08‏/04‏/2015

مقاصد الشريعة الإسلامية 16

مقاصد الشريعة الإسلامية 16



ليست الشريعة بنكاية

      لم يجز أن تكون الزواجر والعقوبات والحدود إلا إصلاحا لحال الناس بما هو اللازم فى نفعهم دون ما دونه ودون ما فوقه ؛ لأنه لو أصلحهم ما دونه لما تجاوزته الشريعة إلى ما فوقه .

       كان معظم العقوبات أذى فى الأبدان ؛ لأنه الأذى الذى لا يختلف إحساس البشر فى التألم منه ، بخلاف العقوبة بالمال فإنها لم تجئ فى الشريعة , وإنما جاء غرم الضرر , فلو نزلت الجنايات التى لم يثبت لها عقاب فى الشريعة ، وكان الباعث عليهم حب الاستكثار من المال لم يكن بعيدا فى نظر المجتهد أن يعاقب عليها بمصادرة مالية .


مقاصد الشريعة من التشريع تغيير وتقرير

       التحقيق أن للتشريع مقامين :

       المقام الأول : تغيير الاحوال الفاسدة و إعلان فسادها .

   والتغيير قد يكون إلى شدة على الناس رعيا لصلاحهم ، وقد يكون إلى تخفيف إبطالا لغلوهم .
       ومن حكمة التغيير الحرص على المحافظة عليه ؛ لأنه يتطرقه التساهل من طرفيه فإن كان تغييرا إلى أشد تطرقه طلب التفصى منه ، وإن كان إلى أخف تطرقه توهم أن تخفيفه عذر للأمة فى نقصه .
       المقام الثانى : تقرير أحوال صالحة قد اتبعها الناس وهى الأحوال المعبر عنها بالمعروف (يأمرهم بالمعروف) .

       إلا أن هذه الفضائل والصالحات ليست متساوية الفشو فى الأمم والقبائل فلذلك لم يكن للشريعة العامة غنية عن تطرق هذه الأمور ببيان أحكامها من وجوب أو ندب أو إباحة ، وبتحديد حدودها التى تناط أحكامها عندها .

فالنظر إلى اختلاف الأمم والقبائل فى الأحوال من أهم ما تقصده شريعة عامة كما أنبأ عن ذلك حديث الموطأ والصحيحين أن رسول الله (صل الله عليه وسلم) قال : لقد هممت أن أحرم الغيلة فى الرضاع لولا أن قوما من فارس يفعلونها ولا تضر أطفالهم
       يحتاج أيضا فيه إلى دفع ما يعلق بالأوهام من العوارض يخيل إليهم أن الصالحات مفاسد لصدورها من المتلبس بالفساد .

       التقرير لا يحتاج الى القول

       يعتبر سكوت الشارع تقريرا لما عليه الناس فلذلك كانت الإباحة أكثر أحكام الشريعة ؛ لأن أنواع متعلقاتها لا تنحصر .

       ليس مرادنا بالتغيير تغيير أحوال العرب خاصة ولا بالتقرير تقرير أحوالهم كذلك بل مرادنا تغيير أحوال البشر وتقرير أحوالهم سواء كانوا العرب أم غيرهم .

       من رحمة الشريعة أنها أبقت الأمم معتادها وأحوالها الخاصة إذا لم يكن فيها استرسال على فساد . ففى الموطأ أن رسول الهه (صل الله عليه وسلم) قال : أيما دار أو أرض قسمت فى الجاهلية فهى على قسم الجاهلية ، و أيما دار أو أرض أدركها الإسلام ولم تقسم فهى على قسم الإسلام .

     نوط الأحكام الشرعية بمعان و أوصاف لا بأسماء و أشكال

         مالكا سأل أيحل خنزير الماء ؟ فقال : أنتم تقولون خنزير ، وإنه إنما كره إطلاق هذا الاسم على ما يحل أكله .

       إن الأسماء الشرعية إنما تعتبر باعتبار مطابقتها للمعانى الملحوظة شرعا فى مسمياتها عند وضع المصطلحات الشرعية .

فإذا تغير المسمى لم يكن لوجود الاسم اعتبار .


       بعبارة أشمل لا تكون التسمية مناط الأحكام ، ولكنها تدل على مسمى ذى أوصاف تلك الأوصاف هى مناط الأحكام فالمنظور إليه هو الأوصاف خاصة .

0 التعليقات: