07‏/02‏/2021

قوانين الطبيعة البشرية 6

 قوانين الطبيعة البشرية 6


التفسیر:  فقد كان إخوان بريكليس من مواطني أثینا غیر عقلانیین بالمرة؛ بل كانوا

أنانیین ودهاة لا أكثر، وكانت قراراتهم توجهها عواطفهم الأساسیة؛ التعطش للسلطة، ولفت

الانتباه، وحب المال.

.

 

مفاتیح للطبیعة البشریة:

 

لیس لدینا إمكانیة للوصول الواعي إلى أصول عواطفنا، وما تولده من الأمزجة، وحالما نشعر بها یكون كل ما نستطیع أن نفعله هو أن نترجم العاطفة، نترجمها إلى لغة؛ لكننا في أكثر الأوقات نقوم بهذه الترجمة بصورة خاطئة، فترانا نتعلق بتفسیرات بسیطة تناسبنا، أو أن الحیرة تشُّل أدمغتنا.

 

لقد تطورت العواطف لسبب مختلف مقارنة بالمعرفة والإدراك.

 

اتصالنا المستمر بمواقع التواصل الاجتماعي یجعلنا معرضین لأشكال جدیدة من التأثیرات

العاطفیة المنتشرة؛ فلیست هذه وسائل إعلام صممت للتفكیر برویة، وبحضورها المستمر تصغر عندنا شیئًا فشیئًا المساحة الذهنیة المخصصة للتریث والتفكیر.

إننا محاصرون بعواطف شتى ومآسي لا حاجة لنا بها؛ كحال أهالي أثینا في مجلس

نوابهم؛ وذلك لأن الطبیعة البشریة لم تتغیر.

 

ومن الواضح أن كلمتي العقلانیة واللاعقلانیة یمكن أن تُحمَّلا الكثیر من المعاني؛

 

ویمكننا أن نرى الاختلاف في القرارات والأفعال التي ینحو إلیها الناس والنتائج

المترتبة علیها؛ فالعقلاني یُظهر في كل وقت قدرته على إنهاء المشروعات، ویدرك

أهدافها، ویعمل بفعالیة في فرق العمل، وینشئ (بعمله) شیئًا له صفة الدیمومة،

أما اللاعقلاني فیكشف في تضاعیف حیاته عن أنماط سلبیة؛ فتتكرر الأخطاء عنده،

وتنشب خلافات لا لزوم لها حیثما حل، وأحلامه ومشروعاته لا تجد لها طریقًا للإنجاز

أبدًا، وغضبه ورغباته في التغییر لا تتحول ألبتة إلى أفعال ملموسة؛ فهو عاطفي سریع

الاستجابة في ذلك كله، ولا یدرك ما هو علیه،

 

وبوسعنا كذلك أن نرى الاختلاف بین العقلاني واللاعقلاني في حالات خاصة، عندما

یتصل الأمر بحساب الآثار طویلة الأمد، ومعرفة المهم منها بحق

 

وعند الحدیث عن توظیف مساعد في العمل أو شریك فیه، یستخدم العقلاني مقیاس

الكفاءة؛ فهل بوسع هذا الشخص القیام بالعمل؟ أما الإنسان اللاعقلاني فسیقع بسهولة في

حبائل أصحاب الجاذبیة، أو الذین یعرفون كیف یزیدون مخاوفه، أو الذین یظهرون أنهم

مطواعون أو لا خطر منهم، وسیقوم بتوظیفهم دون أن یدرك الأسباب التي دعته إلى

ذلك، وسیقوده ذلك إلى ارتكاب الأخطاء، وظهور أوجه القصور عنده،

 

العقلاني سیبحث عن وظیفة تناسب أهدافه بعیدة المدى، أما النوع اللاعقلاني فسیكون قراره مبنیا على مقدار النقود الذي سیجنیها على الفور.

 

اللاعقلاني یصبح عاطفی عندما یواجَه بالجذور العاطفیة لقراراته، وهو غیر قادر على مراقبة نفسه والتعلم من أخطائه، فأخطاؤه تجعله إنسانًا دفاعیا (متوجسًا) أكثر فأكثر.

 

ومن حسن حظنا أن نیل العقلانیة لیس بالأمر المعقد؛ فهو یحتاج منا ببساطة إلى العلم

والعمل بعملیة من ثلاث خطوات:

 أُولاها: أن علینا أن نصبح مدركین لما ندعوه اللاعقلانیة منخفضة الدرجة

وهي عمل المشاعر والمزاجات المستمرة تمر بنا في حیاتنا، دون مستوى وعینا، وعندما نقوم بالتخطیط لأنفسنا أو اتخاذ القرارات فإننا لا ندرك قدر التشویه العمیق الذي تحدثه هذه المشاعر والمزاجات في عملیة التفكیر، فهي تنشئ في تفكیرنا انحیازات حادة، مغروسة في أعماقنا، ونرى البرهان علیها في جمیع الثقافات التي مرت في مراحل التاریخ، وهذه الانحیازات بتشویهها للواقع - تقودنا إلى ارتكاب الأخطاء واتخاذ القرارات غیر الناجحة التي تكدر حیاتنا،

لكننا إذا أدركناها یمكننا البدء بإبطال آثارها.

 

والخطوة الثانیة: وهي علینا أن نفهم طبیعة ما ندعوه اللاعقلانیة مرتفعة الدرجة

وهي تحدث عندما تشتعل عواطفنا؛ ویحدث ذلك بصورة عامة عندما نواجه ضغوطًا معینة،

وعندما نفكر بما یعترینا من الغضب، أو الانفعال، أو الاستیاء، أو الشك؛ فإن ذلك یزداد

كثافة لیتحول إلى حالة رد فعل، فنفسر كل ما نسمعه أو نراه استنادًا إلى تلك العاطفة، وتزداد حساسیتنا، ویزداد میلنا إلى استجابات عاطفیة أخرى، فیمكن لنفاد الصبر والاستیاء أن یدفعانا إلى الغضب والشك العمیق. وهذه الحالات في الاستجابة هي ما یوجه الناس إلى العنف، أو وسوسة الهواجس، أو التمادي في الجشع، أو الرغبة في التحكم بإنسان آخر، وهذه الصورة من اللاعقلانیة هي مصدر المشكلات الخطیرة (من الأزمات الاقتصادیة، إلى الصراعات الكبرى، إلى القرارات المأساویة)؛ وفهمنا لكیفیة عمل هذا النوع من العقلانیة له أن یمكِّننا من ملاحظة حالة رد الفعل في أثناء حدوثها والتراجع عنها قبل أن نفعل شیئًا نندم علیه.

 

أما الخطوة الثالثة :نحن بحاجة إلي تفعيل بعض الاستراتيجيات، وتمرینات معینة،من شأنها تقوي جزء التفكیر في الدماغ، وتمنحه قدرة أكبر في كفاحنا الأبدي أمام عواطفنا.


0 التعليقات: