24‏/03‏/2010

كتب وكتاب - 12

فيدور دوستفسكي
ستيفن تسفانج

منذ قرابة 20 سنة يقرأ الناس في عالمنا العربي مترجمات لكاتب نمسوي ذائع الصيت هو ستيفان تسفايج والنقاد والناشرون يقدونه علي أنه أية من آيات الابداع الفكري في عصرنا وكذلك حدث مع أميل لودفيج و ماكس سيمون زودفيلد المسمي باسم ماكس نورداو

وهؤلاء الثلاث لا تتميز كتابتهم إلا ببهارج وألفاظ .. يخلبون الالباب بلمع بارق من الثقافة والعلم ، وما تقرأ لأحد منهم سطرا إلا رصعه باسم أديب أو موسيقي أو رجل من رجال الاناجيل مع تضمينات وإشارات توهم القارئ بالعلم العظيم ، فإذا فرغ القارئ من الكتاب وسأل نفسه عما أفاد ، لم يجد شيئاً

أما عن الكتاب فإنك تقرأه و تعاني بتعبير أدق في قرائته ثم تجد نفسك آخر الأمر كما دخلته ، لم يزد علمك به أو بواحدة من رواياته شيئاً ، فلا أنت عرفت حياة دوستوفسكي ولا أي رائعة من روائعة شيئا
وهذا طراز عجيب من التأليف
وتعجب بعد ذلك كيف كان الرجل في حياته قطباً من أقطاب الفكر يتلقف الناس ما يكتب وكأنها روائع مفردات ؟


وليس هذا من تعليل إلا الدعاية الواسعة التي تقوم بها دور النشر في الغرب لكتاب من ملة معينة (يهود) دعاية مقصودة يرمون من ورائها إلي فرض امتياز أهل هذه الملة علي الناس فرضاً ، والتمهيد بذلك إلي المأساة التي نشقي نحن بعقابيلها في فلسطين .


أما عن دستوفسكي فلقد كان أعمق محلل لنفوس البشر عرفه التاريخ تجلي ذلك في روايته " ضيعة ستيباتشيكوفو"


ومن خلال قصصه تعلم الروس كيف يعبدون روسيا


كتابه " خطابات من العالم السفلي " 1866 قرئ ويقرأ في روسيا بتقديس أكثر من قداسة الأناجيل ، إنه الكتاب الرئيس الذي يتجلي فيه تحوله النفسي العميق من كاتب مثالي إلي مؤلف فواجع تهز النفس الإنسانية هزاً ، ليس في الأدب العالمي قصة كالإخوة كارامازوف تجمع أشخاصاً أربعة متميزة ومع ذلك متشابهة ، متنافرة ومنسجمة في آن واحد . هذه القصة بالذات أذكر أنني قرأت كل فقرة من فقراتها مرتين : إذا فرغت من الفقرة أحسست أنه فاتني منها شئ فأعود أقرأها
من أسف أنني لم أستطع قراءة هذا الرجل إلا مترجماً .
أحسن من كتب عن دوستوفسكي الناقد الروسي ميريشكوفسكي

عبقرية دستوفسكي وأمثاله كشكسبير وبلزاك وغيرهم تكمن في قدرتهم علي فهم غيرهم والوصول إلي أعماق نفوسهم


ولوكانت عبقرية الكاتب تقتصر علي تصوير نفسه في شخووص شتي لكان عباقرة الكتاب ألوفاً .. هذه بالذات هي نقطة الضعف الكبري في معظم القصص الأمريكية الطائرة في أيامنا هذه ، فإنك تتناول الكتاب الذي يقال لك إنه يباع بالملايين فلا تجد فيه إلا رجلا يصور نفسه والبيئة المحيطة به أو إمرأة تصور نفسها والبيئة المحيطة بها ولهذا تندر أن تجد لهؤلاء أكثر من كتاب واحد جيد ، وما أكثرما عانيت من أولئك الكتاب والكاتبات يغرك الكتاب بصيته الذائع فتجتهد في الحصول عليه وتشقي بقرائته ، ثم لا تجد فيه بعد ذلك ما يخرج عن نطاق ريبورتاج صحفي جيد

وكتاب من طراز ماكس نورداو وإميل لودفيج وستيفان تسفيج ليس عندهم إلا ذلك


تجار ألفاظ وعبارات بهلوانية وإشارات توهم بالثقافة وسعة الاطلاع في فقره واحدة يذكر الواحد منهم يوليسيس بطل الاغريق شيشرون خطيب الرومان والراهب القديس أوغسطين وجيته وشكسبير وبلزاك والقارئ السساذج يفتح فمه دهشاً ويقول : ما أوسع علم هذا الرجل!


ولكن الشهرة شئ والأصالة شئ..


فالشهرة لها ألف طريق ، والاصالة ليس لها إلا طريق واحد ..
وفي أيامنا هذه أصبح للشهرة ألف ألف طريق ..
حقاً إنه في ميدان العلم والأدب والفن ليس هناك إلأا مقياس واحد للأصالة : الزمان
من جاز امتحان الأيام وعبر السنين فهو الأصيل
وما أصدق ماقاله ناقد أمريكي عقب انتحارإيرنست همنجواي : " إنه الآن أشهر أدباء الدنيا .. ولكن انتظروا حتي نري هل سيجوز اختبار الزمان "

0 التعليقات: