31‏/03‏/2010

الأمة المسلمة 11

العنصر الرابع : الإيواء

وردت معاني الإيواء في القرآن وفي الحديث الشريف بتلك المعاني :
المأوي أي الموطن ومكان الإقامة الدائمة
حسن الاستقبال والتكريم ،الرعاية والعناية، الاستقرار النفسي والاجتماعي
أوي بمعني طلب الأمن والنجاة ، الايواء بمعني السند والدعم والملجأ والحماية ، الراحة والاسترخاء

التطبيقات العملية في مجتمع الرسول صلي الله عليه وسلم :
1- ما قدمه الأنصار للمهاجرين من استقبال كريم ، ولإقامة آمنة مريحة ، ومؤاخاة عملية قامت علي المشاركة الكاملة في الحياة والعمل والمؤونة والمصير
2- ما قام به الرسول صلي الله عليه وسلم من تنظيم للعلاقات الاجتماعية بين مختلف الجماعات التي سكنت المدينة في زمنه مستهدفاً تجسيد الإيواء في واقع عملي ينعم الجميع فيه بمقومات العيش الكريم ، ويكون مثلا أعلي تقتدي به أجيال الأمة المسلمة بعد .

مظاهر الإيواء:


أولا : تقدير قيمة الأرض واستعمارها بالطرق التي وجه الله إليها :

ولقد كانت توجهيات القرآن والسنة في هذا المضماريمكن إجمالها في :
1- حسن الانتفاع بالأرض كمكان للإيواء والسكن والاستقرار
2- حسن الانتفاع بالأرض كمصدر للعيش والغذاء
3- اشتراك الإنسانية كلها للانتفاع بموارد الأرض وخبراتها
4- حسن الانتفاع بالأرض كمختبر من مختبرات المعرفة الموصلة إلي الله سبحانه وتعالي

1- حسن الانتفاع بالأرض كمكان للإيواء والاستقرار :
الأساس في الايواء أن يتوفر لكل إنسان ، مهما كان لونه أو جنسه أو عرقه ، حاجاته في الاستقرار المادي والنفسي بغية التفرغ لتحقيق حاجة أعلي هي الحاجة إلي تحقيق الذات المتمثلة في معرفة الخالق واستشراف قدرته وطاعته ومحبته ، ثم معرفة الحكمة من النشأة والحياة والمصير
ولتحقيق أسباب الاستقرار النفسي أرسل الله تعالي رسله بالتوجيهات التي ترسخ مقومات هذا الاستقرار وتشيعه ومنها كانت قيم رئيسية كبري وهي:
1- إشاعة العدل وجعله محور العلاقات البشرية
2- الواضع في الأرض واتخاذه أساساً للأخلاق
3- التوسط في إنتاج موارد الأرض واستهلاكها (ولا تسرفوا)
والأصل الذي تنبع منه هذه القيم الثلاث الرئيسية وفروعها الثانوية هو معرفة الله وتوحيده في العبادة والطاعة

وقيم فرعية تتفرع من القيم الريسية الكبري السابقة وهي تحذير من منكرات رئيسية كبري وهي :
1- شيوع الظلم في الأرض وسريانه في العلاقات البشرية
2- التكبر والعلو في الأرض
3- الإسراف في إنتاج موارد الأرض واستهلاك خيراتها
والمصدر الرئيسي لهذه المنكرات الثلاثة هو الكفر بالله أو الشرك به ومعصيته والتنكر لهديه .

2- حسن الانتفاع بالأرض كمصدر للعيش والغذاء

والأساس في ذلك قاعدتان
الأولي : الإقامة في الأرض حيث تتوفر الحرية – خاصة حرية العبادة – قال تعالي " ياعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون"
الثانية : حرية السفر في مناكب الأرض كلها للتجارة والعمل

للانتفاع بخيرات الأرض منهجان لا ثالث لهما : فإما منهج الله في الحلال الطيب الذي يفرز مفاهيم في الاقتصاد تهيئ لجميع الناس الانتفاع الجسدي والنفسي والعقلي ، وتشيع التعاون والتكافل بينهم ، وتوفر للجميع التمتع بالطيب من الغذاء المؤدي إلي العافية والرخاء

وإما منهج الشيطان في الحرام الخبيث الذي يفرز نظريات في الإنتاج والاستهلاك تصيب البشر كلهم بالضنك النفسي والجسدي والعقلي ، وتشيع الاستغلال والاحتكار والابتزاز ونهب مقدرات الأفراد والشعوب لصالح أقليات مترفة تاركة للأكثرية الردئ أو الخبيث من الغذاء الجالب للأسقام ومضاعفات المجاعات والفتن في الأرض والفساد الكبير


قال الرسول صلي الله عليه وسلم " ليس بعد الحلال الطيب إلا الحرام الخبيث " صحيح البخاري
وأبشع أنواع الظلم المعاصر هو استغلال النفوذ للإستيلاء علي الأرض وتحويلها إلي سلعة تجارية باهظة الثمن لا يقدر علي دفعه إلا من أفني عمره بالكد القاسي في أرجاء الأرض كلها من أجل الحصول علي مأوي لا يتعدي المائة متر المربع

لابد للتربية الاسلامية أن تجتهد في تنمية حب العمل وجعله من محاور القيم في الأمة واعتباره الوسيلة الكريمة للعيش الكريم حتي لا يفسح في المجال للوسائل غير الكريمة التي تنال من عنصر الإيواء وتفسده ، والواقع أن القعود عن العمل وجمع المال والسيطرة علي موارده من قبل غير المؤمنين أضر بالاسلام والمسلمين والناس أجمعين في الداخل والخارج

فالمترفون عادة يجزئون مفهوم الدين من خلال علمائهم أو سحرتهم فيفصلون بين المظهر الديني للعبادة وبين المظهر الاجتماعي ، ويفرغون المصطلحات الدينية من محتوايتها الاجتماعية ثم يملؤونها بمعان غيبية لا علاقة لها بالواقع ، ويصرفون الأفهام عن الاعمال إلي الأشكال ويجعلون الزهد رضا بالفقر والفاقة وانتظاراً لنعيم الآخرة وعدلها

ولابد للتربية الاسلامية من التوسع في تشخيص المشورات المدمرة التي قدمها خبراء التربية الغربيون للأقطار الإسلامية في العصر الحديث ، وكان من ثمارها تنظيم المناهج وبناء آلاف المدارس والجامعات التي تخرج الآلاف من المختصين بتحليل شعر بعر الآرام ووصف المواقد ومرابض الجمال والغزل والتشبيب ، وتاريخ الغزوات القبلية والفتن ، بينما لم يؤسسوا إلا مدرسة زراعية أو صناعية واحدة تقام في زاوية معزولة من زوايا القطر النائية ثم لا يجد خريجوها العمل أو الاحترام ويكونون عينة مرعبة لما سيكون عليه المتخصص في الزراعة أو الصناعة

3- إشتراك الأمة كلها للانتفاع بمصادر الثروة العامة وعدم احتكارها من قبل فئة أو عائلة أو طبقة

علي التربية الاسلامية أن تضع محور القيم الاقتصادية التي تنميها وجوب الاقتداء بأمثال فقه الأشعريين (الذين إذا قل طعام عيالهم في المدينة جمعوا ما عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية ) وفقه علي بن أبي طالب وفقه أبي ذر وسالم بن الجعد من الصحابة بهدف بلورة علم إقتصاد إسلامي ونظم اقتصادية إسلامية قادرة علي إعادة التوازن في حاجات الأمة كلما نزلت بالأمة أزمات إقتصادية أو حدثت في صفوفها فروق طبقية ، وهو الأمر الذي عزم الخليفة عمر بن الخطاب علي فعله حينما قال : عزمت علي أخذ فضول أموال أغنيائهم وردها إلي فقرائهم

4- حسن الانتفاع بالأرض كمصدر للمعرفة الموصلة إلي الله سبحانه وتعالي

" إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين "
"قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق "

0 التعليقات: