مقاصد الشريعة الإسلامية 24
مقاصد التصرفات المالية
ما يظن بشريعة جاءت لحفظ نظام الأمة
وتقوية شوكتها وعزتها إلا أن يكون لثروة الأمة فى نظرها المكان السامى من الاعتبار
والاهتمام .
أدلة كثيرة تفيدنا كثرتها يقينا بأن
للمال فى نظر الشريعة حظا لا يستهان به .
ما عد زكاة الأموال ثالثة لقواعد الإسلام
وجعلها شعار المسلمين وجعل انتفائها شعار المشركين فى نحو قوله تعالى : (الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة) ونحو قوله : (وويل للمشركين ، الذين لا يؤتون
الزكاة) .
إلا تنبيه على ما للمال من القيام بمصالح الأمة
اكتسابا وإنفاقا .
قد أجمع الصحابة فى عهد عثمان بن عفان على
مخالفة أبى ذر فى دعوته الناس إلى الانكفاف عن جمع المال , وإنبائه إياهم بأن ما
جمعوه يكون وبالا عليهم فى الآخرة إذ كان يجهر بذلك فى دمشق , ويقول : بشر الذين
يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم , ويقرأ قوله
تعالى : (والذين يكنزون الذهب والفضة) . فقال له معاوية بن أبى سفيان أمير الشام :
ذلك نازل فى أهل الكتاب لا فينا وما أدى زكاته فليس بكنز , فيأبى أبو ذر أن ينكف
عن مقالته حتى شكاه معاوية إلى عثمان , فكتب إليه عثمان أن يرجع إلى المدينة ثم
تكاثر الناس عليه فاختار العزلة فى الربذة .
هذا وقد تقرر عند علمائنا أن حفظ
الأموال من قواعد كليات الشريعة الراجعة إلى قسم الضرورى .
المال الذى يدال بين الأمة ينظر إليه على
وجه الجملة وعلى وجه التفصيل .
فهو على وجه الجملة حق للأمة عائد عليها بالغنى
عن الغير . فمن شأن الشريعة أن تضبط نظام إدارته بأسلوب يحفظه موزعا بين الأمة
بقدر المستطاع . وتعين على نمائه فى نفسه أو بأعواضه بقطع النظر عن كون المنتفع به
مباشرة أفرادا خاصة أو طوائف أو جماعات صغرى أو كبرى .
لقصد تحصيل الاستبصار فى هذا الغرض
الجليل ولندرة خوض علماء التشريع فيه خوضا يقسمه ويبينه رأيت حقيقا على أن أشبع
القول فيه وفى أساسه .
إن مال الأمة هو ثروتها , والثروة
هى ما ينتفع به الناس آحادا أو جماعات فى جلب نافع أو دفع ضار فى مختلف الأحوال
والأزمان والدواعى انتفاع مباشرة أو بوساطة .
فقولنا : فى مختلف الأحوال والأزمنة والدواعى ,
إشارة إلى أن الكسب لا يعد ثروة إلا إذ صلح للانتفاع مدد طويلة ؛ ليخرج
الانتفاع بالأزهار والفواكه ؛ فإنها لا تعتبر ثروة ولكن التجارة فيها تعد من لواحق
الثروة .
وقولنا : مباشرة أو وساطة ؛ لأن الانتفاع
يكون باستعمال عين المال فى حاجه صاحبه ويكون بمبادلته لأخذ عوضه المحتاج إليه
من يد آخر .
و تتقوم هذه الصفة للمال باجتماع خمسة
أمور :
ـ أن يكون ممكنا ادخاره .
ـ أن يكون مرغوبا فى تحصيله .
ـ أن يكون قابلا للتداول .
ـ أن يكون محدود المقدار .
ـ أن يكون مكتسبا .
0 التعليقات:
إرسال تعليق