08‏/04‏/2015

مقاصد الشريعة الإسلامية 4

مقاصد الشريعة الإسلامية 4




               طرق إثبات المقاصد الشرعية

    الطريق الأول : وهو أعظمها استقراء الشريعة فى تصرفاتها وهو على نوعين : النوع الأول : اعظمهما استقراء الأحكام المعروفة عللها

       مثاله : أننا إذا علمنا علة النهى عن المزابنة بمسلك الإيماء فى قول رسول الله عليه الصلاة والسلام فى الحديث الصحيح لمن سأله عن بيع التمر بالرطب : ( أينقص الرطب إذا جف ؟ ) قال : نعم , قال : ( فلا إذن ) فحصل لنا أن علة تحريم المزابنة هى الجهل بمقدار أحد العوضين وهو الرطب منهما المبيع باليابس .

 وإذا علمنا النهى عن بيع الجزاف بالمكيل وعلمنا أن علته جهل أحد العوضين بطريق استنباط العلة ، وإذا علمنا النهى إباحة القيام بالغبن وعلمنا أن علته نفى الخديعة بين الأمة بنص قول الرسول (صل الله عليه وسلم) للرجل الذى قال له : إنى أخدع فى البيوع (إذا بايعت فقل لا خلابة ) .

 إذا علمنا هذه العلل كلها استخلصنا منها مقصدا واحدا وهو إبطال الغرر فى المعاوضات , فلم يبق خلاف فى أن كل تعاوض اشتمل على خطر أو غرر فى ثمن أو مثمن أو أجمل فهو تعاوض باطل .
       النوع الثانى: استقراء أدلة أحكام اشتركت فى علة بحيث يحصل لنا اليقين بأن تلك العلة مقصد مراد للشارع .

       مثاله : النهى عن بيع الطعام قبل قبضه علته طلب رواج الطعام فى الأسواق . والنهى عن بيع الطعام بالطعام نسيئة إذا حمل على إطلاقه عند الجمهور علته أن لا يبقى الطعام فى الذمة فيفوت رواجه .

 والنهى عن الاحتكار فى الطعام لحديث مسلم عن معمر مرفوعا : (من احتكر طعاما فهو خاطئ) علته إقلال الطعام من الأسواق .

فبهذا الاستقراء يحصل العلم بأن رواج الطعام وتيسير تناوله مقصد من مقاصد الشريعة .

     ومن هذا القبيل كثرة الأمر بعتق الرقاب الذى دلنا على أن من مقاصد الشريعة حصول الحرية .

     الطريق الثانى : أدلة القرآن الواضحة الدلالة التى يضعف احتمال أن يكون المراد منها غير ما هو ظاهرها بحسب الاستعمال العربى بحيث لا يشك فى المراد منها إلا من شاء أن يدخل على نفسه شكا لا يعتد به .

  ( والله لا يحب الفساد ) البقرة 205
  ( يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) النساء : 29
  ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) الانعام : 164
  ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ) المائدة : 91
  ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) البقرة : 185
  ( وما جعل عليكم فى الدين من حرج ) الحج
 ففى كل أية من هذه الآيات الصريحة بمقصد شرعى أو تنبيه على مقصد .

       الطريق الثالث : السنة المتواترة وهذا الطريق لا يوجد له مثال إلا فى حالين :

 الحال الأول: المتواتر المعنوى الحاصل من مشاهدة عموم الصحابة عملا من النبى (صل الله عليه وسلم) فيحصل لهم علم بتشريع فى ذلك يستوى فيه جميع المشاهدين , والى هذا الحال يرجع قسم المعلوم من الدين بالضرورة .


        الحال الثانى : تواتر عملى يحصل لاحاد الصحابة من تكرر مشاهدة أعمال رسول الله (صل الله عليه وسلم) بحيث يستخلص من مجموعها مقصدا شرعيا , ففى صحيح البخارى عن الازرق بن قيس قال : كنا على شاطئ نهر بالأهواز قد نضب عنه الماء فجاء أبو برزة الأسلمى على فرس فقام يصلى وخلى فرسه فانطلقت الفرس فترك صلاته وتبعها حتى أدركها فأخذها ثم جاء فقضى صلاته , وفينا رجل له رأى فأقبل , يقول : انظروا الى هذا الشيخ ترك صلاته من أجل فرس فأقبل فقال : ما عنفنى أحد منذ فارقت رسول الله (صل الله عليه وسلم) وقال : إن منزلى متراخ فلو صليت وتركت الفرس لم آت أهلى الى الليل , وذكر أنه صحب رسول الله (صل الله عليه وسلم) فرأى من تيسيره , فمشاهدته أفعال رسول الله (صل الله عليه وسلم) المتعددة استخلص منها : أن من مقاصد الشريعة التيسير فرأى أن قطع الصلاة من أجل إدراك فرسه ثم العودة الى استئناف صلاته أولى من استمراره على صلاته مع تجشم مشقة الرجوع الى أهله راجلا .

0 التعليقات: