11‏/02‏/2021

قوانين الطبيعة البشرية 22

 قوانين الطبيعة البشرية 22


إشارات  الخداع:

ما أسهل انخداعنا نحن البشر بحكم طبیعتنا؛ فنحن نرید أن نصدِّق أمورًا معینة؛ من قبیل أنه یمكننا الحصول على شيء بلا مقابل؛ وأنه یمكننا بسهولة استعادة صحتنا أو تجدیدها بفضل حیلة جدیدة، حتى إنه بإمكاننا أن نخدع الموت؛ وأن معظم الناس طیبون في جوهرهم ویمكننا الوثوق بهم؛ وهذه النزعة التي تعیش فینا هي سر نجاح المخادعین والمحتالین، وسیكون في غایة النفع لمستقبل النوع البشري أن یكون أقل انخداعًا، إلا أننا لا نستطیع تغییر الطبیعة البشریة، وبدلًا من ذلك فإن أفضل ما یمكننا القیام به هو أن نتعلم تمییز بعض الإشارات الفاضحة لمحاولات الخداع، مع احتفاظنا بریبتنا ونحن نمضي في تفحص أدلة الخداع.

 

والعلامة الأكثر وضوحًا وشیوعًا هي عندما یتظاهر الناس بمظهر شدید الحیویة؛ فیكثرون من التبسُّم، ویبدون مفرطین في التودد؛ حتى إنهم یكونون ممتعین للغایة، فیصبح من الصعب علینا ألا ننجذب إلیهم، ونخفف ممانعتنا لتأثیرهم أكثر من أي وقت مضى؛ فعندما كان لیندون جونسون الرئیس الأمریكي في الستینیات بعد كینیدي یحاول أن یحجب الحقیقة عن أحد أعضاء مجلس الشیوخ عندما كان في مجلس الشیوخ، كان یزید في حضوره الفیزیائي معه، ویلتقي به في غرفة المعاطف، ویروي له بعض الطرائف السمجة، ویلمس ذراعه، ویبدو بالغ الإخلاص له، ویشق وجهه بأعرض ابتسامة یستطیعها، وبصورة مماثلة، إذا كان الناس یحاولون حجب شيء ما فإنهم یمیلون لیكونوا مبالغین في الحماسة، والاستقامة، والثرثرة، فهم یعزفون على وتر

الانحیاز للاقتناع ولسان حالهم یقول: إذا قلت شیئًا أو أنكرت شیئًا بحماسة بالغة في سیاق أكون فیه الضحیة فمن الصعب أن یرتاب بي أحد، فترانا میالین إلى زیادة اقتناعنا بالحقیقة، والحق أنه عندما یحاول الناس شرح أفكارهم بنشاطٍ ما بعده نشاط، أو عندما یحاولون الدفاع عن أنفسهم بالإنكار أشد الإنكار، فتلك حتمًا اللحظة التي علیك فیها أن تأخذ حذرك.

 

وفي كلتا الحالتین من حجب المعلومات والإقناع اللطیف یبذل المخادع جهده لصرفك عن الحقیقة؛ فعلى الرغم من أن الوجه الحیوي والإیماءات قد تأتیك من حماسة كبیرة ومودة حقیقیة، فإنها عندما تأتیك من شخص لا تعرفه حق المعرفة، أو من شخص ربما كان عنده شيء یخفیه وحسب، فلا بد أن یكون الحذر حلیفك، ثم تبحث عن إشارات غیر كلامیة تؤكد بها شكوكك.

 

فمع هؤلاء المخادعین ستلاحظ غالبًا أن أحد جانبي الوجه أو الجسم عندهم فیه تعابیر تجذبك إلیها أكثر من الجانب الآخر، وغالبًا ما یكون ذلك في المنطقة المحیطة بالفم؛ ویرافق ذلك ابتسامات عریضة، وتعابیر متغیرة، فهذه المنطقة هي أسهل منطقة للمخادعین لإحداث أثر حیوي على وجوههم وخداعنا به، لكن هناك أیضًا إیماءات واضحة بالیدین والذراعین، ومفتاحك لفك طلاسمها هو أن تكشف التوتر والقلق في أجزاء أخرى من الجسم، لأنه من المستحیل على المخادع التحكم بجمیع عضلاته، فإذا لاحت على وجهه ابتسامة عریضة، فلاحظ أن عینیه متوترتان بحركة طفیفة، أو أن سائر جسده ساكن على نحو غیر اعتیادي، أو أن عینیه تحاولان خداعك بنظرات تستدرُّ بها تعاطفك، أما فمه فتراه یرتعش رعشة خفیفة.

 

ویحاول دهاة المخادعین أحیانًا أن یحدِثوا عندك انطباعًا مناقضًا، فإذا كان یحجبون عنك فعلًا شائنًا من أفعالهم فإنهم یخفون مآثمهم خلف مظهر خارجي كلُّه جِدٌّ واقتدار، وتغدو وجوههم ساكنة على نحو غیر اعتیادي، وبدلًا من أن یرفعوا الصوت بإنكار شَینهم، تراهم یقدِّمون تفسیرًا معقولًا جدا لتسلسل الأحداث، حتى إنهم یبحثون عن الدلیل الذي یثبت كلامهم، ویكاد تصویرهم للواقع یكون محكمًا، فإذا كانوا یحاولون أن یكسبوا منك مالًا أو دعمًا لهم، فسیتظاهرون بأنهم اختصاصیون أصحاب كفاءات عالیة، إلى حدٍّ یصیبونك فیه بالسأم، حتى إنهم یرمون على مسامعك كثیرًا من الأرقام والإحصائیات، وكثیرًا ما یستخدم المحتالون هذا المظهر؛

 

وبصورة عامة، فإن أفضل ما تقوم به عندما تشتبه في أن أحدًا یحاول صرفك عن الحقیقة ألا تواجهه بقوة في أول الأمر؛ بل شجعه حقیقةً على الاستمرار؛ بإظهار اهتمامك بما یقوله أو یفعله، فاجعله یكثر في حدیثه، لتكشف علامات أخرى عنده، تدل على توتره وتلفیقه، وفي اللحظة المناسبة، تفاجئه بسؤال أو تعلیق مصمَّمٍ لجعله یشعر بعدم الارتیاح؛ كاشفًا بأنك على علم بأمره، وانتبه للتعابیر الصغرى، ولغة الجسد التي تصدر عنه في هذه اللحظات؛ فإذا كان یخدعك فعلًا فغالبًا ما تكون استجابته جامدة وهو یتلقى ما قلته، ثم یسارع إلى محاولة حجب القلق الكامن في نفسه، وكان هذا هو الأسلوب المفضل عند المحقق كولمبو؛ في المسلسل التمثیلي التلفزیوني كولمبو؛ فكان یواجه المجرمین الذین یحاولون تفكیك الأدلة لیظهروا أن أحدًا آخر ارتكب جریمتهم، وكان كولمبو یتظاهر بأنه مسالم یحمل لهم كل الود، لكنه فجأة یسألهم بعد ذلك سؤالًا یزعجهم، ویراقب بانتباه شدید وجوههم وأجسامهم.

 

وحتى لو كان المخادع محنكًا في الخداع، فإن إحدى أفضل الطرق لكشفه هي ملاحظة كیفیة تأكیده كلماته بالإشارات غیر الكلامیة، فمن الصعب جدا على البشر تزییف هذه الإشارات، وقد یأتي تأكیده من رفع صوته، والنبرة الحازمة في صوته، وإیماءات یده القویة، ورفع حاجبیه، وتوسع عینیه. وقد ننحني أو ننهض على أعقاب أقدامنا ونحن نسأل المخادع، ونقوم بذلك عندما تملؤنا العاطفة، ونحاول إضافة علامة تعجب لما نقوله. ویصعب على المخادع تقلیدنا في ذلك. والتأكید الذي یجعله في صوته أو في جسمه غیر مترابط بدقة مع ما نقوله، ولا یلائم جیدًا سیاق تلك اللحظة، أو قد یأتي متأخرًا بعض الشيء، فإذا ضرب الطاولة بقبضة یده فلا یكون ذلك في اللحظة التي یشعر بها بالعاطفة؛ بل یشعر بالعاطفة قبل ذلك بقلیل، وكأن تلك علامة یقصد بها ترك أثر بعد شعوره بالعاطفة، وتلك هي التصدعات في قشرة الواقع الذي یحاول المخادع

تقدیمه لنا.

 

وأخیرًا، تذكَّر أن هناك دائمًا مقیاسًا للخداع، وعند أسفل المقیاس تجد أصناف المخادعین الأقل ضررًا، من أصحاب الكذبات البیضاء البسیطة في الأمور التافهة.

 

0 التعليقات: