08‏/04‏/2015

مقاصد الشريعة الإسلامية 20

مقاصد الشريعة الإسلامية 20


مدى حرية التصرف عند الشريعة

     جاء لفظ الحرية فى كلام العرب مطلقا على معنيين أحدهما ناشئ عن الأخر .

     المعنى الأول : ضد العبودية

( هى أن يكون المتصرف غير قادر على التصرف أصالة إلا بإذن سيده )

      المعنى الثانى : ناشئ عن الأول بطريقة المجاز فى الاستعمال ،

 وهو تمكن الشخص من التصرف فى نفسه وشؤونه كما يشاء دون معارض .

 ويقابل هذا المعنى الضرب على اليد أو اعتقال التصرف ، وهو أن يجعل الشخص الذى يسوء تصرفه فى المال لعجز أو الحاجة بمنزلة العبد فى وضعه تحت نير إرادة غيره فى تصرفه بحيث يسلب منه وصف إباء الضيم ويصير راضيا بالهون .

       كان الرقيق من أكبر الجماعات التى أقيم عليها النظام العائلى و الاقتصادى لدى الأمم حين طرقتهم دعوة الإسلام .

فلو جاء الإسلام بقلب ذلك النظام رأسا على عقب لانفرط عقد نظام المدنية انفراطا تعسر معه عودة انتظامه .

 فهذا موجب إحجام الشريعة عن إبطال الرق الموجود .

       أما إحجامها عن إبطال تجدد سبب الاسترقاق الذى هو الأسر فى الحروب .

فلأن الأمم التى سبقت ظهور الاسلام قد تمتعت باسترقاق من وقع فى أسرها وخضع إلى قوتها ، وكان من أكبر مقاصد سياسة الإسلام إيقاف غلواء تلك الأمم و الانتصاف للضعفاء من الأقوياء ، وذلك ببسط جناح سلطة الإسلام على العالم وبانتشار أتباعه فى الأقطار .

فلو أن الأمم التى استقرت لها سيادة العالم من قبل أمنت عواقب الحروب الإسلامية وأخطر تلك العواقب فى نفوس الأمم السائدة هو الأسر والاستعباد والسبى لما ترددت الأمم من العرب وغيرهم فى التصميم على رفض إجابة الدعوة الإسلامية اتكالا على الكثرة والقوة وأمنا من وصمة الأسر والاستعباد .

     نظر الإسلام إلى طريق الجمع بين مقصديه : نشر الحرية وحفظ نظام العالم بأن سلط عوامل الحرية على عوامل العبودية مقاومة لها بتقليلها وعلاجا للباقى منها .

وذلك بإبطال أسباب كثيرة من أسباب الاسترقاق وقصره على سبب الأسر خاصة . فأبطل الاسترقاق الاختيارى ، وهو بيع المرء نفسه أو بيع كبير العائلة بعض أبنائها .

وقد كان ذلك شائعا فى الشرائع .

وأبطل الاسترقاق لأجل الجناية بأن يحكم على الجانى ببقائه عبدا للمجنى عليه .

وقد حكى القرآن عن حالة مصر : ( قالوا جزاؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه ) يوسف : 75 ، ثم قال : ( كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك ) يوسف :76 .
     وأبطل الاسترقاق فى الدين الذى كان شرعا للرومان ، وكان أيضا من شريعة سولون فى اليونان من قبل .
 وأبطل الاسترقاق فى الفتن والحروب الداخلية الواقعة بين المسلمين .
 وأبطل استرقاق السائبة كما استرقت السيارة يوسف إذ وجدوه .
      ثم إن الاسلام التفت الى علاج الرق الموجود والذى يوجد بروافع ترفع ضرر الرق ، وذلك بتقليلة بتكثير أسباب رفعه . وبتخفيف آثار حالته ، وذلك بتعديل تصرف المالكين فى عبيدهم الذى كان غالبه معنتا .

      فمن الأول : وهو تكثير أسباب رفعه جعل بعض مصارف الزكاة فى شراء العبيد وعتقهم بنص قوله تعالى : ( وفى الرقاب ) .

      والترغيب فى عتق العبيد .

      ومن الثانى : النهى عن التشديد على العبيد فى الخدمة ،

 ففى الحديث : ( لا يكلفه من العمل ما يغلبه فإن كلفه فليعنه ) .

ونهى عن ضربهم الضرب الخارج عن الحد اللازم فإذا مثل الرجل بعبده عتق عليه
 وفى الحديث النهى عن : ( أن يقول الرجل : عبدى وأمتى ، وليقل : فتاى وفتاتى ) .
 والنهى عن أن يقول العبد لمالكه : (سيدى وربى , وليقل :  مولاى ) .

     فمن استقراء هذه التصرفات ونحوها حصل لنا العلم بأن الشريعة قاصدة بث الحرية بالمعنى الاول .

       حرية الاعتقادات أسسها الإسلام بإبطال المعتقدات الضالة التى أكره دعاة الضلالة أتباعهم ومريديهم على اعتقادها بدون فهم ولا هدى ولا كتاب منير ،

 وبالدعاء إلى إقامة البراهين على العقيدة الحق ، ثم بالأمر بحسن مجادلة المخالفين وردهم إلى الحق بالحكمة والموعظة وأحسن الجدل ، ثم بنفى الإكراه فى الدين .

 وقد بسطت القول فى ذلك فى كتاب أصول نظام الاجتماع الإسلامى .

 ولولا أن من أصول الشريعة حرية الاعتقاد ما كان عقاب الزنديق الذى يسر الكفر ويظهر الإيمان غير مقبولة فيه التوبة إذ لا عذر له فيه .

      أما حرية الأقوال فهى التصريح بالرأى والاعتقاد فى منطقة الإذن الشرعى ، وقد أمر الله ببعضها فى قوله تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) .


      

0 التعليقات: