابعة والخمسین. فقد یكون بسبب عمره كثیر التذمر، وهو لم یعتد جیدًا على العمل الشاق؛ فعلى الرغم من الرحلة بالغة الصعوبة في القارب الصغیر، إلا أن شاكلتون كان یخشى بشدة أن یخلِّفه وراءه، فحمَّله مسؤولیة تجهیز القارب للرحلة، وبهذه المهمة شعر ماكنیش بأنه كان بنفسه مسؤولًا عن سلامة القارب؛ وسیبقى عقله في غضون الرحلة منشغلًا بمتابعة صلاحیة القارب للإبحار.

 

وفي مرحلة من مراحل الرحلة لاحظ شاكلتون أن معنویات ماكنیش تنهار، فتوقف الرجل فجأة عن التجدیف، وهنا أحس شاكلتون بالخطر؛ فلو صاح بماكنیش، أو أمره بالتجدیف، فلربما أصبح أكثر تمردًا، وبوجود قلة قلیلة جدا من الرجال تجمعوا معًا لأسابیع طویلة، ومعهم نزر قلیل من الطعام، یمكن أن یتحول الأمر إلى الأسوأ، وارتجالًا من شاكلتون في تلك اللحظة، قام بإیقاف القارب، وأمر الرجال بإعداد لبن (حلیب) ساخن یشربونه جمیعًا، وقال بأنهم جمیعًا قد نال منهم التعب، بمن فیهم هو نفسه، وبأنهم بحاجة إلى رفع معنویاتهم، وبذلك أنقذ ماكنیش من حرج عزله، وفي سائر مراحل الرحلة كان یلجأ إلى هذه الحیلة كلما دعت الحاجة.

 

وعلى بُعد بضعة أمیال من وجهتهم، فاجأتهم عاصفة هوجاء أبعدتهم عن الجزیرة. وبینما كانوا یبحثون باستماتة عن سبیل جدیدة توصلهم إلى غایتهم، جاءهم طائر صغیر واستمر في التحلیق فوق رؤوسهم، محاولًا أن یحط على قاربهم. وحاول شاكلتون جاهدًا المحافظة على رباطة جأشه المعتادة، إلا أنه فقدها فجأة؛ فوقف، ولوح بطیش إلى الطیر، وهو یقذفه بصنوف الشتائم، لكنه سرعان ما شعر بالإحراج، وجلس من جدید؛ فعلى مدى 15 شهرًا، كان یسیطر على جمیع مشاعر الإحباط عنده؛ حرصًا على رجاله، وصونًا لمعنویاتهم المرتفعة. وبذلك حدد النهج الذي یجمعهم. ولم یكن الوقت الآن وقت التراجع في ذلك، وبعد دقائق، ألقى علیهم نكتة سخر فیها من نفسه، وأقسم على نفسه بألا یعود إلى ما بدر منه، مهما كان الضغط علیه.

 

وبعد رحلة في غمار ظروف جویة بحریة سیئة للغایة، تمكن القارب الصغیر أخیرًا من الرسو في جزیرة جورجیا الجنوبیة، وبعد بضعة أشهر، وبمساعدة صائدي الحیتان الذین كانوا یعملون في الجزیرة، تم إنقاذ جمیع الرجال الباقین في جزیرة الفیل. فإذا نظرنا إلى الصعاب التي واجهتهم، من الأحوال الجویة، إلى التضاریس الوعرة، إلى القوارب الصغیرة، إلى مواردهم الشحيحة، لرأینا أن تلك القصة كانت واحدة من أبرز قصص النجاة في التاریخ.

وشیئًا فشیئًا انتشر خبر الدور القیادي الذي قام به شاكلتون .

 

التفسیر: عندما وجد شاكلتون نفسه مسؤولًا عن حیاة كثیر من الرجال في تلك الظروف البائسة، فهمَ ما یحدد الفارق بین الحیاة والموت؛ إنه موقف رجاله، وهذا لیس بالأمر الجلي، فنادرًا ما تخوض فیه الكتب وتتناوله بتحلیلاتها، وما من كراریس تدریبیة في هذا الموضوع، ومع ذلك فقد كان نقص كل ذلك العامل الأهم بینها جمیعًا، فانحدار طفیف في معنویات رجاله، وبعض الصدوع في وحدتهم، ستجعل من الصعب جدا اتخاذ القرارات المناسبة تحت ذلك الضغط، ومحاولة واحدة للتحرر من الطوف الجلیدي، مع استبعاد نفاد الصبر بعض الرجال والضغط البادي منهم، ستفضي إلى الموت لا محالة، وجوهر الأمر أن شاكلتون قد وُضِع عند ذروة الحالة الأولیة والبدائیة للكائن البشري؛ جماعة وقعت في خطر، یعتمد واحدُها على الآخر للنجاة؛ ففي مثل هذه الظروف وحدها، قام أسلاف البشر القدامى بتطویر مهارات اجتماعیة متفوقة، وتطویر القدرة البشریة المدهشة في قراءة مزاجات الآخرین وعقولهم، والعمل معهم. وفي الشهور الخاویة من الشمس على الطوف الجلیدي، كان شاكلتون نفسه یعید اكتشاف هذه

المهارات التعاطفیة القدیمة، الساكنة خاملةً فینا جمیعًا، لأنه كان لا بد له من ذلك.

 

وینبغي لطریقة شاكلتون في معالجة مهمته أن تكون نموذجًا نحتذیه جمیعنا: فأولًا: فهمَ شاكلتون الدور الرئیس لموقفه في هذه الظروف، فطریقة تفكیر القائد تنتقل إلى مجموعته بالعدوى، وأكثر ذلك یحدث بلا كلام؛ فالناس یفهمون إیماءات القائد ونبرة صوته، وعمد شاكلتون إلى نفسه فصبغها بمظهر الثقة الكاملة والتفاؤل العظیم، ثم راقب عدوى ذلك في معنویات رجاله.

وثانیًا: كان علیه أن یقسِّم اهتمامه بین الأفراد والمجموعة بالتساوي تقریبًا، ففي اهتمامه بالمجموعة، قام بمراقبة مستویات حدیثهم في أوقات الوجبات، ومقدار السباب الذي یسمعه منهم في أثناء العمل، وسرعة تحسن مزاجهم عندما تبدأ بعض الألعاب الترفیهیة، وفي اهتمامه بالأفراد كان یدرس حالاتهم العاطفیة من نبرة أصواتهم، وسرعة تناولهم طعامهم، وبطء نهوضهم من النوم. فإذا لاحظ مزاجًا معینًا من مزاجاتهم في ذلك الیوم فإنه یحاول توقع ما قد یفعلونه عن طریق وضع نفسه في مزاج مشابه لذلك. وقد بحث عن أي علامات على الإحباط، أو انعدام الاستقرار، من كلماتهم وإیماءاتهم، وكان علیه أن یعامل كلا منهم بصورة مختلفة، بحسب الطبیعة النفسیة لكلٍّ منهم، كذلك كان علیه أن یقوِّم قراءاته باستمرار؛ لأن مزاجات الناس تتغیر بسرعة.

 

وثالثًا: عندما كان یكتشف أي انخفاض في المعنویات أو ظهور للسلبیة، كان علیه أن یكون لبقًا. فالتوبیخ لن یجدي إلا في جعلهم یشعرون بالخزي والعزلة، وهو أمر یؤدي إلى آثار تنتشر بالعدوى الضارة من رجل إلى آخر، والأفضل جعلهم ینخرطون في الحدیث، والدخول في روحهم، وإیجاد طرق غیر مباشرة لتحسین مزاجهم، أو عزلهم؛ دون أن یدركوا ما كان یفعله.

 

ومع ممارسة شاكلتون لذلك كل یوم لاحظ كم تحسَّن هو نفسه في ذلك، فبلمحة خاطفة واحدة، أو قراءة سریعة في الصباح لمزاجاتهم، كان بإمكانه أن یتوقع تقریبًا كیف سیتصرف الرجال في یومهم ذاك، لدرجة أن بعض أفراد طاقمه ظنه عرَّافًا.

 

الاستنتاج: إن ما یجعلنا نطور هذه القوى في التعاطف هو الحاجة، فإذا شعرنا أن بقاءنا یعتمد على حسن قیاسنا لمزاجات وعقول الآخرین فإننا سنجد التركیز اللازم، ونستغل تلك القوى، ونحن في الحالة الطبیعیة لا نشعر بالحاجة إلى ذلك، فنحن نتصور أننا نفهم الناس الذین نتعامل معهم أحسن الفهم. والحیاة یمكن أن تكون قاسیة، وعلینا الكثیر من الواجبات الأخرى لا بد لنا من الاهتمام بها، ویقعدنا الكسل، فترانا نفضل الاعتماد على الأحكام الجاهزة مسبقًا، إلا أن الحقیقة هي أن ذلك أمر حیاة أو موت، ونجاحنا یعتمد فعلًا على تطویر هذه المهارات. ونحن ببساطة لا ندرك ذلك؛ لأننا لا نرى الصلة بین المشكلات التي تواجهنا في حیاتنا، وقراءتنا الخاطئة المستمرة لمزاجات الناس ومقاصدهم، ولا نرى الفرص الضائعة الكثیرة من جراء ذلك.

إذًا فالخطوة الأولى هي أهم خطوة: إنها إدراكك بأن لدیك أداة اجتماعیة مهمة لم تصقلها بعدُ. وأفضل السبل لصقلها هي تجربتها؛ فلتوقِف أحادیث مناجاتك الداخلیة الدائمة، ولتنتبه إلى الناس أحسن انتباه، وناغم نفسك مع المزاجات المتغیرة للأفراد والمجموعة، واقرأ الطبیعة النفسیة لكل شخص على حدة، واكتشف ما یحركهم، وحاول أن تنظر بعیونهم، وتدخل في عالمهم ومنظومة قیمهم، وستدرك فجأة عالمًا بأكمله من السلوكیات بلا كلام، لم تكن تعرف بتاتًا بوجوده، وكأن عینیك أصبحتا فجأة تریان الضوء فوق البنفسجي، وعندما تحس بهذه الطاقة، سوف تشعر بأهمیتها وتتنبه لفرص اجتماعیة جدیدة.

 

أنا لا أسأل الجریح عن شعوره ... أنا نفسي أصبح الشخص الجریح.

                                                                                           والت ویتمان

 


0 التعليقات: