مقاصد الشريعة الإسلامية 7
الصفة
الضابطة للمقاصد الشرعية
المقاصد الشرعية نوعان : معان حقيقية ,
ومعان عرفية عامة .
ويشترط فى جميعها أن يكون ثابتا ظاهرا منضبطا
مطردا .
فأما المعانى الحقيقة فهى التى
لها تحقق فى نفسها بحيث تدرك العقول السليمة ملاءمتها للمصلحة أو منافرتها لها ,
أى تكون جالبة نفعا عاما أو ضررا عاما , إدراكا مستقلا عن التوقف على معرفة عادة
أو قانون , كإدراك كون العدل نافعا وكون الاعتداء على النفوس ضارا وكون الأخذ على
يد الظالم نافعا لصلاح المجتمع
أما المعانى العرفية العامة فهى
المجربات التى ألفتها نفوس الجماهير واستحسنتها استحسانا ناشئا عن تجربة .
ملاءمتها لصلاح
الجمهور كإدراك كون الإحسان معنى ينبغى تعامل الأمة به , وكإدراك كون عقوبة الجانى
رادعة إياه عن العود إلى مثل جنايته , ورادعة غيره عن الإجرام وكون ضد ذينك يؤثر
ضد أثريهما , وإدراك كون القذارة تقتضى التطهر .
وقد اشترط لهذين النوعين الثبوت ,
والظهور , والانضباط , والاطراد .
فالمراد بالثبوت
أن تكون تلك المعانى مجزوما بتحققها أو مظنونا ظنا قريبا من الجزم .
المراد بالظهور
الاتضاح بحيث لا يختلف الفقهاء فى تشخيص المعنى ولا يلتبس على معظمهم بمشابهة ,
مثل حفظ النسب الذى هو المقصد من مشروعية النكاح فهو معنى ظاهر , ولا يلتبس بحفظه
الذى يحصل بالمخادنة أو...: إلصاق المرأة البغى الحمل الذى تعلقه برجل معين ممن
ضاجعوها .
المراد بالانضباط
ان يكون للمعنى حد معتبر لا يتجاوزه ولا يقصر عنه بحيث يكون القدر الصالح منه لأن
يعتبر مقصدا شرعيا قدرا غير مشكك , مثل حفظ العقل إلى القدر الذى يخرج به العاقل
عن تصرفات العقلاء الذى هو المقصد من مشروعية التعزير بالضرب عند الإسكار .
المراد بالاطراد
أن لا يكون المعنى مختلفا باختلاف أحوال الأقطار والقبائل و الاعصار , مثل وصف
الإسلام , والقدرة على الإنفاق فى تحقيق مقصد الملاءمة للمعاشرة المسماة بالكفاءة
المشروطة فى النكاح فى قول مالك وجماعة من الفقهاء , بخلاف التماثل فى الإثراء أو
فى القبيلية .
قد تتردد معان بين كونها صلاحا تارة
وفسادا أخرى , أى بأن اختل منها وصف الاطراد . فهذه لا تصلح لاعتبارها مقاصد شرعية
على الإطلاق ولا لعدم اعتبارها كذلك، بل المقصد الشرعى فيها أن توكل إلى نظر علماء
الأمة وولاة أمورها الأمناء على مصالحها من أهل الحل والعقد ليعينوا لها الوصف
الجدير بالاعتبار فى أحد الأحوال دون غيره .
يستخلص من هذا كله أن المقاصد الشرعية معان
حقيقية لها تحقق فى الخارج . وتلحق بها المعانى الاعتبارية القريبة من الحقيقية ,
ومعان عرفية عامة متحققة . وتلحق بها معان عرفية خاصة تقرب من المعانى العرفية
العامة .
ففى الموطأ أن رسول الله (صل الله عليه
وسلم) رأى رجلا يسوق بدنة فقال له : اركبها , فقال : يا رسول الله , إنها بدنة
فقال : اركبها ويلك ! فى الثانية أو فى الثالثة .
وفى الموطأ : أن عبد
الله بن عمر كفن ابنه واقد بن عبد الله حين مات بالجحفة وهو محرم وقال : لولا اننا
حرم لطيبناه (أى ما منعهم من تطييبه إلا أن الجماعة كلهم محرمون لا يجوز لهم مس
الطيب) .
قال مالك : ( وإنما
يعمل الرجل ما دام حيا فإذا مات فقد انقضى العمل ) .
والمقصود من ذلك نسخ الحديث الوارد أن رجلا
وقصته ناقته وهو محرم فمات , فقال رسول الله : لا تخمروا وجهه ولا تمسوه فإنه يبعث
يوم القيامة ملبيا .
الصواب عندى : إن ذلك لئلا يتلطخ
محنطوه , فالنهى لأجل الأحياء لا لأجل الميت , وجعل حرمانه من الحنوط سببا لحشره
ملبيا تنويها بشأن الحج , كما ورد فى الشهيد ,.
وقد أبطل الإسلام أحكام التبنى التى
كانت فى الجاهلية وفى صدر الإسلام ؛ لكونه أمرا وهميا .
0 التعليقات:
إرسال تعليق