01‏/12‏/2010

سيكولوجية الجماهير 4

سيكولوجية الجماهير 4

عواطف الجماهير وأخلاقياتها

2- سرعة تأثر الجماهير وسذاجتها وتصديقها لأي شئ


إن خلق الأساطير التي تنتشر بمثل هذه السهولة في أوساط الجماهير ليس فقط ناتجاً عن سرعة كاملة في التصديق ، وإنما عن تشويه هائل أو تضخيم هائل للأحداث في مخيلة الأفراد المحتشدين ( أي الجمهور ) فالحدث الأكثر بساطة يتحول إلي حدث آخر مشوه بمجرد أن يراه الجمهور ، فالجمهور يفكر عن طريق الصور ، والصور المتشكلة في ذهنه تثير بدورها سلسلة من الصور الأخري بدون أي علاقة منطقية مع الأولي ، ويمكننا أن نتصور بسهولة هذه الحالة عن طريق التفكير بالتتابع الغريب للأفكار الذي يقودنا إليه تذكر حدث معين .


والعقل يبين لنا عدم تماسك مثل هذه الصور ولكن الجمهور لا يري ذلك ، فالواقع إنه يخلط بين التضخيم الذي يلحقه بالحدث وبين الحدث ذاته ، وبما أنه غير قادر علي التمييز بين الذاتي والموضوعي فإنه يعتبر الصورة المثارة في خياله بمثابة الواقعية والحقيقية ، هذا علي الرغم من أنها ذات علاقة بعيدة جدا مع الواقعة المرئية


وهناك الكثير من القصص التي يكون فيها هناك شاهدا متوهما يعدي باقي الجمهور برؤيته ويكون ما شاهده الشاهد الأول ماهو إلا مجرد وهم


والنساء والأطفال هم أكثر عرضة للتأثر والتأثير الذاتي وشهادتهم شهادة هشة أمام العدالة


ينتج عن ماقلناه سابقا بأنه ينبغي أن نعتبر كتب التاريخ بمثابة كتب الخيال الصرف ، فهي عبارة عن حكايات وهمية عن وقائع لوحظت بشكل ردئ ، كما أنها مصحوبة بتأويلات شكلت فيما بعد


وليس من الضروري أن تمضي القرون العديدة علي أبطال التاريخ لكي تتشكل أسطورتهم ويتم تحويرها بواسطة خيال الجماهير ، فالتحوير قد يتم خلال بضع سنوات


فقد شهدنا بأم أعيننا تحول أسطورة أحد كبار أبطال التاريخ مرات عديدة خلال الخمسين سنة الماضية أو أقل.


أقصد بذلك نابليون بونابرت ، فقد أصبح نوعا من الشخصيات المثالية والمحبة للإنسانية والليبرالية في ظل حكم سلالة البوربون . لقد أصبح صديقا للضعفاء والفقراء الذين احتفظوا بذكراه تحت أكواخهم لفترة طويلة بحسب أقوال الشعراء ، ولكن بعد ثلاث سنوات من ذلك التاريخ تحولت صورة هذا البطل الطيب القلب الرحيم إلي نوع من من المستبد الدموي المبتز للسلطة والحرية والذي ضحي بثلاثة ملايين رجل من أجل طموحاته في السلطة والمجد ، ونلاحظ الآن أن أسطورته قد أخذت تتحول أيضا من جديد ، وبعد أن تمر عشرات القرون علي ذكراه فإن علماء المستقبل سوف يقفون محتارين أمام كل هذه الروايات المتناقضة عنه وربما شكوا في وجوده أصلا


لا يمكن للتاريخ أن يخلد إلا الأساطير

0 التعليقات: